ما هو واقع المربين عندنا مع حلول مناسبة يومهم العالمي ؟؟؟
يبدو أن كثيرا من الأيام التي تُعيّن تواريخها لتكون أياما عالمية يحتفى بها لأمور مما يهتم به قد أصبح معظمها لا يحظى بكبير اهتمام بها ، بل فقدت رمزيتها في واقع الناس . ومن تلك الأيام، اليوم العالمي للمدرس أو المعلم أو الأستاذ الذي يصادف مثل هذا اليوم في الخامس من شهر أكتوبر كل عام .
ولقد كان من المفروض أن يكون هذا اليوم على رأس كل الأيام العالمية ، وذلك لأهمية رمزيته، لأنه يتعلق بطلائع المجتمعات البشرية التي ترابط في مؤسسات التربية والتعليم لنشر العلم والمعرفة ، ومحاربة الجهل الذي يحط من قيمة الإنسان ، ومن كرامته التي كرمه بها خالقه سبحانه وتعالى .
ومعلوم أنه لا يوجد أفضل مما يقدمه المربون لمجتمعاتهم ، وهو ما لا يقدر بثمن ، بل هو مما لا ثمن له إذا قيس بكل ذي ثمن في دنيا الناس . ويكفي أن الخالق سبحانه وتعالى قد رفع أهل العلم درجات فوق غيرهم، وجعلهم خيار الناس كما أخبر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يوجد احتفاء بهؤلاء يعدل احتفاء دين الإسلام بهم ، فهم ورثة الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام ، قد ورّثتهم النبوة ما جاءت به من علم .
ولا ندري كيف تحتفي بلدان العالم بهذا اليوم ، ولا شك أن الاحتفاء به يكون على قدر ما يُولى فيها المربون من أهمية ،واحترام، وتقدير، وإكبار ، ومن حسن تثمين لما يقدمونه من عظيم الفضل بمحاربتهم لجهل ، ونشرهم العلم . ولا شك أن معظم بلاد ما يسمى بالعالم الثالث كناية عن تخلفه عن غيرها من بلاد العالم الأول الذي لا ثاني له قد لا تبالي أصلا بمثل هذا اليوم العالمي. وأقصى ما تقوم به أنها تخصص فقرة عابرة من نشرات أخبارها لهذا اليوم في وسائل إعلامها الرسمية من خلال مشاهد عابرة أيضا ، وفي اعتقاد تلك الوسائل أنها قد قدمت لفئة المربين ما يستحقونه من تنويه . وأظن أن بلدنا الحبيب يوجد ضمن لائحة البلاد التي هكذا احتفاؤها بهذا اليوم .
ولقد كان من المفروض أن تخصص وسائل الإعلام الرسمية عندنا فترات طويلة من هذا اليوم تستعرض فيها فقرات عن أحوال النخبة التربوية ، وتكشف فيها النقاب عما كانت عليه من قبل ، وما صارت إليه مما يمكن اعتباره اهتماما بها ، وتقديرا لجهودها ، ولمخرجات ما يحسب لها ، وهو مما يعود على الوطن بالنفع.
إن من قدر لهم الله تعالى أن يكونوا من هذه النخبة سواء ممن غادروا الممارسة التربوية والتعليمية وهم فئتان : فئة بلغت سن الإحالة على المعاش ، وأخرى غادرت قبل ذلك مكرهة وممتعضة مما صار إليه حال قطاع التربية والتعليم في بلادنا أو ممن لا زالوا يشتغلون، وكلهم يعرفون جيدا المحطات التي مرت بها منظومتنا التربوية ، والتي توالى عليها ما يعرف بمسلسل الاصلاحات ، وتناوب على تدبير شأن هذا القطاع العديد من الوزراء في فترة زمنية تزيد قليلا عن ستة عقود ، وهو عمر استقلال الوطن ، وذلك بمعدل وزير كل سنتين منهم محزبون ومنهم تكنوقراط ، و منهم ما لا تصنيف لهم إلا أنهم جميعا حجامة ورأس اليتيم واحد فيه تتعلم الحجامة .
ولا زال المربون عندنا كما كانوا دائما منذ الاستقلال، لهم مطالب على رأسها مطلب الكرامة التي لا يتتحقق إلا بالملموس والإجرائي من خلال أجور محترمة تصونها تلك الكرامة ،وتكون كأجور قطاعات أخرى كلها عالة على قطاع التربية التي تمدها بما تحتاجه من أطر لتدبير أمورها ، ومع ذلك لا يميز المربون عن غيرهم في مختلف القطاعات بما يشعرهم أنهم أولياء نعمتها بما يسدون إليها من خدمة لا تقدر بثمن . ويا ليت مختلف الوزارات أو القطاعات العامة والخاصة تعود بمقابل على وزارة التربية الوطنية حين تمدها بما تحتاجه من أطر على غرار ما تفعله أندية كرة القدم على سبيل المثال ، والتي تحصل على أثمان باهظة مقابل بيع لاعبيها لغيرها من الأندية . فيا ليت وزارة إعداد كل الأطر على اختلاف أنواعها في مراحل من عمرها ،ومن تعلميها تحصل على مقابل من كل القطاعات التي تستفيد منهم. ولو كان هذا الأمر معمولا به لكانت الوزارة الوصية على التربية هي أغني الوزارات بما فيها وزارة الأوقاف التي تصرف مما تدره عليها الأوقاف على أضرحة الأموات ما كان ينبغي أن يصرف على أحياء يرزقون من المتعلمين ومن يعلمونهم .
ولا زال رجال ونساء التربية عندنا يعيشون اضربات ووقفات احتجاجية متوصلة كل سنة ، الشيء الذي يعني أن الوزارة لمّا تلب بعد بعض مطالبهم وعلى رأسها ما يتوجسون منه بخصوص أسلوب التعاقد عوض التوظيف المطمئن لهم ، وبخصوص التعامل معهم بأسلوب الزجر بالاقتطاعات من أجورهم التي تكون نتيجة الغياب بسبب الاضرابات والوقفات الاحتجاجية. وبخصوص التعنيف بهم في كثير من الأحيان، حيث ترد عناصر مكافحة الشغب جميل من علموهم ، ومحوا أميتهم وهم صغار وشبان بهروات تؤلم أجسادهم، وتبتذل كرامتهم أمام الرأي العام الوطني ، وبئس الجزاء جزاء متعلم يؤذي من علمه ، ولا يراعي له فضلا، ولا إلا، ولا ذمة.
هذا يوم المعلم العالمي قد عاد ولكن بأية حال عاد ، فلا شك أنه عاد كعودة يوم عيد الشاعر المتنبي القائل :
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد
ولا شك أن يوم المدرس في هذا الخامس من شهر أكتوبر عائد بما مضى ، ولا جديد فيه إلى حين استعادة هذا المدرس احترامه، و كرامته كاملة غير منقوصة ، ويكون ذلك بواسطة أفعال وليس بمجرد أقوال .
وسوم: العدد 1052