مصابنا جلل وبقلوب يعتصرها الحزن الشديد لا نقول إلا ما يرضي ربنا جل في علاه إنا لله وإنا لله راجعون
لقد نزل نبأ الزلزال المدمر في جنوب وطننا على عموم الشعب المغربي كالصاعقة منتصف ليلة البارحة ، وكان الناس ساعتئذ بين آو إلى فراشه ، وبين ساهر حين انتشر بينهم الخبر المزلزل ، ولازم المواطنون إثر ذلك وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي، يستطلعون أخبار الكارثة أولا بأول، خصوصا حين كشف النقاب عن درجة الهزة الأرضية التي بلغت سبع درجات على سلم رختر، وهي درجة جرت العادة حين تسجل أن تكون حصلية الضحايا ثقيلة جدا ، وكذلك حصيلة الدمار .
وبالرغم من هول الكارثة ، فإننا كشعب مسلم يعي جيدا دلالة الركن السادس من أركان الإيمان ، وهو الإيمان بالقدر خيره وشره ، فإن أول ما لهجت به الألسنة هو ذكر الله عز وجل ، واستحضاره ، واللجوء إليه بالضراعة استدرارا للطفه الخفي الذي لا يفارق أبدا ابتلاءه الذي لا نسأله رده حين يحل بنا ، بل نسأله اللطف فيه، وهو اللطيف بعباده . وبالرغم من شدة البلاء ، فإننا على يقين تام أنه لم يخل من لطفه سبحانه وتعالى .
ولقد كانت ليلة أمس عصيبة على الجميع بمن في ذلك من كانوا بمنأ عن هول الكارثة ، ولم يعيشوا لحظات الفزع التي عاشها من شملتهم الهزة الأرضية ، وباتوا في العراء، يترقبون الهزات الارتدادية التي غالبا ما تعقب الهزة الأولى ، ومع ذلك كانت ليلة تواصل القلوب مع الخالق جل في علاه، الذي لا مفر منه إلا إليه ، وهو الملجأ والملاذ ، وإليه المعاد .
أما من اختارهم الله عز وجل لجواره ، فنحسبهم إن شاء الله تعالى شهداء عنده ، ولا نزكيهم عليه ، وأما من أصيبوا ، فنسأله سبحانه وتعالى أن يعجل بشفائهم ، وأن يجعل مصابهم طهورا لهم ، وأما من فجعوا في أحبتهم ، فنسأله جل في علاه أن يفرغ عليهم صبرا وسلوانا ، وأن يعظم أجرهم في مصابهم ، ويجعلهم ممن يترجعون ، وينالون بذلك البشارة التي وُعد بها الصابرون المحتسبون، وأما من عافهم ربهم الرؤوف الرحيم من الكرب ، وكتب لهم النجاة ، فنحمده سبحانه على لطفه بهم وسلامتهم ، ونثني عليه الثناء الذي يليق بشكر فضله الواسع .وبقي أن نقول لغير هؤلاء أنهم يلزمهم جميعا حمد الله تعالى الحمد الكثير، وقد عافهم مما ابتلى به من نزل بهم البلاء .
ومع التزام ذكر الله تعالى، والرضا بقضائه ، يلزم الجميع الوفاء بواجب الأخوة في الله ، وهو واجب يجب أن يكون ملموسا ، ومترجما لحجم التعاطف مع المصابين في مصابهم الجلل ، ويكون ذلك بكل جود وسخاء وأريحية، لنعبر بحق عن قيم ديننا الحنيف ، وقد شبهنا كمسلمين رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . ولن نؤدي حق الأخوة على الوجه الأكمل إلا إذا واسينا المكروبين قولا وفعلا كل على قدر وسعه ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
وأخيرا نسأل المولى جل في علاه أن يقينا الغفلة عن طاعته ، والانحراف عن هديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1049