بموت يفغيني بريغوجين تحطمت أسطورة الرعب والإجرام
أعلنت موسكو يوم الأربعاء 23 آب / أغسطس 2023 عن مقتل زعيم مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين الذي تمرد على سيده بوتين وعلى القيادة الروسية في حزيران / يونيو الماضي، وشغل هذا التمرد العالم، حيث اختفى مجرم الحرب بوتين في سراديب قصره، ولم يظهر حتى أنهى يفغيني تمرده.
ومع نفوق بريغوجين، تكون مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية قد فقدت زعيما محترفاً في الإجرام والتوحش، كما أثار نفوقه تساؤلات عديدة عن اسم الرجل الذي سيخلف يفغيني بريغوجين والذي كان يعتبر مقرباً من الرئيس بوتين قبل أن يتمرد عليه؛ دون إطلاق رصاصة واحدة في 24 يونيو/حزيران الماضي، عندما استولى على مقر الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بقصف معسكرات مجموعته في اليوم السابق.
فقد أفادت وكالة تاس الروسية للأنباء بمقتل 10 أشخاص إثر تحطم طائرة خاصة شمال العاصمة موسكو، وفي حين تضاربت الأنباء بشأن وجود قائد مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين على متنها، فيما أكدت هيئة الطيران المدني الروسية أن بريغوجين ونائبه ديمتري أوتكين كانا على قائمة ركاب الطائرة التي تحطمت، كما ذكر موقع ريدوفكا الروسي أنه من المحتمل أن يكون يفغيني بريغوجين قد سجل اسمه فقط ضمن ركاب الطائرة لأسباب أمنية واستقل طائرة أخرى، قبل أن ينقل لاحقا عن مصادر تأكيد مقتل بريغوجين.
وقد أشارت مصادر روسية إلى أن هذه الطائرة اختفت بعد 26 دقيقة من تحليقها وأنها هبطت من 30 ألف قدم إلى 8 آلاف، في حين قالت مصادر أخرى إن الطائرة لدى سقوطها كانت بجناح واحد، وبقيت الأنظار كلها معلقة تنتظر ما تدلي به مجموعة فاغنر ببيان في وقت لاحق.
ونشرت هيئة الطيران المدني أسماء كل ركاب الطائرة المتحطمة، وبينهم يفغيني بريغوجين ونائبه ديمتري أوتكين.
وقالت وزارة الطوارئ الروسية إن الطائرة التي تحطمت كانت متجهة من موسكو إلى سان بطرسبرغ، وأعلنت فتح تحقيق في ملابسات تحطمها، ولم يتم حتى الآن التأكد من وجود جثة يفغيني بريغوجين ضمن الحطام ولكن عثر على هاتفه قرب إحدى الجثث.
وكانت موسكو قد أوضحت عن سبب مقتله بأن الطائرة التي كانت تقله من موسكو إلى سان بطرسبرغ قد تحطمت، إلا أن هذا التوضيح لم يمر مرور الكرام، فوزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بِربوك أشارت خلال مؤتمر صحافي مع نظيرها القرغيزي ببرلين يوم الخميس 24/8/2023 أنها والمجتمع الدولي اعتادوا على كذب الكرملين ولا يوجد أي ثقة بادعاءات بوتين وإعلامه.
بريغوجين وقادة مرتزقته مجرمو حرب
في كل الأحوال فإن يفغيني بريغوجين ومن معه هم مجرمو حرب، وكان ينبغي للمجتمع الدولي أن يصدر مذكرة اعتقال بحقهم، مثل مذكرة الاعتقال التي أصدرها بحق رئيسهم وكبيرهم في الإجرام فلاديمير بوتين، إذ إن جرائمهم في سورية وليبيا ومالي ودول أخرى لم تكن لترتكب دون إذن من كبيرهم بوتين.
لا شماتة بالموت، لكنه بموت هؤلاء القتلة والمجرمين تنفس الصعداء أهل سورية وليبيا ومالي وغيرها من الشعوب، التي ذاقت ويلات جرائمهم، وبموته دق أيضا المسامير الأخيرة في نعش منظمة فاغنر الإجرامية، التي لوثت بجرائمها العديد من بقاع العالم، ولعلها تختفي وإلى الأبد.
لقد كان هناك مؤخرًا عدد من الوفيات في ظروف غامضة في روسيا، والسقوط من النوافذ، وحالات الانتحار المزعومة التي ظلت في النهاية غير مبررة، ويعد تحطم طائرة يفغيني بريغوجين حدثًا أقوى بكثير من كل ما سبقها من أحداث.
لقد ارتكب يفغيني بريغوجين أكبر أخطائه عندما شكك في سلطة الرئيس بوتين أمام العالم أجمع، وبعد شهرين بالضبط من انتفاضة فاغنر، سقطت الطائرة من السماء، ولفترة طويلة كان بريغوجين واحدًا من أولئك الذين أصبحوا أثرياء وأقوياء بفضل قربهم الشخصي من مجرم الحرب بوتين.
كيف تحول الطباخ في قصر بوتين إلى واحد من أثرى أثرياء العالم؟
لقد كانت الكيفية التي تحول بها المجرم الصغير من سان بطرسبرغ إلى رجل أعمال ذو ثراء فاحش، ورئيس مرتزقة في زمرة راعيه هو أمر نموذجي لنظام بوتين، وبين بوتين ويفغيني بريغوجين علاقة مترابطة وقوية نسجها عندما كان يعمل طباخا في قصر الكرملين، فالرجلان ينحدران أيضا من نفس المدينة وهي مدينة لينينغراد سابقا التي تغير اسمها فيما بعد إلى سان بطرسبرغ.
أصبح يفغيني بريغوجين يتمتع بقوة اقتصادية ومالية كبيرة في روسيا، إذ يملك عددا من المطاعم الفخمة في موسكو وسان بطرسبرغ؛ قبل أن يستحوذ على شركة "كونتراست" التي تعتبر أول سلسلة متاجر البقالة في نفس المدينة.
بدأ يفغيني بريغوجين حياته العملية ببيع النقانق مع والدته في الأسواق الشعبية، وكان يطمح أن يكون متزلجا محترفا، لكن رغم انضمامه إلى مدرسة رياضية عريقة في مجال التزلج، إلا أنه أخفق في تحقيق نتائج مرضية، لهذا السبب قرر اقتحام عالم الاقتصاد والتجارة بقوة؛ ليبني في غضون سنوات قليلة فقط أسطولا اقتصاديا وتجاريا كبيرا.
وأسس العديد من الشركات الرابحة منها شركة "سبيكتروم" المتخصصة في ألعاب القمار وشركات أخرى متخصصة في التجارة الخارجية قبل أن يخوض تجربة المطاعم الراقية، فقد افتتح العديد من هذه المحلات، لا سيما مطعم "نيو أيلاند" بموسكو الذي زاره الرئيس بوتين وتناول فيه العشاء برفقة الرئيس الفرنسي جاك شيراك في عام 2001 ورئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش في عام 2013.
لكن الشركة التي كسب بها يفغيني بريغوجين نفوذا يمكن أن يوصف بالعالمي هي شركة فاغنر شبه العسكرية التي قدمت خدمات عسكرية للكثير من الدول الأفريقية كمالي وأفريقيا الوسطى وليبيا لصالح حفتر والسودان...مقابل أموال باهظة واستثمارات في حقول الذهب والماس والمعادن النادرة والتي جلبت لصاحبها أرباحا هائلة.
أكثر من ذلك سمحت له أن يتمتع بنفوذ سياسي كبير في روسيا حيث اقترب أكثر من الرئيس بوتين وفي الخارج، ومن ثم في القارة الأفريقية، إذ يملك عدة قواعد عسكرية ويقوم بتدريب بعض العسكريين الأفارقة ويقدم لهم النصائح في مجال الاستراتيجية العسكرية.
وسطع نجم يفغيني بريغوجين أكثر على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية إذ تنقل شخصيا إلى منطقة دومباس للإشراف على عمليات القتال التي تنفذها هناك مجموعته.
كما شارك شخصيا في الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية في مارس/آذار الماضي، وظهر وهو يرتدي زيا عسكريا، لكن رغم استيلاء الجيش الروسي على هذه البلدة، إلا أن يفغيني بريغوجين ظهر عدة مرات غاضبا متهما الجيش الروسي بوقف الإمدادات التي كان يقدمها لمقاتلي "فاغنر" في البلدة، مما تسبب بمقتل العشرات منهم.
وألقى اللوم على وزير الدفاع الروسي شيغو سيرغي الذي لم يقدم له، كما ادعى، الدعم العسكري اللازم للظفر ببلدة باخموت بسرعة وبأقل الخسائر في الأرواح.
ومنذ انتفاضة فاغنر، أُجبر يفغيني بريغوجين على النفي وتم إضعافه بشكل منهجي، يليق بخبرة مجرم الحرب بوتين في حياكة المؤامرات والاغتيالات التي خبرها من أيام الاتحاد السوفييتي؛ وهو رجل المخابرات المميز في أيام تلك الحقبة السوداء.
من سيخلف يفغيني بريغوجين في قيادة فاغنر؟
ومع مقتل يفغيني بريغوجين في حادث طائرة، بدأت التساؤلات تطرح حول مستقبل ميليشيا فاغنر، ومن سيتسلم قيادتها؟ فهناك من يتنبأ بانقسامها إلى مجموعتين: المجموعة الأولى ستنخرط في صفوف الجيش الروسي، والثانية ستكون تحت زعامة قائد جديد سيتم تعيينه في المستقبل القريب، وهناك من يقول بأن شركة "فاغنر" ستبقى كما هي الآن وأن القيادة هي التي فقط ستتغير.
وتشير بعض وسائل الإعلام إلى احتمال تعيين الجنرال المتقاعد أندريه تروشيف المقرب من الرئيس بوتين على رأس فاغنر، هذا العسكري المخضرم شارك في الحرب السوفياتية على أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ثم في حرب الشيشان وفي سورية، تأييداً لمجرم الحرب بشار الأسد.
كما عمل أيضا في قوات مكافحة الشغب في روسيا قبل أن ينتقل إلى مجموعة فاغنر ليكون من بين أبرز قادتها، فهل هو الرجل الجديد الذي سيتزعم هذه المجموعة شبه العسكرية في المستقبل القريب؟
المصدر
*الجزيرة-24/8/2023
*فرنسا24-24/8/2023
*عربية نيوز-24/8/2023
وسوم: العدد 1047