ماذا سيقول أطفال غزة الناجون من جحيم الحرب عن عالم تخلى عنهم؟.. انتقامهم منّا سيكون فظيعاً
الغارديان
“ساعة بعد ساعة، يقتلون ويشوّهون ويصدمون، في وقت فشل فيه قادة شعوبنا بالتدخل”.
وأضاف: “لا يمكن الاستماع لصياح الأطفال وسط صوت وغضب العاصفة في غزة، ومن المهم بشكل مضاعف الاستماع لصراخهم، لأن ما يحدث لهم الآن هو مرعب في الحقيقة، لا، لا تحرف نظرك، ولا تغلق علامة التبويب هذه، فهي مشكلتك أيضاً”. و”بعد وقت طويل من هذه الحرب، فإن الموت العنيف لـ 1.750 طفلاً، والحصيلة تتزايد يومياً، وتشويه عقول وأجساد آلاف آخرين، سيتم تذكره بأنه فشل ملحمي للياقة الإنسانية، والتي سيدفع الكثيرون لاحقاً بسببه الثمن”. ويقول إنه “فشل السياسة والأمن الجمعي والقانون الدولي، وتبع الجرائم المروعة لحماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر والتي قتل فيها 1.400 شخصاً في إسرائيل،لكن الأحداث في غزة تقدم فشلاً أخلاقياً جذرياً، وعلينا جميعاً تحمّل الملامة عليه”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها المجتمع الدولي متهماً بالتواطؤ في جريمة الحرب، وارتكاب جريمة جمعية ضد الإنسانية، ويراقبها تتكشف في غزة، وعن بعد، ويفشل بشكل بائس في وقفها. وتحضر للذهن مجزرة سربرينتشا، 1995، ورواندا، في 1994. وفي بيان مشترك دعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وكندا إلى “الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حماية المدنيين”، وهم يعرفون جيداً أن العكس يحدث في غزة، وهم ليسوا وحدهم في العجز عن وقفها، فالصين وروسيا عاجزتان عن وقفها أيضاً.
الغارديان: الناجون سيكبرون، يحملون الحزن والخوف والشعور بالذنب والغضب والاغتراب، ويبحثون عن الانتقام، سيحاول الكثيرون عمل هذا
“من الذي سيحاكمهم، هذه الحكومات القوية، والقادة الذين يهيمنون على الشؤون الدولية، والذين عملَ تجاهلهم ونفاقهم وسياساتهم التي تخدم النفس في الماضي والحاضر، على إنتاج هذه المأساة؟ ومن سيحكم عليك، وقد فشلت هذه الحكومات بالتحرك باسمك؟ الجواب: أطفال غزة، أو في أي معدل، الناجون منهم. فحكمهم وانتقامهم، عندما يأتي سيكون فظيعاً وقاسياً وعشوائياً أيضاً”.
وقدم الكاتب مجموعة من الأرقام؛ فبحسب منظمة “سيف ذا تشيلدرن”، أو (أنقذوا الأطفال)، فإن طفلاً واحداً يُقتل في غزة كل 15 دقيقة. ويوم السبت، قال المرصد الأوروبي- المتوسطي لحقوق الإنسان إن ما مجموعه 200 طفل يقتلون كل يوم تقريباً. ومن بين القتلى، البالغ عددهم 4.600، أو أكثر، قتلوا منذ بداية القصف الإسرائيلي، بلغت نسبة الأطفال منهم 40% .
وخلف هذه الأرقام الصادمة عالم من الألم، فقد جرح 3.250 طفلاً، منهم 1.240 بحاجة لعناية طبية خاصة. وهناك الكثيرون ممن أصيبوا بالحروق أو الشظايا أو فقدوا أطرافاً. ولكن المستشفيات والعيادات التي تضررت أو دمرت تعاني من غياب المواد الطبية، بسبب الحصار، لا تستطيع معالجة الجراح هذه.
وبحسب منظمة “هيومان رايتس ووتش” فإن “القصف الإسرائيلي والحصار الكامل على غزة يعني أن أعداداً لا تحصى من الأطفال الجرحى والمرضى من بين المدنيين سيموتون بسبب عدم توفر العناية الطبية”.
وقال المرصد الأوروبي- المتوسطي إن أطفال غزة “يعانون من مستويات عالية من الصدمة النفسية والرعب”، وهناك أعداد كبيرة منهم بلا مأوى وبدون طعام كاف أو مياه صالحة للشرب، أو أجبروا على الهرب جنوباً تحت النار، ما فاقمَ صدمتهم.
وأخْبَرَ إبراهيم الآغا، الذي لجأ لبيت في خان يونس، وكالةَ رويترز للأنباء: “عندما يحدث انفجار، أو يُضرب هدف، فإنهم يصرخون ودائماً خائفون، نحاول تهدئة الكبار منهم، ونخبرهم ألّا تخافوا، فهذه ألعاب نارية، لكن الأطفال الأكبر سناً يعرفون ما يجري”.
وتصل نسبة المرضى نفسياً بين الأطفال، تحت سن الـ 18 عاماً، بين سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، 47%، مقارنة مع 22% مع الولايات المتحدة، و33% في إسرائيل، وتعتبر أزمة منذ سنوات. ووجد تقرير نشر العام الماضي أن أربعة من خمسة أشخاص يعانون من الكآبة والحزن والخوف، وهو تدهور حاد مقارنة مع 2018. وفكر نصف أطفال غزة بالانتحار، ويؤذي ثلاثة من كل خمسة أطفال في غزة أنفسهم، حسبما جاء في التقرير. ودعمت نتائجُه أبحاثاً سابقة بشأن الآثار النفسية السلبية “للحروب المزمنة” على عقول الصغار. وتعتبر المواجهات المتكررة بين إسرائيل و”حماس”، والحصار المفروض منذ عام 2007، عوامل مهمة في الأمراض النفسية المزمنة.
والآن، ووسط الحرب الشاملة، تزداد محنة الأطفال سوءاً، حيث كثّفت إسرائيل الغارات الجوية على مدار الساعة قبل الغزو البري. ومن يتجاهل أوامر إسرائيل لمغادرة الشمال، سيعتبر عضواً في تنظيم إرهابي، ولهذا بات الأمر رسمياً، فالمدنيون، بمن فيهم الأطفال الذين ربما تيتّموا، جرحوا أو فقدوا وانفصلوا عن عائلاتهم سيعتبرون مقاتلين أعداء لو ظهروا في المكان “الخطأ”. وقتل الأطفال أو استهدافهم يعتبر غير قانوني بناء على القانون الإنساني الدولي. وتنص معاهدة جنيف، عام 1919، والتي تغطي النزاعات المسلحة على ضرورة حماية الأطفال ومعاملتهم بإنسانية، ووقعت إسرائيل على المعاهدة عام 1951.
ونشرت منظمة “أمنستي إنترناشونال” أدلة مفصلة، في الأسبوع الماضي، قالت إنها جرائم حرب، وإن القوات الإسرائيلية “أظهرت قلة احترام لحياة المدنيين”.
أكدت حالة واحدة حققت فيها “أمنستي” محو عائلة كاملة من السجل المدني، عندما ضربت القوات الإسرائيلية بناء في حي الزيتون
وفي حالة واحدة حققت فيها “أمنستي”، تم محو عائلة كاملة من السجل المدني، عندما ضربت القوات الإسرائيلية بناء في حي الزيتون بمدينة غزة،
ومن بين 15 شخصاً من عائلة الدوس الذين ماتوا سبعة أطفال، بمن فيهم ابتسام، 17 عاماً، وعوني، 12 عاماً، وآدم، 18 شهراً.
وإن لم يقتل الأطفال بالصواريخ، فبالمرض، حيث حذرت أوكسفام والأمم المتحدة من انهيار خدمات المياه والنظافة بسبب الحصار، وقد يؤدي إلى انتشار الكوليرا والأمراض المعدية الأخرى.
ويعتبر الأطفال الصغار أكثر عرضة لهذه الظروف. ويقول تيسدال إن التداعيات طويلة الأمد لهذه الحرب التي لا ترحم، والصدمة، وإيذاء أطفال غزة أمر مثير للقلق.
والناجون منهم سيكبرون، يحملون الحزن والخوف والشعور بالذنب والغضب والاغتراب، ويبحثون عن الانتقام، وبناء على تجربة الماضي سيحاول الكثيرون عمل هذا.
وسيسألون من قتل إخوانهم وأخواتهم وآباءهم وأصدقاءهم، ولماذا فعلوا هذا، وسيسألون عما فعله العالم لوقف القتل، وستلاحقهم الذكريات المرة من الدم والدموع، ويطالبون بالعدالة، وسيحاول البعض، كما فعل الكثيرون في الماضي تحقيق العدالة بأيديهم، عندما أتيحت لهم الفرصة. ولا أجوبة على أسئلتهم، فلا توجد أجوبة جيدة، فما يجري أمر لا أخلاقي بالكامل، وكلنا نعرفه، ومات 12 طفلاً في غزة بلا داع، عندما كان الكاتب يعدّ مقالته والذنب “عليّ وعليك وعلينا”.
وسوم: العدد 1055