مائة يوم على مجزرة السارين
لن نغادر مشهد السارين ولن ننساه
زهير سالم*
خطير ومدمر لكل التصورات للمشترك الإنساني التقرير الذي نشرته منذ أيام ( وول ستريت جورنال ) الأمريكية . التقرير الذي عمل عليه ووثقه ثلاثة صحفيين أمريكيين ليؤكدوا أن وسائل التجسس الأمريكية في منطقتنا قد التقطت الرسائل المتبادلة التي كانت تحضر للعدوان الكيماوي على أطفالنا في غوطة دمشق في وقتها ، كما التقطت كل ماتبع هذه التحضيرات ومن أوامر وتعليمات ..
بمعنى آخر فإنه كان بإمكان الإدارة الأمريكية أن تقوم بمبادرة عاجلة لمنع الجريمة والأخذ على أيدي المجرمين . نحن هنا لا نتحدث عن مبادرة عسكرية تعتمد على قصف ولا عن إنزال جويين ؛ وإنما نتحدث عن مجرد تحذير جاد ، واتصال ساخن بشريكهم الروسي بوتين ، أو مجرد إعلان تحذيري أن معلوماتنا تفيد ... ؛ كل هذا كان كافيا لقطع الطريق على الجريمة والمجرمين. ولكن الظاهر من الأمر أن الأمريكيين كانوا يريدون للجريمة أن تقع ليستثمروا فيها على الطريقة التي رأيناها . ولم يكن يهمهم أبدا أن يروا أجساد الأطفال السوريين مبعثرة هنا وهناك كما رآها كل العالم .
إن التوجع الذي أظهره الساسة الأمريكيون أمام كاميرات الإعلام لم يكن إلا جزء من الدور المرسوم . وعلينا أن نعترف أن كيري قد استطاع خداعنا بإنسانية زائفة عندما قال : ونحن أيضا آباء وعندنا أطفال . وكان وأوباما وكل الذين أظهروا التوجع لمصاب الشعب السوري مجرد ممثلين يحسنون أداء الأدوار لأن ( المشهد يحتاج هذا أو لأن المخرج أراده ) .
هذه الحقيقة الجديدة التي كشف عنها تقرير وول ستريت جورنا تنضاف إلى سلسلة الحقائق في نفس السياق وكلها ذات استحقاقات جادة وعاجلة تفرض نفسها بقوة على المعارضة السياسية السورية . إن الاسترسال في التغاضي عن هذه الاستحقاقات سيجلل هذه المعارضة بالعار التاريخي الإنساني والسياسي على السواء ..
يظن البعض أن ما يكتبه الكتاب والمثقفون المستقلون هو مجرد ريح عابرة سيطويها الزمان . إن ما يكتب ويسجل في يوميات هذه الثورة هو تأريخها العملي ، وهو الشاهد الحي على الثورة وممثليها ، والكلمة الموثقة في زمانها ومكانها ، وهي ستقيم الحجة القاطعة على كل الذين يلعقون ( عسل اللحظة ويتلمظون بلوك شهدها ) .
لقد كتبنا من قبل أن ما بعد ( سارين الغوطة ) لا يمكن أن يكون كالذي قبله . ما بعد سارين الغوطة لا يمكن أن يكون كالذي قبله على أكثر من صعيد وطني مجتمعي وسياسي محلي وإقليمي ودولي . لقد هانت النفوس البريئة التي اختنقت بغاز السارين على الممسكين بقرار المعارضة كما هانت على الأمريكي والأوربي والروسي والإيراني حذو النعل بالنعل ..
وبعد قليل من الصراخ أو الزعيق على الفضائيات عادوا للاسترسال في كل ما كانوا فيه يعمهون . التفتوا يمنة ويسرة وخاضوا فيما كانوا فيه يخوضون . وكأن الغوطة لم يختنق فيها عصفور ..
وقعت جريمة الحرب ، الجريمة ضد الإنسانية ، وشنت على الشعب السوري الحرب المبيرة فلم تعلن أي جهة معارضة سياسية أنه لا خطوة على أي طريق سياسي ما لم يجلب الذين استخدموا السارين ضد شعبنا إلى العدالة ..
ووقعت الجريمة المنتهكة للقانون الدولي فلم تأخذ أي جهة على عاتقها مسئولية التصريح أن القانون الدولي لكي يكون قانونا ودوليا يجب أن يغطي الجميع ويحمي الجميع . وأنها ترفض الانتقائية والعنصرية في تطبيق هذا القانون ..
واليوم وهم يخوضون مع الخائضين ، وكأن السارين لم يخنق النفوس البريئة في الغوطة ، و يتوجهون إلى الجلوس مع مستخدمي السارين ضد شعبنا وشركائهم والمتواطئين معهم والمتسترين عليهم وقد فرحوا بمقاعدهم خلاف أطفال الغوطة وضحايا السارين وضحايا الصواريخ الاستراتيجية المدمرة والطائرات تحمل براميل الموت للمهج البريئة ؛ نقول لهم : ليس باسمنا ..
ليس باسمنا . ونحن ما زلنا في مربع الغوطة . ما زلنا نستنشق ريح السارين الذي خنق أطفالنا ، وما زلنا نحمل هؤلاء الأطفال بوجوههم التي خطف السارين نضرتها على أيدينا . وسنظل نحملهم على أيدينا وفي عقولنا وفي قلوبنا حتى يدفع المجرمون ثمن جريمتهم ويكون القانون الدولي قانونا دوليا بحق للإنسانية جميعا وللسوريين جميعا جميعا وليس لبعضهم دون بعض ..
لقد تخاذلتم وتنازلتم وتناسيتم وهانت عليكم نفوس أطفالنا وحرائرنا فهانت على الناس . وهذا ليس موقفا اتهاميا بقدر ما هو إدانة للعجز عن إنجاز ما كان بإمكانهم أن ينجزوه ..
نؤكد اليوم لكل هؤلاء الذين يعنيهم هذا الكلام : أننا لن ننسى . ولن نغادر مشهد الغوطة يخنق طيورها المغردة غاز السارين حتى يأخذ القانون الدولي مجراه . نعم القانون الدولي وليس ما عداه .
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية