سحب الأونروا " مدونة قواعد السلوك " انتصار للشعب الفلسطيني
اضطرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) إلى سحب " مدونة قواعد السلوك " التي وزعتها على مديري المناطق التعليمية في الضفة وغزة . سرعة السحب انتصار لقوى المجتمع الفلسطيني المهنية والمدنية والسياسية التي ثارت غضبا على المدونة التي تروج للمثلية الشاذة المتنافية مع قيم المجتمع الفلسطينية الدينية والإنسانية والأخلاقية السوية . وفي هذا الانتصار درس ، صفوته أن الدفاع القوي الصادق عن القضايا العادلة ينتصر سريعا أو بعد حين قد يقصر أو يطول حسب ميزان القوى بين الطرفين ، وحسب إخلاص كل منهما لقضيته ، لكن الانتصار دائما من نصيب القضية العادلة النبيلة إذا جد أصحابها وصدقوا في الذياد عنها . وعادة ما يكابر أصحاب القضايا الباطلة مكابرة عنيدة في الذياد عن قضاياهم تفوق أحيانا عناد أصحاب القضايا العادلة الذين قد يتوهمون أن عدالتها واضحة حتى لأعدائهم ، وأن هذا الوضوح يكفي لانتصارها . السلوك البشري معقد ، وتضاعف الأحوال المختلفة التي قد يُمارَس فيها من تعقيده وغرابته وعسر التعامل معه . كان التتار حين يدخلون أي مدينة في زحفهم الدموي الرهيب يسألون فور دخولها عن الذهب ، ويستولون عليه كأنه حق لهم ، وكأن وجوده في حوزة أهل المدينة المفتوحة المقهورة كان صدفة ضالة ، وقدموا هم بدمويتهم ووحشيتهم لتصحيحها . وفي هذا المسار مضى المستوطنون الأوروبيون في بلاد الهنود الحمر . عدوها ملكا لهم يستوجب إبادتهم والسيطرة عليها ، وهو ما فعلوه . وعبر الشاعر الأميركي روبرت فروست ( 1874 _ 1963) عن هذه الفلسفة المعوجة المسوغة للعدوان وسرقة أملاك الآخرين في قصيدة قال فيها عن أرض الهنود : " الأرض كانت أرضنا من قبل أن نملكها ! " ، فجور متناهٍ في الظلم . المستوطنون الأوربيون في رأيه الذي هو رأيهم هم مالكو أرض الهنود شرعا وقانونا قبل أن يملكوها واقعا بقوة السلاح الذي كان الهنود لا يملكون مثله وإلا لما غلبهم الأوروبيون الذين يقلون عنهم شجاعة وبأسا في الحرب . وعلى خطا المستوطنين الأوربيين سار المستوطنون اليهود في فلسطين ، وهم بدورهم مستوطنون أوروبيون ما لبثوا أن طعموا قطعانهم بمستوطنين من الدول العربية والإسلامية ، فتلفق من الجميع الكيان الإسرائيلي الحالي الهائل الشذوذ المحير الغرائب حتى لمستوطنيه أنفسهم في مختلف مستوياتهم ، ولو تركوا لأنفسهم دون حماية صادقة دؤوب متنوعة من أميركا وبقية الدول الغربية والحركة اليهودية العالمية وكثير من الأنظمة العربية ، لمزقوا كيانهم تمزيقا يقضي عليه قضاء تاما مسرعا في انتحار ذاتي بحت . وقبل أيام ، استغاث 80 جنرالا إسرائيليا بأميركا في رسالة موحدة إلى أعضاء لجنة الشئون الخارجية ، ولجنة الشئون العسكرية والاستخبارية في مجلس الشيوخ لإنقاذ الجيش الإسرائيلي من التفكك بعد تفجر الخلافات بين المكونات الإسرائيلية في شأن الانقلاب القضائي الذي يصر عليه ائتلاف نتنياهو الحاكم إصرارا لا تراجع عنه أو وسطية في تسويته . ومن بين الجنرالات إيهود باراك ودان حالوتس وأفرايم هاليفي . ويتأهب مئات الإسرائيليين واليهود الأميركيين للتظاهر خلال خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة هذا الشهر احتجاجا على الانقلاب القضائي . وتخليا كليا عن مقاومة الاحتلال الاستيطاني ، تنحاز السلطة الفلسطينية لحمايته ، والتوسل للعالم للتخلص منه ! واتهام هذا العالم بالتقصير في نصرة الفلسطينيين ضده . أبو مازن اتهم في اجتماعه مع الجالية الفلسطينية في أميركا ؛ الاتحاد الأوروبي بعدم الضغط على إسرائيل لتوافق على مشاركة أهل القدس الشرقية في الانتخابات التشريعية التي أعلن عنها في يناير / كانون الثاني 2021 بنية إجرائها في مايو / أيار . لم يقر بالسبب الحقيقي لإلغائها وهو خشيته من الهزيمة المؤكدة لحركة فتح فيها ، وفي الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس الوطني التي كانت ستليها . وكان سفين بورغسدورف سفير الاتحاد الأوروبي السابق في فلسطين محقا ونزيها حين قال له : " كيف تمنح إسرائيل حق التفضل عليك بشأن ما إذا كان بمقدورك ممارسة حقك في تقرير المصير السياسي أينما أردت ومتى أردت ؟! " . وحتما وحسما سيعيد في خطابه القريب في الأمم المتحدة مضامين خطاباته السابقة فيها ، وآخرها خطاب العام الماضي الذي طالب فيه العالم بحماية الفلسطينيين أسوة بالحيوانات التي يجد بعضها من يحميه . لا حماية من أحد لمن لا يحمي نفسه ، فما حال من يحمي عدو شعبه ؟! لحماية مَن المصفحات وأجهزة الاتصال المتطورة التي أرسلتها أميركا لأجهزة الأمن الفلسطينية ؟! لماذا تريد هذه الأجهزة القبض على 30 مقاوما من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس ؟! ما الفرق بين هذه الإرادة وإرادة أجهزة الأمن الإسرائيلية ؟! لا فرق . الطرفان يريدان حماية الإسرائيليين جنودا ومستوطنين في الضفة والقدس . كل شيء واضح وضوح شمس نهار صيفي . قدر الشعب الفلسطيني أن يحارب عدو وجوده ومصيره دون قيادة .
وسوم: العدد 1050