مجزرة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر
وهي مدينة سورية عتيقة تدعى "مدينة النواعير". مركز محافظة حماة في الجزء الغربي من البلاد، واشتهرت بمدارسها العلمية وآثارها التاريخية، وشهدت 1982 واحدة من أسوأ المجازر في تاريخها حين ضربها الجيش السوري بالأسلحة الثقيلة فقتل عشرات الآلاف.
الموقع:
تقع على نهر العاصي على مسافة 210 كيلومترات تقريبا شمال العاصمة دمشق في منتصف المسافة بينها وبين حلب، وتبعد 90 كيلومترا إلى الشرق من بانياس، وتقارب مساحة المحافظة كلها تسعة آلاف كيلومتر.
السكان:
تعد رابعة المدن السورية الكبرى من حيث عدد السكان الذين بلغوا نهاية 2010 نحو 750 ألفا تقريباً وفقا لبيانات رسمية.
أما سكان محافظة حماة كلها فتجاوز في نهاية العام نفسه 2.1 مليون نسمة. ويشكل المسلمون الأغلبية الساحقة من السكان مع وجود أقلية صغيرة من المسيحيين.
التاريخ:
تعاقبت على حماة الحضارات التي تعاقبت على سوريا, وشهدت ازدهارا في العصر الإسلامي ما زالت بعض آثاره باقية.
شهدت حماة بدءا من الثاني من فبراير/شباط 1982 أحداثا دامية حين هاجمتها القوات السورية بالأسلحة الثقيلة لمدة شهر تقريبا، مما تسبب في مقتل الآلاف وتشريد نحو 100 ألف, وتدمير جزء من المدينة خاصة القسم القديم منها.
وقع ذلك الهجوم -الذي اشتركت فيه الشرطة السرية والمخابرات- في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد المتوفى عام 2000.
شنت السلطات السورية حينذاك تلك الحملة العسكرية ردا على ما قالت إنه تمرد كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية طرفا فيه.
تراوحت التقديرات بشأن ضحايا الحملة -التي تمت وسط تعتيم إعلامي تام- بين 10 آلاف قتيل وفقا للصحفي البريطاني روبرت فيسك (الذي زار حماة بعيد الحملة)، و40 ألفا وفقا للجنة السورية لحقوق الإنسان. ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن رفعت الأسد -الذي قاد عملية الاجتياح- أن الحملة خلفت 38 ألف قتيل.
المعالم:
تلقب حماة بـ"مدينة النواعير" لكثرة نواعيرها، وهي آلات مائية تدور بالقوة المائية وتوجد على ضفة نهر العاصي في المدينة.
تزخر المدينة بمعالم أثرية متنوعة، فهي تضم أشهر لوحات الفسيفساء السورية. كما تعدّ كنيسة "السيدة العذراء" للروم الأرثوذكس من أهم الأماكن التاريخية والأثرية فيها، كما تضم الجامع الأعلى الكبير بالقرب من القلعة من جهة الغرب، إضافة إلى مدينة أفاميا الأثرية وقصر ابن وردان في ريفها الشرقي.
على امتداد تاريخها العريق، بني في محافظة حماة أكثر من 11 قلعة تاريخية منها قلعة المضيق وقلعة حماة وقلعة شيزر، وعرفت بمدارسها الإسلامية التي كانت مراكز لتخريج العلماء.
الأعلام:
من الشخصيات التي أنجبتها المدينة الشيخ القاضي محمد بن محمود الحامد (1328 هـ/ 1910م – 1389 هـ / 1969م) عالم حماة ومرشدها، والشيخ محمود الشقفة شيخ الطريقة الرفاعية في العالم الإسلامي، والشيخ أحمد سلطان شيخ المذهب الشافعي في المدينة.
المصدر: الجزيرة
في عام 1982 اتجهت أنظار العالم كله، إلى تلك المدينة الحالمة على ضفاف نهر العاصي الذي يشطرها شطرين، تحفهما الخضرة والجمال.. هذه المدينة التي كانت تغفو على أنين نواعيرها الخشبية، مستسلمة لأحلامها، خلعت رداء الدعة والسكون، وألقت جانباً بأمنياتها الوردية، لتثور ثوراتها التي تتابعت في العصر الحديث، منذ الاحتلال الأجنبي عام 1920، إلى هذه الساعات الفاصلة، كما كان دأبها عبر تاريخها الطويل.
تقع مدينة حماة وسط سورية، وتبتعد عن مدينة دمشق 210 كم، وعن حلب 135كم، وعن حمص 47كم، وعن بانياس الساحل 97كم، يمر فيها نهر العاصي الذي ينبع من سفوح جبال لبنان، وتحيط بالمدينة سلسلة من التلال المرتفعة في الشرق والشمال والجنوب، وتقوم في وسط المدينة قلعتها التاريخية، وحماة مدينة أثرية، يعتبرها بعض علماء الآثار من أقدم المدن في العالم، فيها الكثير من المساجد، والكنائس، والقصور، والحمامات، والزوايا والتكايا للعبّاد والزهّاد، والخانات، والأسواق المسقوفة والمكتبات، والنواعير، حتى أن المدينة اشتهرت بمدينة النواعير، وحماة مدينة يعيش أهلوها على الزراعة والتجارة والصناعة التي طورتها في العصر الحديث.
حماة في العصر الحديث:
استهلت حماة تاريخها الحديث بثورات وانتفاضات شعبية متتالية ضد الاستعمار الفرنسي، وكان لها مواقف رائعة في البطولة، والتضحية، وتقديم مواكب الشهداء من فلذات كبدها على مدى ربع قرن من الزمان، لاسيما دورها في الثورة السورية الكبرى 1925م التي قامت في جبل العرب وغوطة دمشق، وكان نصيب حماة أن قصفت بالطائرات، وكانت قمة عطائها في معارك الجلاء عام 1945م حين أوسعها الفرنسيون ضرباً وعدواناً، ثم كان استقلال القطر العربي السوري عام 1946م بداية فعلية لعهد جديد من الكفاح الشعبي من أجل الحرية والانعتاق من إسار التركة الاستعمارية، ليكون استقلالاً حقاً بعيداً عن كل ألوان التبعية الفكرية والروحية، والاقتصادية والسياسية، وظل هذا الكفاح في تصاعده، إلى أن انتهى إلى قمة الصراع مع نظام الطاغية حافظ أسد، ذلك السفّاح الذي أمر بإحراقها وتدميرها على رؤوس ساكنيها، كما فعل بها من قبل الطاغية الفارسي قورش، والطاغية هولاكو، ولكن ما فعله بها السفاح أسد فاق ما فعله الطاغيتان: قورش وهولاكو أضعافاً مضاعفة، بما أنزله بها من دمار وخراب وتمثيل حاقد بالأحياء والأموات شيوخاً وأطفالاً ونساء، من المواطنين ومن الموالين له من الحزبيين المنتفعين.
حماة جهاد دائم:
قاومت حماة الاستعمار الفرنسي مقاومة عنيفة بقيادة علماء أجلاء، ووطنيين مخلصين، من أمثال فوزي القاوقجي، وسعيد العاص، والدكتور صالح قنباز عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، الذي قتله الفرنسيون، وعندما غزا الصهاينة فلسطين، وأرادوا أن يقيموا دولة لهم على أرضها، هبّ أبناء حماة بقيادة القاوقجي للدفاع عن عروبتها وإسلامها، ملبين نداء الجهاد المقدس لصد الغزاة المعتدين، وبعد انقلاب آذار عام 1963م استطاع الطائفيون التسلل إلى الجيش السوري، وإلى مراكز القوة في الوزارات والمؤسسات، وتمكنوا من ضرب القوى الوطنية كافة، وأخرجوها من الساحة السياسية وسلبوها كل قوة مؤثرة لها في الجيش، وقد أدرك أولئكم الطائفيون خطورة مدينة حماة، واعتبروها قلعة منيعة تقف في مواجهتهم بما لها من ماضٍ جهادي، وبما يتميز به أهلوها من غيرة على الدين وتشبث بالقيم، واندفاع في القتال ضد كل من تسول له نفسه المساس بالحرمات، فقرروا تدميرها مهما كلفهم هذا التدمير من ثمن، فرسموا مخططاً خبيثاً لإبادتها، وإبادة شعبها الحر المكافح، وإبادة أي مدينة تنهض لمساعدتها..، وذلك عن طريق الاستفزازات والتحرشات، ففي عام 1964م دفع الطائفيون عناصرهم، وطلبوا منهم تنفيذ مخططهم الليئم، فتصرفوا تصرفات استفزازية تحدوا بها مشاعر أبناء المدينة، أدت إلى صدامات دموية، أودت بحياة العشرات من طلاب المدارس، واعتقل المئات، وضرب جامع السلطان، وهدمت مئذنته وكانت فتنة كبيرة، كان مقدراً لها تدمير المدينة على أيدي الطائفيين، لولا تدخل عقلاء المدينة وعلى رأسهم الشيخ محمد الحامد -رحمه الله تعالى- للكف عن ضرب المدينة، ولإطلاق سراح المعتقلين..، ومن خلال هذه الأحداث الدموية، تبدت نيات الطائفيين الذين لم يستطيعوا كتم عدائهم الشديد، وأحقادهم الدفينة على مدينة حماة وأبنائها.
احتجاجات جامع السلطان في حماة 1964م:
إن احتجاجات حماة 1964 هي أول احتجاجات كبيرة بين القيادة الحديثة لحزب البعث العربي الاشتراكي بعد سيطرته على السلطة في انقلاب الثامن من آذار، وبين مواطنين من أنصار الإخوان المسلمين في سوريا.
حصلت الاحتجاجات في أبريل 1964 بعد نحو عام من سيطرة البعث على السلطة، وقمعت بالقوة العسكرية الثقيلة ما أدى إلى سقوط 70-100 قتيل، إلى جانب خسائر ماديّة في حماة القديمة.
سير الأحداث:
وقع أول اشتباك بين حزب البعث والإخوان بعد وقت قصير من انقلاب 1963، والذي سيطر في إثره حزب البعث على السلطة. منذ البداية، كانت الجماعات السياسية الإسلامية، وأكبرها الإخوان المسلمين، يمثلون أقوى معارضة للنظام الجديد. مع بداية العام 1964 أعلن عن حظر جماعة الإخوان، ما أدى إلى سلسلة من الإضرابات والمظاهرات الحاشدة في جميع المدن السورية الكبرى وخاصة مدينة حماة، التي كانت «معقل المحافظين المسلمين» و«الخصم المهيب لدولة البعث».
في أبريل 1964 اندلعت أعمال شغب في مدينة حماة، حيث حطمت أماكن بيع الخمور، ومراكز حزب البعث في المدينة. ردة الفعل كانت باستحضار الدبابات لسحق التمرد، ما أدى إلى قتل بين 70-100 شخص؛ إضافة للعديد من الجرحى أو الأسرى، أو حالات هاربين؛ كما أسفر القمع العسكري إلى دمار كبير سيما في حماة القديمة.
بعد العملية، هدأت المدينة، لكنها أصبحت لاحقًا مركز أحداث 1979-1982.
حماة.. في عهد حافظ أسد:
اغتصب حافظ أسد السلطة بانقلاب عسكري في تشرين الثاني 1970م، واستولى على كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأجرى استفتاء صورياً وعين مجلساً للشعب، وقدم لهذا المجلس دستوراً مفصلاً على مقاسه، أبقى فيه السلطات الثلاث بيده، وصار حافظ رئيساً للجمهورية، يعين رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم، وفي الوقت نفسه هو رئيس لمجلس القضاء الأعلى، وصارت وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفاز حكراً لزمرة أسد وصنائعه، وأبعد عنها الأكفياء، ما دام ولاؤهم لنظام أسد غير مضمون، فتردت إلى الحضيض، ولم يبق أمام رجال الفكر والمثقفين مجال لطرح أفكارهم، وترشيد السير، وفضح الممارسات الخاطئة من قبل الأجهزة القمعية والجيوش الطفيلية من أمثال: “الوحدات الخاصة، وسرايا الدفاع، وسرايا الصراع، والميليشيات المسلحة التي أطلقوا عليها الكتائب العمالية والكتائب الطلابية، وفتيان علي، وفتيات علي، والفرسان الحمر، وفرق المظليات، وجمعية الإمام المرتضى، والآلاف المؤلفة من عناصر المخابرات وعملائهم من المخبرين.. لم يبق لرجال الفكر وعلماء الدين من مكان يطلقون منه صوت النذير سوى دور العبادة والندوات لدى نقابات المهن العلمية، كنقابات المحامين والمهندسين وأطباء الأسنان والصيادلة، والمهندسين الزراعيين، والأطباء، وقد أجمع المثقفون ورجال الفكر والسياسة والقانون على المطالب التالية:
1- رفع حالة الطوارئ، وإلغاء المحاكم العرفية الاستثنائية.
2- إعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني.
3- استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
4- احترام مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعلاً وممارسةً وعدم الاكتفاء بالقول، واعتبار كل نص تشريعي مخالف لمبادئه ملغى ولو توافرت فيه الشروط الشكلية.
5- إجراء انتخابات حرة يختار الشعب بها رجال السلطة التشريعية، وصارت منابر دور العبادة والندوات العلمية لدى نقابات المهن العلمية، مراكز للإعلام ومجالاً لطرح الأفكار وللمطالبة بالإصلاح، ولنقد الممارسات الخاطئة واللاإنسانية، وتم الاتفاق بين كافة قطاعات الشعب على إعلان الإضراب العام يوم 31/3/1980م تأييداً لهذه المطالب، فأضربت النقابات، وأغلقت الأسواق، وتوقفت الحركة في المدن والأرياف، وطبعت عشرات الآلاف من النشرات، تبين المطالب المتفق عليها، ووزعت في أنحاء القطر، وخرجت المظاهرات الشعبية الصاخبة، في مختلف المدن والقرى تضامناً مع هذه المطالب.
جرائم النظام السوري:
أسقط في أيدي الحفنة المتحكمة بمقدرات البلاد، ولم يعد أمامها سوى هذين الخيارين: القبول بمطالب الشعب –وهذا يفقد مرتزقة النظام مكاسبهم غير المشروعة- أو اللجوء إلى البطش بالشعب لإخماد هذه الروح التحررية التي سرت في صفوف الشعب، وبالطبع اختار النظام القمعي ما يتلاءم وطبيعته اللاوطنية اللاأخلاقية اختار الطريق الثاني، فبادر إلى حل النقابات العلمية، ومجالسها وفروعها، ومؤتمراتها العامة، واعتقل أعضاءها، كما اعتقل عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين وعلماء الدين، وآلافاً من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، وقتل المئات منهم، وألقى بجثثهم في الشوارع، من أمثال الدكتور الشهيد أدهم سفاف –الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة حلب- والمربي الأستاذ الشهيد عبد القادر خطيب –مدرس الرياضيات في ثانويات حلب- وأغلق عدداً كبيراً من دور العبادة ودمر قسماً منها، وصار الجنود يدخلون المساجد بأحذيتهم، يطلقون النار على المصلين، ويمزقون المصاحف، ويتحدون مشاعر المسلمين.. وبدأ عهد مرير من الإرهاب دونه عهود محاكم التفتيش، وارتكب النظام الأسدي جرائم لا عهد لأبناء أمتنا بها أو بمثلها.. فلقد أقدم النظام على مجازر جماعية من أجل سحق المعارضة الشعبية التي تشكل أكثر من 90% من مجموع أبناء الشعب في قطاعاته وفئاته وأحزابه ونقاباته كلها، تمشيط المدن والقرى: ابتدع نظام حافظ أسد طريقة للإرهاب وهي الاعتداء على حرمة المساكن، واختطاف النساء والفتيات، والسطو على الأموال والممتلكات، وقتل الأزواج، والتمثيل بهم، أمام الزوجات والأولاد.. أقدم النظام على هذه الجرائم تحت اسم "تمشيط المدن والقرى" إذ تقوم الحوامات والدبابات والقوى المحمولة بتطويق المدن والقرى التي يراد تمشيطها ويؤمر الناس بمنع التجول والمكوث في بيوتهم وتقسم المدينة إلى قطاعات تتولى كل قطاع مجموعة كبيرة من الجنود والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع وعناصر المخابرات والكتائب الطائفية، ويستبيحون كل شيء في أثناء “التمشيط” يسرقون وينهبون ويدمرون ويعتدون على الناس، والحرمات والمقدسات، ويقتلون كل من يرفع صوته محتجاً على هذه الانتهاكات، زاعمين أنه من الإخوان المسلمين.. وكثيراً ما أبادوا أسراً كاملة، وقطعوا أيدي النساء وأصابعهن من أجل الأساور والخواتم الذهبية.. يسحلون من يقتلون بالسيارات والدبابات أمام الناس لنشر الذعر والرعب والإرهاب في قلوب المواطنين ولم تكد تخلو مدينة أو قرية في القطر إلا وتعرضت للتمشيط.. فحلب مثلاً مشطت مرتين، ومدينة حماة مشطت تسع مرات، وهكذا سائر المدن والقرى.
أهم المجازر الجماعية:
ارتكب نظام حافظ أسد عدداً من المجازر الجماعية في طول البلاد وعرضها، نذكر فيما يلي أهمها:
1- مجزرة جسر الشغور:
قامت القوات الطائفية المسماة بالوحدات الخاصة التي يرأسها العميد الطائفي علي حيدر بتطويق مدينة جسر الشغور وقصفها بمدافع الهاون، ثم اجتاحها في العاشر من آذار 1980، وأخرج من دورها 97 مواطناً بريئاً من الرجال والنساء والأطفال. وأمر عناصره بإطلاق النار عليهم، وقد شهد هذه المجزرة وشارك فيها المجرم توفيق صالحة عضو القيادة القطرية لحزب أسد، كما أمر حيدر وصالحة بتدمير البيوت وإحراقها فدمروا ثلاثين منزلاً وأمرا بالتمثيل ببعض الجثث أمام الناس الذين حشروهم حشراً.. وممن مثلوا بجثته طفل أمرا بقتله أمام أمه والتمثيل بجثته وشقها نصفين فماتت أمه على الفور من شناعة الحادث.
2- مجزرة قرية كنصفرة:
تقع هذه القرية الوادعة في جبل الزاوية بمحافظة إدلب، وقد قدر لها أن تشهد جانباً من ظلم حافظ أسد وأعوانه في آذار عام 1980 يوم أن قدم إليها أمين سر فرع الحزب في محافظة إدلب، ومديرا التربية والتموين فيها، إضافة إلى مسؤولين آخرين، وقد اجتمعوا في القرية مع بعض الحزبيين فيها، وفي نهاية الاجتماع حاول الأهالي البسطاء اغتنام الفرصة فعرضوا بعض مطالبهم الضرورية كالماء والكهرباء والمدارس، ولكن الزائرين المتغطرسين سخروا من المواطنين واستثاروهم، ثم أمروا عناصرهم المسلحة بإطلاق النار عليهم، فقتلوا مواطناً وجرحوا عشرةً آخرين، ثلاثة منهم بجراحٍ خطيرة، وما لبثوا بعد أيام أن أمروا بحملة اعتقالات واسعة بين المواطنين.
3- مجزرة سجن تدمر:
الجرائم التي ترتكبها السلطة الغاشمة في المعتقلات الأسدية عامة وفي سجن تدمر الصحراوي خاصة، أكثر وأكبر من أن تتخيل وتدرك وتحصي، والتعتيم على ما يجري فيها، وطمس تلك الجرائم، جعلا نظام أسد يفضل قتل من فيها شنقاً ورمياً بالرصاص، على الإفراج عن معتقل واحد. يخرج ليروي للناس ما لقي هو وسائر المعتقلين من ألوان البلاء.. والأفراد النوادر الذين نجاهم الله من ظلم أسد، رووا من الوقائع الرهيبة ما يفوق كل تصور. ولسنا الآن بصدد الحديث عن سجن تدمر تفصيلاً، ولكننا نريد التحدث عن المجزرة الكبرى التي اقترفها الطائفيون الآثمون يوم 27/6/1980 عندما أمر السفاح رفعت أسد –شقيق الطاغية حافظ أسد- عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها.. لقد كلف رفعت صهره الرائد الطائفي معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين.. ونفذ الطائفيون جريمتهم الشنيعة فقتلوا أكثر من ألف ومئة معتقل في زنزاناتهم(1).
4- مجزرة سوق الأحد بحلب:
بتاريخ 13/7/1980 هاجمت عشرون سيارة عسكرية محملة بالعناصر (سوق الأحد) المزدحم بالناس الفقراء البسطاء من عمال وفلاحين ونساء وأطفال، يؤمون هذا السوق الشعبي الواقع في منطقة شعبية في مدينة حلب، من أجل ابتياع ما يحتاجون إليه من الباعة المتجولين على عرباتهم وبسطاتهم.. وأخذت تلك العناصر المسلحة تطلق النار عشوائياً على الناس، فسقط منهم /192/ مئة واثنان وتسعون قتيلاً وجريحاً.
5- مجزرة سرمدا:
كانت تعيش هذه القرية الأثرية المشهورة بعواميدها الأثرية، حياة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من الأرض التي يكدح أهلها الفلاحون بحراثتها وزرعها، وفي يوم 25/7/1980 طوقتها قوات (الوحدات الخاصة)، ثم داهمتها وفتكت بنسائها ورجالها الذين جمعت ثلاثين منهم في ساحة القرية، ثم أطلقت نيران الرشاشات على 15 ثم ربطت بعض شباب القرية بالسيارات والدبابات، وسحلتهم أمام الناس وتركت الجثث الأخرى في القرية.
6- مجزرة حي المشارقة بحلب:
في صبيحة عيد الفطر يوم 11/8/1980 وفيما كان الناس يتزاورون مهنئين بعضهم بعضاً بالعيد، وإذا المقدم الطائفي هاشم معلا يأمر رجاله بتطويق حي المشارقة الشعبي، ويأمر بإخراج الرجال من بيوتهم، ثم يأمر بإطلاق النار عليهم، فقتل منهم /86/ ستة وثمانين مواطناً أكثرهم من الأطفال.
7- مجزرة بستان القصر في حلب:
في اليوم التالي لعيد الفطر وللمجزرة التي ارتكبها المجرم هاشم معلا في حي المشارقة، أي في 12/8/1980 جمعت قوة من العناصر الطائفية في الفرقة المدرعة الثالثة التي احتلت حلب: جمعت خمسة وثلاثين مواطناً أخرجتهم من بيوتهم. وأطلقت عليهم النار فقتلتهم جميعاً.
8- مجزرة تدمر النسائية:
هذه المجزرة فريدة بين المجازر التي ارتكبها الطغاة عبر التاريخ ففي 19/12/1980 حفرت (بلدوزرات) نظام أسد أخدوداً كبيراً. استاقت إليه مئة وعشرين امرأة. كانت سلطات أسد اعتقلتهن كرهائن من أمهات الملاحقين وأخواتهم. وأودعتهن في سجن تدمر الصحرواي، ثم أطلقت عليهن النار، وهنّ على حافة الأخدود، فوقعن فيه مضرجات بدمائهن. ثم أهال المجرمون التراب عليهن. وبعضهن يعلو أنينهن. إذ لم يفارقن الحياة بعد.
9- من مجازر مدينة حماة:
كانت مدينة حماة –وما تزال- بحكم التكوين النفسي والديني والوطني والتاريخي لسكانها، الهاجس الذي أقلق رأسي النظام الأسدي: حافظ ورفعت. حتى بلغ الأمر بالسفاح رفعت أن يصرح أكثر من مرة، أنه سيجعل المؤرخين يكتبون: أنه كان في سورية مدينة اسمها حماة.. وأنه سيبيد أهلها، لتكون عبرة لغيرها من المدن السورية. ومن هنا.. من رأسي النظام كان مصدر البلاء، وكانت الكوارث التي صبها الطائفيون على مدينة أبي الفداء، حتى فكروا بتغيير اسمها، وفيما يلي أبرز المجازر التي أقدموا عليها:
أ- المجزرة الأولى: تعرضت مدينة النواعير لأول مجزرة جماعية في نيسان 1980 عندما حوصرت من كل الجهات، وقطعت عن العالم الخارجي. وقطعت عنها المياه والكهرباء. وفتشت بيتاً بيتاً وقتل المجرمون عدداً من أعيان المدينة وشخصياتها. كما اعتقل المئات الذين لم يفرج عنهم حتى تاريخ هذا الكتاب.
ب- المجزرة الثانية: في 24/4/1980 طوقت المدينة بالدبابات وبقوات كبيرة من الوحدات الخاصة. مدعومة بمجموعات كبيرة من سرايا الدفاع وأعملوا بالمواطنين قتلاً وتعذيباً. فاستشهد من أبناء حماة ثلاثمئة وخمسة وثلاثون مواطناً ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات العامة، ولم يسمح بدفنهم إلا بعد عدة أيام.
تحضير السلطة للمأساة الكبرى:
نماذج من ممارسات السلطة قبيل المجزرة لقد تضافرت الأدلة –داخلياً وخارجياً على نية النظام السوري تجاه مدينة حماة وأهلها، منذ سنوات.. فقرار حمامات الدم في سورية كلها متخذ منذ عام 1980م، وأحداث نيسان عام 1981م، ولما استطاع أهل حماة ومجاهدوها أن يمنعوا السلطة من اجتياح المدينة، وجدت مخاوف من أن تنتقم السلطة في فرصةٍ قادمة، ومحافظ حماة (خالد حربة) اعترف في خطابه بمعمل البورسلان بعد المجزرة أنه هو الذي منع حدوثها قبل موعدها المقرر بسنتين، في يوم 11/ تشرين الأول عام 1981م حرضت السلطة أجهزتها القمعية في حماة على اضطهاد أبناء المدينة لأي سبب، فتحركت فروع المخابرات والكتائب الحزبية المسلحة يعيثون في المدينة فساداً، وأرسلت بتاريخ 7/ كانون الأول عام /1981م عدة آلاف من سرايا الدفاع لاضطهاد الشعب واعتقال آلاف المواطنين، من كل القطاعات، وعلى مختلف أعمارهم وثقافاتهم ومعتقداتهم الدينية. وكانت المدينة منذ 11/ تشرين الأول عام/1981م تعيش أقسى أيامها بمناسبة تبديل البطاقات الشخصية، إذ نصبت السلطة حواجز ثابتةً وطيارة تفاجئ المواطنين للكشف عن هوياتهم وأمرتهم أن يسيروا رافعي الأيدي بالهويات أو أن يعلقوها على الصدور، واتخذت ذلك ذريعةً لإهانة المسنين والنساء وما تبقى من الأطباء والمهندسين بالضرب والسباب. ولم يرعوا حرمة النساء اللواتي ينزع عنهن سترهن أو يضربن بالعصي وأعقاب البنادق، ومن الأمثلة الشائعة تفتيش المواطن والمسدسات مسلطة على رأسه أو ضربه وشتمه إذا تشابهت كنيته بأحد الملاحقين، أو تطويق حي بأسره، وإخراج الناس لإذلالهم وامتهان كرامتهم، وذلك بإدارة وجوههم إلى الجدار رافعي الأيدي ساعات ثم اختيار أفرادٍ بعينهم لحلق نصف شعر الرأس لأحدهم، أو حلق أحد طرفي شارب الآخر، أو نتف لحية شيخ مسن أو حرقها بقداحات الغاز، وقد طلب من أحد الرجال المسنين في (حي البارودية) -وهو يبغ السبعين- أن يرقص بالقوة، فعاد إلى بيته ولم يخرج حتى مات كمداً بعد شهر، ومن أنواع الاضطهاد إرغام المارة على الاستلقاء أرضاً ورفع الأرجل في الهواء لتلقي وابل العصي والكرابيج، ثم الدحرجة على منحدر. أما إذا اتهم أحد الناس باستقبال أحد الملاحقين، فإنهم يمسكون المتهم من يديه ورجليه، ويلوحون به في الهواء يقذفون به من سطح بيته إلى الشارع مهما كان الارتفاع، ويطلبون من آخرين في الساحة الرئيسة الركوع لحافظ أسد، ويرفض أحد المواطنين فتفقأ عينه حتى يركع، ثم يرفض فيقتل، وإذا استجاب المواطنون تحت وطأة الحصار وتهديد السلاح للهتاف لحافظ أسد، ضحك ضباط الوحدات الخاصة وعناصر سرايا الدفاع مقهقهين قائلين: لقد أحب أهالي حماة حافظ أسد غصباً عنهم، وقد تعود أهل المدينة على تنبيه بعضهم قبل إحكام التطويق على أحيائهم بإطلاق النداءات وقرع الأبواب، تمهيداً للهرب والتواري، كما تعودوا أيام الجمع أن تتفقد النساء رجالهن بعد صلاة الجمعة، لأن السلطة -من عادتها- أن تطوق مسجداً أو أكثر في كل جمعة، وتخرج المصلين في سياراتها العسكرية، لتنتزع منهم الاعترافات تحت التعذيب الوحشي، حول المجاهدين والمواطنين المعارضين للسلطة، فيعود الرجال والكهول والفتيان مكسوري الخاطر، لا يستطيعون المشي على الأقدام المدماة المتورمة، أحذيتهم بأيديهم، وأبصارهم منكسة إلى الأرض، فيهرع الأطفال يتعلقون بالآباء ويجهشون بالبكاء، ويحمدون الله تعالى أن كان العدوان على غير الأعراض، ولم يسلم المواطنون المسيحيون من الاضطهاد، فقد صوب أحد عناصر السلطة في القلعة سلاحه وضرب صليب كنيسة السيدة العذراء الكائنة في (حي المدينة) فكسره، كما تطاول عناصر السلطة على بناتهم فتحرشوا بهن، كما دوهمت بيوتهم بحجة البحث عن السلاح والملاحقين، وحقروا مطران حماة بشكل بشع فهاجر إلى أمريكا، ومثلما تحرشوا ببنات المواطنين المسيحيين تحرشوا ببنات المواطنين عامة في الطرقات وألزموا المارة بعدم التطلع إلى عناصر السلطة أو التحديق في سياراتهم، وبحجة هذه التهمة اعتدوا على المواطنين في الشوارع أو نقلوهم إلى المعتقلات، وبلغ الظلم والاستفزاز أوجههما حين عمدت السلطة إلى تفجير البيوت بألغام الديناميت على أثر وشايةٍ أو تقرير من أي عميل يفيد أن أحد المعارضين زار البيت أو تردد عليه، ويتم التفجير بلا إنذار لإخلاء البيوت أو السكان المجاورين، بل يطلقون على الجيران النار رشاً لأنهم لم يبلغوا على وجود عناصر معارضةٍ للسلطة، وفيما يلي نورد عدداً من أسماء البيوت التي فجرت قبل شهر شباط:
- تفجير بيت عبد الكريم قصاب في حي الشيخ عنبر.
- تفجير بيت لآل مريوما (مسلم الطماس) في حي الشيخ عنبر.
- تفجير بيت نزار عمرين في حي العليليات.
- تفجير بيت أحد قنفوذ في حي الفراية.
- تفجير بيت حمدو الخرسة في حي السخانة.
- تفجير بيت الشيخ أحمد بوظان في حي العليليات.
- تفجير بيت هاني الشققي في حي الباشورة.
- تفجير بيت بشر الشققي في حي الباشورة.
- تفجير بيت هاني علواني في حي العليليات.
- تفجير بيت الشيخ نافع علواني في حي (شارع الشيخ علوان).
- تفجير بيت عبد الرزاق خطاب البارودي في بساتين حي البارودية.
- قصف بيتين آخرين في حي الصابونية.
- تفجير بيت لآل دبش في حي العليليات.
- تفجير بيت الحاج عبد الحمد حواضرية في حي العليليات.
- تفجير بيت نعسان عرواني في حي البارودية ومع تهديم بيتٍ لآل علواني تهدمت أربعة بيوت لآل العلواني والصمصام والغرابيلي والنجار وثلاثة بيوت أخرى تضررت أيضاً، كما أصيبت زاوية الشيخ علوان (التي تضم ضريحه) وتهدم جدار منها. هذه أمثلة لما اقترفته السلطة من جرائم أو تفجير بيوت، قبيل المجزرة الكبرى أما ما فجرته من بيوتٍ قبل ذلك في حماة، فيوجزه كلمة للشهيد الدكتور عمر الشيشكلي (نقيب أطباء العيون في سورية): دعوا الزوار الذين يزورون خرائب القنيطرة, أن يزوروا خرائب حماة فهي الأولى"، والجدير بالذكر أن الدكتور عمر الشيشكلي أحد ضحايا الدفعة الأولى في حماة (في نيسان: أبريل 1980م) على أيدي (الوحدات الخاصة)، حين قامت هذه الوحدات بتمشيط المدينة كلها. ونكلت بعدد من وجهائها منهم- الدكتور عمر الشيشكلي 45 عاماً رئيس جمعية أطباء العيون في سورية –قلعت عيناه وألقيت جثته في حقل قرية مجاورة للمدينة- خضر الشيشكلي (80عاماً) أحد زعماء (الكتلة الوطنية) وصاحب (بيت الأمة) أيام العمل ضد الاستعمار الفرنسي.
حرقوه بصب الأسيد عليه في بيته. ثم نهبوا ما فيه من تحف أثرية.
- الدكتور عبد القادر قنطقجي طبيب جراحة عظمية. ألقوا جثته بعد التعذيب، على طريق الشيخ غضبان على بعد /30/ كم عن المدينة، المزارع أحمد قصاب باشي 55 عاماً قلعوا أظافره وقطعوا أصابعه قبل أن يقتلوه، استعدادات السلطة لأحداث شباط (فبراير) يعتبر اليوم الأول من أحداث حماة من أهم الأيام، إن لم يكن أهمها، لأنه ينطوي على ملامح المؤامرة التي خططت لها السلطة، بما جهزت له مسبقاً من قوات، وبما أعدت قبله من إدارة للعمليات، حتى باشر قيادتها رفعت أسد بنفسه، حاكماً بأمره مطلقاً. فمنذ اليوم الأول كان في مدينة حماة وحولها حشود مسلحة نجملها بما يلي:
سرايا الدفاع: تتمركز في (مدرسة الإعداد الحزبي) و(نقابة المعلمين) و(معهد الثقافة الشعبية) و(الملعب البلدي) وحديقة بجانب (القلعة) وأمام (مخفر الجراجمة) ويقدر عددها بـ1500 عنصر مسلحين بأحدث الأسلحة الفتاكة.
الوحدات الخاصة: تعسكر في منطقة (سد محردة) المجاورة للمدينة، وهي مشاة محمولة بطائرات الهيلوكبتر، لديها أسلحة مضادة للدروع ورشاشات متوسطة وثقيلة. ويقدر عددها بـ/1500/ ضابط وصف ضابط وجندي، المخابرات العسكرية: تتمركز في منطقة (الصابونية). لديها أكثر من عشرين مصفحة للمداهمات، ولا يقل عدد عناصرها عن /350/ عنصراً، المخابرات العامة: تتمركز في (حي الشريعة) وتتألف من /150/ عنصراً، الشعبة السياسية: تتمركز في حي (طريق حلب) وتضم أكثر من /200/ عنصر، الكتائب الحزبية المسلحة: تتألف من /1200/ عنصر، بينهم /400/ عنصر تخرجوا في دورات المظليين، وكثير منهم غريب عن المدينة، اللواء /47/ المدرع، يقوده العقيد الطائفي نديم عباس، يرابط في جبل (معرين) على بعد /7/كم من حماة على طريق حمص، تابع مباشرة للقيادة العامة (الأركان)، يتألف من ثلاث كتائب من الدبابات، كل كتيبة تضم /31/ دبابة، بالإضافة إلى تسع دبابات للاستطلاع، وأربع دبابات للقيادة. وأنواع دباباتها (ت 62)، ويضم هذا اللواء أيضاً كتيبة مشاة مدعومة بـ31 ناقلة جنود مدرعة، وسرية مدفعية ميدان، وسرية مدفعية مضادة للطائرات، وآليات حاملة لصواريخ أرض جو حديثة، ومن الجدير بالذكر أن هذا اللواء جيء به من جبهة الجولان إلى حماة بعد حوادث الدستور المشهورة عام 1973 ليتربص بمدينة خضبت ثرى فلسطين والجولان بدماء أبنائها، إدارة العمليات حتى اليوم الأول.
مرت إدارة العمليات القمعية في مدينة حماة قبل أحداث شباط بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: انتهت في بداية تشرين الأول 1981م حين كانت القيادة الأمنية تتألف من خمسة مسؤولين هم: أمين فرع الحزب في حماة (أحمد الأسعد) محافظ حماة (محمد خالد حربة) رئيس فرع المخابرات العسكرية (العقيد الطائفي يحيى زيدان) رئيس مخابرات أمن الدولة (راغب حمدون) رئيس الشعبة السياسية (المقدم وليد أباظة) وكان صاحب القرار فيهم وموضع الثقة والثقل، يحيى زيدان: رئيس المخابرات العسكرية الطائفي.
المرحلة الثانية: تبدأ مع بداية تشرين الأول 1981م حين انتدب المقدم مصطفى أيوب وهو من متاولة جنوب لبنان بنت جبيل، هاجر أهله إلى منطقة درعا ثم تخرج على يدي العميد الطائفي محمد الخولي، ورأس مخابرات أمن الدولة في حماة بدلاً من الرائد راغب حمدون، لأنه حموي، فاستطاع مصطفى أيوب الدمج والتنسيق بين فرعي المخابرات العامة في كل من حمص وحماة وأصبح مجموع العناصر التابعة له 600 عنصر، كما استعان بالكتائب الحزبية المسلحة.
المرحلة الثالثة: تبدأ في 7/12/1981م بتفويض المقدم الطائفي علي ديب قائد سرايا الدفاع في حماة مطلقاً بالمدينة فاحتل في منطقة السوق ما يزيد عن عشرين موقعاً من مبانيها ومؤسساتها، وما يزيد عن عشرة مواقع في منطقة الحاضر، وعزز تلك المواقع بإقامة حواجز ثابتة أمامها، فضلاً عن الدوريات المكثفة في كل مكان، لكن سرايا الدفاع انسحبت من كل هذه المواقع في أواخر كانون الثاني 982 وتجمعت في مراكزها الرئيسية التي أشرنا إليها آنفاً تمهيداً للقيام بدورها في المخطط التآمري، لاجتياح مدينة حماة، رفعت أسد يدير عمليات المذبحة هذه الوقائع تؤكد صحة ما جاء في التقارير التي تسربت عن اجتماعات (المجلس الأمني الأعلى) لنظام أسد في أيلول 1981م فقد أصدر ذلك المجلس أمراً إدارياً برقم 184 يقضي بتعيين اللواء رفعت أسد آمراً عرفياً لمناطق دمشق وحماة وحلب، وتسمية حماة منطقة عمليات أولى خاضعة لأوامر الحاكم العرفي، وانتقال 12 ألف عنصر من سرايا الدفاع إلى حماة والإذن لعناصر السرايا هذه بالقتل العشوائي، ومضايقة أسر المطلوبين ليسلموا أبناءهم الملاحقين، كما رفع مرسوم جمهوري إلى (مجلس الشعب) يقضي بمصادرة أموال كل من تثبت عليه تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين أو الارتباط بهم أو تقديم أي عون أو مساعدة لواحد منهم، وفوض رفعت أسد وسراياه بعمل ما يراه مناسباً في تلك المناطق، دون العودة إلى المجلس الأمني لأخذ رأيه أو استشارته، وكان المقدم الطائفي علي ديب قائد سرايا الدفاع في حماة هو نائب رفعت أسد، يطلعه على سير العمل في المدينة أولاً بأول، حتى إذا ما تفجر الوضع العام في المدينة، بادر رفعت إلى حماة ليدير عمليات التدمير والتخريب بنفسه، ففي اليوم الأول للأحداث، التقطت مكالمات لاسلكية لرفعت وهو في حمص. أما في اليوم الثالث للأحداث، فقد أفاد جندي أسير من عناصر سرايا الدفاع، أن رفعت موجود في ثكنة المدينة المطلة على منطقة القلعة (الشرفة)، وفي هذا اليوم انتقل رفعت إلى منطقة الملعب البلدي، وأشرف بنفسه على مذبحة يوم الخميس الحزين، الخطة القتالية التي طبقها النظام على حماة إن الخطة القتالية التي نفذتها سلطة أسد في شباط 1982م لم تكن جديدة كل الجدة، بل هي ثمرة تجارب وممارسات سابقة، طبقتها في مدينة حماة، وفي عدد من المدن السورية، فقد سبق لهذه السلطة أن حاصرت المدن الكبيرة (حلب وحمص وحماة) ومشطتها حياً حياً، كما سبق لها أن ارتكبت مجازر جماعية في العديد من الأماكن: (في حي المشارقة وحي بستان القصر وحي سوق الأحد بحلب، وفي حي بستان السعادة بحماة، وفي حي السوق بجسر الشغور، ومجزرة سجن تدمر التي تناولت كل المعتقلين فيه) كما سبق للسلطة أن استخدمت أسلوب الاستفراد: أي أن تنفرد بكل محافظة، أو مدينة على حدة بالبطش، وعدم مواجهة كل تلك المدن مجتمعة، أما أهم تطور في أحداث شباط 1982م فهو أن نظام أسد قرر استباحة مدينة حماة بأسرها، وهذه سابقة لا مثيل لها نوعاً وكماً، إذ لم توفر الأبرياء ولا العناصر الحزبية المنتشرة بين المواطنين، كما سنرى، إن الخطة التي نفذها نظام أسد في تدمير حماة، يمكن تسميتها بـ (الوأد الجماعي) فقد حوصرت المدينة من كل الجهات، ثم قصفت بالمدفعية الثقيلة قصفاً عشوائياً، تمهيداً لاقتحامها بالدبابات والآليات، في الوقت الذي تخوض فيه عناصر سرايا الدفاع والوحدات الخاصة حرب الشوارع) ضد المواطنين العزل، يرافق ذلك كله تعتيم إعلامي شديد في الداخل والخارج، ليدفع قوى المعارضة إلى ما يشبه اليأس ويضلل الجيش النظامي، ويخفي الحقائق عن أبناء الشعب في بقية المحافظات وعن الرأي العام العربي والعالمي.. إلى جانب اعتماد السلطة الباغية على البطش الشديد السريع العشوائي، ليكون الأداة الفعالة في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية والنفسية في آن واحد، إن كل حمامات الدم التي أغرق النظام المدن السورية وريفها فيها قبل استباحة حماة، قد ثبت إخفاقها في تحقيق أهداف طاغية سورية، بل إنها أعطت مردوداً عكسياً، فهل استطاع نظام أسد بهذه الكارثة المروعة تحقيق ما سعى إليه؟ إن الثورة السورية المباركة اليتيمة كانت الكفيلة بالجواب على هذا السؤال.
وفي الختام لا يسعنا الا أن ندعوا الله أن يخلصنا من حكم الطغاة وأن تنعم بلاد الشام بالأمن والأمان بعد أن تتخلص من نجس النصيريين والأقليات وكل من وقف مع الأسد .
لحظة الصفر بين المجاهدين والنظام:
منذ عام 1980 / 7 /7 أعلنت السلطة السورية القرار رقم 49 والذي يحكم بالإعدام على من ينتسب لتنظيم الإخوان المسلمين وشعر عناصر الإخوان جميعاً أنهم مواجهة أمام الإعدام بدون مهلة لحل التنظيم (السري طبعاً) وحتى بدون عفو عما سبق, وكان القتال والتسلح والدفاع عن النفس هو الأكثر فرصة للبقاء كما أنه كان عاملاً منهياً للتردد في مقاتلة النظام, فقررت القيادة أن تقف بشجاعة أمام القرار وتتحمل مسؤلياتها في ذلك, علماً أن المواجهة مع تنظيم الطليعة الذي أسسه الشيخ مروان حديد كانت مستمرة.
فتحت الحكومة العراقية معسكرات التدريب للإخوان والطليعة في معسكر التاجي في العراق, كما بدأت تدريب اللاجئين البعثيين السوريين(على قلتهم) في معسكر آخر.
طلب الإخوان من طه ياسين رمضان (عضو مجلس قيادة الثورة في العراق ومسؤول الاتصال) أن يدخل عناصر شابة من الإخوان في الكلية الحربية فرفض الطلب, وكان الإخوان يدركون مشكلة عدم وجود عناصر عسكريه تابعه لهم بالجيش السوري طوال التاريخ, (وبتدبير مقصود من خصومهم المستعمرين والطائفيين والعلمانيين المعادين), كما أن الإخوان يريدون بناء الكادر العسكري الأول للتدريب الذاتي, وبناء جيش ذي رتب عسكريه في الخارج ليكون نواة لجيش جديد في الداخل بعد ذلك, لكن الحكومة العراقية أحضرت فقط دبابة لتدريب الإسلاميين في المعسكر, بينما كان أحد مساعدي الصف الهاربين من الجيش السوري يعمل مدرباً في المعسكر وقد خرّج هذا التدريب مدربين آخرين وآلاف المدرّبين, وكانت مدة التدريب أقل من شهر وكان تدريباً قاسياً, حيث يعود بعدها العناصر لأعمالهم في دول الإقامة بانتظار ما سمي بالحسم حيث لحظة الصفر.
وقد أعطى النظام العراقي وقت بث إذاعي مقسم بين الإخوان والبعثيين.
نزل المهندس خالد الشامي (وكنت أعلم أنه صوفياً متفتحاً) إلى السعودية أواخر عام 1981 (وكان خالد هو المسؤول عن التنسيق بين التنظيم العسكري الموالي للثورة على النظام, وتنظيم الإخوان بعد أن توحد مع الطليعة قبل ال82 بقليل بقيادة القائد عمر جواد).
وحدد خالد مع القيادة والمراقب العام الدكتور حسن هويدي لحظة الصفر, وهي بعد ستة أشهر من تاريخ اللقاء والتي رآها الدكتور حسن بأنها ضرورية لتجديد اللياقة البدنية لمن تدربوا سابقا, وكانت الخطة بأن يعلن الحركة باسم حركه تصحيحيه جديدة ,من قبل قائد الانقلاب العميد تيسير لطفي ومجموعته العسكرية, وكان من المتوقع انضمام الكثير من عناصر الجيش بعد أن تعلن الحركة .
وكان عدد الأفراد الحلبيين المدنيين الهاربين في الدول المحيطة جيداً لأن قواعدهم كشفت, واستشهد قسم منهم بينما غادر الباقون للأردن والعراق للإقامة ( ويبدوا أن أهل دير الزور قد غادر معظمهم للعراق القريب كذالك) وكذالك من شباب إخوان حمص, وقد تدرب الجميع في المعسكرات وجلسوا فيها أو في بيوت جماعية في الأردن والعراق ينتظرون المهمات أو لحظة الحسم.
وصل خالد الشامي لسورية, وما هي إلا أيام وتم استدعاؤه للأمن فذهب للأمن مطمئناً بسبب علاقته بضباط الأمن الكبار (والذين كان يهديهم البدلات الغالية من السوق الحرة), ثم حققوا معه وتركوه ليقينهم بأنه ليس المعني, لكنهم عادوا لاعتقاله عندما قالت الجهة الواشية إنه هو المعني تماماً (وسيأتي اليوم الذي استطيع به ذكر سر الانكشاف فعندي تفصيله من عضو داخل القياده القطرية), ثم ظهر خالد الشامي على شاشة التلفزيون يقول: بأنه هو مسؤول الإتصال وبأنه يوجد تنظيم عسكري وأنه يوجد في حماه قوه شعبيه مقاتله وهي تعادل لواء عسكري ينقصها السلاح (هذا الكلام فيه مبالغة ومطلوب منه قوله من السلطة) لكنها ستحصل على السلاح الكافي من الانقلابيين.
وفهمت السلطة أنه توجد أربع قوى مسلحة.
1 ـ القوى في الجيش السوري.
2 ـ تنظيم الإخوان والطليعة ( الموحد) داخل سورية.
3 ـ وقوة الإخوان والطليعة المتدربون بالخارج.
4 ـ قوة البعثيين السوريين المقيمين في العراق
5 ـ بالإضافة للقوى المتوقع انضمامها عند إعلان المعركة (لله والتاريخ أنني قد التقيت صدفة بالأخ هشام جنباز مسؤول الطليعة مرة وسألني ما رأيك بما يحصل فقلت له إنكم ستتسببون ببركة كبيرة من الدم دون أن تسقطوا السلطة, وقد قلت هذا لأنني لم أكن أعلم أنه يوجد هناك تنظيم عسكري في الجيش أو أنه كان لم يتشكل بعد (لأن الجيش يحتاج رؤية الثبات النضالي في الشارع لينضم لأي ثوره).
وهنا قررت السلطة الهجوم، ودفعت خالد للقول بوجود القوة مقابل الحفاظ على حياته (وقد اعتقل مدة عشرون عاماً تقريباً وخرج)
وقع التنظيم العسكري بكامله في قبضة السلطة فكسر أحد أجنحتي الصقر وضربت بهذا الإستراتيجية الموضوعة, (ذلك أن حرب العصابات لا تستطيع التحول لتواجه الجيش النظامي وليس لديها الجبال والغابات).
ولم يكن هذا فقط بل وبدأ الضغط على حماه لكسر الجناح الثاني:
كان الناس يجمعون في الساحات العامة ليرفعوا أرجلهم جميعاً مرة واحدة ولينتظروا الضرب وليرقص مسنّوهم والتفتيش العنيف على الهوية في الشوارع الرئيسية والأزقة الضيقة والكمائن المفاجئة, والزج بالسجون بدون مبرر, كما دعيت عناصر الأمن من مدينة حمص لحماه للمشاركة في الضغط, وكانت عناصر التنظيم تتخذ من البيوت قواعداً عبر مخابئ أتقنوها ومشافي تحت الأرض عملوها.. وكان استعمال اللاسكي مشكلة في حال الثبات لأنه سيكشف مكان الاتصال عبر راشدات الجيش السوري, وكان الاتصال مع الخارج عبر مراسل فقط.
وأخذت الدولة راحتها بسبب عدم تمكن المجاهدين من حماية السكان وأصبح الضغط لا يطاق, واكتشفت السلطة مركز قيادة المجاهدين في حي البارودية وطوقته, ثم هبّت بعض المجموعات لكسر الطوق عن القيادة, وهبّت السلطة لنجدة نفسها وانفجرت الأوضاع , ومباشرة بدأت السلطة عبر اللواء 47 (المتمركز جانب حماه دائماً لحماية السلطة) بقصف جميع مآذن المساجد الساعة الثامنة والنصف صباحاً كأول إجراء عسكري ضمن إحداثيات مدروسة مسبقا على مايبدوا, وسيطر المجاهدون (كما كان يسميهم أهل حماة) على المدينة ولم يعلنوا إمارة إسلامية كما يدعي الكاذبون من أزلام النظام, بل أعلنوا إسقاط حكم الفساد الديكتاتوري السلطوي الطائفي الأمني الأسدي وهذه هي فقط كانت شعارات كل من كان ضد النظام وقتها.
وتصدى المجاهدون لعملية شق المدينة نصفين باللواء 47 لترتع عناصر الجيوش الطائفية في الشوارع والأزقة التي توهتهم فاستعملوا الحبال الطويلة كما في نزلة سوق الشجرة.
وكانت الجيوش كلها في الجريمة (سرايا الدفاع وسرايا الصراع والوحدات الخاصة وفتيان علي ـ التركية من إسكندرونة ـ وقد نشرت هوية مقتول من الفتيان في مجلة النذير) وبدأ القتل العشوائي بلا عقل ولا رحمة ولا اعتبار لأخوة الوطن, وقتل الجميع عدا المشايخ بدون طلب هوية أو بمعرفة اسم المستهدفين وبجميع الأسلحة وبمعدل يومي مدروس, (فقد وجه جندي من الوحدات البندقية لقتل شاب قرب حي العصيدة وجاءه الاتصال اللاسلكي للجندي وقتها بأن القتل قد بلغ حده المطلوب اليوم فقال للحموي روح حظك كبير)ويبدو أنه كان بمعدل حوالي ألف إلى ألفين يومياً, (وهي 1500 يومياً على قول رفعت أسد) وكان حافظ الأسد على علم بالقتل, فحين قتل صفوان فخري وأخيه في حي سوق الشجرة في اليوم الثالث للغزو ذهب قريبهم العميد وليد حمدون عضو القيادة القطرية وأبلغ حافظ الأسد بأن القتل عشوائي ولا يميز فأظهر حافظ مفاجأته الكاذبة (كابنه بشار) لكن القتل استمر رغم علم الرئيس, وبالأحرى لقد بدأ واستمر بإدارة الرئيس نفسه وبطولة أخيه المجرم رفعت (يروي عبد المسيح ليّون من منطقة وادي النصارى أنه اجتمع مع رفعت الأسد قبل المجزرة بأيام وأنه حدّثه بما سيفعل في حماه وقال عبد المسيح: لقد نفذ بالفعل تماماً كل ما قاله) ومما يثبت مسؤولية حافظ الأسد أن الجيوش العسكرية الطائفية وكذلك الجيش النظامي ترتبط به مباشرة ولا تلتقي إلا عنده.
وفي الخارج دُعي الإخوان للنفير الطارئ وحضر بين ألف وألفي متطوع عبر الأردن للعراق براً (لعدم وجود طيران عراقي مدني مباشر) وبدأت إعادة التدريب للياقه, كما اشتروا عدداً كبيراً من سيارات الجيمس من الكويت بمساعدة أبو بدر المطوع (مسؤول الإخوان في الكويت) وجماعته لتحمل المقاتلين للداخل وعلى أن يتوجّه الإسلاميون (الإخوان وغيرهم من الجبهة الإسلامية) إلى المناطق الشرقية ويتجه البعثيون لحلب ولمركز الإذاعة فيها, وما أدري عددهم إلا أني أحسبهم لا يتعدوا 300 شخص وليس لهم في الداخل قواعد مثل الإخوان (وكانوا لاجئين سياسيين في العراق ولهم التكريم المفضل عند السلطة), فهل كانوا سيقاتلون فعلاً! أم هم بعثيون سوريون كما نعرفهم في الجولان!)
وبسبب الوقت الذي استغرقه وصول العناصر الإسلامية السورية المتحمسة لتحرير بلادها من كل دول العالم والإعداد والتدريب (وبالإضافة لعدم توفر الاتصال الهاتفي الذي قطعته الحكومة عن حماه أو حتى بديل عنه من أجهزه لاسلكي) فلم يكن من الممكن نزول المتطوعين الذين جمعهم النفير لعدم توفر وضوح الرؤية, وبالفعل فقد فقدَ المجاهدون السيطرة على البلد خلال فترة التجمع والإعداد, وكان القتل مذهلاً لذا كان نزول المتطوعين مغامرة ستؤدي للمزيد من الخسائر في معركة مجهولة ولحظة صفر حددها النظام, وكان القهر والحماس والتوتر والحيرة والقلق هم أسياد الموقف ولذا تقرر فضّ النفير بعد وصول معلومات جمعتها أنا من السائقين.., (ويبدوا أن حكومة العراق لم تكن مستعدة كذلك لتغطية المقاتلين بالطيران والدخول في حرب بينما حربها مستمرة مع إيران, واقترحت قصف القوات المطوقة للمدينة بالهاون).
وقد تبين أن أمريكا كانت تراقب الوضع بالأقمار الصناعية لكن وجود النظام كان أفضل من أي أحد آخر.
ورجع المتطوعين للعمل بدولهم بالخارج وهم في قهر شديد.
ولا بد أن أشير هنا إلى أن عدم وجود معاصي لحرب العصابات كان له الأثر الأكبر على مسار الصراع، وكان الشيخ مروان حديد يعلم أن الاغتيالات وحدها لا تسقط النظام, لكن العناصر المقاتلة تبدأ بالانضمام بأعداد كبيره من خلال العمل الثوري, لتتسع وتشكل مجموعات كبيره تثبت بالشارع وتستميل الجيش لينضم بدباباته وطيرانه ليكونان قوة مشتركة.
بل وعندما بدأ الإخوان مناقشات التسلح وكلفوا الأخ القائد المقتدر والشجاع عمر مرقة رجوته بأن يبدأ بتنظيم كبير يهز سورية فقال هذه هي خطتنا وهي البدء بـ(10000)مقاتل, وكانت قوة الاستخبارات وبطشها تعيق الخطط النظرية المرسومة للطليعة والإخوان. وأعتذر لتكرار القول والتفريق بين الطليعة والإخوان خلال كتابتي فعناصر الطليعة هم بالأصل عناصر إخوانية آمنت بالكفاح المسلح مبكراً وانضمت فردياً وسراً وبدون إذن تنظيم الإخوان. ولإظهار التداخل بين الإخوان والطليعة فقد أرسل لي الأخ الشهيد عبد القادر فاعور (قبل إعدامه) من الزنزانة التي أوقف بها في سجن المزة رسالة مع الأخ خلدون مرقه قبل اعتذاراً لأنه كان منظماً عندي في حلقة أديرها, وكان في الوقت نفسه في تنظيم الطليعة, كما وكنت في رفقة الشيخ القائد الشيخ مروان حديد خلال تواريه في دمشق مدة سنتين مع أني مختلف معه في طريق العلاج للواقع كما سترى في مقالاتي عنه.
ما خلفته المجزرة الكبرى:
لقد تعودت الوحوش أن تأكل غيرها لكنها لا تأكل أبناءها.
فالحاكم هو أب يحمي شعبه ولا يقتل أفراده بسلاح دفعوا ثمنه له ليدافعوا به عن أنفسهم أمام الأعداء. وقد قتل حافظ الأسد بهذا السلاح الكثير من شعبه في حلب وتدمر وجسر الشغور...
لكن قتله كان هنا أشد فقد قتل 5 إلى 10 بالمئه من شعب مدينة حماة واعتقل 20 بالمئة من السكان وهدم 5 أحياء هدماً كاملاً عدا غيرها الكثير, وظل بعدها حاكماً وبكل وقاحة بل وسلم ابنه بعده .
وفي إحصاء أجريته بنفسي بعد الأحداث مباشرة عبر استمارات الاستبيان التي جمعتها تبين لي أن 70 بالمئة من الشهداء كانوا متزوجين، وكان كل متزوج قد خلف ما معدله الوسطي 3 - 2 ولد, وهكذا خلف كل ألف شهيد في المجزرة 700 أرمله و2240 يتيماً وهكذا كان الأيتام بعشرات الألوف, وكان معظم الشهداء تحت الثلاثون عاماً أي أن معظم الأطفال كانوا بين جنين في بطن أمه وحتى عمر 7 سنوات تقريباً .
وأغلبهم قد دمرت بيوتهم (وهاهم اليوم في الساحات وها هي أمهاتهم تنتظر القصاص)
مما ألقى علينا في لجنة المساعدات حملاً مادياً ثقيلاً. وآلمني أن امرأة قتلوا زوجها وقد مضى على زواجهما أقل من ثلاثة أيام
وتسألني كم كان عدد الشهداء في المجزرة فأقول لقد ورد الآلاف في كتاب حماه مأساة العصر وجمع أحد أصدقائي 13000 ثلاثة عشر ألف اسم وهو مقيم خارج سوريه وممنوع من دخولها, ونهبت محلات البسطاء والأغنياء وأصبح عشرات الألوف الذين هدمت بيوتهم بلا مأوى, كما يجب أن أشير إلى أن المفقودين في الأحداث والمسجل بعضهم في كتاب (حماه مأساة العصر) يجب أن نعتبرهم شهداء في الغالب. وقد تسألني لماذا في الغالب؟
فأقول لأن البعض خرج من السجن بعد عشرين عاماً ولم يكن هناك أي خبر يشير إلى حياته من أي سجين خرج من السجن أو من خلال مراجعة دوائر الدولة, وكان البعض قد سجله أهله متوفياً كما تقاسموا تركته ثم ظهر أنه سجينا بعد عشرات السنين.
والبعض الآخر خرج ليرى أن زوجته تزوجت والقصص في ذلك كثيرة, هناك رجل في حي الباشورة أخلي سبيله بعد حوالي 20 عاماً فجاء بيته في وقت متأخر ليلاً وقرع الباب فخرج له رجل فقال من أنت؟ فقال له أنت من؟
قال أنا زوج فلانة فقال أنا زوجها!! ودعاه للدخول للبيت وجلسا في غرفة الضيوف وعلم السجين أن زوجته تزوجت غيره بعد أن اقتنعت بأن غيبته كانت لموته, فكل الناس الذي أخذوا أصبحوا في علم الغيب هل هم في السجن أم هم أحياء, وكان العشرون عاماً بدون خبر عنه وهو محبوس في سجن صحراوي أو في زنزانة كان كل ذلك كافياً للاقتناع بأنه قد فارق الحياة منذ المجزرة أو أعدم فوراً في محكمة سجن هزلية. اذهبوا لحماه واسألوهم عن هذه القصص الشائعة جداً.
وقد تزوج الأستاذ أحمد غندور من زوجة شهيد وعاش معها في قطر وبعد 18 عاماً خرج زوجها من السجن وتبين أنه لم يمت.
وكان قد ترك زوجته حاملاً في أول حمل ليعلم بعد الخروج أن له بنتا بعمر 18 عام وأن زوجته تزوجت وغادرت البلاد كذلك مع ابنتها.
لكن السلطة هي وحدها التي تعلم حجم الجريمة التي فعلتها وخاصة أنها لم ترض تبليغ الوفاة للشهيد لتصفية الإرث المتعلق بأهله إلا أن يكتبوا شهادة بأن الإخوان المسلمين هم الذين قتلوه.
فمن حمل مسؤولية أهالي هؤلاء الضحايا؟
لاشك أن الترابط الاجتماعي القوي جداً في حماه كان هو الشبك الأول الذي حمى حماه اجتماعياً بعد المجزرة ونجم عنه التساند المادي لذا لم تجد في حماة متسولاً واحداً سواء كان طفلاً أم امرأة أم رجلاً.
وقد قمت بدراسة عبر استمارات عن الشهداء والمعتقلين والمفقودين وأولادهم وأملاكهم وكنا نرسل المساعدات المالية لكي تصل إلى ولي أمر الأرملة حسب الأدب الاجتماعي (أبو الزوجه أو أبو الزوج) وقمنا بتوزيع المساعدات على أهاليهم وكان التوزيع يتم عبر المقيمين في دول الخليج في الغالب,
وكان كل منهم يوصل لأقربائه (وأهل حيه عبر أقربائه) ومنها لداخل البلاد مباشرة, وكنا نشتري سوارات الذهب ونرسلها عبر النساء التي تزور أولادها في الأردن وغيرها وكذلك نرسل عبر سائقي الشاحنات, كما كنا نرسل عبر الحجاج في موسم الحج (وقد ذهبت اللجنة إلى الحج من أجل التوزيع) وكذلك في العمرة, لأن إرسال المبالغ الكبيرة لتوزيعها داخل المدينة كان صعباً جداً, ولتصوير الخوف والارتباك فلقد أرسلنا من يرمي النقود لزوجة شهيد من فوق الباب فأخذتهم للمخابرات (ظنت أن الأمن يجربها وقلوبنا على جوع أولادها)
وقد جربنا إنزال امرأة جريئة تقيم مع ابنها في الأردن واسمها أميرة البيطار فتطوعت لإنزال المساعدات المالية فوزعتها في حيها حي سوق الشجرة على المصابين, وبعد رجوعها للأردن طلبها الأمن السوري وقد ظلت مطارده إلى أن توفت في الخارج بعد 28 عاماً.
وكنا نعطي الزوجة 500 ليرة سورية ولكل ولد من أولادها مئة ليرة (وتزاد في حال صغر العائلة) وندفع لهم مصروف سنة كاملة في كل مرة, وكنا نشجع العائلة على شراء ماكينة صوف.. وقد قمنا بدفع تكاليف تشطيب شقة لعائلة ليكون لها دخل دائم منها (على سبيل المثال) وكنا نقدر فيما إذا كانت العائلة في بيت إيجار. وقد اشترى الإخوان بيوتاً أسكنوا فيها عوائل لتكون قاعدة لهم فلما غادروا ظلت الأمور معلقة.
ومن الجدير بالذكر أنه في البداية كان من الواجب مساعدة الجميع فالغني أصبح فقيراً مؤقتاً بسبب قلة السيوله.
ومن الأمانة القول إننا لم نميز في توزيع المساعدات أي سبب كان فكل الضحايا شهداءنا ومعتقلينا ومصابينا.
وأنا أعترف أننا لم نستطع الوصول للجميع ولكن يشهد الله أننا عملنا ضمن الممكن المتاح وقد غطينا أعداداً كبيرة جداً.
وكان الكل يشترط أننا لا نستطيع دفعها باسم الإخوان المسلمين ودفعوها باسمهم الشخصي لأقربائهم ومعارفهم ونالوا المحبة والثناء ونحن فرحون بأن تصل ونرجوا من الناس أن يذكروا أنها لم تكن منهم (حين يمكن ذلك) حتى لا يكونوا ممن قال فيهم الله (الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) وقد وزع على يد لجنتنا حوالي 5 مليون ولا ادري بعدها كم الذي وزع, وكان منا أخ يملك سيارة وقد سخرها لهذا العمل بدون مقابل.
كما كوّن الإخوان لجاناً لإيواء النازحين من حماه أو غيرها في الأردن والعراق, فما أن تصل العائلة حتى تعطى الأثاث الأساسي ويستأجر لهم بيت على حساب الإخوان ويعطوا راتباً شهريا, وسكن معظمهم الأحياء القديمة من عمّان وكان أهلي من هذه الأسر (جزاهم الله خيراً) وكان ذلك سواء لأي أسره متضررة ومن أي جماعة إسلامية كذلك على الإطلاق, وقد كفل هذا لهم الحياة الكريمة. وقد هرب الكثير خارج البلاد بسبب الخوف من أخذهم رهائن بدل الملاحقين من أولادهم أو إخوتهم ( والذين لاحظت أعدادا كبيرة منهم في السجن).
وقد شجّع الإخوان القادمين على العمل بعد المجزرة ولا زال الكثير منهم حتى اليوم ولهم محلات وتجارات, حتى أن بعضهم تجنسوا كذلك. علماً أن أعداداً كبيرة من أهل حماه لجأت للقرى المحيطة بالمدينة فكان منهم العون الشديد كأهل قرية صوران.
من أين المال للمساعدات:
كان الإخوان السوريون المقيمون العاملون في الدول الغنية يدفعون مرتباً شهرياً كتبرع في كل سنة منذ بداية الأزمة, وبعد مجزرة حماه تم في الكويت جمع تبرعات كبيره على باب مسجد يخطب به الشيخ أحمد القطان والذي كان نعم النصير, وكذلك وصل للأستاذ عدنان سعد الدين تبرعاً لحماه بمقدار 30 ألف دولار من جمعية عجمان الخيرية في الإمارات, وكذلك ذهبنا نحن لجنة التوزيع الثلاثة مع الشيخ سعيد حوى والأستاذ عدنان سعد الدين إلى بيت الكويتي أبو بدر المطوع ( وكان في قصره في عمّان وهو متزوج من حماه) وتبرع لنا بـ30 ألف دينار أردني (وكان سعر الدينار حوالي 13 ليره سوريه) وكذلك من الصندوق العام للجماعة.
ولم تسمح السلطة للتأمينات الاجتماعية بصرف التعويضات للأسر بعد فقد أزواجها (وهي مقتطعات العمال في القطاع الخاص حيث تقتطع من راتبهم ومن صاحب العمل كذلك وتصرف حين الوفاة أو الانتهاء من العمل) وقد طالب وفد حماه بصرفها عام 2006 أمام بشار الأسد حين استدعى وفدا لمقابلته, كما شكوا له حاجة حماه إلى جامعه ومصانع للدولة وكان معظم الحديث من قبل السيد عدنان حمدون لكن الرئيس لم ينفذ شيئاً (يخربّيتو ما أكذبه).
قد تسألني عن الهدف والسبب الذي قتل بسببه هؤلاء ورملت نساؤهم ويتم أطفالهم!
وأفيدك بأن الجيوش الطائفية والنظامية لم تقتل إنساناً بإسمه إلا الـ85 شيخاً وعالماً الذين كان منهم المفتي وقتها الشيخ بشير مراد وسيقوا إلى جهة مجهولة ولم يعلم مصيرهم حتى الآن وبعد 30 عاماً وكذلك فإن رئيس جمعية العلماء في حماه الشيخ عبد الله حلاق قتل جانب البناية التي يسكن بها, أما باقي الناس فقد قتلوا لأنهم حمويون لا يحبون النظام, (وحتى في السفارات في الخارج فقد عومل الحمويون كغيرهم بمنع الجوازات وذاقوا في ذلك المرارات التي لا تطاق وإفتروا عليهم ليحرموهم العمل قي دول الخليج بحجج مختلفه...).
لقد بذل الإسلاميون كل جهدهم للدفاع عن شعب حماه وقتل منهم 84 في المئة في إحصاء أجريته بنفسي, وقد رجع بعضهم بعد مغادرته البلد.
وأقسم بالله أن لو كان هناك أسلحه وذخائر لقاتلت حماه شهوراً طويلة بفضل المشاركة العظيمة من أبنائها. (وقد سألني مرة قريبي العلماني هل كان كل أهل حماه مع الإخوان فقلت نعم, فقال كم النسبة؟ فقلت أكثر من 95 في المئة وهذا كان ضرورياً لإيواء المجاهدين, ولقد كان المسيحيون مع الإخوان في وجه السلطة كذلك, وقد رأيتم كيف دمر الجيش لهم كنيستين تدميراً كاملاً. حتى أن أحد الإخوة المسيحيين (وهو حلاق في طلعة سوق الشجرة أطلق النار باتجاه الجيش), لقد كانت أدوات الثورة إسلامية بالعموم لكن الأهداف كانت هي الحرية والعدالة ومكافحة الفساد ولصالح كل الشعب السوري وهي مطالب إسلامية بامتياز.
وقد تحامل الحمويون على جراحهم ونفعهم كرمهم ونخوتهم فتساعدوا ولم يتركوا أحداً يتسول في المدينة وجمعوا من قروشهم البسيطة بعد كل صلاة جمعه وعلى مدى ثلاثين عاماً ما بنوا به بعض مساجدهم المدمرة الـ (55 مسجداً)
وكذلك الكنائس.
وتابعت السلطة الضغط والإذلال بعد الأحداث وكذلك تفقير المدينة ومتابعة معاقبتها وتخويفها بالاستدعاء الدوري للجميع إلى فروع المخابرات مع التهديد والتخويف حتى لا يكون هناك رد عنيف منهم على جرائم السلطة .
(ولمعرفة آلاف الجرائم راجع كتاب حماه مأساة العصر والذي كتب وطبع على عجل ليغطي جزءاً من الحدث وهو موجود بكامله على الإنترنيت, وكذلك مقالاتي في المواقع عما حدث) لقد كان وما يزال أهل حماة يتحدثون يومياً ولساعات أحيانا عن هذا الجرح العريض العميق الذي لم يندمل, ولا زالوا مع باقي ضحايا سورية ينتظرون القصاص.
هكذا فعلت 248 دبابة و156 مدفع و248 قاعدة إطلاق صواريخ، وأكثر من 25 ألف عسكري من الطائفيين أو بقيادة الطائفيين في بلدي الضحية مدة 22 يوماً وكانت المجزرة الهائلة المريعة, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رحم الله الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس حينها والذي أفتى بقتل حافظ الأسد جزاء المجزرة الكبرى والغير مبررة والتي فعلها في حماه)[1].
وصمة العار في جبين الإنسانية:
مجزرة حماة لعام 1982م
محمد بسام يوسف.
كانت (حماة) مدينةً آمنةً تعيش حياتها كما تعيش كل المدن في هذا العالَم، قبل أن يُخَيِّمَ مشهدُ الطغاة والطغيان على ربوعها:
مجموعات من فيالق (الجيش الوطنيّ!)، لوطنٍ جَلَتْ عنه الجيوش الفرنسية المحتلّة منذ عشرات السنين، يتراهنون ببنادقهم الآلية، على (إسقاط) طفلٍ سوريٍ عمره أربع سنوات، يلعب على شرفة بيته في الطابق الرابع!..
أو: كتيبة من سرايا (الدفاع!)، تقتحم مركزاً للعجزة المكفوفين، فتقذفهم برشاشات النفط حتى تتبلل ثيابهم ولحاهم به، ثم تُشعِل في أجسادهم النيران، لتحرقهم وهم أحياء، فيصرخون ويستغيثون، بينما يقف جنود الصمود والتصدّي! (الممانَعَة حالياً!) وهم يضحكون عليهم، ويستهزئون، ويُدَخّنون، إلى أن تصعدَ عشرات الأرواح إلى بارئها!..
أو: فصيلة من (حُماة الديار!)، تُداهِم مشفىً لضحايا العدوان (الوطنيّ!)، فتقتل الجرحى والمرضى والأطباء والممرّضات وعمّال النظافة والموظّفين والزوّار، ثم تنقل جثثهم المقطّعة، بسيارات نقل النفايات، إلى مقابر جماعيةٍ مجهولة!..
أو: مجموعة من (حُرّاس الشام!)، تقذف بالنساء والرّضّع من فوق أسطحة المنازل!..
أو: دبابة (صامدة) تسحق بجنازيرها، جموعَ المعتقلين، المجمَّعين في زاوية أحد الشوارع، فتتناثر على الجنازير قطع الأرجل والرؤوس والأيدي المسحوقة!..
أو: قطعة عسكرية من جيش (تحرير الجولان!)، تُدَمِّر بقذائف مدفعيّتها وراجمات صواريخها، ثمانين مسجداً وأربعة كنائس ونصف أحياء المدينة.. فوق رؤوس روّادها وساكنيها!..
أو: عبوة متفجِّرة زرعتها الوحدات (الخاصة!)، في طريق أطفالٍ جائعين، فانفجرت بهم، ليتساقطوا مضمَّخين بالدم والدمع والخوف والجوع!..
وهكذا، كانت حصيلة (البطولة الوطنية!) مئتي ألف شهيدٍ وجريحٍ ومفقودٍ ومهجَّرٍ حمويّ.. من النساء والرجال والأطفال والعجائز والشيوخ، وما يزال القتلة المجرمون يأكلون ويشربون ويتنفّسون ويملأون الأرضَ جَوْراً وفساداً وفجوراً، وما يزال الضمير البشريّ مُجَمَّداً في ثلاّجات التجاهل والتواطؤ والصفقات المشبوهة وعدم المبالاة!..
ثلاثون سنةً مرّت، مظلمةً كظلمة قلوب المجرمين الحاقدين الذين ارتكبوها، وما تزال المجزرة.. الجريمة.. المأساة.. ماثلةً في حدقات العيون، ومآقي الثكالى، ومُقَلِ الآباء والأمّهات، وذاكرة شعبٍ عربيٍ مسلمٍ أصيل، صادرت إرادتَه وحرّيتَه حفنةٌ من اللصوص القتلة الطائفيين، وها هو ذا مشهد العذاب يتكرر يومياً على مدار الساعة في ربوع الشام الأبية الجريحة!..
لو كانت المبادئ النظيفة وروح العدالة تتحكّم بمن يهمّهم أمر شعبٍ عربيٍ مسلم، وبضمائر العُربان والطرشان والعميان والقُطعان.. فتدفعهم للوقوف موقفاً حُرّاً عزيزاً كريماً أصيلاً تجاه قَتَلة (حماة) في عام 1982م.. لما ارتكب (شارون) وزبانيته جرائم (صبرا وشاتيلا)، ولما وصل جيش الرعاديد الصهاينة إلى (بيروت)، ولما صارت الجمهورية السورية وراثية، ولما تجرّأ أبطال (الحرية والتحديث والانفتاح!) اليوم، على أحرار سورية، ولما فكّر مجرم فاشل كالصهيونيّ (أولمرت) أو نتنياهو وأمثالهما، باستباحة (غزّة هاشم)، ولما تطاول ليلُ الشام حتى اليوم، لِتُخَيِّمَ حُلكتُهُ على العراق وفلسطين ولبنان.. بل على العرب.. كل العرب!..
في حماة ومأساتها.. سقط الطغاة المجرمون.. وسقط معهم الطفيليون والوصوليون، من أرباع المثقّفين وتجّار المبادئ والدِّين، ومن سماسرة القومجيين ومُغفَّلي وفود الرقص على جراحنا، ومن أصحاب العمائم الزائفة وألسنة السوء الآمرة بمنكر الطغيان، ومن مدّاحي الطغاة وكَتَبَة البغي وعبيد الأرباب المزيّفين، الذين ما فتئوا يبيعون الوطنية والتنظير الفارغ في الصحف الصفراء وقنوات النفاق، فاقدين بوصلة الشرف والدِّين والمعيار الخُلُقيّ والإسلاميّ الحقيقيّ!..
لقد انتهك طغاة الشام في حماة، كلَ ما يخطر على قلب بشرٍ من حقوق الإنسان.. فقتلوا، ودمّروا، وانتهكوا الأعراض، وعذَّبوا، وداهموا البيوت الآمنة، وسرقوا، ونهبوا، واعتدوا على المساجد والكنائس والمقدّسات، وهجّروا الأبرياء، وجوّعوا الأطفال، وأرهبوا النساء، وانتهكوا الكرامة الإنسانية، وسجنوا، وذبحوا على الهوية، وصادروا الأرزاق.. كل ذلك وغيره لم يحرّك ضمير البشرية في القرن العشرين.. ولا في القرن الحادي والعشرين!..
لم يقتل الأعداء المجرمون السفّاحون: شارون وباراك ودايان وموفاز وبيغن ووايزمن وبيريز.. وأمثالهم من عتاة المجرمين.. لم يقتلوا –مجتمعين- مثلَ ما قتله نظام (الممانَعَة) وزبانيته، من أبناء حماة والشعب السوريّ واللبنانيّ والعراقيّ والفلسطينيّ..
ولم يدمّروا مثلَ ما دمَّرَه هذا النظام في حماة والمحافظات السورية، ولم يتمكّنوا من العبث بكرامة السوريين ووطنهم وحرّيتهم كما عبث ويعبث هؤلاء الحكّام الدكتاتوريّون..
ولم يذق الأطفال والنساء والطاعنون في السنّ من أولئك الصهاينة ما ذاقوه من نظام العار الطائفيّ..
ولم يُعذَّب أبناء سورية كما عذّبهم المتسلّطون عليها في سجون العار.. لا، لم يجرؤ شذّاذ الآفاق الصهاينة على أهل الشام، كما يتجرّأ حكّامها عليهم اليوم، إخفاءً وتهجيراً ونهباً وتدميراً وانتهاكاً للمقدّسات!..
منذ ثلاثين عاماً، ما تزال المشاهد حيّةً في الذاكرة المتوارَثة عبر الأجيال، لأنه ما يزال يُقتَرَف المزيد من القمع والاضطهاد والاستهتار بحقوق الإنسان السوريّ، فكانت عقدة (حماة)، منعقدةً على الحبل نفسه الذي يصل إلى (صيدنايا)، مروراً بتدمر ومشارقة حلب وجسر الشغور.. وأخواتها.. ثم في كل المدن والبلدات السورية التي تنزف اليوم فتهدر فيها شلالات الدم!..
ستبقى مجزرة حماة، المرتَكَبة في الفترة الواقعة ما بين تاريخ (2/2 إلى 4/3/1982م).. وصمةَ عارٍ في جبين الإنسانية، ومصدرَ قلقٍ في عقول الشرفاء، ودليلَ اندحارٍ لكل المبادئ الإنسانية التي يتواطأ أصحابها اليوم على شعب الشام المقاوم الكريم.. وتأكيداً ثابتاً على أنّ الحقوقَ تُنتَزَع انتزاعاً.. وأبداً.. أبداً، لا تُمنَح!..
شاهد عيان على مجزرة حماة: جنود النظام السوري كانوا يبقرون بطون النسوة ويقتلون الأجنة داخلها.
قال ناجح عزيز -وهو أحد الناجين من مجزرة حماة التي ارتكبها النظام السوري عام 1982- إن قوات النظام أعدمت بشكل جماعي مصلين في مسجد ثم أحرقت جثثهم، وإنه لا ينسى مشاهد قتل أجنة في بطون أمهاتهم، وذلك على الرغم من مضي 39 عاما على المجزرة.
وروى عزيز (62 عاما) -الشاهد على أحداث المجزرة والناجي منها- لمراسل الأناضول جانبا من "وحشية" قوات النظام في حماة، حيث قتلت البشر، ودمرت الحجر، ولم تنج منها حتى حيوانات المزارع.
مشاهد قاسية من مجزرة حماة (مواقع التواصل)
إعدام جماعي:
وفقد عزيز 20 من أقربائه في المجزرة التي استمرت 27 يوما بين 2 و28 فبراير/شباط 1982، وطالت محتجين في المدينة ضد حكم "آل الأسد" المستمر حتى اليوم.
وقال إن "قوات النظام دخلت في أحد أيام المجزرة إلى مركز المدينة وجمعت كل من صادفت فيها من رجال، ثم أعدمتهم جميعا بإطلاق النار عليهم"، مبينا أن الجنود جمعوا الجثث وكدسوها فوق بعضها.
وتابع أن نحو 40 كومة من الجثث كانت موجودة في الساحة الخلفية بمركز الدفاع المدني في حماة بعد أن أعدمتهم قوات النظام.
وشدد عزيز على أن الإعدامات الجماعية -التي نفذتها قوات النظام- أغرقت حماة بالدم.
مجزرة حماة عام 1982
إعدام المصلين وحرق جثثهم.
وتحدث عزيز عن حادثة أخرى مروعة، وهي قيام قوات النظام بإعدام المصلين في مسجد زيد بن ثابت على طريق حماة-حلب القديم بشكل جماعي ثم حرق جثثهم.
وأضاف أن قوات النظام حاصرت المدينة لعدة أيام قبل الهجوم عليها.
وشدد على أنه حتى حيوانات المزارع لم تنج من المجزرة، ومنها الخيول الأصيلة التي تشتهر بتربيتها مزارع حماة، حيث قتلتها قوات النظام بدم بارد.
ناشطون يحيون الذكري 33 لمجزرة حماة
ناشطون يحيون ذكرى مجزرة حماة (مواقع التواصل)
قتل النساء وسرقة ذهبهن.
وبينما بدأت عيناه تدمع وهو يستذكر هروبه من المجزرة فوق جثث القتلى قال عزيز إن "جنود النظام كان يبقرون بطون النسوة، ويقتلون الأجنة داخلها ويقولون عنها إنها إرهابية".
وأضاف أن جنود النظام "كانوا يقطعون أيادي النسوة اللائي يقتلوهن، ويسرقون المصوغات الذهبية منهن".
ناجح عزيز أحد الناجين من مجزرة حماة (الأناضول)
اقتحام المنازل:
واستطرد "لقد نجاني الله وتمكنت من الهرب عبر الأزقة، حيث قامت مخابرات النظام مدعومة بجنود يومي 12 و13 من المجزرة باقتحام المنازل وتفتيشها".
وأضاف "تمكنت من الهرب قبل ذلك، ومن قبض عليه في بيته تم قتله، ولجأ الهاربون إلى القرى، حيث تستر أهالي تلك القرى عليهم".
وخلال المجزرة طوقت قوات النظام المدينة وقصفتها بالمدفعية، ثم اجتاحتها تحت قيادة العقيد رفعت شقيق حافظ الأسد (1939-2000).
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتلت قوات النظام خلال المجزرة 30 ألف شخص، في حين لا يعرف حتى الآن مصير 17 ألفا تم اعتقالهم آنذاك.
المصدر : وكالة الأناضول
٤١ عاماً على مجزرة حماة.. يوم قصف النظام البيوت بالدبابات وأفلت من العقاب.
٢ فبراير ٢٠٢٣م
انقضت ٤١ عاماً على أفظع مجزرة ارتكبها النظام السوري في مدينة حماة، ورغم ذلك فإن هذه الحادثة لا تزال اليوم تلقي بظلالها على المجتمع السوري، الذي أصبح منذ ذلك الوقت في مواجهة نظام، شجعه الإفلات من العقاب على ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر.
٤١ عاماً على مجزرة حماة.. يوم قصف النظام البيوت بالدبابات وأفلت من العقاب.
مجزرة مدينة حماة السورية يوم 2 فبراير/شباط 1982م.
تستعيد الذاكرة السورية في الثاني من فبراير/شباط من كل عام أحداث مجزرة مدينة حماة، التي ارتكبها النظام السوري عام 1982، وراح ضحيتها في ذلك الوقت الآلاف من المدنيين.
وعلى الرغم من هول هذه الكارثة الإنسانية، فإن النظام السوري تمكن من الإفلات من العقاب، ما بسط يده بالتالي لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات في حق أبناء شعبه، والتي زادت وتيرتها وحدّتها بشكل فظيع بعد ذلك، تزامناً مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.
فكانت بذلك مجزرة حماة، من شواهد وحشية نظام، لطالما واجه معارضيه وخصومه بالنار والحديد، مستعيناً في ذلك بشكل كبير على بث النزعة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد.
مجزرة حماة.. قتلى ومهجرون ومعتقلون:
لا تزال مشاهد الجثث والأشلاء في أحياء مدينة حماة، عقب المجزرة، عالقة في أذهان الكثيرين ممن عايشوها، وسردوا تفاصيلها إلى مختلف وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية حول العالم.
ففي عام 1982، وبداية من يوم 2 فبراير/شباط، طوّقت دبابات ومدرعات ومدفعيات جيش النظام السوري وميليشيات سرايا الدفاع التابعة لشقيق رئيس النظام رفعت الأسد، المدينة، وحاصرتها بشرياً وإعلامياً بقطع الكهرباء والاتصالات الأرضية، طوال 27 يوماً حتى مطلع شهر آذار/مارس.
وقبل مهاجمة المدينة واجتياحها برياً، كثّف جنود النظام الذي كان عددهم بالآلاف، القصف المدفعي، الذي راح ضحيته، حسب تقديرات العديد من التقارير، ما بين 20 ألف و40 ألف مدني، إلى جانب حجم كبير من الدمار والخراب الذي لحق أحياء المدينة ومبانيها.
وبعد إنهاك المدينة، اقتحم الجنود وعناصر من الميليشيات حماة، وقتلوا كل من اعترضهم فيها، بحجة ملاحقتهم عناصر تنظيم الإخوان المسلمين الذي يُعد أكبر التجمعات السياسية المناوئة لنظام الأسد.
ووفق ما أفاد به شهود عيان، فقد جمع جنود النظام خلال أحداث المجزرة، سكان حي "حماة الجديدة" على سبيل المثال، داخل الملعب البلدي، وأطلق عليهم حينها النار من الرشاشات، ليسقط بذلك أكثر من 1500 شخص ضحية هذه التصفية الميدانية.
واستمر في الأثناء القصف بالراجمات لمختلف الأحياء والمواقع التي أردتها قوات النظام ركام حجارة.
ومع لجوء العائلات والمدنيين إلى الأقبية واختبائهم فيها، لاحقتهم إلى هناك الميليشيات والجنود، ونفذت فيهم أفظع المجازر. ولم يسلم بذلك حي أو بيت أو قبو من مدافع وراجمات النظام، كما لم ينج طفل أو مسن أو امرأة من هذه المذابح المروعة.
وفي شهادة صادمة، قال أحد المدنيين ممن عايش فظاعة ذلك اليوم متحدثاً إلى وسائل إعلامية إن "جنود النظام كان يبقرون بطون النسوة، ويقتلون الأجنة داخلها ويقولون عنها إنها إرهابية.. كما كانوا يقطعون أيادي النسوة اللاتي يقتلوهن، ويسرقون المصوغات الذهبية منهن".
وتحدثت تقارير أخرى جنود النظام السوري قد أعدموا خلال المجزرة أيضاً، المصلين في مسجد زيد بن ثابت على طريق حماة-حلب القديم بشكل جماعي ثم حرقوا جثثهم بعد ذلك.
ونجح بعض الأشخاص في الهرب واللجوء إلى القرى والمدن المهاجرة قبل أن تصل إليهم قوات النظام وتعدمهم، فيما لا يزال أكثر من 17 ألف شخص في عداد المفقودين ولا يعلم مصيرهم منذ اعتقالهم، عقب انتهاء المجزرة.
عقود على مجزرة حماة.. هل تغيرت وحشية النظام؟
مازالت العديد من الحقائق والتفاصيل حول الكارثة الإنسانية التي وقعت في حماة قبل 40 عاماً غير معلومة إلى اليوم، إذ إن نظام حافظ الأسد عمل جاهداً على إخفائها، ومنع وصول الإعلاميين والحقوقيين إليها طوال أشهر بعد الحادثة.
ولكن هذه العقود الطويلة التي عقبت مجزرة حماة، لم تغير في الواقع شيئاً من ممارسات النظام السوري، كما أكد ذلك ناشطون ومراقبون. فنظام حافظ الأسد الأب الذي ارتكب مجزرة حماة وسفك فيها دماء قرابة 40 ألف شخص، لا يختلف كثيراً عن نظام بشار الأسد الابن الذي قتل اليوم أكثر من 400 ألف مدني، ونفذ عديداً من المجازر بالأسلحة الكيمياوية ولا تزل حلقات عنفه واضطهاده مستمرة، منذ أن بدأت الثورة السورية عام 2011.
وإن كان نظام السوري في عهد حافظ الأسد قد ارتكب تلك المجزرة متعللاً بمواجهته تمرد حركة "الإخوان المسلمين" التي ادعى تسليحها لأفرادها ومهاجمتها قوات النظام السوري في ذلك الوقت، فإن النظام السوري اليوم تحت ولاية الأسد الابن، يبرر ما ارتكبه من فظائع تحت العديد من المسميات، وكانت النتيجة واحدة، القتل والدمار، حسب المنظمات الدولية والناشطين.
الفنان يحيى حوى:
يحيى حوى "صوت الثورة السورية".. قتل النظام أباه أمام عينيه
اعتقل 17 من أقاربه ولا تزال ذكرى مجزرة حماة حاضرة في ذاكرته
لندن – محمد عايش
نشر في: 18 فبراير 2013
كان في الخامسة من عمره عندما ذبح النظام السوري والده وعمّه أمام عينيه في مدينة حماة عام 1982، ففرّ هارباً إلى الخارج ليعيش ويتربى ويترعرع ويتعلم بعيداً عن بلده سوريا، لكن يحيى حوى الذي ظل مغموراً طوال تلك السنين أصبح اليوم "صوت الثورة السورية" وأشهر فنانيها على الإطلاق.
تركت مذبحة حماة التي راح ضحيتها ما بين 20 ألفاً و40 ألفاً من السوريين أثراً بالغاً في نفس يحيى حوى، ليتفرغ – وقد بلغ اليوم 36 عاماً - إلى الغناء لصالح الثورة، ويخصص كافة أنشطته الفنية لدعمها.
وتقول جريدة "الغارديان" في تقرير عن حوى الذي تحول إلى ظاهرة، والذي أصبحت أغانيه تتردد على ألسنة الثوار في سوريا، إن 17 شخصاً من عائلته تم اعتقالهم أواخر العام الماضي، وأن أحدهم قتل في أحداث الثورة، وأنه هو ذاته لازال مدرجاً على قوائم المطلوبين لأجهزة الأمن في سوريا، ورغم ذلك كله فإن صوته لازال يغني للثورة.
وقال حوى للصحيفة البريطانية من مقر إقامته في الأردن: "قبل بدء الثورة كل ما غنيته كان إما للأطفال أو كان أناشيد روحية ودينية فقط، لكن مع انطلاق شرارة الثورة السورية شعرت بضغط كبير للغناء من أجل الثورة".
ويقول حوى إنه كان طفلاً عندما هرب مع والدته إلى السعودية، بعد مقتل والده وعمّه اللذين كانا يبيعان الخضار والفواكه في سوق حماة، وكانت جريمتهما الوحيدة آنذاك أنهما ينتميان إلى المعارضة.
ويضيف حوى: "بسبب والدي وعمّي استهدفت الحكومة السورية بين 10 و20 فرداً من العائلة، ومن ثم تم قتل والدي وعمي في المسجد الذي كان قرب بيتنا".
ويعتمد حوى في أغانيه – بحسب الغارديان - على صوته أكثر من اعتماده على الآلات الموسيقية، حيث عادة ما يستخدم الآلات الصغيرة والبدائية، وخلال عامين فقط من الثورة كتب 30 أغنية جديدة تناولت الأحداث التي تجري في بلده.
ويقول حوى إن "الثوار ينشدون أغانيه وكلماته قبل أن يذهبوا إلى الاحتجاجات وخلالها، وأحياناً ما ينشدونها قبل أن يستشهدوا".
ويشير حوى إلى أن أغانيه تلامس العديد من الأمهات في سوريا، وتختص بأولئك اللواتي يودّعن أبناءهن ولن يتمكن من رؤيتهم مرة أخرى.
ويصف حوى نظام بشار الأسد بأنه "شيطاني وطاغية"، ويقول إن هذا النظام فقد شرعيته وإن ما بين 70% و80% من السوريين لا يدعمونه ولا يريدون بقاءه.
يُشار إلى أن انتشار الإنترنت واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ساهم إلى حد كبير في نشر هذا النوع من الفن، حيث ينتشر في أوساط السوريين والداعمين للثورة السورية على الرغم من عدم ظهوره على شاشات التلفاز، وبالاعتماد بشكل أساس على قنوات موقع "يوتيوب" العالمي، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر".
وتسجل العديد من أناشيد وأغاني حوى أرقاماً قياسية من حيث أعداد المشاهدات على "يوتيوب"، حيث يتجاوز بعضها مستويات 100 ألف و200 ألف خلال أيام قليلة، وربما خلال ساعات قليلة من نشرها على الإنترنت.
خالد الخاني أحد ضحايا مجازر حماة 1982 يروي لـ"العربي الجديد" شهادته
إياد حميد
21 أكتوبر 2017
رفعت الأسد هو المتهم الأول في المجزرة (تويتر)
في متابعة للقضية التي رفعت في المحاكم السويسرية ضد رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري الحالي بشار الأسد، والقائد السابق لسرايا الدفاع، المتهم الأول بتنفيذ مجازر حماة وسجن تدمر، يحاور "العربي الجديد" الفنان التشكيلي خالد الخاني، أحد شهود وضحايا مجزرة حماة.
وكان الخاني قد قدم شهادته حول مجازر حماة التي عاشها صغيراً وفقد خلالها والده وعدداً من المقربين إليه. وهو ممن يقفون وراء القضية المرفوعة في المحاكم السويسرية.
أخبرنا عن حياتك اليوم؟ كم عمرك، أين تسكن، ما طبيعة عملك؟
عمري 42 عاماً، فنان تشكيلي، وأعمل على رسم اللوحات. أقيم حالياً في فرنسا ولكن لوحاتي الفنية تعرض في العديد من المعارض حول العالم.
أخبرنا عن والدك، من كان؟ اسمه، عمره، عمله، معتقداته الدينية، وطبيعة شخصيته؟ وكيف تتذكر الحياة في حماة تحت الحصار؟
والدي حكمت الخاني، وكان طبيباً أخصائي عيون ورئيس نقابة أطباء حماة. ولد عام 1934 لواحدة من العائلات المعروفة في المدينة وذات التأثير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كان رجلاً رائعاً، ذا شخصية فريدة وحساسيته عالية لقضايا حقوق الإنسان. كان أحد المثقفين المؤثرين في المدينة، وأحد الراغبين والعاملين على إحداث التغيير في مجتمعنا. في ذلك الوقت، كان النظام والإخوان المسلمون في حالة صراع، وكان والدي من بين الراغبين في نهاية هذا النزاع.
ما هي ذكرياتك عن مجازر حماة؟ حدثنا عن تجربتك مع الحصار الذي دام 27 يوماً؟
كنت طفلاً لا أتجاوز السابعة من العمر حينها، ولكني أذكر تماماً المأساة والرعب الذي عشته في حماة في شهر فبراير/ شباط 1982.
كانت عائلتي تسكن في حي البارودية قرب نهر العاصي. عندما بدأ إطلاق النار، استضفنا بعض جيراننا الذين دمرت منازلهم، وقام والدي بمعالجة عدد من النساء الجرحى. فجأة سمعنا انفجاراً ضخماً، حيث أصيب الطابق الأول من منزلنا بقذيفة، واضطررنا للفرار. لجأنا لقبو لعدة أيام أولاً، قبل أن نضطر للتحرك من جديد مع اشتداد القصف.
عمت الفوضى في الخارج. حاول القناصون إصابتنا عندما حاولنا عبور الطريق للهرب. اضطر والدي للبقاء خلفنا ليساعد بعض أقاربنا، بينما تمكنت أمي والأطفال وجميع من هرب من حي البارودية الاختباء في قبو بحي الأميرية. أتذكر المكان مزدحماً بالنساء والأطفال وكبار السن. أتى بعض الجنود وهددونا قبل أن يحتجزونا في مكاننا لمدة أسبوع. انتابنا الخوف والجوع والبرد. وبعد أسبوع طلب منا الجنود الاتجاه إلى الشطر الشمالي من المدينة. شهدنا في طريقنا الدمار الشامل الذي حل بالمدينة: رأيت الحي الذي ولدت فيه، مدرستي، ومسجد عمر بن الخطاب قد دمرت جميعاً.
سادت مشاعر الخوف في قلوب الجميع. رأيت العديد من الجثث والدماء. سمعت نساء يغتصبن ويصرخن عندما كنا في قبو حي الأميرية، وأصوات القذائف والنيران. لا يمكن نسيان هذه الأشياء.
ما هي الظروف التي أدت إلى مقتل والدك؟ كيف جرى إعدامه ومن قام بذلك؟ وهل فقدت أشخاصاً مقربين آخرين خلال الحصار؟
قتل والدي، وغيره من المقربين إلي، بوحشية على يد جنود رفعت الأسد. اعتقل في حي الأميرية قبل أن ينقل مع آخرين إلى مصنع البورسلان الذي استخدمه النظام كمركز اعتقال. احتجز جنود النظام 5 آلاف شخص هناك. كان العديد منهم من أقربائنا ومعارفنا. وكان الناس يموتون هناك من الجوع وسوء المعاملة. لم أشهد وفاة والدي ولكن عدداً من الأشخاص ممن نجوا من معمل البورسلان نقلوا لي كيفية مقتله.
وجد عدد من أقربائنا جثته ملقية أمام مشفى مدينة حماة، وهويته الشخصية معلقة على صدره. وكان قد فقد عينيه. بما أنه كان طبيب عيون، اقتلعوا إحدى عينيه عندما كان حياً وتركوه يعاني من الألم على الأرض. روى لي أحد الشهود أنه رآه ملقيا على الأرض، ملتفاً على نفسه، والجنود يركلونه. كأنهم كانوا يلعبون به. ولا نعلم متى اقتلع هؤلاء المجرمون عينه الأخرى.
ماذا فعلت وعائلتك بعد الحصار؟ هل هربتم؟ ماذا جرى للرجال الذين قتلوا والدك؟ هل حاولت الوصول إليهم لاحقاً؟ هل تم اعتقالهم أو محاكمتهم؟
فقدت في فبراير/ شباط 1982 العديد من أقربائي وأصدقائي إلى جانب أبي. كما لا يزال مصير آخرين مجهولاً، لم نسمع عنهم أي شيء منذ ذلك الحين.
لم يتوقف الرعب الذي تسبب به النظام على أهالي حماة مع انتهاء المجزرة. أبقوا المدينة تحت غطاء حديدي معزولة عن العالم لفترة طويلة بعدها، وجرت في تلك الفترة العديد من الاعتقالات وموجات من العنف. لهذا لم يكن الفرار متاحاً حينها. ولكن الناس ظلوا نشطين واستخدموا طرقاً مبتكرة لتوثيق المجازر، مسجلين أسماء المتورطين فيها من "الجنود الصغار" وصولاً إلى الرتب العليا. يمكن الوصول إلى هذه القوائم والأبحاث بسهولة على الإنترنت، ولكن في الثمانينيات، جمعت هذه المعلومات بسرية للخطورة التي قد تحل بحاملها.
والأمر الصادم في هذا الموضوع أنه وعلى الرغم من حجم المجازر الهائل في حماة وأننا جميعاً نعرف المسؤول عنها، لم تتم ملاحقة واتهام أي شخص قضائياً حتى الآن.
ماذا كان تأثير الحصار وفقدانك لوالدك على حياتك؟ كيف تعاملت مع الوضع؟ هل لا يزال يؤثر عليك حتى الآن؟ هل تفكر بما جرى يومياً؟
هناك العديد من النواحي السلبية والمؤلمة. عانيت مثل جميع ضحايا أهوال الحروب، وشعرت بالأسى الشديد لفقداني أحبائي والفظاعات التي شهدتها. ستكون هذه الأشباح دائماً جزءاً من حياتي. ولكن هذه التجربة صاغت شخصيتي الحالية ودفعتني للنضوج وتطوير حس من المسؤولية منذ صغري. اخترت الاعتراف بما جرى ويجري معي، وبفقدان والدي. فقدانه خلف فجوة هائلة ولكني أحاول أن أعيش حياة يفتخر بها، ووفقاً لقيمه.
يلعب الفن أيضاً دوراً أساسياً. عندما أفتقد الكلمات لوصف ما جرى في حماة، يساعدني الرسم في التعبير عن مشاعري. الألوان تستبدل الكلمات بصمت، واللوحات تصبح فقاعات من المكان والزمان.
ما هو دور رفعت الأسد في هذا الحصار؟ هل كان ذاته من وجه الأوامر المباشرة؟ هل رأيته بنفسك؟ هل تمتلك الأدلة على تورطه المباشر؟
رفعت الأسد كان قائد سرايا الدفاع، وهي وحدات النخبة لحزب البعث. وفقاً للعديد من المصادر، تلك السرايا هي التي نفذت المجازر في حماة. يمكن للسوريين تمييزهم بسهولة حينها. رأيتهم بنفسي خلال المجزرة.
وهل تعتقد أن ما تم في حماة بذلك التاريخ أخطاء فردية قام بها بعض الجنود؟
إن الذي حصل هو عبارة عن استراتيجية كبرى. تم قتل الناس الأبرياء من خلالها ومن غير المعقول أن يتم هذا الأمر من دون علم قائدهم.
ما أهمية محاسبة رفعت الأسد بالنسبة لك؟ ماذا يحمل ذلك من معان لك؟
بالطبع أرغب برؤية العدالة تتحقق ضد من تسبب بفقداني لأحبائي، ولكن أيضاً لوطني. محاسبة رفعت الأسد للجرائم التي ارتكبتها قواته سيعني الكثير. ستساهم أولاً في وضع حد للعنف والحصانة التي تسود في سورية وتتمتع بها عائلة الأسد منذ أمد بعيد، منذ الثمانينيات وحتى الآن. ما يصدمني حقاً أنه ورغم جدية الاتهامات، لم تتم محاسبة أحد بالجرائم التي ارتكبت في حماة عام 1982، وأن المسؤولين عنها لا يزالون يتمتعون بحياة رغيدة ويسافرون بحرية في أوروبا.
آمل ألا يتحمل الشعبان السويسري والفرنسي، نظراً لثقافة الحقوق والعدالة ذات التاريخ الطويل في هذين البلدين، وجود مجرم حرب في دولهم.
لماذا قررت الخروج إلى العلن بهذه القضية؟
بدعم من محامي الخاص، داميان شيرفا، تقدمت بدعوى جنائية ضد رفعت الأسد في عام 2013 أمام سلطات الادعاء السويسرية. لم يسر الأمر بطريقة مرضية وجرى إلغاء جلسات السماع الأخيرة. ولذلك قرر محامي التقدم باستئناف ضد إعاقة العدالة وجعل الأمر علنياً.
كيف تعاملت مع التحدث علناً وبالتفاصيل عن تجربتك الخاصة؟
العودة إلى الجروح القديمة طبعاً صعبة وشاقة، ولكني أعتقد أن النضال من أجل العدالة خطوة ضرورية.
كيف تصف الطريقة التي تم تعامل بها مع القضية في سويسرا؟ هل تأخذ وقتاً أطول من اللازم؟ هل تعتقد أن السلطات السويسرية تتعامل بجبن مع الموضوع وتطيل الادعاء عمداً؟
منذ أن تقدم محامي بالدعوى الجنائية نيابة عني، لم تتقدم الدعوى بشكل يمكن الرضى عنه، وفعلاً تأخذ وقتاً طويلاً. جلسات الاستماع الأخيرة ألغيت. ولذلك قرر المحامي التقدم باستئناف ضد إعاقة العدالة. لا أدري لماذا تأخذ كل هذا الوقت، ولكني أود أن أرى الأمر يتقدم وأقف كلياً بجانب محامي.
إذا تمت محاسبة القيادات المسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب ومعاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في البوسنة ورواندا، فأتمنى أن يتم الأمر ذاته فيما يتعلق بحماة. حان الوقت لأن تتحمل سلطات الادعاء السويسرية مسؤولياتها.
ماذا تعني محاسبة الأسد لك؟ وماذا يعني نقيض ذلك؟ هل أنت واثق من محاسبته؟ وما هي العقوبة العادلة برأيك؟
أتمنى أن يتم توجيه الاتهام لأحد المسؤولين عن مجازر حماة وأن تتم محاكمة رفعت الأسد، ولكن الحكم يعود للقضاة. أنا فنان وضحية، ولست قاضياً.
مجزرة حماة في الشعر الإسلامي المعاصر
حماة مدينة سورية أثرية قديمة، عرفت بالكثير من الأسماء المختلفة مثل مدينة النواعير، ومدينة أبي الفداء ...وكغيرها من مدن سوريا تعاني من أضرار الطغيان عليها ، ولكنها من أفضل المدن القديمة ذو المعالم الحضارية الرائعة.
شعر عن مدينة حماة:
"آهـاً علـى وادي حمـاةَ إذا نسيـم الصبح هبّـا
آهــاً علـى تلك الربوع وأهلهـا بعـداً وقربـا
النهـر يحتـرق الريــاضَ وقد جرى حلْواً وعذْبا
ولابـه يبكـي و يسقـي الدمعُ فاكهة وأبّـا
أنّـى أرى ذاك الحمـى إنّـي رأيتُ البعد صعب
منذ غبت عنه بكى الفـؤاد ومـات هذا القلب كربا
يـا من بقلبـي ودّهـم وبحقِّهـم لـم أجن ذنبـا
لا تقطعوني إنّنـي مـازلت و الله المحبّــا"
ويقول شاعر آحر:
"بلدي حماة وأنت مني التوأم.... أنت الهوى وأنا المحب المغرم
ما مال قلبي عن حماك وما....خبت نيران شوق في الجوانح تضرم
يا درة العاصي وأجمل ما زهت ...... في الضفتين حدائق تتبسم
عاصيك ما زالت به عقد الهوى..... مجنونة في حبها لا ترحم
وتدور حائرة نواعير الهوى ...... ويظل يثقلنا السؤال المبهم
عما تئن وما جريرة حبها ..... .تبكي فما تنبيك عين أوفم
ما أنت إلا وردة فواحة .... .. والورد حولك شاخص يتبرعم
حماة ! يا حرم الجمال ...... وحضنه ورواق تاريخ يجل ويعظم
أبو الفداء مليكك الفذ الذي .... . بحروبه ما كان سيفا يثلم
يا حلوة العاصي ومجدك بازغ ..... والعلم فيك موثق ومقوم
ما ضن أهلوك الكرام وما ونوا... راموا الشموس فجل فيها المغنم
وقد انتميت الى جذوعك ..شامخا ومن الغصون أطل مني البرعم"
بيت شعر عن نواعير حماة:
ولمَّا استَحَنَّتْ بالفُرَاتِ عَشيَّةً نَواعيِرُهُ كادَ الفؤادُ يَبينُ
تَحِنُّ بلا حُزْنٍ وشَوْقٍ أصابَهَا ولِلقَلْبِ من شَوْقٍ إليك حنينُ
فصل جديد، أو مأساة جديدة تضاف إلى سلسلة المآسي التي مرت بالأمة! ابتدأها التتار، ولم تنته بعد على أرض فلسطين وأفغانستان وفي صفحاتها مذبحة جنين، وهرات، والفلوجة، وحماة! لا يُنسي بَعضُها بَعضاً -كما يقول المكتوون بها- ولكنها تنكأ الجراح، وتبعث الألم في جسد الأمة المكلوم.
قد يكون العدو الجزار غريباً، ويفعل ما يفعل حسداً، عدواناً، استهانة، تخلفاً، همجية؟!!
أو قد يكون حاقداً موتوراً بين ظهراني الأمة، يترقب فرصة تغفل فيها عنه وعن واقعها! فينقض بأحقاده التي أصبحت مشروعاً، وبأحلام يقظته المتخلفة لتغدو منهج عمل مستقبلي؟! وهذا ما حدث في سوريا كلها، وفي حماة بالذات بعد أن تحول جيش الوطن الذي كان يحمي الحدود إلى أداة قمع وتدمير بيد الذي ترك الحدود وسلمها للعدو؟! يقول الدكتور الشاعر أحمد سليمان الأحمدي في قصيدة له بعنوان[1] (موثبة).
يـا جيشُ! حاشا أن تـبدَل سنةً فتُسَبَ في تـاريخنـا وتُـعيَّرا
إني أُعـيذك أن تـروحَ معادياً شعبَ البلاد، وأن تهادن قيصرا
يا جيشُ، جزءٌ أنت من شعبي، و ما شعبي سوى جيش أعز وأكبرا
الـغادرون بجيشـهم، وسَـجية في مَـنْ يروم تسلطاً أن يغدرا
فَرُّوا نـَعاماً مـن صفيرِ عدوهم وعلى الشقيق تراهمُ أسـدَ الشرى
أيـهددون عدوَّهـم وسـلاحُهم في صدرنا؟! ذهِلَ الوغى وتحيَّرا
* * *
ويؤكد هذا المعنى الشاعر الكبير عمر أبو ريشة في قصيدته (عودة المغترب). وقد عاد -رحمه الله- إلى الوطن في كفن؟! وها هو ذا يصف ذلك الانحراف الذي جعل البنادق توجه إلى صدر الشعب -وقد دفع ثمنها- بدلا من أن توجه إلى العدو المتربص، فغدا القاتل الذي ينفذ الأوامر قتيلاً؛ لأنه إنما يقتل أهله ومواطنيه.
أرأيتَ كيف اغتيلَ جيشُكَ وانطوت بـالغدر رايةُ كـلِّ أروعَ أصيدا؟
وانفض مـوكبُ كلِّ نسرٍ لو رأى لعُلاك وِرداً فـي النجوم لأوردا
* * *
وتثبت الوقائع والأيام فداحة الجريمة البشعة التي حطمت الجيش الأبي، وقد ذاق يهود منه الأمَّريْن، ليصبح -حاشاه- مجموعات وسرايا تنهب الآمنين وتهدر الكرامة، وقد تولى كِبر هذه الشناعة مَنْ ترك الحصون، وأمر بقتل العزل الأبرياء..
ويصور أبو ريشة بقافية تنزف دماً، وتسكب أدمعاً، إذ لم يكن هولاكو أقسى قلباً، وألأم عنصراً مما صنع هؤلاء بحماة؟ فإذا كان دجلة قد اصطبغ بالسواد لكثرة ما ألقي فيه من كتب فإن العاصي اصطبغ بالدم لكثرة ما ألقي فيه من جثث ضاقت بها المقابر وقد زادت على الثلاثين ألف ضحية؟!
ترك الحصونَ إلى العِدا متعثراً بـفراره، وأتى الحمى مستأسـدا
سِـكِنُه فـي شـدقـه، ولعـابُه يجري على ذكر الفريسة مُزْبـدا
مـا كان هـولاكو، ولا أشباهُه بـأضلَّ أفئـدةً، وأقسـى أكبُـدا
هذي حَماةُ عروسة الوادي على كِـبرْ الحِداد، تُحيل طَرفاً أرمـدا
هـذا صلاحُ الدين يُخفي جُرحَه عنها، ويسأل: كيف جُرحُ أبي الفدا
سَرَواتُ دنـيا الفتح هانتْ عنده وأصاب منها مـا أقـام وأقعـدا
ما عَفَّ عن قذف المعابد باللظى فـتناثرت رِمَـماً، وأجَّتْ موقـدا
كـم سُـجَّدٍ لله فاجَـأَهم، ومـا كـانوا لـغير الله يومـا سجـدا
عَرَفْـتُهم الـجُلىَّ أهِـلةَ غـارةٍ وغزاةَ ميـدانٍ، وسـادة منتـدى
* * *
ويؤكد الدكتور سفر الحوالي في قصيدته المطولة (ملحمة الشام) ما أكده أحمد سليمان الأحمد وعمر أبو ريشة، من أن المذبحة وكل مذبحة تنزل الأمة تكون مقدمة لخيانة تتبعها، وهذا ما أثبته التاريخ فنكبة بغداد الأولى على يد التتار، سبقها خيانة ابن العلقمي والطوسي، ونكبة بغداد المعاصرة لم تكن عن هذا الأمر بعيدة.
سـودٌ خياناتهم، حمـرٌ جرائمـهم وحسـبُهم أنَّ إحـداها (حزيرانُ)
فروُّا وهم في ذرا الجولان يا عجبا من اليهود، وهم في السهل ما بانوا
وأعـلنوا أنـها في يومها سقـطت والساقـطون هـم الحكام إذ خانوا
فـالظالـمون لهم يوما سيفـجؤهم إذا تَسـربَلـهم نـارٌ وقـطـران
تـاريخُـنا هـكذا حـيناً عمـالقةٌ غـرٌ، وحـيناً طواغِيتٌ وأوثـانُ
* * *
وأما شاعر الأقصى الأستاذ يوسف العظم4 فلا تذهله المأساة -على الرغم من جسامتها- ولا الجريمة- على الرغم من بشاعتها؛ لمِا يعرف عن المدينة من جهاد وتمسك بالحق ونصرة للعرب والمسلمين على مدار التاريخ. بل إنه ليبصر من خلال الركام ورائحة الموت شعاع نهوض، وفجراً مشرقاً! يقول في قصيدته (حماة يا أغرودة المجد):
أنـتِ فجرٌ لغد مستبشرِ وشعاعٌ من ضِياء الحَرَمِ
أنـتِ عنوانُ جِهادٍ خَطهُ شعبُكِ الحُرُّ بأزكى قلمِ
أنـتِ ترتيلة ُعِزٍ وهدى وشمـوخٍ وجهـادٍ مُلْهَمِ
أنتِ سيفُ الحق إذ تحمله راحةً المؤمن، كفُّ المسلمِ
أنتِ خفاقٌ على هام العُلى في يد الحرِ كريمِ الشيمِ
* * *
ولكن يؤلمه أن أولئك الشهداء كانوا يعدون أنفسهم لقتال يهود ولتحرير فلسطين ونصرة أهلها، وقد فعلوا ذلك مرات:
إيهِ يا أبطال يا جندَ الهدى كم بنيتم من صروح الكرم
وعَقَـدْتمُ صـفقة رابحة ونـجوتم من عـذاب مؤلم
سوف تمضون إلى بارئكم وتـدوسون جباه الأنـجم
* * *
وأما الباغي ولو ظن نفسه قوياً، وخدع الآخرين بقوة ظلمه، وتعاظم بطشه فإنه:
سـيُولي صاغراً مندحراً يتلاشى في ظـلام القِدمِ
كَفه خِزيٌ وعـارٌ مذ غدا فـي صَغارٍ ونهارٍ مظلمِ
والغَدُ المُشرق يحكي للدنا ثورةَ الحقِ وغدر المجرمِ
* * *
وفي قصيدة (صرخة حماة) للشاعر خالد عبد الله السعيد5 يسترجع الشاعر صفحات التاريخ، فلا يجد مثيلاً للمذبحة فيستدعي فرسان الأمة بعد أن اهتزت أكفانهم في مضاجعهم.
من بطن حمص أرى المسلول منتفضا فخالدٌ بجنود الحق يلتحق
ومن دمشق صلاح الدين ممتشق سيفاً به زمرة الحشاش تختنق
وإن صرخت بصوت الغوث في حلب أبو فراسٍ أتى كالـنجـم ينطلـق
وأما قصيدة محمد الحسناوي (كيف إن كانت وطن) فتنقل صورتين متضادتين للمدينة، الأولى:
مدينة لا كالمدن نهر وبستان أغن
أطيارهـا غادية رائحة عـلى فنن
تغريدها تسبيحة لله في أسمى لحن
والأخرى:
أصبح قاعا صفصفا ما كان معمور السكن
مئذنة تهوي ومحرا ـبٌ ينوحُ في الدِّمَنْ
لما عراهـا عاصفٌ وقاصف مـن المِحن
* * *
فأي يد آثمة تلك التي حولت جمالها قبحاً، وربيعها حزناً وخريفاً، فحماة مدينة الشعراء والعلماء والمجاهدين فهل يستطيع الطغاة أن يضربوا عليها غـُلالات الصمت لتصبح نسياً منسياً، كما فعلوا بمقابرها التي تحولت إلى ساحات، ومساجدها وأحيائها التي تكدست بين أنقاضها آلاف الجثث، لتصبح بعد ذلك فنادق سياحية؟!
ولكن هل انتهى كل شيء؟، وهل سيكون ليل الطغاة سرمداً؟! لا، فالظلم له نهاية والليل له آخر، ودم الشهداء لن يمضي هباء، ودين الله أقوى من كل طاغوت، وبذلك يختم الحسناوي قصيدته (حماة).
ثلاثـون ألفاً قضوا شهداء غيارى، ونقضي بهم ما نشاء
فسورية العرب لا تستضام وديـن مـحمد لـيس يسـاء
* * *
ولا ينسى وليد الأعظمي شاعر الإسلام الكبير ما حل بالمدينة وما تتصف به من غيرة وحمية، وهو يرثي أحد علمائها الأعلام بقصيدته (سكت الهزار) فيصف مصاب المدينة وما كانوا يخبئونه لها من قبل، وقد هاله ما سمع، وهي المدينة التي كان مُنشِدُوها يصدحون بأشعاره في نصرة الإسلام وإظهار محاسنه، فيخاطب الفقيد ومن ورائه المدينة المجاهدة:
وحَماة لا تنسى نِداك مُحذراً مما تخبئه الليالي السودُ
وترُدُّ كيد المعتدين بنحرهم وتذبُّ عن أحسابها وتذودُ
أبناؤها الصيدُ الكرام تحملوا فوق الذي حَمَلَ الكرام الصِّيدُ
فنساؤها اللبوات في ساح الوغى ورجالها عند اللقاء أسودُ
عانوا من الأهوال كل فظيعة منها تكاد الراسيات تميدُ
في كل ناحيةٍ جريحٌ يلتوي وشهيدةٌ مبرورةٌ وشهيدُ
* * *
وللدكتور الشاعر أحمد الخاني وهو أحد أبناء مدينة حماة ديوان بعنوان (لحن الجراح) يتغنى فيه بجمال مدينته ويؤكد على انتمائه لها، ويبث حزنها، ويشكو إلى الله تسلط الطغاة عليها وعلى سوريا.. ويذكرها ويتأوه من أجلها في أكثر من قصيدة، فهي رمز لكل مدينة حرة أبية!! يقول في قصيدته (حماة في العيد) يصور الحزن الذي عمها ويستذكر ما نزل بها:
جاءنا العيدُ فطرنا فَرحا وتذكَّرنـا فَعُـدنا تُرحَـا
رُبَّ محراب به يبكي الفتى خشية الرحمن، ماذا جرحا
جاءه الجزارُ في محرابه نبّـآني، فلـمـاذا ذبـحا؟
* * *
ويضيف الشاعر الإسلامي المعاصر عدنان علي رضا النحوي إلى الجراحات التي ضمها ديوانه (جراح على الدرب)، جرحا جديداً في حماة بقصيدته المطولة (النواعير) وقد زادت على مئة بيت، يصف في أولها جمال المدينة، وتعرضها لهجمة الذئاب وأنياب الأفاعي في شباط 1982م، شهر المذبحة، فيستصرخ لديار الشام كل ذي مروءة ونخوة، فالنواعير غدت أطلالاً، والعمران أصبح مسكناً للأشباح، وآلات الحرب تسحق أكوام البشر.
تتلوى على أنـين الضحايا والتياع وصـرخةٍ واضطراب
والضحايا على الضحايا وأنقا ضٌ طوَتها مخضبات الإرهاب
هاهنا لوعة الأمومة شدتْ طفـلها بين صرخة واحتراب
وبقايا النداء من فمها الداوي صـداهُ يَغيبُ خلـف الهضاب
* * *
إن مصيبة حماة ومأساتها ذكرته بوطنه فلسطين الذي تعرضت مدنه لمثل هذا على يد يهود؟! فما الذي يجمع بين الجزارين على الرغم من عداوتهم المصطنعة وتهديداتهم الخرقاء والجوفاء! ما الذي يجمعهم سوى الحقد على الأمة. تاريخاً مشرقا،ً وإسلاماً منقذاً، وعروبة مضحية؟!!.
ويطلق الشاعر عبد المحسن حليت مسلـّم. 1في قصيدته ( حماة ) صرخة مدوية وهو يرى ويسمع ما حل بالمدينة المجاهدة:
أكاد ألمح هولاكو فتتبعه عينـِي، و من حوله الأحقاد ُ تنتشرُ
أراه يسفك ما الرحمن حرّمه من الدماء ولا يـُبقي و لا يذرُ
وأنتِ ما زلتِ تحت الهول جاثمة كأن عمرك بالأهوال ِيـُختصر
تستصرخين و ما في الساح معتصم ولا عزائم ُ إلا آدها الخَـوَرُ
ويبقى الشعر مؤرخاً لأحداث جسام في زمن بات الصدق في التاريخ حلماً عسير المنال، فبعد أنا يتلقى التاريخ ضربة التـزييف القاضية، لا غرو أن يفقد الذاكرة، أو يكره على تضليل ضحاياه من الأجيال اللاحقة كما جاء في التقديم لملحمة: نقوش على محاريب حماة ليحيى البشيري11 التي جاءت أنات ألم، وزفرات غضب، وصيحات جهاد فيها من الألم أصداء لشدو النواعير وحديث الشهداء، وفيها من الغضب عالم ينبض بالأحاسيس والمشاعر الفياضة، فضمت اثني عشر لوحة حزن وحملت عناوين تدل على فصول المأساة.
أي ذكرى يا ابنة العاصي
تمر أي ذكرى؟
ودمانا لم تزل تهديكِ عطرا
حملت للفتح بشرى
أطلعت للحق فجرا
وشباط الثأر عاد
حاملا جرحا ونار
ولهيبا ودمار
وللمأساة ألف صورة وصورة من خلال الهدم والحرق والقصف والقتل والسحل وانتهاك قدسية الأمومة، وبراءة الطفولة:
عندما يرتسم الحزنُ على وجه الطفولة
عندما تُذرف دمعات ٌعلى أم قتيله
عندما يبحث في الأنقاض عن ثديٍ رضيعُ
عندما يصرخ من جوع ، وآهات تضيع؟!
أي خير أيها العالم يبقى؟
أي خير بعدما يذوي الربيع؟
ويظل لكل مذبحة مسمى تعددها الملحمة، وتبرز آلامها (مذبحة الأحياء – مذبحة المآذن – مذبحة المؤذنين – مذبحة المقابر – مذبحة المعتقلات) فيبكي لها الأحياء، وأما في (الموتى يتكلمون) فيضج الأموات وقد طفحت المقابر بجثث ثلاثين ألفاً أو يزيدون من أبناء المدينة؟!
فبأي مكان يقبرهم
لم يبق مكان في الحفر
أيعود لينبش من دفنوا
من أيام، ليواريهم؟
فالتربة ضاقت بالجثث
وتكدس بالحفر الموتى
وينطوي الزمان وتمضي الأيام وتبقى حزازات النفوس كما هي، وقد أثخن الطواغيت واستنبتوا الهتافة المنافقين من كل لون وجنس، وغدت شام العروبة والإسلام وكراً للشعوبية الصفوية ترتع في حماها، وشعبها الأسير، بنخبه، بعلمائه مشرد مهجر، أو مكمم الأفواه، مغلول اليدين.
في ذكرى مجزرة حماة 1982م:
كتب الشاعر أبو ياسر السوري
3 / 2 / 2014
كلما جاء شهر شباط من كل عام عادت إلى ذاكرة أبناء حماة ذكرى أكبر مجزرة نفذت في مدينتهم ، زاد عدد ضحاياها منهم عن 100 ألف شهيد . اتفق الإعلام العربي والدولي المتواطئ مع المجرمين على التعتيم الإعلامي وتقليل عدد ضحايا هذه المجزرة إلى الـ (40 ) ألفا فقط .
وهب أن العالم متواطئ مع المجرم، وأن العرب متواطئون كذلك .. فما الذي منع الحمويين من الثأر من آل الأسد وقد مر على قتلاهم في تلك المجزرة (32) عاما عدا ونقدا .؟ ولماذا لم ينتقموا من رفعت الأسد الذي ما زال يسرح ويمرح في بارات فرنسا ، ومقاصف جنوب أفريقيا .؟ ولماذا لم ينتقموا من أبناء هذا المجرم وهم يروحون إلى سوريا ويغدون من غير خوف ولا وجل .
هذا هو السؤال الذي يحيرني ولا أجد له جوابا مقنعا .!! وهذا هو السؤال الذي تثيره الأبيات التالية :
صورة من مجزرة حماة عام 1982
تبّاً لها ذكرايَ مِنْ ذكرَى : إنْ لـم تؤججْ في الحشا جَمرا
تـبّـاً لهـا إنْ لم تؤرِّقـني : وتـثـيرَ فِيَّ مَـوَاجعـاً كُبرى
يا أيها الحَمَوِيُّ كم سنةٍ : مـرَّتْ وكـم عامٍ بها مَـرَّا
وأراك تندبُ رَبْعَ مَنْ قُتلوا : وعـيـيتَ أنْ تلقى لهم قبرا
أوَ ما علمتَ بأنهمْ ذُبِحُوا : ذبحـاً وأُعـدِمَ جُلُّهمْ نَحرا
أوَ ما أتاكَ بأنهمْ وُئدوا : وأداً وذاقـوا نحبهـمْ صبرا
لا تبكِ مَنْ ماتوا ومَنْ رحلـوا : ولْـتَـبْـكِ مَنْ لم يطلبِ الثأرا
لا تنسَ ثأراً أنت صاحبُهُ : إنْ كـنـتَ شـهْماً ثائـراً حُـرّا
لا تنسَ ثأرك فالكريم أبى : إلا اقتضاءَ حقوقِهِ قَسْـرا
لا تنسَ قهراً عَذَّبوكَ به : عُمْراً وعشتَ جحيمَهُ دهـرا
ذكرى مجزرة حماة عام 1982م:
وكتب د. أحمد الخاني يقول:
دمُ الشهادة من جرحِ الميامينِ
عطرُ البطولةِ أضحى للملايينِ
على الشآمِ على (العاصي) وما بَرحتْ
كفُّ المجازر من حينٍ إلى حينِ
تبكي النواعيرُ ولهى.. دمعها بدمٍ
آواهُ وحشُ الردى هل جاءَ يَسبيني؟
حقدُ المجوسِ، حماةٌ من خرائطهمْ
تُمحى بجزَّارِ شعبٍ بالسكاكينِ؟
أمُّ الفداء شعارُ النُّبلِ قد هُدرَتْ
بالصاعقاتِ وضجَّت في شراييني
حماةُ ريعَت بجوفِ الليلِ، صرختُها:
أحافظُ الكفرِ بالأسحارِ يُرديني؟
♦ ♦ ♦ ♦
خمسون ألفاً على أرجائها رَقدوا
تحتَ الترابِ معَ الأنَّاتِ تَكويني
ظلَّت حماةُ على الأيام عُقدَتهمْ
حماةُ جسرٌ إلى (بدرٍ) وحطِّينِ
ذكراكِ - مجزرةَ التاريخ - في خلَدي
أفي العوالمِ كفُّ الوحشِ تَطويني؟
مجنونُ قتلٍ، فنابُ الوحشِ مُنصلتٌ
وخلَّف القردُ مجنونَ المجانينِ
بشارُ لعنةُ هذا الكونِ، وانتفضتْ
سوريةُ البذلِ؛ أُعطيها وتُعطيني
ملاحمٌ، يدمغُ الباغين ميسَمُها
شعارنا السِّلمُ من فلٍّ ونِسرينِ
يا (أسعدَ) الخلدِ نارُ الثأرِ تحرقني
إنَّ اجتثاث أفاعي السمِّ يَشفيني.
حماة 1982 م .. الجرح والأمل:
وكتب الشاعر الداعية د. محمد منير الجنباز يقول:
مَا لِلْبُكَاءِ يَضِجُّ في أحيائها والصوتُ يُدْمي القلبَ صَوْتُ نِسَائها
هَلْ زلزلَ الرَّعْدُ الغَضُوبُ مَنَازِلاً قَدْ خَبّرَتْنَا عنْ هُدُوءِ شِتَائها
عنْ طِيْبهِ وَأنَاتِهِ برياحِهِ عنْ مُزْنِهِ إذ يَلْتَقِي بسَمَائِها
عنْ حُبّهِ لِلخَيْرِ يَهْمِي مُتْرِعَاً فإذا الزهورُ تَشُبُّ في أرجَائها
أمَّا الذي يأتي لِيَطْرِقَ سَمْعَنَا فَأراهُ لَمْ تَشْهَدْهُ مُذْ إنْشَائها
هذا الذي يجري على سَاحَاتِها مُتَفَجِّرٌ لا شَكَّ منْ أعْدَائها
يَبْدو اللَّهيبُ يَفِيْحُ فَيْحَ جَهَنَّمٍ فَيُمَزِّقُ المولودَ في أحْشَائها
وَالَهْفَ نَفْسي يَا حَمَاةُ تَغَيَّرَتْ فِيْكِ الرّياضُ وَأُزْلِفَتْ لِفَنائها
هلْ أسألُ الأطلالَ وَهِيَ كَئيبَةٌ أمْ أسْألُ الجيرانَ عنْ أرْزَائها
سوداءُ قَدْ ظَهَرتْ أمامي تَشْتَكي وَالآثمُونَ تَوَعَّدوا بشِوائها
خَرْسَاءُ قد ذَهَلَتْ لِهَوْلِ جَرَائمٍ والدَّمْعُ عَبَّرَ عنْ عَظِيْمِ بَلائها
كانَ الرَّبيعُ يُعَدُّ منْ نُدَمَائها فَتَوَعَّدُوهُ فَصَارَ منْ خُصَمَائها
فَقَدَتْ بهِ أغلى شَبَابٍ عِنْدَها عَاماً.. وَعَادَ مُضَرَّجَاً بدمائها
عشرونَ ألفاً منْ بَنِيْهَا قُتِّلُوا ظُلْمَاً ولمْ تَبْكِ الدُّنَى لِبُكَائها
دَفَنُوهُمُ صَمْتاً بأعماقِ الثرَى لم يَحْفَلِ الإعلامُ في أنبائها
لو أنَّهُمْ مَاتُوا على غَيْرِ الهُدى لو أنهم ماتوا عُقُوْقَ وَفَائها
لَتَنَزَّلَتْ لَعَنَاتُ رَبِّي فَوْقَهُمْ وَلَكَانَ حَقّاً سَحْقُهُمْ لِبَقَائها
لكنَّهُمْ شَرَفٌ لأمَّةِ أحْمَدٍ دِيْنٌ وَتَضْحِيَةٌ وَحُبُّ فِدائها
مَا كانَ أوفى منْ نَوَاعِيْرِ الفِدا مَاتَتْ أسَىً وَهَوَتْ بُعَيْدَ رثائها
يَا تُرْبَةَ العَاصي المُضَمَّخِ بالشَّذا
فُوحِي بنَشْرِ المِسْكِ منْ شُهَدَائها
لوْ تَسْألينَ الشَّامَ عنْ فَلَذاتها
عنْ حُرَّةٍ رَفَضَتْ حَلِيْبَ إمَائها
ستقولُ في فَخْرٍ حَمَاةُ وَإنَّهَا
لَقِيَتْ أذىً مُرّاً لأجْلِ إبائها
أينَ القصورُ الشَّامِخَاتُ بعِزِّهَا
كانتْ هُنَا تَروي عُصُورَ بَهَائها
تَروي لَنَا مَجْداً وَخَيْرَ حَضَارَةٍ
وَتَعَاقُبَ الأخْيَارِ منْ عُلَمَائها
أين المساجدُ وَهْيَ تَشْمَخُ عَالياً
بمآذنِ التَّوْحِيْدِ مَنْ لِنِدَائها
قدْ كُنْتُ أسمعُ مِنْ بَعِيْدٍ صَوْتَها
تَدْعُو الأنَامَ بمُسْتَحَبِّ دُعَائها
كانتْ رِمَاحَاً في صُدُوْرِ عُدَاتِها
فَتَرَبَّصُوا شَرَّاً بهَا بضِيَائها
لَمَّا انْتَهَوا منها سَعَوا بسَفَاهَةٍ
لِيُحَطِّمُوا مَا شِيْدَ في إعْلائها
وَلِيَمْسَخُوا مَجْداً عَرِيْقَاً مُشْرِقاً
قدْ خَطَّهُ التَّاريخُ منْ لألائها
لا تَحْزَني منْ فَقْدِ أبناءٍ فَمَا
عُقِمَتْ لكِ الأرْحَامُ عَنْ نُظَرَائها
أمَّا الحضارةُ يَا حماةُ فَأصْلُهَا
ظَهَرَتْ على وَادِيْكِ مُذ إرْسَائها
فإذا أنَاءَ الدَّهْرُ منْ حَمْلٍ لَهَا
أو أقْبَلَ البَاغِي على إفْنَائها
فَلْيَعْلَمُوا أنَّ الحَقِيْقَةَ لمْ تَزَلْ
رَغْمَ احْتِيَالِ الخَصْمِ في إخْفَائها
ظَنُّوا الحَضارَةَ لا تُجَاوِزُ مَعْلَماً
لو دَمَّرُوهُ قَضَى على إحْيَائها
أوْ أنَّ نَارَ الحِقْدِ تُفْني ذِكْرَهَا
فَلْيَجْمَعُوا الأحْقَادَ في إذْكَائها
لكنَّ إبداعَ الحضارةِ قَائمٌ
بالفِكْرِ يَغْذُوهَا بروحِ بَقَائها
ولَئِنْ سُلِبْتِ اليومَ خَيْرَ مَعَالِمٍ
فَلَقَدْ بَكَتْكِ الشَّامُ منْ فَيْحَائها
عَرَفَتْكِ أوْفَى مَنْ أقَامَ جِوَارَهَا
فَحَنَتْ عَليكِ وكُنْتِ نَبْضَ رَجَائها
لم يُثنِهَا أنَّ البُغَاةَ تَعَمَّدُوا
تَشْويْهَ ثَوْرَتِهَا وَعَزْمَ مَضَائها
قالوا لهم: مَدَّتْ حَمَاةُ إلى العِدا
يَدَهَا وَحَادَتْ عنْ خُطَا عُظَمَائها
لكنَّ زَعْمَهُمُ تَوارى مُذْ بَدا
نُوْرُ الحَقِيْقَةِ عنْ أصِيْلِ نَمَائها
فَارْتَدَّ سَهْمُهُمُ لِيَكْشِفَ زُورَهُمْ
يَا وَيْحَ قَوْمٍ شَكَّكُوا بوَلائها
لَبسُوا ثيابَ المنقذينَ لأمَّةٍ
وَعَلا صِيَاحَهُمُ لأجْلِ عَلائها
لكنَّهمْ أخْفَوا خَنَاجِرَ حِقْدِهمْ
لِيُمَزِّقُوا في الليلِ سَتْرَ رِدَائها
لَمَّا رَأوا دَكَّ الشَّآمِ مِنَ العِدا
وَتَقَطُّعَ الأطْرافِ منْ أعْضَائها
سَكِروا وَطَارُوا نَشْوَةً لِمَشَاهِدٍ
وَتَرَاقَصُوا فرحاً على أشْلائها
فَتَرَنَّحَتْ وَالجُرْحُ أضْعَفَ عَزْمَهَا
وَغَدا دَعِيُّ النَّصْرِ مِنْ أعْدَائها
أينَ الذينَ تَعَهَّدُوا بإذاعَةٍ
وَتَكَلَّمُوا عَنْ دَعْمِهَا وَنَمَائها
كَذَبُوا وَخَانُوا أمَّةً عَربيَّةً
وَتَعَاوَنُوا لِلنَّيْلِ منْ شُرَفَائها
دَعْهُمْ فَمَا أبقَى الخَنى بقُلُوبهمْ
غيرَ الخِيَانَةِ فَاحْتَمَوا بخِبَائها
لُبْنَانُ وَالجُولانُ صفحَةُ عَارِهمْ
كَتَبَتْ لَنَا عَنْ بَيْعِهَا وَشِرائها
بَكَتَا دِمَشْقَ بحُرْقَةٍ وَتَوَسُّلٍ
أنْ لا تُقَادَ لِحَتْفِهَا وَشَقَائها
فَرَنَتْ شَآمُ لَرَبِّهَا تَشْكُو لَهُ
ضُرّاً.. إلهي فاسْتَجِبْ لِدُعَائها
عَزَّ الذي وَالَيْتِ يَصْمُدُ لِلْعِدا
ملحمة حماة .. الانفصال والصراع على السلطة:
وها هو الشاعر د. أحمد الخاني يكتب:
قيثارة الشعر، كف المجد غرَّاء وبسمة الجرح في الميدان حمراء
ناعورة النهر... أنغام مجرَّحة أغنيَّة الموت في الميدان رعناء
حماة أغفت على العاصي تضاحكه ونهرها في مغاني الخلد لألاء
أهدى لها الله من عليائه حللاً على الجفون، وفاض العطر والماء
والمجد من هبة الرحمن، شيده من بعد يرموك، آباء و أبناء
أم البطولات، والتاريخ يُكبِرها صيغت لها من معاني المجد أسماء
كانت حماة لها اسماً وأرفده (أُمُّ الفداء)، أطال الصرح بنَّاء
وأهلها في مغاني النور أيكته فتوأم المزن في الأكوان معطاء
جاء (انفصال) بليل ما له شفق فالليل يطغى ونفس اللؤم حرباء
عصابة وانفصالٌ، كيد محترف يسَنّ سيفاً، وما في الفكر علياء
والصلُّ يرقبهم، يقظان هاجعُه قال: استعدوا فإن الريث إبطاء
هم الحثالة، لا تُدرى نذالتهم من لؤم عنصرهم تاه الألبَّاء
لا دين يردعهم لا أصل يرفعهم لا عقل يسعفهم نبلاً، هم الداء
عفونةٌ مرض في القطر منتنة من خبث طينتهم حار الأطباء
هم الحواصيد والبيداء تعرفهم على الحقول فهم للنور أعداء
أقنان أرض كمثل الزُّط عيشهم عنزاتهم في مغانيهم لمن شاؤوا
- • •
فقيل: آذار ما أبقيت في وطن يعود قفراً فلا مرعى ولا ماء
- • •
يا من هُرعت إلى التاريخ تسأله عن الدماء... فقد يشفيك إصغاء
المصدر: كتاب "ملحمة حماه في جهادها عام 1964م"
حماة في العيد:
وكتب د. أحمد الخاني يقول:
جاءنا العيد فطِرنا فرحا وتذكرنا فعدنا ترحا
وجرت مقلة عينيَّ دماً وبكى الخاطر لما لمحا
وجه روضي فيه قرآن الهدى لابس الحزن تراه شبحا
رُبَّ محراب به يبكي الفتى خشية الرحمن.. ماذا جرحا؟
جاءه الجزار في محرابه نبآني فلماذا ذبحا؟
رب طفل جاءه وحش الدجى ضحك الطفل له أو صدحا
ورضيع ظل يحبو ضاحكاً حول وحش السوء يبدي فرحا
فصل الرأس على ركبته قهقه الوحش له ثم انتحى
لفتاة مثل مزن طهرها جرها العلج إلى ما فدحا
فالمحاريب غدت تندبنا: اسفحوا الأرواح فيما سفحا
أين قرآني الذي في مسجدي داسه علج الدجى ما برحا
وبكى المحراب دمعاً ودماً حرَّقوا مسجدنا ثم انمحى
وأبادوا من عليها جهرةً من تخطته المنايا نزحا
- • •
يا بعيني طفلة الحي التي ترسل الدمع الذي قد قرَّحا
تسأل الغادين ولهى لوعت: أين أهلي؟ أين لي من نصحا؟
بعضهم يبكي وبعض يلتوي بعضهم أخفى وبعض لمَّحا:
أنت في خيمتنا مكرمة ستعيدين الفيافي مرحا
أجهشت تبكي وتُبكي حولها أين أمي؟ هل أبي قد جنحا؟
أين بيتي والدمى في صحنه جارنا أغضبته هل صفحا؟
فأنا اشتقت إلى أمي.. أبي كلموا جاريَ كي نصطلحا
وحشة قاتلة قاتلةٌ يا أحبايَ، فماذا رزحا؟
لا نرى طيراً عياناً في السما وكذا الوحش تراه جمحا
لا نرى إلا سكوناً مرعباً ليت عنزين لدينا انتطحا
مدفع العيد الذي يبهجنا هل غدا قتلاً؟ فروضي صوَّحا
رهبة الموت على أرجائنا لمَّح الموت بها أو صرحا
كل شبر في الحمى مذبحة في شآم المجد قتلاً سرحا
يا لذكراي بعيد مأتم صبّح العيد بنا ما صبحا
من جراح وشجون وشجاً متح الدمع بها ما متحا
هدنة قيل: لجرح بلسمٌ فإذا القتل بها قد وضحا
طعنوها قبلما مولدها فالردى يلهو بقتل طفحا
فمن الله استمدوا نصرنا قاب قوسين إذا ما سمحا
رثاء مفتي حماة ( قصيدة ):
مفتي حماة العلامة الشيخ محمد بشير بن أحمد بن محمد سليم مراد، استشهد إثر التعذيب الشديد بدق المسامير على رأسه! وتناثر مخه الطاهر، في أحداث مجزرة حماة الكبرى الأليمة عام 1982م، فكان الشيخ أنموذجاً للعالم العامل المجاهد، تقبله الله في الشهداء، ورفع منزلته في المهديين.
وقد رثاه الدكتور محمد منير الجنباز بقصيدة يحكي فيها الحادثة وما تعرض له الشيخ من التعذيب حتى الموت
سِيما الوقارِ بصبح وجهكَ قد بدا
والبشرُ في عينيكَ يُوحي بالندى
ونهلتَ من زاد الفضائل والتقى
وَرَقَيتَ فيها مسرعاً ولك الرضا
وجعلتَ قلبك نابضاً لإلههِ
ووقفتَ صَلْباً لا تَلينُ إلى العدا
حمّلتَ نفسكَ والصِّحَابَ مصاعباً
ووجدتَهَا مَهْدَاً لتحقيق المنى
وبليلةٍ كان السُّهادُ حَليفَكُمْ
والبَرْدُ أقبل والعدُوُّ لكم دنا
فخرجتمُ بالنار تدفع شرّهم
وجمعتمُ من حولكم أهل الحِمى
فاستنفد الجُهْدُ الذخيرةَ وانقضتْ
وَحَزِنْتَ أنَّكَ مَا التَقَيْتَ معَ الرّدَى
لتنالَ خيرَ شهادةٍ تمضي بها
نحو الجِنَانِ وتستريحَ مِنَ الدُّنى
لكنّما الأقدارُ خُطّتْ سرمداً
حتى إذا نَفِدَتْ عَلِمْنَا مَا جَرى
واللهُ قد خصَّ المُغَيَّبَ نفسَه
وقضى امتحاناً وابتلاءً للورى
فوقعتَ في أسْرِ العصابة مُثْقلاً
بالقَيْدِ حتى ما استطعتَ بهِ الخُطَا
وحُمِلتَ للسجن الرهيب لِتُبتلى
بأشدِّ ما شَهِدَ الخلائقُ من بِلى
لَسْعُ السياط يهونُ لولا أنها
بَدْءٌ وتقدِمَةٌ لحرقٍ باللظى
ولدقّ مسمارٍ برأسك كي تَرَى
سجَّانَكَ العاتي إليه المنتهى
لكنْ جَنَانُكَ ظَلَّ يَذْكر دَائماً
رَبَّاً يُعينُ المُبْتَلِينَ بما يَرى
فأفاضَ ذِكْراً منْ لِسَانِكَ طَيِّبَاً
فاغتاظ مِنْ ذِكْرِ الإلهِ مَنِ افْتَرى
فأتى لسانَكَ قاطعاً ذكرَ الهُدى
فاشْتَدَّ خَفْقُ القلبِ منْ ذِكْرٍ عَلا
وتزايدت دقاتُه لمسامعٍ
"سبحانَ ربي" أفصحتْ عنها اللّمَى
فارتاع سجّانُ الغِوايَةِ وانتحى
ركناً وسدَّ السَّمْعَ عنْ أُذُنِ الهوى
وارتدَّ للشيخ المسلسل ضَارباً
ويصيحُ: أسْكِتْ كلَّ صوتٍ إنْ بدا
والشيخُ مقطوع اللسان وقلبُه
خفقٌ فأظهر ما به رجعُ الصدى
وإذا البهائمُ والطيورُ لخفقهِ
سَمْعٌ فترجَمَتِ النداءَ كما سَرَى
أنشودةُ العصر الجريح لمسلمٍ
تسري وتخترقُ السجونَ منَ الكُوى
فتهزُّ أعماقاً وتصفعُ تائهاً
وتُزيلُ أحلاماً يُزَيّنُهَا الكرى
وغدا الزمانُ وما بهِ منْ نُخْبَةٍ
تُبدي التآزر والتلاحمَ في القوى
كَثُرَ القِطافُ منِ الرؤوسِ لإخْوَةٍ
وغدتْ جماجمُهم تُصَفُّ مع الدمى
سُكبت دماءٌ لو جمعتم سيلها
لغدت بحاراً أغرقت أهل الغوى
فإلامَ تخشون المماتَ وحاقداً
إن تطلبوا موتاً تروا عيش الرضا
والشيخ يرسُفُ في القيود ورأسُه
دَقَّ الطغاةُ به مساميرَ الأذى
أضحى يرى خُصَمَاءه لكنّه
فقد الحِراك ودمعُهُ سيلٌ هَمَى
يدعو على الظلْم العَتِيِّ لحاقدٍ
ورثَ العَدَاءَ لديننا مِمَّا مَضى
وأحسَّ جلادوه أنَّ دُمُوْعَهُ
كَتبتْ على خَدٍّ " سَيُخْذَلُ مَنْ بَغَى"
فاسْتُلَّتِ العينانِ منه بمنجل
هل منْ دموعٍ للتحدي تُرتجى
فإذا مغاراتُ العيونِ بَدَتْ لهمْ
كهفاً يُعِدُّ شبابَ أحمدَ للوغى
هَلَعٌ أصابَ الحاقدينَ بما رَأوا
قالوا اهْدموه وَمَزّقُوا مَنْ قد أوَى
وتقدموا بالشيخ نحو مدقّة
في فكِّها أسنانُ ذئبٍ قد عوى
شَدُّوا عليها رأسَهُ وبشدَّةٍ
فتلوا أسِنَّتَها فعضَّتْ وارتمى
وتناثر المُخُّ الطَّهُورُ لعَالِمٍ
فيه العلومُ وفيهِ قُرآنُ الهُدى
وتضاحكَ الأشرارُ هذا رأسُهُمْ
إنَّا كسرنا الرأسَ والأمْرُ انتهى
وخلتْ لنا الدارُ الشَّمُوسَ وطأطأتْ
رأساً وكانتْ شَوْكَةً تؤذي الدجى
وقفتْ قروناً ضِدَّنا بصلابةٍ
وتعاورتنا بالسيوفِ وبالقنا
واليومَ نَسْحَقُ كلَّ مَنْ سَيُريبُنَا
كيلا يفاجئنا الصلاحُ إذا انتضى
سنسوّر الدارَ التي نأوي بها
ونقيمُ خطَّ تنصُّتٍ فوقَ الذرا
ونوزّع الأغلال فيما بيننا
ونُجيعُ كل مُواطنٍ يأبى النوى
يكفي بأنا قلةٌ من أعصرٍ
واليوم يَكْثُرُ عَدُّنا ولنا القوى
سنشيّب الأطفالَ حتى لا نَرى
إلا وليداً شابَ همّاً وانبرى
كُنَّا نحاسَبُ إنْ أبَدْنَا بلدةً
واليوم ندفنُ أمّةً تحتَ الثَّرَى
فلنا الحجازُ ومصرُ كانت مُلْكَنَا
والمغربُ الأقصى وحتى المنتهى
سنعيدها وإنِ الزمانُ بدا لنا
مستعصياً مهما تقلّب وارتدى
عاد ابنُ قُرْمُطَ في ثيابِ حَدَاثَة
بل عاد مدعوماً بإخوان الصفا
يا رب كم صاغ الذين تزندقوا
ضد العباد مؤامراتٍ تُفترى
وتراهمُ عينٌ لذاتك لا تنم
كم خططوا للدين في نزع العُرى
رُدَّ السهام لنحرهم يا ناصراً
وأعِنْ عبادَك يا قويُّ بما ترى
فجنودُكم يا رب لا يُحصى لها
عَدٌّ ولا نوعٌ فدمّرْ مَنْ طغى.
عذراً حماة ليس بوسعي إلا البكاء:
عذراً حماة ليس بوسعي إلا البكاء، ليس بوسعي إلا أن أهوي على سريري والعينان تذرفان دموعاً تترى، وجسدي تغزوه قشعريرة ناعمة تنتابه رويداً رويداً وهي تتجه متماوجة إلى الأعلى، ولساني يلهج بالدعاء، ما أكرمك يا الله، ما أعدلك يا رحمن يا رحيم، ما أوسع فضلك يا كريم يا واسع، أنت رب العالمين وأنت رب العرش العظيم.
تلك هي عبارات راودتني وأنا على وشك كتابة قصيدة بعد أن توارد إلى سمعي تسمية جمعة من جمع الثورة السورية باسم حماة في الذكرى الثلاثين للمجزرة الرهيبة والمأساة العظيمة، قالوا (عذراً حماة سامحينا) هكذا سموها، نعم دون شك أو ريب، وإني والله حسبت أن الزمن قد طمسها وحسبت أن ثنايا الوقت غيّبتها في غيابت الأيام وتلافيف الدماغ المطوية الغائبة عميقاً عميقاً في العقل الباطن دون عودة ودون استذكار،
إنه كرم الله وإنه فضل الله، رغم الآلام ورغم الذكريات الأليمة فقد انتابني فرح واعترتني غبطة فازداد يقيني بعدل البارئ المصور الحنان المنان، فمن فرط جبروت هذا النظام الفاجر وكثرة مكره ودهائه وعموم خبثه لم يكن بمقدوري أن أتصور اليوم الذي يجاهر الناس بالكلام عن مجزرة حماة التي اقترفتها عصابات عائلة الأسد ومن شايعهم في ثمانينات القرن العشرين، ومن فرط جبروت هذا النظام تلاشت الأفكار وانهمر السديم يغطي الأحداث ويطمرها تحت رماد كثيف وغشاوة سميكة، ورغم أن الإيمان بالله الأحد الصمد موجود في القلوب بحمده تعالى إلا أنَّ عظم الحادثة وما جاء قبلها من مآسي متعددة قادت إليها وما جاء بعدها من السكوت والتعتيم الإعلامي والصمت الداخلي والإقليمي والدولي والبطش الشديد والأساليب القمعية العتيدة حال دون التفكير السديد ودون الانطلاق، ولكن العذر أن لا عذر، وماتت القضية سنوات طويلة تناسى الناس جراحهم أو عضّوا عليها مكرهين، واستمرت الحياة رغماً عنهم بأمر الواحد الأحد، حتى جاء هذا الطوفان الكريم، هذا السيل الجارف وهذه الإرادة الجبارة العظيمة مما كمن في نفوس هذا الشعب الطيب القوي بفضل الله وحوله.
أعطيكِ يا بلدي جميلَ حناني *** أهديك حباً باسقات جَناني
وسقوك من دمع العيون غدائراً ***ومن الدماء جداول الوديان
وخبا الندى يقتات من آلامه *** والنور بات بآخر الأزمان
وتطاول الطاغوت فوق رقابنا *** وحرابه دأبت على الطغيان
حتى إذا صاح الصباح بأهلنا *** فهي الكرامة دفقة الإنسان
هذا وفضل الله أفضل مانح *** تمضي وترجو رحمة الديّان
أذكر أنه بعد سنة أو سنتين خرج للوجود على استحياء كتاباً اسمه (حماة مأساة العصر)، لم أعلم به ولكن زميل دراسة عراقي في بلاد الغرب أخبرني أنه رأى هذا الكتاب بعد أن علم أنني من المهاجرين من أبناء حماة..
تجاهلت الأمر وتحاملت على نفسي بعيداً عن الموضوع وكأنني لم أسمع به لأن الثقة وقتها كانت مفقودة في جميع البشر عموماً وذلك من كثرة المخبرين داخلياً وخارجياً..
كان الرعب يحيط بنا والخوف يركبنا حتى في البلاد البعيدة لأن النظام زرع الخوف في نفوسنا من كثرة الدهاء والمكر والخبث والقتل والتنكيل، يلاحق أهلنا إن لم يستطع الإتيان بنا، فله أساليب لا تخطر على بال بشر وذلك على مبدأ إذا لم تستح فافعل ما شئت، ومن علم بتلك الأمور عن دراية وخبرة ليس كمن سمع وقرأ
كنت أكتب القصيدة تلو القصيدة وأواري خاطراتي وأحاسيسي وأحبس أمنياتي وأحجر على أفكاري وأضبط نفسي وألجم أحاسيسي كي لا تنفلت فأتسبب في أذية أهلي في سورية من قبل زبانية النظام، كنت أخفي ما بداخلي أمام الملأ، كنت أتخفى عندما أرى سوريين مجتمعين، حاولت المشاركة بمهرجان شعري عربي ليس له علاقة بالسياسة وذلك في الولايات المتحدة ولكني شعرت أن العيون كانت لنا بالمرصاد، لا يعرف الإنسان من أين يأتون، وبعد ذلك بسنين كنت لا أقول لأولادي عن جميع الحقائق التي مرت بنا وبالبلد كلها خوفاً عليهم من بطش النظام إن هم تكلموا لأصدقائهم أثناء زيارتنا للبلد الحبيب، كنت أستعمل الرمز العميق في الكتابة ومع ذلك ينتابني شعور بالقلق حين وصل الأمر بنا – من شدة خوفنا - أنهم قد يقرؤون الأفكار، فسامحينا يا حماة، سامحينا أيتها الجوهرة الثمينة.
عذراً حماة، فصوت الحق قد بانا *** عذرا أتيتك إذعاناً وإيذانا
عذراً حماة وفي الأحشاء نيران *** صمتُ العروبة أردانا وآذانا
اليوم يومك فالديجور منسحبٌ ***عذراً فإنَّ قدوم الفجر قد حانا
أبشرْ أخيّ نفوس الناس في ألقٍ *** يستبشرون من الراحات ألوانا
منْ يفتر اليوم يلق الهون في غده ***ويلعق الذلَّ تعريفاً ونكرانا
أيها النظام الفاجر الذي هوى على رؤوس العباد بفأس من شواظ رهيب.
أيها النظام المتعجرف الذي أرسل على الهامات أحزمة من لهب شديد.
أيها النظام الكذاب الأشر، سلاحك فيتو، وسلاحي صمود وقدر، سلاحك فيتو، وسلاحي يقين وصبر، سلاحك مكر وخبث وخديعة، وسلاحي ثقتي بشعب كريم لا يهاب الوقيعة، سلاحك مدفع ورصاصة، وسلاحي وعد ربي الذي لا يؤوده حفظ السماوات والأرض.
فأنا الشعب الذي وضعه الله على هذه البقعة المباركة من الأرض، تلك هي الأمة الوسط، تسومها أنت ومن تبعك سوء العذاب وتجرعها كؤوس الذل والهوان، أما آن لك ولطغمتك القاتلة الكريهة أن ترعووا أو أن تستيقظوا من سباتكم العميق، أما آن لكم أن تفهموا أن هذا الشعب كريم أبيّ مقدام، فهو لا يبالي بالموت إن كان في السبيل الأسمى
الراحلون إلى الرحمن ما فتئوا يستبشرون وما أدراك ماغنموا الطائرون إلى النعماء مكرمة النائمون على متن الأثير هـمُ الوارثون وما أدراك ما ورثوا مد العيون وهاؤم في السنا علم والفجر يبزغ لا مناص لنوره هل يحجب الشمس من موّاله الصنم قمع وتنكيل وجهالة، كيد وخبث وعمالة، لص وحرامي وحثالة، هل تدرون أيتها الطغمة الفاجرة أن سلاحكم نادر، سلاحكم لم يعهده البشر في العصر الحديث، فقد غاب إبليس وتصحر ثم انتحر حين لم يقدر على مجاراتكم بالخبث والدهاء والقتل.
هذا التنكيل والتمثيل بالجثث وهذا الاعتداء الصارخ على البشر والحرث والأعراض لم يأت الزمان بمثله، ولن يأتي حسب يقيني، فلقد رضعوا لبان الحقد من أوكاره، فلا النجم سار في أفلاكه كما يزعمون ولا العملاق كان عملاقاً كما كانوا يصوّرون، لقد شربوا التأثيم من كؤوس لا قرارة لها مترعة بعقيدة فاسدة وتعليمات خفية نتنة.
بلدي وفجر العمر يلتقيان ***والظالم النازي بلا وجدان
صولانه كضميرهِ متهالكٌ ***وبصيرةٌ تحتار في الروغان
شـدَّ الحزام وقام في أرجائها ***عسفاً وجوراً ناطق الهذيان
والأرض صار من الدما أنهارها ***فأديمها قطعٌ من الثوران
عندما عزموا على صب حقدهم عليها وأجمعوا أمرهم اصطفوا أرتالاً من الكراهية وكتائباً من الحقد الطائفي الأرعن، عندما نفضوها استجارت الدنيا ولكن الأنفس البشرية لم تقم ولم تنبس الأقوام ببنت شفة إلا من تصريحات خجولة هنا وهناك ما لبثت إلا قليلاً ثم خبت، لقد أجرم العالم بالصمت عن مجازر فظيعة، ولم نكن ننتظر النصرة العسكرية إلا أننا شعرنا بالخذلان من القريب والبعيد عندما تم طمس الأمر دون إعلان أو استمرار، ومع هذا الخذلان البشري الإنساني فقد تعالت صيحات الطوب في المدينة وتسامت مناداة الرمال، وتفاقمت أنّات العاصي معلنة الحداد على أهله، كان خراباً يندى له جبين الإنسانية، والناس في الوطن العزيز في سبات، ثم أتى صمت له دويٌّ رهيب، شعرتُ به عندما رأيت جزء صغيراً من المشهد المأساوي في بعض أحياء حماة ليلاً، فبعد شهرين من المذبحة تسنى لي أن أمر من حماة قسراً وأنا داخل سيارة الأمن العسكري بعد توقيفي وتعذيبي وما أكثر القصص الحزينة، وأنا مذهول مذهول مصدوم من الخراب والدمار
نـُقـِضَـتْ ...
فتعالت صيحاتٌ من أنـًّةِ طوبٍ وحنينْ
لزم التاريخ مكانه، والنهر ركام ... وحطام
للمنظر صوت ودويٌّ وطنين
حزنت كلمات الماضي
تجتاح سلالة بابل
وعادت فاغرة الفيه
فكبرت أرقام الترحيب المجرم
وفيها لهيب وحميم
وتراءت أفكار التاريخ صمودا
في وجه الأيام كزيف ناقص
قد صار المنظر وحي مشين
سارت أنحاء التاريخ بنهر
متسخ بالطين هزم التاريخ مثالا ..
فالنار جموح .. وخيول وصهيل
فارفع رأسك يا تنين
نُـقضتْ ... فانتُهكت ...
فانعدمت أصوات الحرث الدامي
قد أضحى الوقت هلاماً غير مكين.
وحدها القبور المفتوحة، تعانق أشرعة الأثير،
وتركب صهوة الليل نحو خيوط من البياض والنور ،
ونواجذ الأيام تمسك بهذا السنا الوردي الحائم فوق ظلال الياسمين،
وغابات الجبال الندية تتمايل مع نسائم الفجر القادم من روائح دم الشهداء،
وحبات الصنوبر الجبلي تتساقط وتمشي على جميع بقاع الوطن قرباناً للحرية وموقداً للكرامة،
ترتفع الحجارة رويداً رويداً وهي تهمس للطيوف حكايات عن القادمين إلى الرسول تحية وحباً،
وتحيّي هؤلاء المسافرين إلى غير رجعة وأرواحهم تطير فوق المعالم الأثرية وفوق المدن الحجرية والقرى الرملية والحقول الشاسعة،
وترفع المآذن الدعاء للبارئ الحكيم عندما يصل القادمون،
تحية من الله مباركة، أرتالاً من الشهداء على درب الكرامة والإنسانية
هؤلاء الظالمون القابعون في ميادين الفحش الإنساني والعهر الأسدي الذي انضم إلى الصفحات السوداء من التاريخ البشري،
وهنا يسجل الزمن ساعات من الاحتضار،
صفحات من تاريخ سوريا يسطرها الإنسان المجرم وأتباعه ممن تلوثت أيديهم بالدماء البريئة
وممن يؤيدونه ويؤيدون تلك الأفعال الشنيعة بحجة السلم الأهلي وبحجة المصالح الشخصية والمنافع الآنية ناسين الوطن الذي ينزف الدم ويترنح تحت وطاة العار الأسدي والبعثي الجائر
. دعوني أستشيط من الغضب دعوني أرتقي حمم اللهب
دعوني أمتطي سرج الجياد الراحلات إلى الرتب
(تبت يدا أبي لهب وتب)
قاموا على (التشبيح) والإرهاب قاموا على ترنيمة الموت العجاف
(تبت يدا أبي لهب وتب)
فمحابر التاريخ تذكر فعلهم
ومنابر الأيام تصرخ بالألم وتقول للطاغين من قلب الضلوع بلا نصب
تبت يدا أبي لهب وتب
لن تقتلوا فكري وإن زعمتم أنكم خانقوه
لن تستطيعوا فك الرموز وإن وصلتم إلى جنان الأمور
فأنا سوري أبيّ مكن التاريخ مني هالتي
وأحجم التشفير قبضته عليّ فأرداني في حضون الإباء والشموخ
ورمحت نحو العلى فاستعصيتُ على الهوان وأبيتُ الخنوع
حنين إلى حماة:
وكتب د. أحمد الخاني بتذكر مدينة حماة فيقول:
أحن إليك أيا غاليهْ
حنينَ الغصون إلى الساقيهْ
حنين الصحارى شواها الهجير
إلى دمعة المزنة الصافيه
حنيني إليك حنين الكفيف
إلى النور في الليلة الداجيه
حنين السقيم ويأس الشفاء
براه الجوى فاشتهى العافيه
حنين الغريب إلى أيكهِ
تهيِّجه الصور الحانيه
خيالك يسكن في مهجتي
وطيفك روضات أحلاميه
لثأر المتجدد
..........
سألتُ اليومَ ذا التاريخَ عنها
فأطرقَ واجِمًا و حنا عليَّا
و قالَ حماة ذي أمّ المعالي
تحدّتْ في زمانِ القحطِ بَغيَا
فقالتْ لا لظلمٍ في حِمانا
فجاءَ الرَّدَّ جبَّارًا عتِيَّا
نواعيرٌ تئنُّ بليلِ بؤسٍ
و أضحى النّهرُ بالشهداءِ حيَّا
شباطٌ كان ناقوسًا لموتٍ
يدقّ حماةَ...يطوي الأرضَ طيَّا
دموعُ القهرِ تأكلُ من جَواها
فقومي يا بلادَ العربِ هيّا
وتقتاتُ المآسي قلبَ أرضٍ
غزاها الموتُ صُبحًا أو عشيَّا
فأطفالٌ هناكَ بركنِ بيتٍ
تكوَّمَ لحمُهُمْ غضًّا طريًّا
بناتٌ مثلَ زهْراتِ الرّوابي
ومثلَ البدرِ إذ يبدو بهيَّا
تدنِّسُها أيادي البغيِ ظلمًا
جبينُ العربِ قد أضحى نديَّا
شيوخ الحيِّ عذَّبهُمْ خسيسٌ
فكان أذانُهم عذبا شجيَّا
دمارٌ في دمارٍ في دمارٍ
ولم تتركْ يدُ الطاغوتِ شَيَّا
عقودٌ أربعٌ في العمر تمضي
وجرحُ حماةَ باقٍ يا أُخيَّا
وعامٌ فوقَهم في القلبِ تدمى
لذكراهم عيونٌ في المحيَّا
أنا التاريخُ قد حارتْ حروفي
تعالَي كي ندوِّنها سويَّا
فقلتُ وقد شجاني يا رفاقي
صراخُ حماةَ....فاستمعوا إليَّا
أيا تاريخُ سجِّلْ مِنْ دِمانا
و أرَّخْ سطرَ ثورتِنا سَنيَّا
لأنّا النورُ في ظُلُماتِ قهرٍ
سيظهرُ فجرُنا حُلْوًا جليَّا
فكمْ من مسجدٍ أضحى رمادًا
و جمرُ الثَّأرِ أضحى سرمديَّا
سيصبحُ جمرُنا نارًا لنكوي
به وجهًا ( لأَعرابٍ) شقيَّا
لأنَّ سكوتَهمْ أودى بشعبٍ
بريءٍ صار مكلومًا قويَّا
فذي الذّكرى تعيثُ بأرضِ قلبي
فأعصرُهُ لأروي التُّربَ ريَّا
لمجزرةٍ تذيبُ الروحَ حزنًا
أيا تاريخُ فلتنظرْ مليَّا
ألا شُلَّتْ يدُ الجزَّار حتى
يكونَ بوصفِ آهاتٍ حَرِيَّا
سياطُ القهرِ قد جلدتْ رؤانا
فسالَ الحُلْمُ في( العاصي)نقيَّا
دمُ الشّهداءِ عِطرٌ في رُبانا
يفوحُ بأرضها عبِقًا ذكيَّا
أيا تاريخُ...دوِّنها بدمعي
و خلِّ الحِبرَ في الذّكرى خَفيَّا
سنأخذُ ثأرَنا لو بعدَ حينٍ
فصوتُ الحقِّ يبقى جَهوريَّا
تظلُّ حماةُ للأحرارِ تاجًا
ويبقى شعبُها حُرًّا أبِيَّا
حماة العزِّ...فخري واعتزازي
لها قلبي أقدِّمُه وَفيَّا
خُلِقنا كي نعيشَ بدون ذلٍّ
فإمَّا في الثَّرى أو في الثُّريَّا
.............................
وكتبت آلاء مصطفى علي في الذكرى الواحدة والأربعون لمجزرة حماة:
مشاهد حقيقية من مجزرة حماة 1982م
مشهد:
مفتي حماة الشيخ بشير المراد، ذهب الجنود إليه، وأخرجوه من داره مع مجموعة من أقربائه. وأخذوا يضربونه، ويـعفرون لحيته بالتراب، وقاموا بسحله، ثم أحرقوه وهو حي، مع غيره من العلماء أبناء الثمانين.
مشهد:
طلب الجنود من الأهالي التوجه نحو سيارات الخبز في طرف الشارع. أسرع عدد كبير من الأطفال، وكانوا بالعشرات، حملوا الخبز وقفلوا عائدين، اعترضهم الجنود، وطلبوا إليهم الدخول إلى الجامع الجديد، وهناك فتحوا عليهم النار، وسقطت الأجساد الطرية، وسالت دماء الأطفال على الخبز الذي كان لا يزال في الأيدي الصغيرة.
مشهد:
كان الجنود يدخلون إلى الملاجئ، وينتقون الفتيات الصغيرات، ولا يعرف الأهل بعد ذلك عنهن شيئاً. وفي حمام الأسعدية الكائن في منتصف سوق الطويل، وجدت جثث كثيرة لفتيات معتدى عليهن ومقتولات، حيث ذكر شهود عيان أن الجنود أمروا بممارسة الاغتصاب المنظم وألا يتركوهن إلا حوامل، عرايا من ملابسهن.
مشهد:
قصة أسرة من آل السواس في منطقة الباشورة، اقتحم الجنود منزلها، فقتلوا الزوج، ثم أرادوا الاعتداء على شرف زوجته، فقاومتهم مقاومة شديدة حتى يئسوا منها، فصبوا مادة مشتعلة (المازوت) عليها في أرجاء غرفتها وأشعلوا النار فيها فقضت نحبها حرقاً.
مشهد:
في حماة استخدمت المدارس والمرافق العامة كمعتقلات، وشهدت تلك السجون مجازر جماعية، منها ما حدث في أحد السجون، إذ دخل اللواء علي حيدر -قائد الوحدات الخاصة- إلى السجن، وخاف المعتقلون في أحد المهاجع مما قد يحل بهم بعد زيارته فهتفوا بحياته، فأمر لهم بطعام وبطانيات. غير أن السجن كان تابعاً لسرايا الدفاع التي يقودها شقيق الرئيس رفعت الأسد، فجاء جنود من السرايا يحملون رشاشاتهم وصرخوا في وجوه المعتقلين بأن "لا قائد إلا الزعيم رفعت"، ثم فتحوا نيران الرشاشات على كل من كانوا في المهجع وهم نحو 90 شخصاً، فقتلوهم جميعاً.
مشهد:
أمر قائد سرايا الدفاع رفعت الأسد في 22/ شباط/ 1982م بالنداء بمكبرات الصوت لإحضار جميع المشايخ ومؤذني المساجد وخدامها من المعتقلين في السجون، وكانوا حوالي 1000 شخص، سيقوا إلى مصيرهم المجهول حتى اليوم.
مشهد:
الشيخ عبد الله الحلاق ابن الثمانين عاماً: اقتادوه من أحد الملاجئ مع مجموعة من أهل الحي.. طلب منه الجنود ساخرين أن يتلو القرآن، عسى أن يجد الله له مخرجاً! قرأ الشيخ.. لكن الضابط سخر وقال له: "إن ربك لن ينجدك، لقد حانت ساعتك، وسنضعك في جهنم"، اقتادوه إلى سوق الحدادين، وسكبوا عليه برميل المازوت، وأحرقوه.
مشهد:
داخل المستشفى الوطني تمركزت واحدة من فرق الشبيحة التابعة لسرايا الدفاع بصورة دائمة طوال الأحداث، وكان عملها أن تجهز على الجرحى، حيث تكدست الجثث فوق بعضها، وفاحت روائح الأجساد المتفسخة، فكانوا يجمعونها كل يوم في سيارات النفايات، وتنقلها الشاحنات إلى الحفر الجماعية.
مذبحة حماة في القصة المعاصرة:
يحيى حاج يحيى
قالوا : الشعر ديوان العرب، فقد سجل مآثرهم، و صور حياتهم، و تجلت فيه قيمهم، فعنوا به عناية شديدة و العرب أحفل الناس بالشعر ؛ فهم لا يتركونه حتى تترك الإبل الحداء – فإلى أي مدى صور الشعر ما نحن بصدده ، و هو الحديث عن مذبحة حماة في شباط 1982م التي اقترفها نظام الجبت و الطاغوت ؟ و الجواب بإيجاز : حق للشعر العربي المعاصر أن يفخر أنه يملك مجموعا ضخما في تصوير آلام الأمة و آمالها ، و أن مجزرة حماة كان لها فيه فصل كبير ، يطلب في مظانه .
و قال بعضهم : إن هذا العصر هو عصر الرواية، و في رأيهم أنها حلت محل الشعر ، و أخذت حيزا كبيرا على مسرح الحياة و الأدب ، حتى إن الدكتور سمر روحي فيصل في كتابه القيم ( معجم القاصين العرب) ذكر أسماء (2038 ) قاصا في مقابل ما ذكره معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين الذي أوصل عددهم إلى حوالي(1650 ) شاعراً
و أيا كان الأمر ، فإن كلا ً من الشعر والقصة يُعَد وثيقة أدبية هامة و سنقف عند عدد من الروايات والقصص متحدثة عن هذه المذبحة، موثقة تلك الجريمة للأجيال، مصدقة قول قائد فرنسي من أن الدماء التي تراق في ساح المعركة يجهل مع الزمن أسماء أصحابها ، و لكن الذي يخلد هو الأدب التي يتحدث عنها !!
و نتيجة لازدياد الثقة بالوثيقة الأدبية و جدارتها فقد اتجهت مجموعات من الباحثين في أوضاع المجتمعات الحديثة و المعاصرة إلى الاعتماد على الظاهرة الأدبية في الكشف عن مختلف الأوضاع في هذه المجتمعات لاستكمال المعلومات عن حقيقة الموقف الشعبي و التيارات الباطنة في المجتمعات، و التي تحرص مصادر التاريخ الرسمية على طمسها و إهالة الضباب عليها ..
و بين أيدينا في هذا البحث أعمال أدبية صورت أحداث هذه المجزرة ، و وثـّــقتها لا بالصوت و الصورة ، و لكن بنبض الأحاسيس و قسوة الوقائع و مأساوية المذبحة .
يقول الأديب محمد الحسناوي – رحمه الله – في دراسة له عن رواية ( طاحون الشياطين ) لشريف الراس : (( الواقع في الفن القصصي هو ما يمكن تصور وقوعه عقليا ، و ليس الذي وقع بالفعل ، لأن بعض ما ينطوي عليه الواقع أحيانا ، يحمل من الغرابة ما لا يمكن تصور وقوعه بشكل عام ! ))
و أما رواية طاحون الشياطين ، فتكاد تنقض هذه المقولة و تقلبها رأساً على عقب ، تقول الرواية ((لو أننا جمعنا كل وحوش الغابات ، و أطلقناها على سكان مدينة محاصرين بسور من نار ، فهل تستطيع أن تأكل أربعين ألف إنسان أعزل بريء خلال تلك الفترة الزمنية القاسية ؟! ثم خبـّـرني؛ لماذا حين كانت تتاح فرصة المفاضلة بين الموت و الحياة كان أعوان هذا الوحش يختارون من بين الحشد ، الأطباء و المهندسين و المعلمين ، و كل من يحمل شهادة عالية ؟!! ))
فالرواية ليست خيالية و ليست تتحدث عن بلاد (الواق واق) بل تحكي مأساة العصر في مدينة سورية ، و بالذات 1982 ، و لا علاقة مباشرة بينها و بين رواية ( العالم 1984 ) لجورج أورل ، على الرغم من أنهما تصنفان في الأدب السياسي ، وتمجدان الحرية، و تنضحان بالسخرية .
و أما رواية ( عذراء حماة ) لعبد الله الدهامشة فتعود بنا إلى ما قبل المذبحة بسنوات طويلة ، يوم أن تمكن الحزب المتسلل في عام 1963 من القفز على السلطة ، و هو لا يملك أهلية لا بفكره و ممارساته ، و لا أكثرية في عدد منتسبيه ؟!
ليجهض الوحدة التي كان من أكبر العاملين على هدمها من خلال ممارساته ، و من خلال المقدمات التي برزت في سلوكيات النظام ، بدءا ً من عام 1963 بعد أن قضى على معظم الضباط الشرفاء ، ثم توجه إلى التعليم تسريحا ً للأكفياء و تخريبا في المناهج ، و تدميرا ً لأخلاق الجيل بدأت خيوط المأساة ( كانت صفاء إحدى الطالبات في حماة ، و قد آلمها أن ينقل مدرس التربية الإسلامية إلى محافظة بعيدة ، بسبب ظهور أثره في سلوك الطالبات ، ثم تنتقل الرواية إلى الحديث عن الشهيد مروان حديد و تربيته للشباب من خلال خطيبها محمود ، و إلى الاستفزازات التي بدأها النظام ، و مقابلة الشعب ذلك بالإضراب و الاعتصامات و توتر الأجواء و استمرار المدينة العزلاء في مواجهة الطاغوت الذي جر ألوية من الجيش و قد جردها من ضباطها الأصلاء بالأقزام و الممسوخين ، و استمرار الاعتصام في مسجد السلطان ، و محاصرة المصلين و قصف المسجد و انفجار الموقف ، و استثمار الحاقدين ذلك في محاكمات عسكرية لتقضي على وثبة الشباب الغاضب ، و سقوط محمود شهيدا ً ، و امتناع صفاء عن مغادرة المنزل بعد محاصرته و قد حصلت على بندقية محمود لتقاتل بها حتى الرمق الأخير ؟!!!
لقد استطاع الكاتب الدهامشة أن ينتقل بنا من بين الركام و الدماء و فحيح أزلام السلطة و نباح مَوْتُورِيها إلى موقف إنساني رفيف ، و نحن نمضي مع صفاء عذراء حماة من مقعد الدراسة إلى ساح المعركة .. إلى مواكب الشهداء ....
و من خلال هاتين الروايتين اللتين تحدثتا عن حماة، و من خلال الفارق الزمني بينهما 1964-1982، ندرك أن مؤامرة ما حكيت في دهاليز النظام ، أعد لها أبالسته للقضاء على هذه المدينة العربية المسلمة ، فبدأت بهدم مسجد السلطان 1964 و انتهت بهدم المدينة 1982 م و في المجموعة القصصية (المطر المر ) لمحمد حمدان السيد تسجيل شبه كامل للأحداث و مقدماتها ففي (رقم على الجدار ) يبين أن التضييق كان سبب الانفجار ، و يصور معاناة المدينة من خلال حصارها تصويرا ً واقعيا ً مرعبا ً ، فيمسك الكاتب بقلمه و يغمسه بمداد أحزانها و نكبتها !!
و في (المطر المر ) تبدو قوة الارتباط بين الواقع و الإنسان فتشترك الجمادات في الحزن ، بعد أن يسبغ عليها الإحساس الإنساني ، فيشعر القارئ بنبض قلبها و حرارة أنفاسها مذكرة بقصيدة الرندي الراعفة .
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدان
فالمحنة تشمل الجميع ، و الحقد يعم الجميع ، و تبرز مكانة الطبيعة في رسم خطوط المأساة و قد وظف الكاتب هذا الشهر ( شباط ) بأمطاره و قصف رعوده ، و ظلمة أيامه ، و طول لياليه ... فكانت هذه الأقصوصة بحق توثيقا ًأدبيا ًللجريمة زمانا ًو مكانا ً.
و ينتقل في (لكل حادث حديث ) فيصور الطرف الآخر ، و فيه كثيرون سيقوا إلى ذبح المدينة ،و ليس لهم ثأر معها ، كما في حالة ذلك الجندي الذي يجر إلى معركة ليس مقتنعا بها ثم سقوطه جريحا بين يدي أهل المدينة الذين أحسنوا إليه فأسعفوه و أنقذوه من موت محقق، فكان لذلك التعامل الإنساني أثر في تصحيح الصورة إلى حد إلغائهامن أذهان أولئك البسطاء ، بعد عودة الوعي و صحوة الضمير و العودة إلى الجذور !!
و في ( بوابة في جدار الجنة ) نشهد أيضا الشخصية التي تعدل مسارها ، كما في شخصية أحمد ، بعد اتخاذ القرار ، و إنهاء لحظات التردد و التأرجح بالانضمام إلى صفوف المظلومين .
و على الرغم من الهدف التوثيقي لهذه المجموعة فقد حافظ الكاتب على مستواها الفني ، و ساعده في ذلك دقة الوصف بلغة تقرب أحيانا من لغة الشعر...
و أما مجموعة ( بين القصر و القلعة ) لمحمد الحسناوي فقد أسقط الكاتب واقع أقاصيصها على بلده المنكوب ( سورية ) فجعلها في مراحل ثلاث : النـُـذر كما في أقصوص ( ليلة – اليتيم ) الانفجار كما في ( أم طويجة – بين القصر و القلعة – أطلق النار يا عريف – أم جعفر – رسالة صوتية ) الكمون كما في ( حالة حصار – زيارة ) و كان الثبت التاريخي لهذه الأقاصيص ما بين عامي 1979-1985 م .
و الأقاصيص في مجموعها ، تتقارب موضوعاتها في الحديث عن الإحساس بالقهر و مدافعته ، و في تصوير المعاناة التي يعيشها المكتوون بالظلم ، حـَـجـْـرا على الفكر ، و تضييقا على الحريات ، و تهجيرا من الوطن .
ففي ( أم طويجة ) يصور الكاتب بعض الضباط و قد حوّلهم النظام من الدفاع عن الوطن إلى الدفاع عن ممارساته و وجوده ليوجد شرخا في العلاقات بين أبناء الوطن الواحد ، و سواء أكان الدم للمواطن أم لأحد أفراد الجيش فإن النظام لا يخسر شيئا بحسب خططه و تصوراته ؟!!
و في ( بين القصر و القلعة ) تتحدث الأقصوصة عن موكب من مواكب الشهداء و هم يساقون إلى ساحات الإعدام تنفيذا لرغبة الطاغية القابع في القصر لإرهاب الشعب و إسكات أصوات احتجاجه.
و كانت ( أطلق النار يا عريف ) قريبة من أقصوصة محمد السيد ( لكل حادث حديث ) في صحوة ضمير بعض الجنود و قد نقلوا من الجبهة و المواجهة مع العدو إلى مواجهة أهلهم و شعبهم في حماة فكان موقفهم رفضا للظلم لا رفضا للأوامر كما يفهمها الجندي ؟!!
و في ( أم جعفر ) ينقل الكاتب صورة لعدد من النساء في حماة إبان القصف و التدمير و هن ينتقلن من حي إلى حي بحثا عن الأمان لأطفالهن ، و وقوف المرأة العجوز أم جعفر كاللبوة في دفاعها عنهن و قد غُيـّـب الرجال أو قتلوا .
أما ( رسالة صوتية ) فتنقل لناصورة لأسرة من آلاف الأسر من أهالي حماة المهجرين بعد المذبحة، و هم يستمعون إلى شريط مسجل لأحد أبنائهم الذين أصروا على البقاء في المدينة و هو يخوض معركة المواجهة مع الطاغية و جلاوزته ..
و في مجموعة (البرتقال يزهر على ضفاف العاصي) ليحيى حاج يحيى تصوير لانعكاسات الأحداث ، لا على المدينة الذبيحة وحدها ، بل على الريف المجاور لها ، بل على سورية بأسرها ..
ففي (هدية محمود) الذي أصبح مسؤولا ً في الحزب ، و الذي يحس بالحرج عندما يرى أستاذه يهيم في الأرياف و قد حكم عليه بالقانون 49 الذي أهدر دمه و دم غيره ، و لم يعد يؤويه بيت و لا عمل ، فيشعر بالندم و يعتذر أن يكون أداة من أدوات السلطة الغاشمة ... و في ( المعلمة الأولى) تلحق به أمه مع زوجته و ابنته الوليدة و هو رابض في أحد الجبال ، فيعجب من موقف أمه التي تشد من أزر زوجته ، بأنها فخورة به لأنه يدافع عن أهله و بلده !!
و في (امرأة من الريف ) تأخذ كثير من النساء دور الرجال كأم سعد التي اعتقل زوجها و ولداها ، و تصر على أن ابنها ( علي ) و قد بلغ الرابعة عشرة، يستطيع أن يقوم بالمهمة التي كان يقوم بها أبوه و أخواه في نصرة المقاومين و في (لكم دفاتركم و لي دفتري) تصر عائشة ابنة الخامسة على ثقب عيون الطاغية في غلاف دفترها لأنه قتل ابنة خالتها التي كانت تلعب معها قرب منزلهما على نهر العاصي .
و في ( جيش آخر ) انعكست الممارسات الوحشية على نفسية الأطفال في حماة ، فأصبحوا ينفرون من اللباس الذي يميز الجنود ، و صار في نظرهم رمزا ً للرعب و القسوة ؟!
و أما قصة ( البرتقال يزهر على ضفاف العاصي) فتتحدث عن الخروج من الوطن و عبور نهر العاصي باتجاه الشرق لتلميذ أصبح مدرسا ً ، و قد حدثه أستاذه الفلسطيني قبل سنوات طويلة عن هجرته من فلسطين عابرا ً نهر الأردن باتجاه الشرق ؟! و هي تربط بين مأساة فلسطين و مأساة حماة ، لأن ما حدث في كل منهما لا يفعله إلا اليهود و أذناب اليهود ؟!!
المراجع :
1 – الأدب الصهيوني بين حربين حزيران 67 – تشرين 73 د. إبراهيم البحرواي – المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت – ط 1977
2- في الأدب و الأدب الإسلامي – محمد الحسناوي – دار عمار – عمان ط – 1986
3- طاحون الشياطين – شريف الراس – مطبعة الرشيد- بغداد ط 1- 1984 م
4 – عذراء حماة – د. عبد الله الدهامشة – دار النواعير – بيروت ط 1 – 2009
5 – المطر المر – محمد حمدان السيد – دار عمار – عمان - ط 1 – 1988
6 – بين القصر و القلعة – محمد الحسناوي – دار الوفاء – المنصورة – ط 1 – 1988
7- البرتقال يزهر على ضفاف العاصي – يحيى حاج يحيى – دار الضياء – عمان – ط 1 – 2010
هوامش :
(1) شاعر سوري، نشرت قصيدة في نشرة النذير - العدد 96 / تاريخ 1/1/1987.
(2) شاعر سوري، أشارت إلى قصيدته المذكورة دراسة جامعية عنوانها: عمر أبو ريشة عاشق المجد.
(3) الدكتور سفر الحوالي : عالم و داعية سعودي ، نشرت الملحمة في موقعه .
(4) الشاعر يوسف العظم أردني : القصيدة في ديوانه ( عرائس الضياء) .
(5) خالد عبد الله السعيد : شاعر فلسطيني ، القصيدة في ديوانه ( كيف السبيل).
(6) محمد الحسناوي : شاعر سوري ، القصيدتان في رابطة أدباء الشام 2007
(7) وليد الأعظمي : شاعر عراقي ، الأعمال الشعرية الكاملة .
(😎 أحمد الخاني ، شاعر سوري ، القصيدة في ديوانه : ( لحن الجراح).
(9) عدنان علي رضا النحوي : شاعر فلسطيني . ديوان : (جراح على الدرب).
(10) عبد المحسن حليت مسلـّم : شاعر سعودي ، القصيدة في ديوان ( مقاطع من الوجدان).
(11) يحيى البشيري : شاعر سوري ، ملحمة (نقوش على محاريب حماة).
[1] - انتفاضة الثمانينات ومجزرة حماه (1) الأسباب
انتفاضة حماه ومجزرة الثمانينات (2) الصراع حول لحظة الصفر
وسوم: العدد 1041