بين نبيين .. وعلى كل أنبياء الله السلام
وكثيرا ما أتأمل حديث سيدنا ابي هريرة في صحيح البخاري وغيره، في استدراكات سيدنا رسول الله على بعض إخوانه من الأنبياء..
ولعلي حين أستعمل لفظ الاستدراكات أسيء الادب بالتعبير، وأخطئ الهدف من المراد..
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعليقا على قول سيدنا لوط، وقد جاءه قومه يُهرعون إليه، لما سمعوا بمن نزل به من ضيوف، بجمال ملائكي، (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ) يعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول سيدنا لوط هذا، بقوله "يرحم اللهُ أخي لوطا فقد كان يأوي إلى ركن شديد"!!
وإلينا سياق القولين…
سيدنا لوط في بيته، يطرقه ضيفان غرباء، لا يعلم من أمرهم شيئا، وأول ما يراهم ، ويرى ما هم عليه من بهاء وجمال، وهو الذي يعيش في المجتمع الموبوء، يشعر بالأزمة التي تترصده، فيضيق بهم، ويتخوف عليهم من قومه، ويرى نفسه في موقف صعب، وهو الذي يعلم من أمر قومه ما يعلم، فيضيق بهم، ويقول (هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) !!
ثم لا يلبث أن يواجه ما تخوف منه، فقومه بكل وقاحتهم وبجاحتهم وفحشهم وعنجهيتهم وقوتهم ، جاؤوه يريدون أن يخزوه في ضيوفه، ويحاول أن يفتدي ضيوفه ببناته، وهو أقصى حالات الشعور بالضعف والعجز ، ولكنهم يأبون.. (مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ)!! هكذا يتبجح المتبجحون بالحديث عن "الحقوق" لعلهم يذكروننا بشيء من ثقافة هذا الزمان!!
سيدنا لوط عليه السلام الذي لم يؤمن معه من قومه غير بيت (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) والذي كان مخترقا حتى في بيته، حيث ضربت زوجه مثلا، للذين كفروا في عتوها وعنادها وإصرارها على الكفر، ولعلها هي التي دست للقوم خبر الضيفان الذين نزلوا على غفلة بزوجها..
سيدنا لوط عليه السلام في حاله تلك يستشعر ضعفه وقلته وانقطاع حيلته، فيتمنى وهو في موقفه ذاك، غير متناس ركن الله ومعيته، أن يكون له أهل وعزوة وعشيرة وركن يأوي إليه، فيمنعه ويحميه!!
ولو قارنا حاله في لحظته تلك بحال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا فروقا واقعية ربما جديرة ان تذكر..
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أول يوم كان في بيته مثل خديجة رضي الله عنها تقول له "لا يخزيك الله أبدا" تؤمن به وتصدقه وتثبته!!
ومنذ الأيام الأولى للدعوة أحاطت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كوكبةٌ من المستجبين من رجالات قريش، على رأسهم ابو بكر، ثم ما لبثت ان بلغت هذه الكوكبة من رجالات قريش الأربعين..وفيهم مثل عمر وحمزة.. وما أدرانا ما عمر وحمزة!!
ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه في كنف ركن بشري شديد، من بني هاشم، الذين وقفوا معه، وحدبوا عليه، ولم يتخلوا عنه..
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعد وفاة خديجة، وابي طالب، وجد في مثل ابن عمه الأعلى المطعم بن عدي من بني عبد مناف، ركنا شديدا أجاره يوم أراد دخول مكة بعد عودته من الطائف..وظل يحفظها للمطعم يدا بيضاء..
ثم كان أخيرا ما أيده الله به من الأنصار..
كل أولئك افتقده سيدنا لوط، عليه السلام، وهو يخرج من مدينته بحماية الملائكة، ببيت واحد من المسلمين، مخلفا وراءه زوجه التي كانت في الغابرين الهالكين
(فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ)
افتقد كلَّ ذلك سيدنا لوط، في يومه العصيب، في موقفه الضيق وهو يقول لقومه (هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) فقال ما قال!! قال: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً)..
ولا أظن أنني استوفيت مفردات المقارنة..بين حال نبيين كريمين كان في سيرة كل واحد منهما عبر ودروس!!
وأعود لأسأل ما مغزى التنبيه الذي أراد أن يعلمنا إياه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يرحم الله أخي لوطا فقد كان يأوي إلى ركن شديد؟؟ أراد بأبي هو وأمي أن يعلمنا أننا مهما انقطعت حيلنا، وسدت سبلنا، وقلً ناصرنا، وكثر خادلنا.. أن نثق بأننا نأوي إلى ركن شديد!!
والسوريون اليوم والخدلان يكتنفهم من بين أيديهم، ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم…؟؟ أن يثقوا بالركن الشديد، وأن يتوقفوا فقط عن خداع أنفسهم، أو الكذب عليها!!
ولا أجد غير أن أقول وإن كنا في مثل قلة وذلة وانقطاع أسباب سيدنا لوط عليه السلام، علينا أن لا ننسى أننا نأوي من ربنا إلى ركن شديد!!
ركن شديد فقط لو أحسنّا الركون..
ظهر اللاجين انت يا رب..
وسوم: العدد 1036