زلزال «طوفان الأقصى» ومآسي الرئيس الأمريكي بايدن
بتاريخ 7 أكتوبر 2023 وقع زلزال ربما وصلت شدته تسع درجات على مقياس ريختر سمي بـ«طوفان الأقصى» حيث اجتاح المقاومون الفلسطينيون المستعمرات التي أقامتها حركة الاستيطان الأوروبي في جنوب فلسطين وسموها «غلاف غزة». كانت عملية الاجتياح على درجة عالية من الانضباط والجسارة والتمويه، التي ضللت العدو لدرجة أن البيت الأبيض ـ على بعده الجغرافي ـ أصيب بالمفاجأة، وسمى بنيامين نتنياهو ذلك اليوم بـ«اليوم الأسود».
من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة تبعث فجأة بحاملتي طائرات إلى المنطقة، يرافق ذلك تهديدات من الرئيس الأمريكي، وكأنه يبعث رسائل تحذير ضد أي تحرك لأي طرف ثالث (وربما يقصد إيران) بقصد التدخل ضد إسرائيل. ويبدو أن وزير الحرب الإسرائيلي، اعتبر ذلك ضوءاً أخضر أمريكياً لآلة الحرب الإسرائيلية، حيث أمر بقطع الماء والكهرباء والغذاء عن كامل سكان قطاع غزة، واعتبارهم «وحوشا بشرية». وما يدلل على ذلك السلوك العدواني أن وزير الحرب، أطلق العنان لكل آلات الدمار العسكرية، وبدأ في تطبيق «مبدأ الضاحية» الذي يعتنقه جيش المستوطنين، وهو المبدأ الذي ينطوي على الدمار الشامل، من دون تمييز بين عسكري ومدني، لإحداث حالة هلع بين المدنيين.
إن مأساة الرئيس بايدن الأولى، أنه لم يقرأ أو يسمع ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي، ما يعني بداية ارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» ولم يسمع الرئيس أو يقرأ ما قاله الوزير عن الفلسطينيين، من أنهم «حيوانات بشرية» ما يهيئ الأرض لتبرير الإبادة الجماعية. ولم يكن الرئيس الأمريكي وحيداً في إظهار هذا الشعور البليد، بل انضمت إليه كل أطراف النادي الاستعماري، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي أصدرت بياناً مشتركاً، اعلنت فيه أنها «ستدعم جهد إسرائيل للدفاع عن نفسها» في مواجهة المقاومة الفلسطينية، التي تمارس حقاً مشروعاً في المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار. لم تذكر أطراف النادي الاستعماري كلمة واحدة عن حصار قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، الذي ما زال مستمراً لسبعة عشر عاماً، وحولت القطاع إلى أكبر معتقل في العالم، ولم يلحظ أيٍ منهم أن بعض التقارير الدولية قد حذرت من أن قطاع غزة سوف لن يكون صالحاً للحياة في عام 2020.
ومع ذلك، فإن أخطر ما ورد في خطاب الرئيس بايدن ـ وهذه مأساته الثانية – هو شعوره بأن ما وقع في غلاف غزة على يد المقاومة الوطنية هو أنها «مأساة ليست بعيدة عنّا» مشيراً إلى وجود أحد عشر أمريكيا (ثم أصبحوا اثنين وعشرين) ما بين قتيل وجريح وأسير، مضيفاً أن «سلامة المواطنين الأمريكيين، سواء في الداخل أو الخارج ـ هي أولويتي القصوى كرئيس». يبدو من ظاهر كلام الرئيس أنه لا يميّز بين المواطنين الأمريكيين فهم جميعاً متساوون، وذلك لكي يؤمن لهم السلامة والأمان، ولكنه قبل أسبوع تقريباً تبين خلاف ذلك، حين اتضح أن إدارته تميز بين أمريكيين كاملي الدسم، وأمريكيين منزوعي الدسم، حيث ميزت إدارته بين الأمريكيين من اصول فلسطينية، والأمريكيين كاملي الدسم. فالقسم الأول لا يمنح حق الدخول إلى فلسطين ووافقت إدارته على قيام إسرائيل بالتمييز بين المواطنين الأمريكيين من أصول فلسطينية والأمريكيين الآخرين.
إن مأساة الرئيس بايدن، أنه لم يقرأ أو يسمع ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي، ما يعني بداية ارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» ولم يسمع ما قاله عن الفلسطينيين، من أنهم «حيوانات بشرية»
فأين هي مسؤوليته التي يتحدث عنها كرئيس؟ أما مأساة الرئيس الثالثة فهي حزنه وألمه على الأمريكيين الذين قتلوا، أو وقعوا في أسر المقاومة الفلسطينية. فكيف يستسيغ الرئيس الأمريكي الادعاء ـ وبصوتٍ عال- بحماية المواطنين الأمريكيين، إذا وقعوا في أسر المقاومة، ولا يأتي على ذكرهم إذا قام هؤلاء الأمريكيون بقصف وقتل وتدمير وتعذيب الفلسطينيين في غزة، أو في أي جزء من الأراضي المحتلة، إذا كانوا هم في حركة المستوطنين، أو في سلك الجيش الإسرائيلي وطيرانه؟
لقد اعترف الرئيس بأن هؤلاء القتلى أو الأسرى يعتبرون «إسرائيل وطنهم الثاني» وفي الواقع، فإن الرئيس يحتاج إلى تصويب أقواله، إذ أنهم يعتبرون «إسرائيل وطنهم الأول» وهو وطنهم الذي «وعدهم الله به» ولم يعدهم الله بأمريكا وطنهم الأول. إن فلسطين هي «أرض الميعاد» كما يزعمون، وليست ميامي أو نيويورك.
لقد مضى حين من الدهر كانت وزارة الخارجية الأمريكية توزع فيه على المواطنين الأمريكيين ذوي الديانة اليهودية، الذين يرغبون في زيارة إسرائيل، كراساً تحذرهم فيه من أن قانون الجنسية الإسرائيلية «يفرض» الجنسية على أي يهودي بمجرد دخوله المطار، أو الميناء الإسرائيلي، من دون علمه أو إخطاره بذلك، لأنه ـ حسب القانون ـ أن اليهودي الذي يدخل إسرائيل هو «عائد» والعائد إلى بيته لا يحتاج إلى إذن أو طلب، أو كما قالت عنه محكمة العدل العليا الإسرائيلية، إنه كمن يحمل مفتاح منزله في جيبه، حيث يفتح باب بيته ويدخل. إن مأساة الرئيس بايدن أنه يداري عدم علمه، أو يتظاهر بعدم العلم، بأن قانون الجنسيه الإسرائيلية يمنع ازدواج الجنسية منعاً باتاً إلاّ لليهودي. وعلى سبيل المثال، وهو مثال نظري، لو هاجر شخص ألماني مسيحي إلى إسرائيل، وبعد إقامته في إسرائيل عدداً من السنوات، وتقدم بطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ولو افترضنا أنه استوفى كل الشروط لاكتساب الجنسية، فإن عليه أن يتنازل عن جنسيته الأصلية. ولو افترضنا أن هذا الألماني كان يهوديا لا يشترط القانون منه التنازل عن جنسيته الأصلية، وقد جاءت صياغة المادة (14) من القانون صياغة ملتوية، لكي تخفي العنصرية الوارده فيها، ذلك أنها تنص على «في ما عدا حالة التجنس، فإن اكتساب الجنسية الإسرائيلية ليس مشروطاً بالتنازل عن الجنسية السابقة». التجنّس هو طريق لإكتساب الجنسية الإسرائيلية من قبل أي شخص غير يهودي، لأن اليهودي يكتسب الجنسية الإسرائيلية بالعودة وليس بالتجنّس، أي أن ازدواج الجنسية طبقاً للقانون الإسرائيلي مسموح به لليهودي فقط. ومن هنا يجب الانتباه إلى ما قاله الرئيس بايدن، وما يقوله مسؤولون غربيون آخرون، إنهم يعيشون مأساة فقدان أو أسر مواطنين لهم في غزة، وبالأحرى هم مزدوجو الجنسية باعتبار أنهم يهود. وهنا المقاومة الفلسطينية تتعامل معهم كإسرائيليين باعتبار أن انخراطهم في القتال إلى جانب القوات الإسرائيلية يعني أن خيارهم كان الجنسية الإسرائيلية. وإذا كان مستوطناً، تعتبر المقاومة أنه ينطبق عليه المعيار ذاته معتبرة أن المستوطن شخص مسلح وهو عضو في الجيش، ويشترك في جلسات التوجيه التي يلقيها الضباط على جنودهم. ولا يستطيع مزدوج الجنسية، أن يختار بين الجنسيتين كمن ينتقي فاكهة أو خضارا، ذلك أن عليه دفع الضريبة، فلمن يدفعها للخزانة الأمريكية أم الإسرائيلية؟ أين سكنه الاعتيادي في نيويورك أو في مستوطنة جبل أبو غنيم؟ أين يسجل أبناءه في المدرسة وأين مركز حياته؟ وأين يدفع فواتير الكهرباء أو الماء؟ والمقاومة الفلسطينية تحدد جنسيته على ضوء المعايير أعلاه، إنه ليس خياراً للمقاتل الأمريكي (أو الأوروبي) لكي يحدد جنسيته متى شاء وكيفما شاء. إن انخراطه في صفوف الجيش الإسرائيلي يؤكد انه «عدو» وإن كان متطوعاً فهو في عداد المرتزقه الذي لا يحميهم أي قانون.
وسوم: العدد 1054