نسوة المدينة ..ورجال فرعون

ريم أبو الفضل

منذ عدة سنوات عرضت الفضائيات مسلسلا دراميا باسم "حدائق الشيطان" بطولة الممثل السورى "جمال سليمان" قام فيه بدور طاغية يسيطرعلى قرية فى جنوب الصعيد بماله ونفوذه ..مستخدما كل صنوف العذاب و الطغيان لأهل قريته

استفزتنى هذه الشخصية التى أثارت إعجاب المشاهدين أوبالأحرى المشاهدات وقد رأينّ فيه الفارس أو الرجل النموذجى الذى يحصد إعجاب النساء

ولا أعرف كيف يعجبن  هؤلاء النسوة بطاغية يقتل ويبغى ويتاجر فى المخدرات  ويجدن فيه فارس أحلامهن أو نموذجا للرجولة والجاذبية..وقد صرحن بولعهن لتلك الشخصية الكريهة.

ولا أجد تشبيها بينهن وبين النسوة اللاتى قطعن أيديهن وأعجبن ب"يوسف" وهو نموذج للرجل الخلوق العفيف بصرف النظر عن وسامته، وقد وصفهن القرآن الكريم ب"نسوة فى المدينة" وورد لفظ نسوة للتحقير

ولكن يبدو أن نساءنا تفوقن على نسوة المدينة التافهات..

وعلى الأغلب ف شعبنا يعشق الطغاة، وإن لم يجدهم صنعهم وتاه بهم عشقاً حتى وإن ذاقوه العذاب، فقد حدثنا القصص القرآنى عن  أقوام قد أهلكها الله اتصفت بالعناد أو الكذب أو الفسق أو الغباء مثل  قوم نوح وثمود ولوط  وهود.. بينما كان لنا وصفاً آخر 

وقد رسمت لنا قصة فرعون وقومه رؤية واقعية حدثت منذ زمن وتحدث كل يوم..

فالطغاة لا يعرفون إلا السلطة، ولا هدف لهم إلا الحفاظ عليها حتى وإن قتلوا نصف شعوبهم، وخاصة إذا كان النظام الحاكم إقطاعيا عسكريا

 فقد أمر فرعون قتل شعبه كله من أجل بقاء حكمه، وذلك بناءً على رؤيا

وقوم فرعون كما وصفهم القصص القرآنى لم يعطهم فرعون حقهم بأى صورة بل كعهد الطغاة استخفهم  ومع ذلك لم يثوروا عليه بل أطاعوه "فاستخف قومه فأطاعوه"

فقد كان ملأ فرعون هم قادة الجند  وكبار المسئولين فى الدولة والكهنة ، أما جند فرعون فقد كان يتم حشدهم من كل مدائن مصر خلف فرعون وملائه

ومن ثم فقوم فرعون هم الملأ والجند معاً

يستوقفنى السؤال...

كيف يطيع المرء من يستخف به ولا يعطى له قيمته وقدره ويحترم عقله!

إنها صفة هذا الشعب من مئات السنين …

يصنع الطغاة ويقدسهم ..يذبح أبناءهم فيطيعونه، ويستحيى نساءهم فيصنعون منه إلهاً

كيف يتغاضى القوم عن متلازمة لا جدال فيها (الشرف والدم)!!!!!!!!!!!!

لم يستخف فرعون قومه وقط...بل ارتكب بحقه جريمتين لا تغفرهما البشرية (القتل- انتهاك العرض)

ثار البحر على فرعون ولم يثر الشعب عليه بل كان معه عدد ليس بقليل يلاحق موسى

تتكرر قصة فرعون فى كل عصر...

فالطاغية إن لم يكن على عرش الحكم يصنعه الشعب..ويغفر له زلاته عن رضا..ويتجاوز عن جرائمه فى تذلل

تركيبة مريضة تحتاج إلى أن نبحثها قبل أن نتخلص من الطاغية ..لأنها إن لم تُشف فلن ينتهى فرعون

نحتاج إلى وعى وثقافة وعلم حتى لا يستخف فرعون قومه..فيصدقونه ويقدسونه

نحتاج إلى نساء يصنعن رجالا، ويتعففن عن السفائف

وإلى رجال لا ينال أحد من شرفهم، وإلا فحياتهم لا قيمة لها

نحتاج إلى شعب لا يتوارث فراعين وجند وملأ

لأن البحر لن يثور وينشق مرة أخرى..وموسى لن يعود بعصاه