التغيير النوعي للمجتمع
كثيراً ما يمرّ المجتمع، أو تمرّ كتلةٌ منه، حزب أو مؤسسة أو نادٍ، بمرحلة ركود أو تراجع أو تفكّك، ولا يُرى في الأفق أمل في النهوض والتقدّم، وقد يؤدي ذلك إلى إحباط في نفوس كثير من الأفراد.
لقد تعلمنا من كتاب ربنا سبحانه أن لا نيئس: (إنه لا ييئس من رَوح الله إلا القوم الكافرون). {سورة يوسف: 87}.
وتعلّمنا كذلك أن تغيير ما في المجتمع يبدأ من تغيير ما في الأنفس: (إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم). {سورة الرعد: 11}.
وإذا كان التغيير النوعي الذي ينقل الجماعة أو المجتمع من طور إلى طور، يحتاج إلى القائد الفذّ الذي يملك (الكاريزما) أي الصفات والمزايا التي تجعل شخصيته آسرة، تشدُّ إليها القلوب والنفوس... فإن هذا النوع من القادة نادر الوجود، وقد أشار إلى ذلك نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حين قال: "تجدون الناس كإبل مئة، لا يَجِدُ الرجل فيها راحلة". رواه البخاري ومسلم (وهذا لفظ مسلم).
وحين سَيَمُنّ الله على القوم بهذا القائد، فإنه سيبعثه منهم، فحتى الرسل الكرام إنما يختارهم الله من أقوامهم.
وحتى تتوافر الفرصة لظهور هذا القائد، ثم لنجاحه في إيجاد تغيير نوعي في مجتمعه، لا بد من تغييرات كمّية تجعل الجمهور مهيّأ لحمل الرسالة والانطلاق نحو آفاق جديدة.
في قراءة لكتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا تحرّرت القدس"، لمؤلفه الدكتور ماجد عرسان الكيلاني، نجد أن الإنجاز العظيم الذي حقّقه صلاح الدين رحمه الله، لم يكن لصفاته الذاتية وحدها، بل كذلك لما سبقه من جهود دعاة ومُصلحين قبله مهّدوا له الطريق.
وتبقى مسؤولية التهيئة لظهور القائد الفذّ، ملقاة على أكتاف وجوه القوم، وإن كان كل فرد مسؤولاً أمام الله عما كسبه من خير أو شر، من إنجاز أو تقصير.
وننظر إلى رأس الهرم الاجتماعي، المتمثّل في زعيم أو داعية أو رئيس... فعليه تقع المسؤولية الأولى. وهنا لا يكفي أن يقول: أنا أعمل كل يوم 24 ساعة، أو ثماني ساعات... بل قبل ذلك أن يلحظ رقابة الله عليه فيما ينجز أو يقصّر، فإذا تحقّق من أنه يبذل ما استطاع، أمكن أن يطالب فريق عمله، أو الأفراد المقرّبين منه، أن يبذلوا كذلك ما استطاعوا... وهكذا ينتقل الشعور بالمسؤولية إلى الأقرب فالأقرب، فإذا عَجَزوا عن إحداث تغيير نوعي في مجتمعهم فليحاولوا أن يكتشفوا الطاقات وأن ينمُّوها، وأن يقوموا بدورات تدريبية لرفع سويّة من استطاعوا من الأفراد. وفي كل الأحوال فإن البداية تكون من أعلى الهرم.
ولقد كان القائد العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل إلى أهل بيته فيقول لهم: إني سآمر الناس بكذا وكذا. وايم الله مَن رأيتُه منكم يخالف ذلك لأضاعفنّ له العقوبة، فإن الناس يقولون: أهل أمير المؤمنين، وبيت أمير المؤمنين.
بل نتذكّر الآيات الكريمات التي خاطبت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشةٍ مبيِّنة يُضاعفْ لها العذاب ضعفين. وكان ذلك على الله يسيراً). {سورة الأحزاب: 30}.
نقول: إذا التزم وجوه القوم ببذل أقصى جهودهم، وراقبوا الله عز وجل فيما يأتون وما يَدَعون... فلا بد أن يُحدِثوا تغيراً كمّياً في مجتمعهم الصغير أو مجتمعهم الكبير، ويكونون قد أبرؤوا ذممهم أمام الله أولاً، وهيّؤوا الجو لتغيير نوعي قد يبعث الله له عمر أو صلاحاً. (وما ذلك على الله بعزيز). {سورة فاطر: 17}.
وسوم: العدد 1050