هذا العجوز يتذكر... كيف كنا نتناصر.. !!؟؟

ونشأنا أو نشّئنا على حفظ مقومات القومية العربية.

ونذكر فيما نذكر وحدة الآمال والآلام، وحدة المشاعر والتطلعات..

ونظل ننشد حتى تمتلئ صدورنا بالهواء، وتبح أصواتنا:

بلاد العرب أوطاني

من الشـــــام لبغدان

ومن نجــــــــد إلى يمن

إلى مصـــر فتطــوان

ونغني مع شوقي:

كلمــا أنّ في العراق جريـــــح

لمس الشرق جنبه في عُمانه

ومع حافظ ابراهيم:

لمصر أم لربوع الشــــــــــام تنتسب

هنا العلى وهناك المجد والحسب

ركنان للشام لا زالت ربوعهمــــا

قلب الهلال عليهما خافق يجب

في سنة ١٩٥٦ كان هذا العجوز السبيعيني في الثامنة من عمره.

وفي ٢٩ تشرين الأول ، اكتوبر ، شن البريطانيون والفرنسيون، الهجوم على قناة السويس، بعد إعلان تأميمها من جمال عبد الناصر، واحتلت إسرائيل يومها وللمرة الأولى، شبه جزيرة سيناء..مع الأسف بسهولة ويسر!!

واشتعلت المنطقة نارا ..

يومها لم تكن هذا الشعوب تملك فضائيات تهيج وتجيش، ولم يكن الناس يملكون، هذه الشاشات التي يفتحون أفواههم أمامها..

وكان الغانم من الناس من يملك المذياع ذا الصندوق الخشبي، الذي كنا ندحه على جنبه، كلما أنّ أو طنّ وما أكثر ما نفعل..

كانت الملحمة يومها في عملية احتلال بور سعيد، التي تم عليها إنزال جوي، من قبل الحليفين الانكليزي والفرنسي..

فسُجلت بطولاتها بفيلم سينمائي ظل يعرض لسنوات طويلة..

حين أرانا اليوم، نجلس وراء الشاشات متسمرين، وبعضنا يؤثر أن يضع إلى جانبه منديلا ليجفف دمعه كلما غلبه الدمع..

ولا يجد العرب المثقفون المتعلمون المرفهون المالكون للفضائيات وللفيس والإكس والتك توك والواتس ما يفعلونه غير اضطراب الجناح العالق..

أتساءل: أين كنا؟؟ أين أصبحنا؟؟ وكيف؟؟

تلك كانت أغنية لمحمد عبد الوهاب في ذلك الزمان!!

أعود إلى ذاكرة الطفل في الصف الثاني الابتدائي ليتذكر: ماذا فعل الشعب غير المدجن في مقابلة ذلك العدوان..

وقبل أن أحدثكم أذكركم أنني أتحدث حديث متذكر يتذكر، وأنا وإن كنت أدعوكم بكل الحرقة والألم إلى تطوير أساليب الاحتجاج والتناصر بما يليق بالشعارات الانسانية والدينية والقومية، فإنني لا أدعو أبدا إلى أي تصرف يخرج عن هذا السياق..

يتذكر رجل سبعيني اليوم من ذاكرته الطفولية أنه كان في سورية ذلك الزمان؛ ما يسمى "اتحاد العمال" وأنه قام فور سماع نبأ العدوان، بإعلان مقاطعة التعامل مع دول العدوان. فرفض الحمالون السوريون وأكثرهم كان أميا، من تفريغ سفن دول العدوان في ميناء اللاذقية، وكانت أزمة حقيقية وظللنا نستمتع بأخبارها لأيام..

يتذكر ذلك الطفل الصغير أنه كانت تمر من سورية بعض أنابيب النفط العراقي متجهة عبر المتوسط إلى الغرب، وأن الفورة الشعبية قامت بنسف تلك الخطوط التي كان اسمها "خطوط التابلاين" هكذا أتذكر، وتوقف ضخ النفط إلى المعتدين الأشد حاجة إليه.. وكانت مشكلة أخرى تبعتها مشكلات.. الشعب لم يكن ينتظر الحكومات أن تفعل…

يتذكر العجوز السبعيني من طبقة في الذاكرة عمرها سبعين سنة أن المظاهرات في مدينته حلب تمادت وتجاوزت أمام القنصليتين الفرنسية والبريطانية مع المركز الثقافي البريطاني، الذي تحول بعد ذلك التاريخ إلى المركز الثقافي بصورته الحالية. على أيدي مواطنين غاضبين تمت أعمال - لا أدعوكم إلى تقليدها، بل أحكيها على سبيل سرد الذكريات..

أحكيه لأحكي كيف كان أبناء هذه الأمة يتضامنون ويتكافلون منذ سبعين سنة.

و هل يجوز في السياق أن أنسى الضابط السوري "جول جمال" ابن مدينة اللاذقية، الأرثوذكسي الذي كان يتدرب في مصر لمصلحة البحرية السورية والذي قدم نفسه في عملية فدائية ضد البارجة الفرنسية "جان بارت.."

فمهد لوحدة سورية مع مصر..

هذا كله قبل أن يحكم سورية حزب البعث القومي العربي المقاوم والممانع…

لعلي نسيت أشياء يذكرني بها من كان أكثر وعيا وحضورا

نحتاج إلى آليات حقيقية يجعل حديثنا عن الوحدة العربية أكبر من حديث الأماني…

اللهم نصرَك للمستضعفين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1054