أسوأ ما في المحن
لعل أسوأ ما في المحن أنها تكشف عن مجاهل النفس البشرية وكهوفها ومغاورها وأنتن ما فيها...
ضاقت الأرض بقوم ألهب جلودهم سياط فرعون..
ففروا هربا من آلة الموت
وانتشروا في الأرض
يبحثون عن ملجأ أو واحة
أو ظل ظليل
يستريحون قليلا
فبلعتهم البحار
ورمتهم السهام
وأنكرهم القريب قبل الغريب
بحيث لم يبق جلاد إلا وتسلى بجلد ظهورهم
ولا نخاس إلا ساوم على بيعهم والتجارة بجلودهم
ولا قناص إلا أراد أن يتعلم القنص في رميهم بشتى السهام
ولا مقاول إلا طمع بأملاكهم وأرزاقهم
فهل يجب البكاء على هؤلاء المساكين...
أم البكاء أولى على أولئك الذين لم يسعفوهم ولم يسندوهم...
واحسرتاه على ضياع كل التراث البشري مما يحض على مكارم الأخلاق...
فقد اندثر كله وضاع حين انسلخ الناس من قيم الرحمة والنجدة والإسعاف
وصاروا مجرد دمى لا قلب ولا ضمير ولا إحساس
ترى أيهما ولى بالرثاء
المقتول الذي سفك دمه ظلما ففاح طيبا ينتشر أريجه في كل مكان
أم القاتل الذي سفك دم كل القيم والآداب والسلوكيات والفضائل في نفسه وصار مجرد كاسر مفترس...
في صورة الذئب إلا أنه بشر..
ما أصعب أن يفر المرء من وحش يطارده
ليدخل غابة جميلة يستمتع فيها بالظل والماء والخضرة...
وإذا به يجد نفسه في غابة ملأى بالوحوش...
***
إنه عصر الأنانية الفردية
وعصر اندثار القيم السامية والوحدة الإنسانية
وعصر الانسلاخ من كل شيء جميل كان يحمله الإنسان الأول..
وسوم: العدد 1040