إسرائيل تتحدى قرار القمة العربية الإسلامية بتكثيفها القصف على المدنيين في غزة والغرب بزعامة الولايات المتحدة يتحمل مسؤولية هذا التحدي
لا شك أن سقف القرارات التي تبنّتها قمة الرياض ، والتي لم تتضمن ما يمكن أن يشكل ضغطا فعّالا من شأنه أن يلزم الكيان الصهيوني بالتوقف عن أسلوب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ، هو ما أغراه بالتمادي في عدوانه الهمجي الوحشي بتشجيع من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي كررت ما يزيد عن شهر رفضها وقف هذا العدوان إلى أن يشفي العدو العنصري غليله من الانتقام الذي يذهب ضحيته يوميا مواطنون أبرياء بالمئات معظمهم نساء وأطفال، وذلك بعدما نالت منه المقاومة الفلسطينية الباسلة نيلاغير مسبوق .
ولو أن سقف قرارات القمة بلغت حد الإعلان عن سحب الاعتراف بالكيان المحتل بالنسبة للدول العربية والإسلامية المعترفة به ، ثم إلغاء معاهدات السلام معه بالنسبة للدول الموقعة عليها ، ثم إلغاء التطبيع معه بالنسبة للدول المطبعة ، ثم وقف كل أنواع المعاملات الاقتصادية معه ، ثم منعه من مقدرات العالم الإسلامي والعربي، بدءا بالطاقة ، وانتهاء بالمواد الغذائية ، ثم التعامل بالمثل مع الدول الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، ومطالبتها بالرحيل من كل شبر من العالم الإسلامي والعربي ،مع إخلاء القواعد العسكرية التي توجد بها ، والتهديد بالخروج من منظمة الأمم المتحدة ما لم يلغ فيتو الدول الخمس ، وهو ما سلب المنظمة مصداقيتها ، وجعل قانون الغاب مسيطرا على العالم ، وأطلق يد الكيان الصهيوني ليعيث في فلسطين فسادا بإرهابه الوحشي ، لكان لهذه القمة لها ما بعدها .
وكيف يكون ذلك؟ والأمة الإسلامية والعربية منقسمة على نفسها ، والبأس بين بعضها شديد ، وقد صدق كيد الكيان الصهيوني عليها ، فانهار بعضها بسبب الانقسامات الطائفية التي أشعلت حروبا مدمرة فيها ، والتي أضعفتها كما هو الحال في سوريا، وليبيا ، والسودان ، واليمن . ولا زال الكيان الصهيوني يقدح شرارة مثل هذه الصراعات في بلاد لا زالت في منأى عنها ، وقد اختار أسلوب فرّق تسد ، فاتخذ من دول إسلامية وعربية حلفاء ومن غيرها خصوما، لشغل الجميع عن مخططاته العنصرية الاستيطانية والتوسعية . وبعدما عطل من دول العالم الإسلامي ما عطل ، واستدرج ما استدرج إلى معاهدات السلام ، أوإلى التطلبيع ، ها هو ذا يستخف بقرارات قمة الرياض ، ويكثف من غاراته الوحشية على مستشفيات غزة، ويقتل من فيها بما في ذلك طواقم الإسعاف، والطواقم الطبية لحظة انعقاد القمة ، ومباشرة بعد صدور قراراتها . ولقد أصبح على ما أمسى وبات عليه يسفك الدماء ، ويستبيح الأرواح بوحشية وهمجية ، وهو الذي لم يستطع الوقوف أمام عناصر حماس ، وهو الأضعف أمام جيوش العالم الإسلامي والعربي لولا أن الغرب الظالم بزعامة الولايات المتحدة، الذي يكيل بمكيالين منخرط معه في الحرب بالعدد والعدة ، وهو يتظاهر لشعوبه التي تحركت ضمائرها بأنه يأسف لقتل المدنيين ، وهو عمليا وإجرائيا يشرف على جرائم إبادتهم ، ويستعمل التضليل الإعلامي الساقط ،لإعلام ساقط ، وفاقد للمصداقية، فيقدم الجلاد الصهيوني ضحية ، والضحية الفلسطينية جلادا .
والمؤسف والمحزن أن ما يحز في النفس كون بعض الإعلام العربي يردد كالببغاء ما يسوقه الإعلام الغربي من تضليل لم يعد خافيا على الرأي العالم العالمي الذي بلغ غضبه حدا غير مسبوق على الكيان الصهيوني العنصري ، وعلى الكيانات الغربية الداعمة له والمشاركة معه في إجرامه الهمجي والوحشي.
لقد أصبح عالم اليوم عالما يحكمه قانون الغاب الذي يضيع فيه الضعيف أمام طغيان القوي ، والذي لم يعد فيه لما يسمى بمنظمة الأمم المتحدة بمجلس أمنها ، وبجمعيتها العامة وجود فعلي أو مبرر ، الشيء الذي يلزم معه بعث الفعالية فيها من خلال إسقاط حق النقض الفيتو وهو الذي يسلبها مصداقيتها وفعاليتها ،وهذا أمر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تدخلت قوى عظمى توازي قوة الدول الغربية كالصين وروسيا بالتنسيق مع العالم الإسلامي والعربي ، ومع الدول الإفريقية ، ومع دول أمريكا اللاتينية ، وباقي دول العالم الناهضة ، والمستضعفة على حد سواء في آسيا للانتقال بالعالم من مرحلة سيادة قانون الغاب ، إلى مرحلة جديدة يسود فيها قانون العدل والسلم والاستقرار، ولا يكون فيه أحد فوق القانون ، وهذا لن يحصل أبدا إلا بإسقاط الكيان الصهيوني العنصري من الوجود، كما سبق إسقاط كيانات عنصرية سابقة مثل النظام العنصري الذي كان في جنوب إفريقيا ، ومثل الأنظمة الفاشية والنازية.
وفي الأخير نقول إن العنف لا يولد إلا العنفوان ، وأنه لا ضياع لحق وراءه طالب ، وأن الأمر بيد الله عز وجل ، وأن الدوائر تدور ، وأنه لا دوام للطغيان مهما بلغت درجته ، وأن سوء العاقبة هي مصير الطغاة الظالمين مهما تراخى أو طال الزمن .
وسوم: العدد 1058