نكتة لبنانية

ما العلاقة بين لودفيغ يان ونور حجار؟

لودفيغ يان هو شخصية روائية استنبطها الروائي التشيكي ميلان كونديرا وتحولت رمزاً للكيفية التي كانت تعامل فيها النكتة في الزمن الستاليني. الرواية صدرت بالتشيكية عام 1967، قبل أن تترجم إلى العديد من اللغات. عنوان رواية كونديرا هو «النكتة». فالبطل يدفع ثمن نكتته حياة بكاملها.

ماذا أتي بكونديرا إلى لبنان كي يلتقي بنور حجار في زنزانة قصر العدل في بيروت؟

يجب أن أوضح أن نور حجار ليس بطل رواية متخيلة، إنه مواطن لبناني شاب يحترف الكوميديا وقدم عروض «ستاند أب كوميدي» في مسارح بيروت وقاعاتها. والكوميديا عنده مرتبطة بالواقع اللبناني وبؤسه وانحطاطه، ولا علاقة لها بجوزيف ستالين وشاربيه الغليظين ووحشيته، بل هي تجسيد لسفاهة الطبقة السياسية وانحطاطها وتحولها إلى عصابة من اللصوص.

نور حجار دخل إلى السجن بسبب نكتتين: الأولى قالها منذ خمسة أعوام، أما الثانية فكانت منذ أشهر قليلة، لكن مدعي عام التمييز الذي يقوم بتدمير فكرة العدالة منذ تفجير مرفأ بيروت، استفاق على نور حجار بعد خمس سنوات على مشكلة الكوميدي مع نارجيلة أمه وحبها لسماع القرآن، فقرر مع بعض الشيوخ «المستنيرين» اعتقال الرجل عبر إطلاق تهمة جديدة هي احتقار القوات المسلحة بعد السماح بعمل أفرادها في «الدليفري»، بعد إفقارهم المروع. بدل أن تقرأ النكتة بصفتها نقداً للطبقة الحاكمة بسبب تخليها عن واجباتها تجاه الجيش، قُرئت بالمقلوب.

مصير نور حجار لا يزال غامضاً بعد إطلاق سراحه، وربما ستجري «لفلفة» قضيته على الطريقة اللبنانية، أما بطل رواية «النكتة» لميلان كونديرا، فكان مصيره مختلفاً. تألفت نكتة لودفيغ يان من جملة واحدة:

«التفاؤل هو أفيون الجنس البشري! العقل السليم تفوح منه رائحة الهراء! يحيا تروتسكي!».

هكذا أعادني ثنائي بري-ميقاتي إلى زمن مضى، لم يبق منه سوى حنين إلى شيء من العدالة الاجتماعية الستالينية مزقته الرأسمالية المتوحشة. أما استبداد ستالين وصلفه ووحشيته فاعتقدنا أنها صارت من الماضي.

لكننا هنا أيضاً كنا على خطأ، لا أريد التحدث عن وحشية الاستبداد العربي، أو عن الجنون الرأسمالي، أو عن غوانتنامو، أو عن الوحش الإسرائيلي، أريد أن أحدثكم عن وطن صغير اسمه لبنان تحول إلى مقبرة.

صحيح، كيف يجرؤ المدعي العام على اعتقال نكتة؟ هذه هي النقطة، أن يأتي رجل أشيب ورصين فيعتقل والدة نور حجار، لأنها تدخن النارجيلة، وتطرح أسئلة ساذجة على الشيخ المسلم.

من أنتم؟

وماذا تريدون؟

سرقتم كل شيء ومنذ أيام ركبتم مروحية البحث عن الغاز في بلوك قانا، وكنتم أشبه بنكتة هاربة من حكايات نجيب حنكش.

وطن كامل تحّول إلى نكتة! كيف يعيش الناس في بلادنا؟ إنهم يجبلون الكلام بالنكات، كي يستطيعوا ابتلاع واقعهم المرير.

تعيشون في نكتة لبنانية متواصلة. فالشعب اللبناني يعيش مأساته كنكتة. حتى رئيس المجلس النيابي حين يريد أن يبدو «مهضوماً»، يلقي علينا سيولاً من نكاته. كيف بربكم، تريدون منع النكتة في لبنان؟

ماذا تسمون جنود الرب؟ نكتة بنكية أم ميليشيا؟

ما هذه المسخرة، وكيف تعامل المدعي العام معها؟

وهل رياض سلامة لص أم نكتة؟

لقد نجح النظام اللبناني في قتل الشعب عبر تحويل المآسي إلى نكات، اخترعوا لنا نوعاً جديداً من التراجيديا، إنها اللحظة التي تختلط فيها الدموع بالضحك، والأسى بالسخرية، فيتحول فيه الموت الذي أعطى المعاني للحضارات، إلى حدث لا معنى له. وإذا وجدت مجموعة من الصبايا والشبان تعبيراً عن ألمها بالنكت، فإلى السجون.

أخبرنا يا نور حجار، هل خافوا من كلامك؟

نحن في انتظاركم أيها الشابات والشبان، وإلا فستكون النكتة الكبرى هي عندما يتحول لبنان إلى مجرد سجن.

وسوم: العدد 1048