حرب غزة والنظام السوري
أكثر ما يلفت النظر، في الأجواء المحيطة بحرب إسرائيل الدموية على الفلسطينيين، في قطاع غزة كما في الضفة الغربية، هو غياب النظام السوري بصورة تامة عن المشهد السياسي، ما لم نحسب ظهور بشار الأسد في قمة الرياض المخصصة للتباحث في تلك الحرب، بكلمته الممجوجة التي قاطعها عدد من القادة العرب والمسلمين، ووضوح عدم الترحيب بمشاركته من قبل المشاركين.
الواقع أن سوريا معنية بهذه الحرب ليس أقل من لبنان أو مصر أو الأردن، فعبر الحدود السورية مع إسرائيل تنطلق صواريخ وطائرات مسيّرة وصلت إحداها إلى أقصى جنوب إسرائيل حيث استهدفت مبنى مدرسة في إيلات. كما تدور «حرب» موازية في شرق البلاد بين الأمريكيين والإيرانيين الذين يستهدفون قواعد بعضهما بعضاً بصورة متواترة، ويلاحظ أن الضربات التي توجهها ميليشيات تابعة لإيران لقواعد أمريكية هناك لا توقع خسائر ذات شأن، في استئناف لـ«انضباط السلوك» الإيراني في الحرب والالتزام بـ«عدم توسيع الصراع». بالمقابل استهدفت الطائرات الإسرائيلية قاعدةً لحزب الله قتل فيها سبعة من عناصر الحزب دفعة واحدة قبل نحو أسبوعين، وقصفت مطاري دمشق وحلب مرتين في غضون ثلاثة أيام.
غير أن استطالات الحرب هذه، سواء في جنوب سوريا أو شرقها، لا علاقة لها بنظام بشار، ولنا أن نفترض حتى أنها تحدث رغم أنفه. فحالته المزرية على جميع الأصعدة لا تسمح له بترف اللعب المحسوب مع الإسرائيليين والأمريكيين بهدف «استدراج العروض السياسية» على ما كان يفعل في عهد حافظ الأسد، حتى لو كان غيره من يقوم باللعب كالميليشيات التابعة لإيران. على العكس هو اليوم أكثر حاجة من إيران نفسها ليظهر أمام الأمريكيين بمظهر المنضبط، على أمل أن يخففوا من ضغطهم عليه المتمثل في تشديد العقوبات عليه باطراد واستصدار المزيد من القوانين الموجهة ضده من الكونغرس.
الفائدة الوحيدة التي جناها النظام من الحرب على غزة هي إطلاق يد ما يملكه من قوة تدمير لقتل أكبر عدد ممكن من السوريين في «غزة سوريا» أي محافظة إدلب وجوارها
ربما هذا ما يفسر غيابه التام عن وسائل إعلامه المنشغلة بالحديث عن «سقوط إسرائيل الوشيك تحت ضربات المقاومة»! وما يشبه ذلك من ترهات هدفها كهدف تباهي الأصلع بشعر جاره حسب مثل سائر، هذا على فرض أن إسرائيل قد تضررت حقاً بصدمة طوفان الأقصى بالقدر الذي يحاول إعلام الممانعة أن يصوره. نعم، الأسد المولع بالظهور وإطلاق التصريحات المزاودة في مثل هذه المناسبات، غاب عن المشهد منذ السابع من تشرين الأول، ثم ظهر في القمة العربية والإسلامية بتلك الصورة الهزيلة، منبوذاً من قادة الدول ووسائل الإعلام، ليعود بعد القمة إلى الظل من جديد، في الوقت الذي تمر فيه سوريا بمرحلة تمور بتفاعلات خطيرة، سواء ما اتصل منها بالحرب الدائرة أو غيرها كاستمرار انتفاضة السويداء السلمية، والعملية العسكرية التركية ضد المنشآت الحيوية في مناطق سيطرة قسد، أو الهجوم الذي تعرضت له الأكاديمية العسكرية في حمص قبيل طوفان الأقصى مباشرةً، وتذرع النظام بذلك لشن حرب على محافظة إدلب وجوارها، هي الأعنف في مسلسل حروبه ضد تلك المناطق. وأخيراً صدور مذكرة توقيف من إحدى المحاكم الفرنسية بحقه وحق شقيقه ماهر الأسد لدورهما في الهجوم الكيماوي على غوطة دمشق في 21 آب 2013.
يمكن تفسير غياب الأسد وصمته هذا بشعوره بانسداد الأفق باطراد أمام مستقبل نظامه، وبخاصة بعد انهيار المبادرة العربية التي توهم أنها قد تنتشله من المستنقع الذي يغرق فيه من غير الالتزام بتقديم أي شيء مقابل فك العزلة عنه. أضف إلى ذلك أنه لا يملك أي قدرة على استثمار حدث مفصلي في تاريخ المنطقة، وربما العالم، كالحرب الجارية الآن، بما في ذلك القدرة على ضبط الميليشيات التابعة لإيران المنتشرة على أراضيه أو التأثير عليها. وها هي صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس قد تمت، بعد مفاوضات طويلة، بعيداً عن أي دور لإيران، ناهيكم عن نظام الأسد الذي يحدث كل شيء وهو في مقعد المتفرج.
وإذا فكر النظام بما قد ينتظره بعد انتهاء الحرب، أي في إطار تسوية واسعة لا بد أن تكون إيران حاضرة فيها، فإن أولوية مصير حزب الله لدى إيران ستدفع بالنظام إلى الهامش، ليبقى مصيره معلقاً بخيط رفيع.
الفائدة الوحيدة التي جناها النظام من الحرب على غزة هي إطلاق يد ما يملكه من قوة تدمير لقتل أكبر عدد ممكن من السوريين في «غزة سوريا» أي محافظة إدلب وجوارها. فهذا هو الشيء الوحيد الذي يجيده المجرم.
وسوم: العدد 1059