الأسر المغربية عليها مسؤولية دينية تجاه أبنائها وبناتها تتمثل في تلقينهم الاعتزاز بالهوية الإسلامية وتقديس الكتاب والسنة ، والتزام تقوى الله عز وجل

أذكرأنني نشرت مقالا سابقا ،سردت فيه حدثا وقع قبل سنتين ،خلال اجتماع أولياء أمور المتعلمين آباء وأمهات بإحدى مؤسسات التعليم الخصوصي مع أحد أفراد الإدارة التربية،وذلك لتدارس ما يشغلهم من أمورالمسار الدراسي لأبنائهم وبناتهم حرصا على نجاحهم . ومن ضمن التدخلات التي أثارت انتباهي  يومئذ، تدخل أحد الآباء متسائلا : هل نحرص نحن كأولياء أمور على نجاح أبنائنا وبناتنا في الآخرة، كحرصنا الشديد على نجاحهم في الدنيا ؟ ولقد أثار هذا التدخل دهشة بعض الأولياء ، بينما اعتبره البعض الآخر خروجا عن سياق الاجتماع .

من المعلوم أنه لا يمكن أن يجادل أحد في أمر شدة حرص أولياء الأمور على تحقيق أبنائهم وبناتهم أفضل النتائج في مسارهم الدراسي ، وذلك من أجل أن تكون نهاية هذا المشوار،هي ولوجهم أحسن الكليات والمعاهد العليا التي  بعد التخرج  منها، تكون فرص شغلهم في حكم المضمونة ، والموثوق بها ، وهذا هو نجاحهم الدنيوي ، ولا عيب في شدة الحرص عليه، بل هو واجب ديني قبل أن يكون واجبا دنيويا، كما يعتقد كثير من أولياء الأمور .

ومقابل شدة حرص أولياء أمور الناشئة المتعلمة على نجاحها الدنيوي ، يكاد الحرص على نجاحها الأخروي شبه منعدم، إن لم نقل صفرا في غالب الأحيان ، وعند غالب الأسر إذ لا وجود لمؤشرات  في الحياة  اليومية لهذه الناشئة على هذا الحرص، ذلك أن سؤال أولياء الأمور عن إنجاز أبنائهم وبناتهم واجباتهم الدراسية اليومية ، لا يوجد ما يقابله  من سؤال عن قيامهم بواجباتهم الدينية التي على رأسها فريضة الصلوات الخمس ، أوفتح المصاحف لقراءة ما تيسر من كتاب الله عز وجل ، أوفتح أحد  كتب الصحاح لاستعراض حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو التعرف على  شيء من سير السلف الصالح ...

 وإذا كانت معظم بيوت الأسر المغربية توجد بها مصاحب ، فإن  قصارى الاهتمام بها هو أن توضع ضمن ما تزين به الصالونات ،وتقبل بين الحين والآخر ، ولكنها قلما تفتح ليقرأ ما تيسر من آياتها مع أنها تمثل غذاء روحيا ضروريا  كضرورة الأجساد إلى غذائها المادي . وقد توجد في العديد من بيوتنا بعض الكتب أو المجلدات الدينية منها كتب الصحاح التي تزين بها الخزانات بالنسبة لبعض الأسر وتكون عند بعضها جزءا  من زينة البيوت . ولقد صار بعض الناس يسجلون فيديوهات لهم لبعض، وخزانات الكتب خلفهم ، وهي  تقليعة ظهرت مع انتشار الهواتف الخلوية ، وربما اقتبست من بعض الفضائيات التي تنقل صور ومشاهد لقاءات مع ساسة ، أو مفكرين ، أوعلماء ، أو خبراء...يستدعون للحوار، فيحرصون على أن تكون خلفهم وهم يصورون خزانات كتب تظهر بعض عناوينها، والتي قد تعطي انطباعا عن المستويات العلمية لأصحابها ، وربما يكون هؤلاء قد قصدوا ذلك، وتعمدوه   .

ولقد انتقلت ظاهرة أخذ الصور الشخصية، وخلفها خزانات الكتب إلى الصور التي تحدد بها هويات أصحاب الهواتف الخلوية، لتكون مؤشرات على الوضع الاجتماعي لهم من الذين يتوخون أن تكون لتلك الصور قيمة مضافة من شأنها أن تكسبهم اهتمام الآخرين، وربما احترامهم . ومن الناس من يسجل كلامه وخلفه خزانة كتبه ، ويعرضها على موقعه "الفيسبوكي" أو "التويتري "أو "الانستغرامي" ،فيما بات يعرف بالقنوات الشخصية الخاصة .

وقد تكون أحيانا كثرة الكتب في الخزانات عند البعض ممن  لهم مستوياتهم تعليمية متواضعة، وسيلة للتغطية على  تواضع مستويات ، ولله في خلقه شؤون .

نعود إلى لب موضوعنا بعد هذا الاستطراد ، لنقول إن الأسر المغربية، تقع عليها مسؤولية دينية تجاه أبنائها وبناتها، تتمثل في الحرص على تلقينهم الاعتزاز بالهوية الإسلامية ، مع تقديس الكتاب والسنة ، والتزام تقوى الله عز وجل.

 وقد يسأل البعض كيف يكون ذلك ، والجواب كما يلي :

إن ترسيخ الاعتزاز بالهوية الإسلامية له وجهان : الوجه الأول يتمثل في اعتزاز يكون باللسان بعد أن يستقر راسخا في الجنان ، والوجه الثاني يتمثل في أجرأة الاعتزاز باللسان أو بالأحرى ترجمته إلى أفعال  بحيث تعكس هذه الأفعال التي تسجلها الحياة اليومية للأفراد ذلك الاعتزاز. ولا يمكن الحديث عن هذا الاعتزاز مع شيوع مظاهر الاستلاب الهوياتي، بحيث تكون شدة الحرص على الظهور بعلامات ومؤشرات  دالة على هويات الأغيار، ويكون ذلك هو الغالب على الظهور بعلامات ، ومؤشرات دالة على هويتنا الإسلامية . والأدهى من ذلك أن نشعر بالخجل من إظهار هويتنا الإسلامية أمام هؤلاء الأغيار، الذين نشعر في حضرتهم بالدونية ، وبالاستلاب ، وبالتبعية في كل الأشكال والأساليب المادية والمعنوية التي تعكس هوياتهم . وقد نشترك في بعض تلك الأشكال، والأساليب مادية ومعنوية مع الأغيار بحكم التفاعل والاحتكاك الحضاري ، ولكنلا يجب  أن تكون تلك الشراكة مفضية إلى الانسلاخ الكلي من هويتنا ، فنصير عبارة عن مسخ، لا نحن نصون هويتنا ، ولا الأغيار يقبلون أن نكون شركاءهم في هوياتهم.

ولا بد من استطراد ههنا بخصوص اعتبار اللغات من ضمن مؤشرات الاعتزاز بالهوية نطقا ورسما . وهذا الموضوع كثيرا ما أثير بيني وبين أخي الفاضل الأستاذ الحسن الجرودي الذي نشر أكثر من مقال خاص بموضوع اللغة الفرنسية، آخرها كان قبل يومين .  ولا زلنا في بلدنا  نحرص على استعمال اللغة الفرنسية  في تسمية شوارعنا، ومحلاتنا التجارية ، ولوحاتنا الإشهارية التي تسجل عليها عبارات فرنسية بالخط العربي . و المقال الأخير للأستاذ الجرودي كان موضوعه مناقشة أطروحة علمية في جامعة محمد الأول بوجدة، قدم صاحبها تقريره عنها باللغة الانجليزية ،لأنه أعدها بتلك اللغة إلا أن المناقشة كانت بالفرنسية ، وهذا صارما  يحدث بين الحين والآخر في جامعاتنا ، ولهذا طرح الأستاذ الجرودي تساؤله بخصوص هذه الظاهرة الناشئة في جامعاتنا ، ومن حقه أن يسأل عن ذلك، خصوصا حين تغيب المناقشة بلغتنا الأم ، وهي لغة هويتنا . ومعلوم أن من يزورون  بعض الدول ينتقدون حرص مواطنيها على الحديث بلغتهم مع الأجانب ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر إسبانيا ، وتركيا... حتى أن البعض ممن زاروا هذين البلدين يمتعضون من ذلك الحرص الذي يسبب لهم مشاكل في التعامل مع أهلهما سواء في المطارات، أو في الفنادق ،والمطاعم، والأسواق.

ومقابل ما يلاقيه مواطنونا من عنت في التواصل مع غيرهم من مواطني البلاد الأجنبية ، نجد أن من يزور بلادنا من الأجانب لا يحتاج إلى أن يتعلم لغتنا، لأنه يجد بكل سهولة ويسر من يتحدث معه بلغته بما في ذلك بائع قبضة من نعناع ، وهو مع ذلك، لا يشعر بالحرج أو الخجل، بل يزداد زهوا، لأننا اضطررنا إلى تعلم لغته لنخلصه من عناء تعلم لغتنا  وتسهيل قضاء حوائجه، وذلك لأننا نشعر بالدونية أمامه  ، في حين نشعر نحن بحرج كبير،وبخجل وغبن، لأننا لا نعرف لغته حين نزور بلاده ، وهو يزدرينا بسبب ذلك ، وقد لا يلتفت إلينا إن سألناه عن شيء مما نحتاج إليه بلغتنا، ولا يبالي بنا . وهذا الاستطراد إنما أريد به التنبيه إلى أنه من تلقين الأسر أبناءها الحرص على الهوية الإسلامية، الحرص على عدم الشعور بالنقص أمام الأغيار حين استعمال لغتنا الأم.

ولا يحتاج قائل أن يذكرنا بمقولة : " من تعلم لغة قوم أمن شرهم أو مكرهم " ، ولسنا ضد تعلم اللغات ، بل قد يكون ذلك من الضروريات ، والحاجيات ، وليس من الكماليات ، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب لغتنا الأم التي لا نبالي بأن نخطىء في نطقها، وكتابتها، في حين نحسب ألف حساب إن نحن أخطأنا في نطق لغات الأغيار أو في كتابتها ، وقد نسخر من بعضنا البعض ، ونزدري بعضنا البعض إن أخطأنا في استعمال لغات الأغيار ، ونعتبر ذلك عيبا ، ولكننا لا نقيم وزنا للأخطاء في لغتنا نطقا ورسما، بل قد لا نشعر أصلا بذلك ، أو لا نعرفه لجهلنا بقواعد لغتنا ، وهذا من الاستخفاف بهويتنا الإسلامية.

أما حمل أبنائنا على تقديس الكتاب والسنة ، فلا يجب أن يقف الأمر فيه  عند حد تزيين البيوت بالمصاحف ، أو الجداريات التي ترسم عليها آيات من كتاب الله عز وجل، بل لا بد من أن نحرص على أن تفتح تلك المصاحف يوميا ، ليتلى ما تيسر من آياتها ، ونجعل ذلك واجبا يوميا ، كما أنه من الواجب أن تفتح بعض كتب الصحاح لقراءة حديث واحد على الأقل يوميا ، وبهذا تنشأ الصلة بين أبنائنا وبناتنا مع القرآن الكريم ، والحديث الشريف . ولا شك أن الذي أغرى الشرذمة التي تريد التشويش على  تدين الناشئة تحديدا، هو الغربة الموجودة  حاليا بينها وبين كتب الصحاح المتضمنة للسنة ، وقد ذهبوا إلى أبعد ما استطاعوا تشكيكا في أهمها ،الذي هو صحيح الأمام البخاري ، ولهذا لا بد من تحصين هذه الناشئة من فيروس التشكيك الذي يستهدف مناعتها الدينية لتحطيمها ، ومن ثم تسهيل تعطيل هويتها الإسلامية ، لتصير مسخا، وتابعة للعلمانية الغربية الإباحية .  

وأما حمل هؤلاء الأبناء على تقوى الله عز وجل ، فيقتضي منا الحرص على أمرهم بأداء الصلوات الخمس ،حيث ندربهم على ذلك قبل بلوغهم سن التكليف ، ونراقب مواظبتهم عليها بعد بلوغه . ولا شك أن سلوكات ، وتصرفات أبنائنا من خلال ما يتفوهون به ، وما يقدمون عليه من أفعال، يعكس المسافة  الطويلة التي تفصلهم عن تقوى الله عز وجل . فإذا كانت ناشئتنا المتعلمة تلوك ألسنتها في خطابها اليومي داخل فضاء المؤسسات التربوية ، أو في محيطها عبارات بذيئة ، كلها فحش ، بحيث لا يمكن أن تخلو لقطة حوارية من الطعن في أعراض الأمهات حتى في التحاور العادي بين المتخاطبين، وكل ذلك يعكس غياب التنشئة  الدينية السوية  داخل المحيط الأسروي ، ولا يمكن الاعتماد لتحقيق هذه التنشئة  على المقررات الدراسية وحدها في مادة التربية الإسلامية، والتي تقدم في شكل دروس نظرية، يمتحن فيها المتعلمون لتنسي مباشرة بعد اجتيازالامتحانات ، وحالهم وواقعهم ، وهم يدرسونها أو هم يمتحنون فيها مخالف تماما لتوجيهاتها ، علما بأن تلك المقررات صارت هي الأخرى  مستهدفة من طرف المد العلماني الجارف الذي تقف وراءه جهات خارجية لها إملاءات تريد فرضها على منظومتنا التربوية لحاجة في نفس يعقوب كما يقال، وهي تستعمل عرابين من بني جلدتنا أو طوابير خامسة تنسق معها خطوة بعد أخرى لتحقيق ما تم التخطيط له بمكر وخبث فاضحين  في مراكز الإجهاز على هويتنا الإسلامية التي باتت معروفة ، وهي تعمل دون سرية .

وعلى مستوى السلوكات،  نلاحظ أن الغالب على ناشئتنا المتمدرسة ، أو حتى المنقطعة عن التمدرس ، هو سلوك  يغلب عليه التحرش الجنسي، بحيث لا تسلم الفتيات منه سواء داخل المؤسسات التربوية أو خارجها أو في الشوارع، أوالأماكن العمومية ، وهو ما يعكس ـ  مع شديد الأسف ـ درجة الانحلال الخلقي السافر الذي صار منتشرا على نطاق واسع بين شريحة الشباب المراهق، وذلك بسبب تعطيل الأسر حرصها  على تنشئة أبنائها وبناتها على تقوى الله عز وجل . وهذا الوضع  المؤسف استغلته شرذمة العرابين أو الطوابير الخامسة  العميلة  للعلمانية الغربية المتهتكة لحمل هذه الناشئة على التطبيع مع الفواحش ، وذلك بتسويقها على أنها من الحريات الفردية .

وأخيرا نقول إن الثبات على الدين، لا يمكن أن يحصل بالأماني أو بأقوال دون أفعال أو دون أحوال، بل لا بد من مواقف عملية ، وإجرائية ، وإلا فإن هويتنا الإسلامية سائرة إلى زوال ـ لا قدر الله ـ  ، ونحن في غفلة  ، بل في سبات عميق. 

وسوم: العدد 1041