سمر كوكش نجت من معتقلات الأسد فماذا تقول؟… وقيس سعيد الصاحي الوحيد
كان خبراً صاعقاً نبأُ اعتقال الفنانة سمر كوكش، مع بدايات الثورة في سوريا؛ لم نصدّق أن وجه الممثلة الطفل، سيمضي الآن إلى ما وراء جدران السجن الرهيب لنظام بشار الأسد. كان مفاجئاً أيضاً، ربما بالمقدار نفسه، أن يكون لسمر، بقوامها الغض والرقيق، بحسب ما تحفظ الذاكرة، انشغالٌ ما بالسياسة، هي الممثلة غير الحاضرة تماماً في صدارة المشهد، وعلى ما يبدو فقد دفعتها أسبابُ التهميش، مثل كثيرين غيرها، إلى الاقتصار على دبلجة أفلام الكرتون. لتغدو غارقة بالكامل في عالم الطفولة.
سمر كوكش إذاً في الاعتقال. ابنة ملك سكّر، والدتها، الممثلة التي تحجز مكاناً طيباً في الذاكرة، ورحلت مبكراً على نحو غامض، أو ربما لم يكن حينذاك ما يكفي من وسائط الميديا ليشرح ما حدث لها بالضبط، وابنة أحد شيوخ كار الدراما التلفزيونية السورية علاء كوكش، تنضم الآن (حينذاك) لآلاف المخفيين قسراً، لا نعرف عنها حسّاً ولا خبر.
الخبر الذي ظل لسنوات جملة واحدة من بضع كلمات، يأتي الآن مقابلة مصورة من ثلاث حلقات حزينة، مؤلمة، حنونة،.. وشهادة دامغة لا تنكر، لمن لديه بقية من ضمير
الآن فقط، بعد حوالى عقد من التجربة المروّعة نعرف ماذا حلّ بسمر، يأتي الخبر تفصيلياً في
. الخبر الذي ظل لسنوات جملة واحدة من بضع كلمات، يأتي الآن مقابلة مصورة من ثلاث حلقات حزينة، مؤلمة، حنونة،.. وشهادة دامغة لا تنكر، لمن لديه بقية من ضمير، عن ظلم فادح وفاضح طال ملايين السوريين، على نحو أو آخر.لم يكن لدى سمر انشغال سياسي بالفعل، كل ما أرادته أن تساعد الناس، جيرانها في معضمية الشام، حيث سكنت مع عائلتها الصغيرة لسنوات، وجدت طريقة للتواصل مع أهل البلدة لتتكفّل ببعض أعمال الإغاثة، الأدوية، واللوازم الطبية، وأحياناً تأمين وصول جرحى إلى مشاف أو أطباء. عمل، أدينت كوكش بسببه بتهمة الإرهاب، وحكمت ثلاث سنوات ونصف، دمرت أسرتها، طفلتيها اللتين كانتا برعايتها.
ثلاث سنوات ونصف رأت خلالها الهول، التعذيب في سجون النظام، ولو أنها هي ذاتها لم تتعرض لتعذيب وحشي، ولكنها أخذت حصة كافية من الألم وحجز الحرية، وكل ما نسمع عنه وراء الشمس. تجربة نحسب أن فيها الكثير من التفاصيل التي ربما تروى بطريقة أخرى غير متلفزة، بدءاً من التحقيق في أحد فروع الأمن، وصولاً إلى سنوات الإقامة المديدة في سجن عدرا المركزي، هناك حيث صورة مصغرة عن مجتمع سوريا- الأسد، الأحكام الظالمة، وحشر أعداد هائلة من المعتقلين في مساحة ضيقة خانقة، التحرش، والابتزاز، القمل، وحيث تلك الدورية الأمنية غير العادية (ولا ندري ما العادي في تلك الأمكنة!) التي تسحب معتقلين إلى مصائر غامضة، يرجح أن تفضي إلى الإعدام. وحيث يمكن لقاتلة مجرمة، مسحت رأس زوجها بمطرقة أن تترفّع عن سجينات سياسيات وتحتقرهن،.. وهناك حيث ستظل سمر تلتقي طفلتيها من وراء الشبك المعدني ذي المربعات الصغيرة الصارمة، في الغالب، وفي مرات قليلة من دونه، لتقبّلهما وتعبدهما، جملة وتفصيلاً، ثم تعود ساهمة إلى زاويتها في المهجع الأليم.
نجت سمر كوكش، على أمل أن ينجو زكي كورديللو، ومهيار، وعادل، وعدنان الزراعي، رانيا العباسي وأولادها، وآلاف غيرهم
عندما تغادر سمر كوكش السجن، ستكون ابنتاها قد سبقتاها إلى خارج البلاد، ستمضي هي بعض الوقت في السودان، ثم تنضم إليهما لاحقاً في بلجيكا. تتحدث سمر، الأم، القليل عن طفلتيها، عما دمّره السجن فيهما أيضاً، وهذا جانب ربما قد يأتي يوم نسمع أو نقرأ عنه من البنتين. لدينا سلفاً أرشيف ضخم لأبناء وذوي معتقلين سابقين رووا تجربة زياراتهم ومشاهداتهم لذويهم من وراء الأسلاك.
نجت سمر كوكش، على أمل أن ينجو زكي كورديللو، ومهيار، وعادل، وعدنان الزراعي، رانيا العباسي وأولادها، وآلاف غيرهم.
نجت شهادتها أيضاً، فعلى الأقل تطرقت إلى ذكر بعض الأسماء الذين سحبوا من سجن عدرا إلى مكان مجهول لا تأتي منه الأخبار، نجت سمر، من حُسن حظها، وحظ أسرتها، ومن حسن حظ الرواية السورية التي تظل، رغم كل ما لدينا من وثائق وصور وأفلام وشهادات، تحتاج إلى شهادة دامغة، ما دام هناك من سيظل ينكر، أو يبرّر، أو يزوّر،.. نجت سمر، وستنجو الرواية السورية، والبقية تأتي.
قيس سعيد والإعصار دانيال
ما من لكمة سُدّدت نحو أنف الربيع العربي أقسى من الرئيس قيس سعيد. أولاً لأنه تونسي، من البلد الذي اشتعل الربيع على يديه، للدقة بجسد أحد أبنائه الفقراء، وثانياً لأنه تسلم الحكم بانتخابات غير مشكوك فيها، فالرجل طافح بالأفكار الهازلة، وكلّما قلنا إنه لم يعد هنالك قاع أسوأ ليأخذنا إليه سيفاجئنا بهاوية جديدة.
قال الرئيس التونسي، في اجتماع مع عدد من وزراء حكومته، وكان بصدد الحديث عن الإعصار الذي ضرب شرق ليبيا أخيراً، والذي حمل اسم «دانيال»: «اختاروا دانيال، من هو؟ هو نبيّ عبريّ. تم الاختيار بطبيعة الحال من قبل الجهة التي تختار الأسماء، هذا الإعصار تمت تسميته باسم دانيال ويردّدونه. ألم يتساءل أحد لماذا تمت تسميته باسم دانيال، هذه قضية أخرى.. لأن الحركة الصهيونية تغلغلت.. هناك حالة غيبوبة فكرية تمامًا.. من أبراهام إلى دانيال واضحة جدًا».
ما من لكمة سُدّدت نحو أنف الربيع العربي أقسى من الرئيس قيس سعيد
ينضم الرئيس التونسي إلى تلك المخيلة الأمية التي قالت من قبل إن الكارثتين الليبية والمغربية مصنّعتان في مكان ما، وهو هنا يتجاوز تلك المخيلة ليحدد «الحركة الصهيونية» فاعلاً حصرياً وواضحاً.
لا داعي للبحث في كيفية إطلاق التسميات على الأعاصير والعواصف، لإثبات هزال رواية الرئيس التونسي المنتخب، لكنك تحزن لحال هذا البلد، كيف أُخضع على الاستمرار في قبول حكمه رغم انقلابه على كل شيء، سيحزنك أن تجد من بين التونسيين من يشرح نظرية قيس سعيد، كجزء من رؤيته الانتخابية التي كانت ترى في التطبيع خيانة! أي كلام!
لا يكتفي الرئيس بالإيغال بكلام جاهل، وما أسهل أن يعود لمؤسساته وخبرائه ليسألهم قبل التفوه بكلام مخجل، انظر إليه في فيديو متداول كيف يتحدث بفخر من اكتشف الحقيقة وحده، دون ملايين البشر الغارقين في غيبوبة فكرية. مبروك عليك صحوتك وتنبّهك سيدي الرئيس.
وسوم: العدد 1051