الأسد ونظام الميليشيات

اتهم المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إنشاء “جيش سوريا الحرة” في محافظة الرقة بمشاركة عناصر من تنظيم الدولة “داعش” لاستخدامهم ضد النظام السوري.

وقال خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي: “نود الإشارة من جديد إلى النهج الهدام للولايات المتحدة، التي لم يعد كافيا بالنسبة لها، على ما يبدو، توريد الأسلحة للتشكيلات المسلحة غير الشرعية التي أنشأتها في منطقة شرقي الفرات والتنف” وتابع: “حسب معطياتنا، بدأت الولايات المتحدة بإنشاء “جيش سوريا الحرة” بالقرب من الرقة السورية بمشاركة عناصر القبائل العربية المحلية ومسلحي “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية.

اتهامات السفير الروسي

وأشار المندوب الروسي إلى أن هدف ذلك استخدام المسلحين ضد النظام السوري لزعزعة الاستقرار في البلاد”. إلى الآن لا توجد أدلة دامغة لاتهامات السفير الروسي نيبينزيا. لكن هل يقذف الناس بالحجارة من كان بيته من زجاج؟

لقد تناسى سعادة السفير أن روسيا استعانت بطباخ الرئيس فلاديمير بوتين زعيم ميليشيا “فاغنر” سيئة السمعة لتقوم هذه الميليشيا بالأعمال “القذرة” في سوريا، وقد قامت بارتكاب العديد من المجازر البشعة بالسوريين على أرضهم.

ونسي أن روسيا قامت أيضا بتشكيل ميليشيا الفيلق الخامس لمواجهة المعارضة السورية. وتغاضى عن كل الميليشيات التي استقدمتها حليفة روسيا إيران من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق ولبنان لقتال السوريين، وأن نظام الأسد نفسه ومنذ بداياته كان نظاما “ميليشياويا”.

ميليشيات الأب

منذ بداية انقلاب حافظ الأسد تم تشكيل سرايا الدفاع بقيادة شقيقه رفعت، ثم سرايا الصراع بقيادة عدنان الأسد، وجميع عناصرهما من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وهذه السرايا هي في واقع الأمر ميليشيات مسلحة تم اختيار عناصرهما بإغراءات مالية للقيام بالمهمات القذرة.

وقد أثبتت الميليشيات المسلحة جدارتها في ارتكاب المجازر الرهيبة في سجن تدمر في العام 1980، ومجزرة حماة الكبرى في العام 1982 التي راح ضحيتهما أكثر من 40 ألف شخص، في 1984 وبعد أن كاد الأخ رفعت أن يغدر بأخيه حافظ ليستولي على الحكم خلال مرض هذا الأخير تم حلهما ودمجهما في الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة التي يترأسها اليوم ماهر الأسد شقيق بشار، والتي تسيطر على تصنيع وتصدير مخدرات حبوب الكبتاغون.

وطرد رفعت الأسد إلى خارج سوريا. وعاد إليها مؤخرا بعد ثلاثة عقود ونيف بعد صدور حكم بحقه في فرنسا بالسجن أربع سنوات بتهم تبييض أموال، وحيازة ممتلكات بأموال مهربة من سوريا. ودعم حافظ الأسد إبان الحرب الأهلية اللبنانية ميليشيا أمل التي يتزعمها نبيه بري، وحزب الله الذي يتزعمه حسن نصرالله باتفاق ضمني مع دولة ولاية الفقيه إيران.

ميليشيات الابن

لم يختلف بشار الأسد عن أبيه حافظ في الاعتماد على ميليشيات إلى جانب الجيش وأجهزة المخابرات لترويع الشعب السوري، فقد ورث النظام بكل نواقصه ومثالبه بجيشه ومخابراته وميليشيا الشبيحة التي تم تأسيسها في ثمانينيات القرن الماضي بعد حل سرايا الصراع، وسرايا الدفاع وطرد رفعت الأسد من سوريا من قبل نمير الأسد (ابن عم حافظ الأسد)الذي كان يستخدمها في عمليات التهريب عبر الموانئ السورية للسلع والسجائر والمخدرات، وشكل كل فرد قريب لعائلة الأسد ميليشيا ـ عصابة لترويع الناس وابتزازهم وخاصة (هلال الأسد، محمد توفيق الأسد، فواز الأسد، هارون الأسد..)، وتضخمت ميليشيات “الشبيحة” وصارت تجوب كل المدن السورية وخصص لها رواتب ومناطق سكنية خاصة، وتقوم بالمهام التي يطلب منها.

ومع انطلاقة الثورة السورية انتشر عناصرها في الشوارع لاعتقال الشباب بطريقة عشوائية إلى جانب عناصر المخابرات، لكن جيش النظام ومخابراته وشبيحته لم يتمكنوا من الوقوف في وجه المعارضة التي سيطرت على مناطق واسعة من الأراضي السورية، فاستنجد النظام بداية بإيران (وكانت تنتظر مثل هذه الفرصة لتهيمن على سوريا)، فأوعز ولاية الفقيه علي خامنئي بداية لحزب الله اللبناني بالتدخل (نفى حسن نصر الله بداية بالتدخل وادعى أنه تدخل لحماية القرى اللبنانية المتنازع عليها)، ثم بدأت جحافل الميليشيات الطائفية تغزو سوريا لوأد الثورة (تحت مزاعم أنها جاءت لحماية الأماكن المقدسة كضريح السيدة زينت الذي لم يتعرض له أحد منذ 1400 سنة وزواره السنة في سوريا أكثر من الشيعة)، وكان هدف إيران الأول هو السيطرة على محافظة دير الزور لأنها صلة الوصل بين العراق وسوريا، وعلى بعض المناطق في محيط دمشق، ومناطق القلمون والقصير والزبداني بوابات الوصول إلى لبنان، ولتحقيق ذلك أرسلت مجموعة كبيرة من فيلق القدس برئاسة قاسم سليماني (الذي قتل بأمر من الرئيس دونالد ترامب في العراق)، وجندت ميليشيات من مناطق مختلفة وصل عددها إلى أكثر من مئة ميليشيا أهمها: (لواء الباقر، لواء الإمام الحسين، لواء ذو الفقار، فاطميون ـ ميليشيا أفغانيةـ زينبيون ـ ميليشيا باكستانية، حزب الله العراقي، حركة نجباء العراق، ميليشيات الإمام الحسين، كتائب الإمام علي، اتحاد أصحاب الحق، عصائب أهل الحق، كتائب أبو فضل العباس، قوات فيلق بدر، لواء صعدة من اليمن)، كل هذه الميليشيات ارتكبت مجازر مروعة بالسوريين، واحتلت بيوتهم. وإضافة إلى هذه الميليشيات، هناك ميليشيات الأحزاب المعتمدة على الحشد “الأيديولوجي”، الوطني أو القومي، والذي تشاركه به كل من مليشيات “كتائب البعث”، المشكلة من المنتسبين لحزب البعث، و”الحرس القومي العربي”، ذات الفكر الناصري القومي، و”المقاومة السورية– كتائب تحرير إسكندرون”، التي قادها التركي معراج أورال، وميليشيا الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعشر ميليشيات من فلسطينيي سوريا: أهمها “لواء القدس” و”حركة فلسطين حرة”، “فتح الانتفاضة”– القيادة العامة”. يضاف إلى كل هذه الميليشيات، تشكيلات أخرى مولها رجال أعمال موالون للنظام، أو تشكيلات دينية من طوائف مختلفة متحالفة مع النظام. كل هذه الميليشيات ارتكبت جرائم ومجازر لا تعد في مناطق مختلفة من سوريا بحق المدنيين.

وهكذا حول نظام الأسد سوريا إلى دولة ميليشيات وشبيحة، وإذا قامت أمريكا بزيادة هذه الميليشيات بميليشيا أخرى فلن يتغير بالأمر شيء فالغربال لا يعيقه ثقب إضافي.

وسوم: العدد 1035