تفجير «الحربية»: لماذا شكّك السوريون برواية النظام؟
أثارت طريقة إدارة النظام لحدث المجزرة التي حصلت في «الكلية الحربية» في مدينة حمص شكوك السوريين في الرواية الرسمية لهذه المجزرة التي أودت، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بحياة 123 شخصا بين عسكري ومدني وأوقعت أكثر من 150 جريحا.
رفع كثير من الكتاب والناشطين والجهات الإعلامية والسياسية أسئلة وجيهة وعلامات استفهام عديدة تدعم هذه الشكوك.
أحد الأسئلة المرفوعة تتعلّق بغياب وسائل إعلام النظام عن مناسبة حضرها مسؤولون كبار، وبما أن المعتاد في مناسبات كهذه أن يكون هناك وجود لمراسلين ومصوّرين للقنوات الرسمية السورية فقد اعتبر محلّلو الحدث أن النظام «أعطى إجازة مفتوحة» من تغطية حدث كبير ومهم.
القضية الأخرى التي تم التشكيك فيها تتعلق بقدرة من سماهم النظام بـ«الإرهابيين» على الوصول بمسيّرات إلى مكان الحدث، وإمكانية حمل تلك المسيّرات لذخائر كافية للتسبب بالهجوم الأخير، وأشار البعض إلى المدار الأبعد الذي وصلت إليه طائرات مسيّرة تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» (الجهة الرئيسية المسيطرة في مناطق المعارضة) إلى مواقع للنظام في مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، وتمكنت حينها مسيّرة واحدة من أصل ثلاث من تخطي مسافة 30 كيلومترا ولم تتجاوز حمولتها أكثر من 3 كيلوغرامات من المتفجرات، وحيث أن أقرب مسافة بين المواقع الخارجة عن هيمنة النظام والكلية الحربية تزيد عن 70 كيلومترا، فقد كان الاستنتاج هو استحالة وصول مسيّرات من مناطق المعارضة إلى موقع الكلية. من جهة أخرى فإن تنظيم «الدولة» يبعد عن مكان الهجوم أكثر من 127 كيلومترا.
تجاهلت رواية النظام أيضا شرح طريقة الهجوم إن كان بسقوط المسيّرات على الموجودين، أو بقصفهم بقذائف أو صواريخ، ولم تظهر الشرائط المصوّرة والصور التي تم نشرها بعد الهجوم أي آثار لشظايا أو قطع من المسيّرات المهاجمة أو القذائف، ولم تكشف اللقطات علامات على أرض الكلية تدل على سقوط مسيّرات أو صواريخ.
من القضايا التي لفتت النظر أيضا في الحادثة المذكورة مسارعة وسائل إعلام غير سورية، مثل «سبوتنيك» الروسية إلى نشر خبر يؤكد خروج وزير الدفاع علي عباس ومحافظ حمص نمير مخلوف وكبار الضباط للكلية قبل الانفجار، وقيام جهات إعلامية محسوبة على إيران بتقديم رواية أخرى تتهم «الحزب التركستاني» وفرنسا.
تساءل آخرون أيضا عن سبب عدم اغتنام الجهة المهاجمة لوجود أولئك الضباط والمسؤولين، ولماذا لم يختر منفذو الهجوم، لو كانت لديهم هذه القدرات التكنولوجية العالية، مواقع أكثر حساسية مثل قاعدة حميميم الروسية أو حتى استهداف رئيس النظام وكبار مسؤوليه الأمنيين.
استعاد محللون محطات تاريخية تعاطى فيها النظام مع مصاعب سياسية كبيرة بافتعال حوادث أمنية خطيرة، كما حصل في ما سمي تفجير «خلية الأزمة» في تموز/يوليو 2012 والذي قتل فيه وزير دفاع النظام داود راجحة، ونائبه آصف شوكت (زوج بشرى شقيقة بشار الأسد) ورئيس الخلية حسن تركماني، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي، والذي يعتبر خطا فاصلا اتجه بعده النظام إلى استراتيجية عنف هائلة ضد المدن والمناطق السورية.
أشار آخرون إلى حادث آخر وتمثل باتفاق سمح فيه النظام بانتقال قرابة 1000 عنصر من تنظيم «الدولة» إلى بادية محافظة السويداء، وشنهم هجوما دمويا أسفر عن مقتل 221 شخصا وإصابة 200 وخطف نساء وأطفال، وهو ما اعتبرته المعارضة عملية لتطويع المحافظة التي تسكنها غالبية درزية كانت ترفض إرسال أبنائها للجيش، وقد كانت رسالة النظام واضحة حينها مع تصريح للأسد يقول إن على الدروز إرسال أبنائهم للجيش إذا كانوا يريدون الانتفاع من حمايته.
يعيد الغموض الذي يحيط بحادثة الكلية الحربية التذكير بالطبيعة الأمنية المعقدة للنظام، والتي تجعل الوصول إلى حقائق أكيدة أمرا صعب المنال.
وسوم: العدد 1053