الأعور الدجال (المسيح المزيف ٦٦٦) بين الحقيقة والخرافات
خواطر من الكون المجاور
الخاطرة ٣٢٧ : الأعور الدجال (المسيح المزيف ٦٦٦) بين الحقيقة والخرافات.
الجزء ( ١ )
في البداية أود أن أشير إلى أن جميع المعلومات التي نعتمد عليها في شرح موضوع مقالة اليوم قد تم شرحها بشكل مفصل في مقالات ماضية وهنا نذكرها بشكل مختصر جدا لكي لا يتحول حجم المقالة من (١٠) صفحات إلى (٥٠٠) صفحة . لهذا من الطبيعي أن يشعر معظم القراء الجدد أن المعلومات المذكورة في المقالة غريبة وغير مألوفة أو أنها تتعارض مع النصوص الدينية ، ولكن الحقيقة ليست كذلك (والله أعلم) . لهذا وقبل أن يقوم القارئ بكتابة تعليقات تهاجم المقالة بحجة دفاعه عن الإسلام ، أن يتذكر بأن الإسلام هو أولا أخلاق وأن تعاليم الله عز وجل في المجادلة ذكرها في القرآن الكريم {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ .......يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ.....وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ......اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.....} . فبدون أن يعود القارئ إلى المقالات الماضية ليقرأ الأدلة التي قدمتها ويتأكد من صحة أو خطأ هذه المعلومات التي أعتمد عليها سيكون حكمه سببه التعصب الأعمى الذي هدفه الرئيسي هو منع الحقيقة من الظهور ، فالحقيقة تظهر بتعدد الآراء (خير المجالس أوسعها .. حديث شريف) . فما أنشره في صفحتي (عين الروح) يتبع مبادئ تعاليم القرآن الكريم { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ(١٥٩) البقرة}، وما أعرضه في صفحتي هو ما تراه عيني بعد أبحاث طويلة شاملة تستخدم زوايا رؤية مختلف أنواع العلوم ومختلف النصوص الدينية للديانات العالمي بهدف المساهمة في حل بعض المشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية والعالمية والتي وصلت اليوم إلى أسفل سافلين . فالنتيحة هي أقوى إثبات علمي ، والنتيجة اليوم تقول بأن الديانات العالمية ومعها أيضا الدين الإسلامي بشكلها الحالي الذي وصلت إليه اليوم وكما يتم تعليمها للمسلمين وغير المسلمين في عصرنا الحالي حصلت فيها تشويهات عديدة جعلت من جميعها ديانات فاشلة عاجزة عن حل أي مشكلة إنسانية ، وسبب فشلها ليس القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة أو الكتب المقدسة الأخرى ولكن سببها جهل علماء العصر الحديث بعمق معاني هذه النصوص الدينية . وما أنشره من معلومات ليس هدفه إقناع أحد ، إنما هو محاولة لتصحيح التشويهات التي حصل في هذه الديانات . هي مجرد محاولة وأترك أمرها لله عز وجل فهو أعلم العالمين . فنحن نعيش اليوم في حالة حرجة جدا مليئة بالفتن بجميع أنواعها وبسبب عجز الدين في المساهمة في حل المشاكل دفعت كل مفكر أن يعطي رأيه عن تفسير النصوص الدينية ، والمؤمن اليوم الذي يتبع تعاليم القرآن الكريم هو الذي يبحث ويقرأ كثيرا في مختلف آراء العلماء بنية سليمة دون تعصب فلا يصدق ولا يكذب أحد منهم ، ولكن يطلب من الله عز وجل أن يكون هو فقط من يرشده نحو الحقيقة والصواب .
في المقالة الماضية تكلمنا عن شخصية المنقذ العالمي الذي سيرسله الله في آخر الزمان ليقضي على الأعور الدجال (المسيح المزيف ٦٦٦) . وفي مقالة اليوم نعرض رؤية شاملة عن حقيقة شخصية هذا الدجال إعتمادا على الرموز الموجودة عنه في نصوص الدين الإسلامي وكذلك في نصوص الديانات العالمية .
إذا تمعنا جيدا في قصة الأعور الدجال كرواية عالمية كما يذكرها التراث الإسلامي وتراث الأمم الأخرى والذي اعتمد المعنى الحرفي للمعلومات الموجودة في النصوص الدينية ، وبحثنا فيها بعلوم شخص متخصص بفن الرواية سيجد أنها رواية ركيكة لا تحقق شروط الرواية المتكاملة ، فشخصية الأعور الدجال في هذه الرواية هي شخصية غامضة شبه خرافية وأحداث الرواية كذلك هي أحداث شبه عشوائية غير مترابطة . فصياغة هذه الرواية لا تخلق أي نوع من الإنسجام المنطقي في علاقة السبب مع النتيجة وفي علاقة الأحداث في تطورها الدرامي لتسمح للقارئ أن يستوعب رسالتها بشكل عقلاني يسمح له تجنب مخطط الأعور الدجال التدميري ، فصفته الرئيسية هي خداع الناس ولكن أوصافه الجسدية المذكورة في النصوص الدينية تجعل حتى الإنسان البسيط يعلم أنه هو الأعور الدجال وأن هدفه تدمير البشرية ، لهذا فهو بشكل منطقي سيرفض مباشرة الإيمان به حتى ولو هدده الأعور الدجال بقتله لأنه يعلم تماما أنه سيكون شهيدا وأن جزائه سيكون دخول الجنة فأين مسألة الخداع في هذه القصة .
قصة الأعور الدجال كما يعرفها اليوم المسلمون -مثلا- بشكل مختصر جدا هي كالآتي : "الأعور الدجال هو رجل من بني آدم ولد في قديم الزمان ، يتمتع بقدرات خارقة كونه كان نتيجة زواج رجل مع أمرأة من الجن ، حاربه النبي سليمان ونفاه إلى جزيرة منعزلة في البحر وقيده بالسلاسل هناك ليمنعه من تضليل الناس . وأنه سيتحرر في نهاية الزمان على شكل رجل أعور العين اليمنى أما العين اليسرى فرغم أنها سليمة ولكن ومع ذلك فهي تعاني أيضا من عيوب في الرؤية ، ورغم أنه قصير القامة ولكنه ذو جسم ضخم جدا ليس له مثيل . وأنه سيتم له تسخير الشياطين والجن ومعظم عناصر الطبيعة ليسيطر على معظم سكان الأرض -ما عدا المؤمنين- وسيجعلهم يؤمنون بأنه هو ربهم الأعلى ، وسيرى الناس أنه لديه الجنة والنار ، ولكن في الحقيقة فإن جنة هذا الدجال هي النار ، وناره هي جنة . وأنه رغم هذه القدرات الخارقة التي يمتلكها ، عندما يظهر المسيح عليه السلام أمامه سيذوب جسده كما يذوب الملح في الماء وعندما يحاول الهروب سيلحق به عيسى المسيح ويرميه برمح ويقتله وعندها يرى الناس دماء الأعور الدجال على الرمح كعلامة على موته بشكل نهائي " . قصة الأعور الدجال في بقية الديانات العالمية رغم إختلافها عن هذه القصة ولكن فيها بعض الأشياء المشابهة لها .
إن مثل هكذا رواية في عصرنا الحالي قد تكون شيقة ومقنعة للأطفال وبسطاء العقول ، وهذا أمر طبيعي فالنصوص الدينية عن الأعور الدجال ظهرت منذ حوالي /١٤٠٠/ عام ، حيث الإنسانية حتى تلك الفترة الزمنية كان مستوى العلوم فيها بمستوى المرحلة الإبتدائية لهذا تقبلها الناس في ذلك الوقت بشكل عفوي وبدون أي إعتراض ، ولكن اليوم الأمور تغيرت ، فالمعارف الإنسانية قد تطورت حيث وصلت المعارف والعلوم إلى مستوى المرحلة الجامعية جعلت تفكيره يؤمن بمبدأ " لكل فعل ردة فعل ولكل نتيجة سبب والأن الأمور لا تحدث بشكل عشوائي" ، فمن الطبيعي أن لا يقبل عقل طالب جامعي بمثل هكذا قصة . فهو يرى أن احداث هذه الرواية بشكل عام لا علاقة لها نهائيا مع الواقع المادي المحسوس والذي هو أيضا من خلق الله وليس من خلق عقل يؤمن بالخرافات . الذي سيؤمن بصحة هذه الرواية اليوم هو فقط الطالب الجامعي الذي لا يستخدم عقله في البحث عن الحقيقة ولكن بسبب فقط كون هذه الرواية موجودة في نصوص دينية لذلك عليه أن يؤمن بها كما هي لكي لا يعارض دينه فيكون من الضالين ، ورغم أن مثل هكذا سلوك هو أضعف الإيمان ولكنه يبقى أفضل بكثير من الإلحاد ومن إتهام النصوص الدينية بالكذب والخرافات ، لأن هذه النصوص الدينية رغم بساطتها فهي الحقيقة تحوي على رموز تقوم بتجديد معاني عناصر الرواية لتجعلها رواية واقعية راقية جدا تحقق جميع شروط الرواية المتكاملة لتكون صالحة لجميع الشعوب ولجميع العصور ومقنعة لمختلف الإختصاصات العلمية المادية والإنسانية.
قبل أن نقوم بتحليل رموز رواية الأعور الدجال ، هناك معلومات لا بد من شرحها لتساعدنا في توضيح الموضوع بشكل أفضل . النصوص الدينية الإسلامية تذكر أن قيام الساعة مرتبط بظهور خمسة رجال ، وهم : ١- المهدي ، ٢- القحطاني، ٣- الجهجاه، ٤- الأعور الدجال، ٥- عيسى المسيح . إن رقم عدد هؤلاء الرجال /٥/ ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فهو رقم رمزي يشير إلى عدد الشخصيات التي عاشها عيسى المسيح عليه السلام منذ ولادته أول مرة وحتى ظهوره الأخير في نهاية الزمان ، والتي ذكرناه في المقالة الماضية وهي بالتسلسل (هابيل ، إدريس، يوسف ، عيسى ابن مريم ، المسيح الذي سيقتل الأعور الدجال) . فهؤلاء الرجال الخمسة المرتبط خروجهم قبل قيام الساعة هم في الحقيقة عبارة عن رموز توضح لنا عدد الشخصيات التي ظهر عليها هابيل على سطح الأرض ودوره في كل مرحلة ولد فيها . وسنحاول توضيح علاقتهم مع هؤلاء الخمسة رجال :
١- المهدي : هو هابيل الذي ولد في الجنة والذي تقبل الله قربانه ، و تقبل الله قربان هابيل هنا هو رمز خضوع هابيل للأوامر الإلهية ولهذا كان سلوكه يحقق جميع التعاليم الإلهية التي فرضها الله على الإنسان والتي أهمها عقيدة السلام {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) المائدة} . وسمي بالمهدي لأنه سيهدي الناس إلى هذه التعاليم التي تحقق شروط العودة إلى الجنة. ولهذا نجد أن طائفة الشيعة الإمامية تؤمن بأن المهدي قد دخل السرداب وهو الآن ينتظر موعد خروجه ، فمبدأ هذه الفكرة ليس من عقل بشري ولكن من وحي إلهي لها معنى رمزي . فهي توضح ما حصل في الحقيقة ، فهابيل بعد مقتله في الجنة أرسله الله إلى الكون ليساعد أبويه آدم وحواء وأبنائهم في تنقية تكوينهم من الشوائب الشيطانية ليستطيعوا العودةإلى الجنة الوطن الأم. فالكون هو مكان منفى روح آدم وحواء والشيطان وقابيل ، وهذا الكون في البداية كان عبارة عن ثقب أسود صغير مثل ثقب السرداب في السامراء العراقية ، ولكن مع دخول روح هابيل في هذا الثقب حدثت ظاهرة الإنفجار العظيم فبدأ الكون يتضخم بشكل تدريجي مع ظهور المادة ثم النجوم والمجرات ليصل اليوم إلى شكله الحالي . ولكن الشيعة قاموا بتشويه قصة المهدي فأصبحت قصة خرافية كما هي معروفة اليوم .
٢- القحطاني : هو رمز النبي إدريس الذي ولِد في زمن كان المجتمع الإنساني يعيش فيه كمجتمع حيواني (قحط أخلاقي ومعرفي) ، فقام بتعليمهم المبادئ الأولية في القيم والأخلاق والتعامل الطيب بين بعضهم البعض . فالنبي إدريس هو في الحقيقة رمز لجميع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله للبشرية . فالقحطاني كما هو مذكور في الحديث الشريف (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) فهو رجل صالح يحكم بالعدل ،ومعنى سوقه للناس كناية عن طاعة الناس له ورضوخهم لأمره .حيث شبه النبي عليه الصلاة والسلام القحطاني بالراعي وشبهَ رعيتهُ بالغنم ، وأنه لا يخاف إلا من الله ، يعطف على الفقراء والمساكين ، يحكم بالعدل . كلمة قحطاني من كلمة قحط ، بلاد قحط معناها بلاد جافة مطرها قليل فالقحط هنا ليس بسبب قلة الأمطار ولكن له معنى رمزي فهو يُعبر عن الكون كونه منطقة قحط بمقارنته مع الجنة ، وكذلك يُعبر عن قحط المعارف ، ففي زمن ظهور الأنبياء كانت الإنسانية تعاني من ضعف في مستوى المعارف والعلوم وخاصة المادية . لهذا يستخدم الحديث الشريف عبارة (يسوق الناس بالعصا) ومعنى (عصا) هنا معنى رمزي أيضا وله عدة معاني تشمل الترهيب والترغيب ، منها مثلا عصا موسى عليه السلام التي أجبرت فرعون على تحرير قوم موسى وخروجهم من مصر . أيضا العصا تعني القلم والذي تم به كتابة النصوص الدينية للكتب للمقدسة وآخرها القرآن الكريم الذي يقول الله فيه {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) سورة العلق} . فالناس في تلك الفترة الطويلة كانت تتبع الأنبياء والمرسلين بالإحساس الداخلي وليس بسبب قناعة عقلية ناتجة عن مجادلات علمية معقدة كما يحدث اليوم . ولهذا الحكمة الإلهية وضعت الظروف المتعلقة بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين والظروف المحيطة به بشكل تحقق الكثير من معنى الأسم (قحطاني) ، فالجزيرة العربية هي بلاد صحراوية جافة وشبه خالية من تلك الحضارات العريقة التي ظهرت قبل الإسلام ولعبت دور كبير في تطور العلوم .
٣- النبي يوسف يقابله الرجل الثالث (الجهجاه) والذي ذكره الحديث الشريف (لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له: الجهجاه) فعبارة (رجل من الموالي) أي أنه مملوك مثل يوسف الذي أصبح عبدا بعد بيعه في مصر .ولكن يوسف شخصية تعارض تماما شخصية الجهجاه فالنبي يوسف بعد بيعه في مصر كتم حزنه في قلبه وسلم أمره لله عز وجل ولم يثور ويغضب ويصرخ لما حصل معه . أما الجهجاه فهو فعل العكس تماما ، فأسم (جهجاه) من كلمة جهجهة وتعني الصياح والصراخ في الحروب . فالجهجاه هو رمز معظم أتباع الدين الإسلامي وكذلك أتباع الديانات الأخرى بعد دخول الحضارة الإسلامية في عصر الإنحطاط (القرن الثالث عشر ميلادي) ، فبسبب التعصب الديني أصبح معظمهم تحت سيطرة روح الأعور الدجال فبحجة دفاعهم عن دينهم نجدهم يستخدمون أسلوب العنف والتهديد والشتم وتحقير الآخرين ، مما ساهم في انتشار الفتنة بين الأديان والمذاهب لتخلق بينهم العداوة والبغضاء . وليس من الصدفة أن نجد ظهور خلاف بين علماء الدين الإسلامي في حقيقة شخصية الجهجاه ، فبعض العلماء يؤكدون بأن القحطاني ليس هو الجهجاه، فإن القحطاني من الأحرار ، وأما الجهجاه فهو من الموالي ، والبعض الآخر يؤكد أن القحطاني هو نفسه الجهجاه . فهذا الخلاف بين العلماء هو حكمة إلهية لها معنى أن أتباع الديانات العالمية رغم أنهم يعتقدون تماما بأنهم أحرار يتبعون تعاليم دينهم (القحطاني)ولكنهم في الحقيقة هم من الموالين يتبعون -دون علمهم - تعاليم الأعور الدجال (الجهجاه) ولهذا كانت صفاتهم متعارضة تماما لصفات يوسف ، فقلوبهم مليئة بالحقد والكراهية على الأديان والمذاهب الأخرى ويعتقدون أنهم هم فقط على الإيمان الصحيح وأن الآخرين هم من الكفار أو الضالين . لهذا فهم يؤمنون بأنهم خليفة الله على الأرض وأن لغة السلاح والعنف ضرورية لتسيطر أمتهم ودينهم على جميع أمم العالم .
٤- عيسى عليه السلام يقابله الأعور الدجال ، ولهذا اليوم معظم المسيحيون يؤمنون أن عيسى هو الله ، ولهذا الأعور الدجال سيقول للناس أنا ربكم الأعلى .
٥- عيسى المسيح : هو الشخصية الخامسة التي ستأتي لتقتل الأعور الدجال ، وهو الذي سيشرح للناس بأنه ليس الله ولكن الفرق بينه وبين بقية الأنبياء والمرسلين بأنه هو الوحيد من بين جميع البشر الذي ولد في الجنة (ما مِن بَني آدم مَوْلودٌ إلا يَمَسُّه الشيطانُ حِين يُولَد، فيَسْتَهِلُّ صارخا مِن مَسِّ الشيطان، غير مريم وابنها) ، وأنه يمثل تجسيد ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم في أنقى أشكاله ، كونه هو الوحيد الذي ولد في الجنة وعاش هناك كإنسان مناسب للعيش فيها .
هذه المعلومات وترابطها بالشكل الذي ذكرناه قبل قليل ليس من الخيال ، ولكن من الرموز الموجودة في النصوص الدينية ، فترتيب سورة الكهف -مثلا- في القرآن الكريم يأتي مباشرة قبل سورة مريم ، وهذا الترتيب لم يحدث بالصدفة ولكن بحكمة إلهية لها معنى ، فالكهف في الديانة المسيحية هو رمز مكان ولادة عيسى عليه السلام . والكهف كما ذكرنا قبل قليل هو رمز الكون ، وأحد معاني قصة أهل الكهف هو أيضا رمز لعودة هابيل إلى حياة جديدة في عصر جديد . أما سورة مريم في القرآن فهي رمز لجميع ولادات هابيل بعد خروجه من الجنة ، فأسم (مريم) في القرآن الكريم لا يعني المقصود به فقط مريم أم عيسى ، فهذا الأسم في اللغة العبرية له معنيين : الأول ويعني (محبوبة) والمقصود به هو مريم العذراء أم عيسى والتي ولِدت بعد سنوات قليلة من وفاة الملكة المصرية كليوباترا (عام/ ٣٠ / قبل الميلاد) والتي تحمل أسم (محبوبة أبيها) والمقصود هنا أبوها روح الشيطان ، فكليوباترا هي رمز مناقض لرمز مريم العذراء ، فعفة مريم كانت من أهم صفاتها أما كليوباترا فعلى العكس تماما فقد أستخدمت مفاتن جسدها في سبيل إعادة أمجاد بلادها مصر ، هذه البلاد التي بفضل عفة وحكمة النبي يوسف أصبحت من أعظم دول العالم في العهد القديم .
أما المعنى الثاني لأسم مريم فهو يتألف من كلمتين (مر - يم) ويعني البحر المالح . ومريم كمعنى (البحر المالح) المقصود منه المرأة التي أنجبت إدريس عليه السلام . فأم أدريس الذي ولد قبل عشرات آلاف السنين كانت رمز روح حواء التي تحاول تنقية نفسها من شوائب خطيئة الجنة ، ولهذا الكهف الذي ولد فيه عيسى عليه السلام المذكور في الإنجيل كان عبارة عن أسطبل تسكنه الحيوانات ، وهو تعبير رمزي بأن المجتمعات البشرية قبل ولادة إدريس كانت مشابهة تماما للمجتمعات الحيوانية ولكن مع ولادة إدريس بدأت المرحلة الأولى في تكوين المجتمعات الإنسانية .
أما أم يوسف فأسمها (راحيل) وله أيضا معنيين : الأول ويعني في العبرية (النعجة) وهو رمز لأم إدريس التي تحولت فيها حواء من رمز (بقرة) وهو رمز أنثى الشيطان التي أنجبت منه (رمزيا) قابيل (قايين) الذي قتل أخيه هابيل . أما المعنى الثاني لأسم (راحيل) ومصدره هو كلمتين (راح - إيل) ومعناه (يد الرب) ، فراحيل أم يوسف ولدت من أم (نعجة) ولكنها إستطاعت تنقية تكوينها من الشوائب الشيطانية كما يذكر سفر التكوين {فحبلت وولدت ابنا فقالت: «قد نزع الله عاري» ٢٣:٣٠} ، لهذا استحقت راحيل أن تلد (هابيل) ليأخذ أسم النبي يوسف الذي يمثل رمز يد الله التي ستقوم بتنفيذ المخطط الإلهي الذي رسمه الله لتطور الكون وتطور الإنسانية . ولهذا سورة مريم تذكر أسم إدريس وتقول عنه (... أنه كَانَ صِدِّيقًۭا نَّبِيًّۭا ...وَرَفَعْنَٰهُ مَكَانًا عَلِيًّا) . النبي الملقب بالصديق هو النبي يوسف .
سورة مريم في القرآن الكريم تعطينا رؤية شاملة لدور هابيل في جميع ولاداته على سطح الأرض . فالإختلافات بين قصة مريم وابنها في القرآن الكريم وقصة مريم وابنها المذكورة في الإنجيل ليست تناقضات ولكن حكمة إلهية تعطينا رؤية شاملة عن حقيقة شخصية عيسى عليه السلام ولهذا نجدها مبعثرة في عدة سور . أما قصة الإنجيل فهي رواية تاريخية واقعية متكاملة عن هابيل في ولادته الرابعة عندما ولد بأسم عيسى قبل حوالي ألفي عام . فمثلا ذهاب عيسى وأمه وزوجها إلى مصر بعد ولادته مباشرة ثم عودته إلى فلسطين بعد وفاة ملك اليهود هيرودوس الأول هو إشارة رمزية لعودة النبي يوسف من مصر ليبدأ بتنفيذ مرحلة جديدة من المخطط الإلهي . أما قصة مريم وابنها كما هي في القرآن فتعطينا رؤية شاملة عن حيوات هابيل التي عاشها ، فالمقصود من الآية القرآنية {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) المؤمنون} ليس فقط عيسى ولكن جميع الحيوات التي عاشها بأسمائه الأخرى فهو في كل مرة يولد بها تصعد الإنسانية إلى مرحلة جديدة أرقى ، فكلمة (ربوة) من فعل (ربا) وتعني صعد وازداد أرتفاعه ، بمعنى أن نسبة نقاء التكوين الإنساني في المؤمنين يتزايد مع كل ولادة لهابيل .
المسلمون وكونهم اعتمدوا المعنى الحرفي لآيات القرآن ، لهذا نجد أن موضوع مريم وابنها كقصة كما هي الموجودة في التراث الإسلامي هي قصة ضعيفة غير متكاملة لا علاقة لها بالواقع التاريخي الذي حدث قبل حوالي ألفي عام ، فهي قصة بأحداث قليلة وقصيرة جدا لا تعطينا أي معلومة مفيدة توضح حقيقة ما كان يحدث في ذلك الزمان كوضع مادي ووضع روحي تعيشه الإنسانية وكذلك لا توضح لنا حقيقة سبب ظهور المسيحية كمرحلة جديدة في تاريخ البشرية ، فقط تعطينا معلومة واحدة بأن عيسى ليس ابن الله وأنه لم يُصلب . (بالنسبة لحقيقة حادثة صلب عيسى في المسيحية أو رفعه إلى السماء في الإسلام فهو موضوع معقد ويحتاج إلى مقالة طويلة سنتكلم عنها في المستقبل إن شاء الله) .
المشكلة اليوم في تفسيرات علماء الدين لنصوص الديانة الإسلامية أنهم أخذوا تفسيرات العلماء الأسبقين كما هي أو أنهم أضافوا إليها أشياء بسيطة جدا دون أن ينتبهوا إلى المبادئ الأساسية لسنة الله في خلقه . فالنصوص الدينية مثلها مثل الماء ، فالماء إذا لم يتحرك وظل ساكنا فإنه سيفسد ويمتلئ ببيوض الحشرات ويرقاتها ، فثبات معاني الآية القرآنية دون تجديدها لتلائم تطور مستوى المعارف والعلوم سيجعلها نصوص غير صالحة لجميع العصور ، فمعظم علماء الدين المسلمين اليوم ينطبق عليهم ما ذكره الله في الآية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (١٠٤) المائدة} ، فمعظم ثقافة المسلمين العامة اليوم عن دينهم الإسلامي مأخوذة من علماء دين ظهروا بعد إنحطاط الحضارة الإسلامية أولئك الذين وبسبب تعصبهم الأعمى لدينهم حذفوا كل شيء يجمع الدين الإسلامي مع الديانات العالمية فجعلوا منه دينا منغلقا على نفسه والذي أدى إلى ركود الدين وفساده . فالحديث الشريف يذكر (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) . فمستوى الإدراك في علماء عصر الحضارة الإسلامية كان بمستوى المرحلة الإبتدائية ، أما اليوم وبعد حوالي /٨٠٠/ عام فمستوى الإدراك قد تطور ووصل إلى المرحلة الجامعية . ولهذا ليس من الصدفة أن الكثير من العلماء اليوم بمختلف إختصاصاتهم ومنذ حوالي مئة عام يرفضون تفسيرات علماء الدين للنصوص الدينية ويتهمونها بأنها تفسيرات متخلفة لا تصلح للعصر الحاضر . حتى أن الأمر قد دفع بعضهم إلى الإبتعاد عن الدين والاتجاه نحو الإلحاد كونهم لم ينتبهوا إلى مبدأ تجديد الدين وظنوا أن تفسيرات علماء الدين للنصوص الدينية تعبر تماما عن حقيقتها . فمثل بسيط عن تشويه الدين الإسلامي هو مسألة خطيئة الجنة . فمعظم العلماء في زمن الحضارة الإسلامية كانوا يؤمنون بأن حواء هي التي أغواها الشيطان أولا كما هو أيضا في النصوص الدينية المسيحية واليهودية ، وهذا هو الصحيح ، ولكن اليوم نجد أن معظم المسلمين العامة يؤمنون بأن آدم هو من أغواه الشيطان أولا وليس حواء .
إن معرفة من الذي أخطأ أولا (آدم أم حواء) هي معلومة مهمة جدا لفهم حقيقة الصراع بين المسيح والأعور الدجال . وقد تكلمنا عن فلسفة الخروج من الجنة بشيء من التفصيل في مقالات ماضية ، ولكن هنا سنذكر هذا الموضوع بشكل مختصر جدا ليساعدنا في فهم موضوعنا الرئيسي .
الله عز وجل في البداية خلق الملائكة وأعطى كل ملاك صفة خاصة به ، ثم خلق آدم ووضع في تكوينه جميع الصفات الموجودة في الملائكة ولهذا طلب الله من الملائكة السجود لآدم كون تكوينه أرقى منهم جميعا فهو يحمل في تكوينه كل ما عندهم من صفات ، فسجدوا له جميعا ما عدا إبليس . ثم خلق الله حواء من آدم ، أي أن تكوين آدم إنقسم إلى قسمين : قسم بقي في آدم وقسم ذهب إلى حواء ، فروح الله التي نفخها في آدم أصبحت نصفين ، نصفها في آدم ونصفها في حواء . ولهذا استطاع إبليس إغواء حواء لتأكل من الشجرة كونها كائن غير كامل فهي لم تمتلك الصفة التي يحملها الشيطان ، حواء بدورها وكونها عزيزة على قلب آدم أغوته ليأكل هو أيضا من ثمار الشجرة . ثمرة الشجرة الملعونة رمزيا هي (التفاح) كونها علميا تعتبر ثمرة كاذبة وهي رمز الزنى ، ولهذا نجد سفر التكوين ينتهي بقصة يوسف ، فأسم يوسف هو ثمرة اليوسفي وهذه الثمرة علميا هي ثمرة حقيقية وليست ثمرة كاذبة كثمرة التفاح . فسبب طرد الإنسان من الجنة هو حدوث الزنى (وسببه الشهوة الجنسية) بين آدم وحواء ولهذا كانت ثمرة هذه الخطيئة ثمرة كاذبة ، فالخطيئة كمعنى عام كانت ممارسة الجنس قبل حدوث فترة الخطبة والزواج ، أي قبل الوصول الرجل والمرأة إلى سن الرشد . من هذه العلاقة أنجبت حواء قايين (قابيل) وهابيل . وبما أن الله خلق الإنسان كمخلوق مخير وليس مسير ، هابيل اختار تطبيق تعليم الله في سلوكه، أما قابيل فإتبع أهوائه فكانت النتيجة ظهور غريزة القتل في تكوينه فقام بقتل أخيه هابيل . فسبب طرد الإنسان من الجنة هو عدم تطبيق مبدأ الجنة (العفة - السلام) . وكما ذكرنا في المقالة الماضية بأن آدم وحواء والشيطان وقابيل خرجوا من الجنة كروح وظلوا هكذا ولم يكتسبوا جسدا ، وأن فقط هابيل هو الذي أنعم الله عليه أن يظهر بروح وجسد ، أما قايين فهو الذي أخذ دور روح السوء التي تستطيع صفاتها دخول التكوين الإنساني كونها تحمل بعض الصفات من آدم . الأعور الدجال هو روح قايين وهو روح فقط . فنحن هنا نتكلم عن روح بلا جسد وهذه الروح لا تملك القدرة في الظهور على شكل إنسان أمام الناس ، فقط صفاتها لها القدرة على الدخول في تكوين الإنسان . (قصة ما حدث في الجنة نسردها لكم بشكل رمزي وليس واقعي ، لأن ما حصل في الجنة بشكل علمي واقعي لا يعلم به إلا الله لأن عالم الجنة هو عالم مختلف تماما عن عالمنا وقوانينه مختلفة عن قوانين الكون وقوانين الكرة الأرضية . لهذا لا يُسمح لأحد البحث في التفاصيل الدقيقة لما حدث في الجنة لأن أبحاثه ستكون من محض الخيال وبدون أي دليل علمي) .
مشكلة علماء الدين اليوم وبسبب إنفصالهم عن بقية الديانات العالمية أنهم حتى الآن لم يحاولوا فهم حقيقة التكوين الإنساني وكذلك حقيقة سبب طرد الإنسان من الجنة. فتكوين الإنسان الكامل كما خلقه الله يحمل جميع الصفات التي من أجلها سجدت له الملائكة .فكل صفة هي عبارة عن حس إدراكي خاص بذاته ، وهذه الصفات في حياتنا الواقعية هي رمز لجميع المعارف : حس شعري ، حس روائي ، حس موسيقي ، حس فيزيائي ، حس كيميائي ، حس رياضي (رقمي) ، حس طبي ، حس فلكي ، .... إلخ ) فجميع البشر وكونهم يحملون في تكوينهم جزء من روح الله ، فيهم جميع أنواع هذه الإحساسات ولكن بمستوى متفاوت ، فالإختصاص في علم معين ينمي في داخله ذلك الحس المتعلق بنوع العلم الذي درسه فيتحول إلى إحساس فطري بمستوى عالي جدا يسمح له برؤية الأشياء والأحداث بشكل مختلف عن بقية الناس . ففنان الرسم يرى في الطبيعة تجانس وإنسجام الألوان والأشكال ، أما عالم الأحياء فيرى إنسجام الكائنات الحية وعلاقتها ببعضها البعض ، أما عالم الفيزياء فيرى حركة العناصر المادية في الطبيعة والطاقة وتحولاتها من شكل إلى آخر ... وهكذا بالنسبة لبقية العلوم . فبتوحيد جميع هذه الإحساسات التي يراها كل متخصص لمختلف العلوم نحصل على الإدراك الشامل أي البصيرة . فهدف تطور المجتمعات الإنسانية منذ ظهورها وحتى اليوم هو إكتساب الإنسان معارف شاملة تنمي جميع الإحساسات الفطرية . وهذا لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق تعاون الشعوب والأمم ، ولأن الله هو إله عادل تم توزيع صفات الإنسان الكامل على جميع شعوب العالم ، فكل شعب هو بمثابة ملاك واحد يحمل صفة واحدة من صفات الإنسان الكامل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..... (١٣) الحجرات} . كل أمة أرسل الله لها نذير ، وما أتى به كل نذير هو من الذكر الذي تتكلم عنه الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) الحجر} . إن وجود هذه الآية في سورة عنوانها (الحجر) ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فجمع كلمة (حجر) هو (حجرات) وهي السورة التي ذُكر فيها ضرورة تعاون الشعوب ، فالحجر هو رمز أمة واحدة ، والحجرات هي رمز جميع الأمم . الله عز وجل يرسل مجدد للدين كل / ١٠٠ / عام في جميع شعوب العالم وليس فقط في الأمة الإسلامية. والمقصود بالمجدد هنا هو عالم يرفع درجة أحد أنواع الإحساسات إلى مستوى أعلى ، وعلى كل مسلم يبحث عن الحقيقة عليه أن يبحث عن هذا المجدد ليأخذ منه ليساهم في تجديد الدين ليكون هذا الدين صالحا لجميع العصور . الإمام جعفر الصادق -مثلا- هو أول مسلم مجدد للدين الإسلامي فهو رفض المشاركة في استخدام السلاح لتغيير الحاكم أو نشر الدين الإسلامي واعتمد سلاح العلم والمعرفة في تحقيق إزداهار الأمة لهذا نجد أنه كان الإمام الأول لمعظم العلماء المسلمين بجميع الفروع العلمية والفقهية . أما الفيلسوف ابن رشد فهو أخر مسلم مجدد للدين . ولهذا توقف ظهور العلماء في الأمة الإسلامية بعد وفاة ابن رشد لتعلن الحضارة الإسلامية دخولها في عصر الإنحطاط . حيث بعدها بدأ يظهر علماء فقه مزيفين أمثال ابن تيمية ليقوموا بتشويه تعاليم الدين الإسلامي. واليوم نجد أن معظم المسلمين العامة يتبعون آراء علماء مزيفين من أمثال ابن تيمية ، ولهذا وصلت الأمة العربية إلى هذا المستوى الضعيف بين الأمم الأخرى . فالمعنى الحقيقي لعبارة (الدين الحنيف) هو الدين المتجدد .
جميع الصفات الجسدية التي ذكرتها الأحاديث الشريفة عن الأعور الدجال هي صفات رمزية توضح لنا بدقة تفاصيل التكوين الروحي لهذا الدجال ، فهو أعور العين اليمنى ليس لأنه لا يملك هذه العين ولكن لأنه لا يملك أي إحساس من إحساسات العلوم الروحية والإنسانية التي دورها تأمين الحاجات الروحية للإنسانية ، فهو يستخدم عينه اليمنى كإدراك مادي مثلها مثل العين اليسرى ، فوجود نوع واحد من الإدراك في الإنسان يجعل الإدراك عنده إدراك أعور ضعيف عاجز عن فهم مضمون ما يحدث حوله ، ولهذا عينه اليسرى رغم أنها سليمة ولكن فيها عيوب في الرؤية . لهذا توجد على جبينه كلمة كافر ، هذه كلمة مصدرها فعل (كفر) وتعني غطى أو ستر ، أي أن دور روح الأعور دجال هو حجب الإدراك الروحي من أعين الناس ليعتمدوا الإدراك المادي فقط. ولهذا فرغم أنه قصير القامة ولكن جسده ضخم جدا ، بمعنى أن النمو عنده هو نمو مادي فقط ولهذا كان نموه أفقيا وليس عموديا (رمز الربوة) نحو الأعلى نحو السماء الذي يرمز إلى النمو الروحي .
أهم دور ستقوم به روح الأعور الدجال هو خداع الناس ، فكلمة دجال تعني مخادع وهي أيضا أحد صفاته الرئيسية المستخدمة في الديانة المسيحية ، فهو سيجعل أتباع الديانات جميعها يعتقدون أنهم مؤمنين بتعاليم دينهم ولكن في الحقيقة فإن نوعية سلوكهم اليومي ونوعية تعاملهم مع الآخرين تؤكد أنهم يؤمنون بتعاليم الأعور الدجال ، فهم بدلا من أن يقوموا بتقوية الروابط الإنسانية بين الأفراد والشعوب ، سيقومون -بحجة الحفاظ على الدين - بتمزيق هذه الروابط لتنمية العداوة والبغضاء بين الأفراد والشعوب . فعمى البصيرة يجعل الإنسان يرى الأشياء والأحداث من زاوية ضيقة بشكل عشوائي منفصلة عن بعضها البعض وكأنها قد حصلت بالصدفة ، فيختار الإنسان منها دون أن يدري فقط تلك التي تلائم أهواءه ومصالحه الشخصية فيرسم لنفسه أو لتلك الجماعة التي ينتمي إليها هالة مقدسة تجعله يعتقد بأن كل ما يتعلق به شخصيا (دينه ، مذهبه ، عرقه ...إلخ) هي الصحيحة وأن الآخرين هم على خطا وأنهم كفرة أو من الضالين .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع شرح حقيقة الأعور الدجال ونوعية الخدعة التي حصلت في القرن / ١٩ / وكيف تطورت لتجعل معظم سكان الأرض اليوم (مؤمنين بدينهم وملحدين) أتباعا له .
... والله أعلم .
وسوم: العدد 1039