إلى أحرار العالم: "تعالوا انظروا الدم في الشوارع"

في غزة، حين يعلو صوت الحرب على كل الأصوات، ويتجوّل الموت في الشوارع، وبين البيوت، وفي المدارس، والمستشفيات، والمساجد، والكنائس، والمنشآت العامة والخاصة، علينا أن نصرخ بأعلى صوت ممكن، وبكل اللغات، وعلى المنابر العربية والدولية كافة: أوقفوا حرب الإبادة، أوقفوا المجازر، أوقفوا التطهير العرقي، أنهوا الحصار على قطاع غزة، أنقذوا غزة.

وقبل أن يتجرّد العالم من إنسانيته بشكل كامل، علينا أن نهزّه من كتفيه، ونزيح الغمامة التي تظلّل عينيه، وبكل الوسائل الممكنة، كي يفكر بالمنطق والعقل، ليراجع حساباته، ويقف مع الحق والعدل والمنطق، مسترشداً بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، التي تقضي بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تعتبر مرجعاً ملزماً لدول العالم التي وقّعت عليها.

*****

ما الجديد الآن؟ خاصة أن ما يحدث في فلسطين، ليس جديداً، ويحدث منذ عقود؟

الجديد هو المبادرة الواسعة والعميقة، بهجوم المقاومة المفتوح، والنجاح غير المسبوق، الذي تحقق في يوم 7 أكتوبر المجيد، والارتباك والخلخلة التي تبعته لدى العدو وحلفائه.

الجديد هو التصعيد غير المسبوق، والضراوة في استخدام الاحتلال الإسرائيلي معدّاته الحربية، إلى حد قصف مستشفى وكنيسة، بهذه الصورة الوحشية، بالإضافة إلى اقتحام المدن والقرى والمخيمات، والإعدام بدم بارد، والاعتقال، والتعذيب، وهدم البيوت والمنشآت، وتسهيل اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين، وتشريع قوانين عنصرية، وتصاعد في نهب الأراضي، والاستيلاء عليها، ومداهمة المؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية والقانونية، وتصعيد مضاعف في القدس، واقتحام للمسجد الأقصى، ووضع العراقيل أمام الوصول إلى دور العبادة، سواء للمسجد الأقصى أو لكنيسة القيامة.   

الجديد هو التطور التقني الهائل، الذي يتيح معرفة الكثير مما كان مجهولاً، وفي الوقت ذاته يتيح حجب وتزوير الكثير من الحقائق. هي المعركة الإعلامية بامتياز، التي تواكب الصراع المتواصل منذ خمسة وسبعين عاماً.

والجديد هو التوحش المتزايد للرأسمالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي يتزايد دعمها للكيان الصهيوني، حتى يكاد يتطابق معه، ويتصاعد انتهاكها للقانون الدولي، واستخدام الفيتو ضد أي قرار يتعلق بالحقوق الفلسطينية، وآخرها مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، الذي جاء بعد يوم من مجزرة جيش الاحتلال المروّعة، في المستشفى الأهلي المعمداني جنوب غزة، والتي كان نتيجتها استشهاد 500 مواطن ومواطنة، وجرح المئات. وكذلك ضد مشروع القرار البرازيلي الداعي إلى هدنة إنسانية، تسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، الذي تحاصره إسرائيل، وتمنع عنه الماء والوقود والمواد الطبية، منذ أكثر من 11 يوماً.

*****

هل يجب أن نبدأ فقط بما يحدث اليوم؟ أم من حيث بدؤوا؟ أم نبدأ من حيث خطّطوا؟

هل نبدأ من وعد بلفور البريطاني؟ الذي صدر العام 1917، وأعطى فلسطين لمستوطنين يهود سيحضرونهم إليها، حين أتاح وسهّل لهم الهجرة من بقاع الأرض كافة؟ أم من إعلان تقسيم فلسطين العام 1947، وانسحاب بريطانيا، لإتاحة إعلان دولة إسرائيل العام 1948؟ لينكشف اللثام عن تفاصيل عديدة لمخطط التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، الذي بدأت بتنفيذه الحركة الصهيونية، كجزء أساس من استراتيجيتها؟

تلك التفاصيل التي كشفها وما زال يكشف عنها عدد من المؤرّخين العرب والإسرائيليين، والعديد من الفلسطينيين/ات ممن شهدوا تفاصيلها المروّعة، والتي كان نتيجتها تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني خارج بلادهم، وتدمير 531 قرية فلسطينية.

هل نتحدّث عن القتل؟ حرق المنازل؟ قصف البيوت؟ هدمها؟ عن الشهداء، والجرحى، والمعتقلين؟ عن اعتداءات المستوطنين اليومية؟ وإذا تحدّثنا، هل يمكن أن ننتهي؟

روينا وما زلنا نروي عن المجازر المروّعة، على امتداد التاريخ الفلسطيني: مجزرة المستشفى المعمداني في غزة 2023، التي استدعت مجزرة نابلس وحوارة 2023، وجباليا 2022، ومجزرة جنين 2002، و2023، ومجزرة الشجاعية 2003، و2014، ومذبحة الحرم الإبراهيمي 1994، وصبرا وشاتيلا 1982، والسموع 1966، وكفر قاسم 1956، وقِبية 1953، وكل من مجزرة دير ياسين، والدوايمة، والطنطورة، واللجون، ولِفتا، وأبو شوشة 1948، ووووو...

*****

وإذا كان ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني ما زال مستمراً، وانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ما زال مستمراً؟ وصمم وعمى العالم عن حقيقة ما يجري في فلسطين ما زال مستمراً، فما الذي يمكن أن يفعله الشعب الفلسطيني؟

يقاوم الشعب الفلسطيني، ببطولة نادرة، مستخدماً أشكال المقاومة كافة، في غزة، ومدن وقرى ومخيمات فلسطين كافة، ويصمد دفاعاً عن كرامته ووطنه؛ أملاً في الحرية والاستقلال، معتمداً على أحكام القانون الدولي، واتفاقية مؤتمر لاهاي 1899، و1907، التي اعترفت بقانونية مقاومة العدوان والاحتلال، وأطلقت على المقاومين صفة المحاربين، مشترطة أن يحملوا السلاح علناً، وأن يتقيّدوا بقوانين الحرب.

ومستنداً أيضاً إلى نصّ قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 2649 لسنة 1970، وقرار رقم 2787، اللذين أكّدا على «شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية والتحرّر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي، بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح». هذا القرار الذي ازداد عدد الدول التي صادقت عليه، حتى بلغ العام 1980: 119 دولة.

*****

ما الذي يمكن عمله إضافة إلى مقاومة الشعب شروط قهره، ووقوفه في وجه مخططات تصفية قضيته، على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟    

ما زالت أمامه وأمام الشعب العربي وأحرار العالم معركة سياسية وإعلامية واقتصادية وثقافية وقانونية مفتوحة، يمكن أن يشارك فيها كل حسب طاقته وإمكاناته.

*****

إذا كان هدف الاحتلال الإسرائيلي القضاء على المقاومة الفلسطينية، يكون واهماً، وإذا كان الهدف شيطنة قوى المقاومة يكون واهماً؛ لأن المقاومة الفلسطينية جزء رئيس من نسيج الشعب الفلسطيني.

وإذا كان هدف الاحتلال تركيع الشعب الفلسطيني لقبول الفتات، وإدانة نفسه لبسالته في الدفاع عن وطنه، والتزام الصمت حيال الذبح والتهجير والإبادة، يكون واهماً أيضاً؛ لأن الشعب الفلسطيني لن يركع ولن يصمت ما دام فيه نفس واحد، هذا الشعب الذي يقاوم منذ أوائل القرن الماضي، ولن يكفّ عن المقاومة حتى تحقيق الاستقلال الوطني، وشعاره: إما النصر أو النصر.

وسوم: العدد 1055