السويداء تحت نيران القصف الإعلامي التمهيدي

قصف تمهيدي

نظام بشار الأسد ليس صامتاً تماماً عن تظاهرات السويداء، المدينة السورية الجنوبية، التي تتذوق الآن أبهى ساعات الحرية في ساحاتها وشوارعها، غناءً، هتافاً، ضحكاً، لافتات بالغة الذكاء والجمال والتحدي، فمن يريد أن يسمع صوت القصف التمهيدي فليذهب إلى أصحاب البثوث السامة المباشرة، وعلى رأسهم بشار برهوم، وهذا مواكِب لحراك السويداء لحظة بلحظة، ومقابل كل هتاف منها له بث مباشر اتهامي. لا يريد أن يصدق، مثلاً، هتاف أهل جبل العرب، بأن الشعب السوري واحد. مقابل ذلك يتهمهم بالانفصالية، وحجته أن الشعب في سوريا ولبنان واحد (بالنسبة له هذه مسلّمة نهائية، هو ونظامه الذي لم يعد متأكداً أن بإمكانه قول ذلك حتى عن شركاء سوريين آخرين) ولكن في دولتين. إذاً، بحسبه، إنْ خرجَ المرء ليصرخ ليلاً نهاراً فقط بوحدة الشعب فإن أقرب اتهام له سيكون “الانفصالية”!

تتوالى اتهامات برهوم وفيديوهاته، وهي ذاتها التي أطلقها النظام على الاحتجاجات الأولى في العام 2011، أي أن المتظاهرين يقبضون بالدولار، وإنهم “إخوان دروز”، على غرار “الإخوان المسلمين” (لم لا؟ ما دام في إمكانه أن يعتقل مسيحيين بتهمة الإخوان المسلمين). وفي آخر منشوراته وَعَدَ برهوم متابعيه ببث “يكشف جسور ترابط (بعض) من بني معروف وبني صهيون”، وأضاف: “غولدا مائير درزية، وهي غادة المير من القريا”! وهذه الأخيرة هي البلدة الدرزية الأشهر، فمنها انطلق سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، وهي ظلت، على مدى العقود السالفة، رمزاً ووجهةً وأغنية للسوريين.

لكن برهوم، والذين معه بالطبع، يتجرأون فيطلقوا الاتهامات يمنة ويسرة. لم يطلق البث بعد، قال إنه لم يُرِد أن يتابع كرمى لسيدة من بينهم. لكنه في الواقع لم يتوقف إلا لأن هذه هي حدود افتراءاته، لا يملك برهوم ما يقوله سوى هذه العبارة، وهي قد وصلت الآن لمن يجب أن تمتلئ صدورهم بالقيح، إن كان هناك مجالٌ بعد. فهكذا هي بلادنا، يكفي أن تنطق باتهام، ليلتقطه ألف كاره كحقيقة نهائية. النظام ليس كسولاً فحسب عن إطلاق وفبركة اتهامات جديدة تتكيف مع عقول العشرية الجديدة، وأحوال المدينة الجديدة، إنه مطمئن بأنه، في أسوأ الأحوال، سيكرر ما فعله في العقد الفائت، وأنه سيجد دائماً أوباما ما، وبوتين، وميليشيات طائفية، محلية وكونية، كمنقذين ومخلصين، وقد تكون هذا المرة مواتية أكثر مع عودة التائبين إلى أحضان النظام، من سوريين وفلسطينيين وعرب.

اللهم احم أهل السويداء وثبت خطاهم، وزدهم جمالاً وحرية.

وسوم: العدد 1049