وأعدوا

أعدت قراءة قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، سورة الأنفال. فوقفت عند النّقاط التّالية:

الغنائم ليست من مقاصد الجهاد، والحرب:

اسم السورة هو: "الأنفال" أي الغنائم. والسورة لم تتطرّق لكيفية الاستحواذ على الغنائم كما يبدو لأوّل مرّة من عنوانها، إنّما تطرّقت لعدم الاقتراب منها. ويكفي أنّ الله تعالى أبعد القافلة أي الغنائم عن المسلمين، وجعلهم يواجهون جيش قريش وهم أقلّ عددا، وعدّة.

ومن عجائب سورة الأنفال أنّ الأنفال ليست من مهامكم التي خلقتم لأجلها، وخرجتم لأجلها. لأنّكم خلقتم لـ: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ". والأنفال نتيجة للإعداد، وليست غاية.

ليست الغنائم من مقاصد الحرب، وإنّما هي من نتائج الحرب التي لايسعى إليها المؤمن بداية. ورغم ذلك وجب الإعداد للحرب، ومن ثمّ نتائج الحرب، وبغضّ النظر عن طبيعتها، وبما فيها الغنائم.

القوّة التي ترهب:      

ارتبطت القوّة بإثارة الرهبة في صفوف المعتدي، "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ". وكلّ مايرهب العدو فهو قوّة يجب المحافظة عليها، وتطويرها، والعناية بها. وكلّ مايثير الرهبة في صفوف العدو يظلّ يندرج ضمن "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ". فالعدو لايهتم بالحجم بقدر مايهتم بكلّ مايقلقه، ويزعجه ولو كان صغيرا لايلفت الانتتباه.

ألا ترى معي كيف أنّ العلم الفلسطيني يثير الرعب في صفوف الصهاينة، وصهاينة الغرب، وصهاينة العرب وكيف يحاربونه، ويعاقبون الذين يرتدونه ولو كانوا غربيي، و غير الفلسطينيين.

القوّة تصنع السّلم وتحافظ عليه:

جاء بعد آية: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"، "قوله تعالى: "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، سورة الأنفال.

مايعني: من أراد السّلم فليعد نفسه لـ: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ". لأنّ القوّة أساس السّلم، وضامن له، والضّعيف لايفرض السّلم، بل تفرض عليه شروط الحرب.

وممّا وقفت عليه أنّ المعتدي هو الذي يطلب السّلم لأنّه يضعف أمام صاحب الحقّ. وهدف صاحب الحقّ هو إحقاق الحقّ وبما استطاع تحقيقه بالقوّة المتاحة، والتي تثير الرّهبة لدى العدو، وتفرض السّلم، وتحافظ عليه.

خلاصة:

إنّ الله تعالى لم يطالب المؤمن بالنصر وقد استشهد الجزائريون من قبل استرجاع السّيادة الوطنية ولم يروا النّصر، وإنّما جاء النصر جزاء جهادهم، واستشهادهم.

لم يطلب منك القوّة المساوية لقوّة الصهاينة، والحلف الأطلسي، والاستدمار الفرنسي وهذا رأفة، ورحمة بالضّعيف الذي لايملك تلك القوّة. إنّما طلب من المجاهدين الذين يدافعون عن أرضهم، وعرضهم الإعداد للقوّة، وبالقوّة التي بين يديه، ويؤمن بها، ويحسن استعمالها بفاعلية تثير الرّهبة في نفس كلّ محتلّ مغتصب، ومهما كانت صغيرة لاتلفت الانتباه.

وكلّ مايثير الرّهبة فهو قوّة ولو كان صغيرا. وقد كانت "زَغْرُودَةَ" النّساء الجزائريات إثر استشهاد الجزائري تثير الرّهبة في صفوف الاستدمار الفرنسي، وهم المدجّجون بالحديد، والنّار.

وسوم: العدد 1055