فلسطين: يوم التضامن ومشاريع الإلغاء!
تصادف وقوع يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أمس، مع الجولة الأخيرة من محنته التاريخية الطويلة، والتي تتركز حاليا على مصير غزة وسكانها، ومآل الصراع الجاري بين قوى المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
تعدّدت أشكال التضامن العالمية بشكل يثير الإعجاب، أحيانا كثيرة، فمقابل مشاركة، أو تواطؤ مجمل العالم الغربي (باستثناءات مهمة تتمثل في حكومات ايرلندا واسبانيا وبلجيكا)، مع العدوان الوحشيّ على الفلسطينيين، شهدنا مظاهرات كبيرة وردود فعل شعبية واسعة أثارت حقد «الحزب الإسرائيلي» ضمن أطياف القوى السياسية الغربية المتعددة، وكان من تداعياتها، على سبيل المثال، استقالة وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، وضغوط على الرئيس الأمريكي جو بايدن (الذي صار لقبه في المظاهرات: جو جينوسايد – جو الإبادي)، داخل حزبه وفي وزارة خارجيته، وحتى ضمن أجهزة المخابرات، فيما شهدنا تغيّرا ملحوظا في لهجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد اقترح، بداية، تشكيل «تحالف دولي ضد حماس»، ثم طالب، لاحقا، بوقف لإطلاق النار، فيما ظل الموقف الرسمي والحزبي الألماني (لأسباب تاريخية معلومة) في تشدّده وغلوّه في إعلان تأييد إسرائيل المطلق.
قدّمت أشكال ردود الفعل التي شهدتها المجتمعات والنخب الغربية على العدوان على غزة مناسبة لرؤية العجز الناتج عن العطب الهائل في المنظومة الرسمية العربية. لقد تمكّنت هذه المنظومة من صد موجات التغيير التي بدأت في العقد الماضي، وبعد إنجازها «التاريخي» في قمع شعوبها، بدا لبعض الحكومات، أن التطبيع مع إسرائيل، التي تديرها أكثر الحكومات تطرفا وعنصرية في تاريخها، سيساهم في حلحلة بعض مشاكلها الداخلية أو الخارجية، فتنافس بعض الفرقاء المتخاصمين، كما في السودان مثلا، في التقرّب من تل أبيب، وبالغ البعض الآخر ليصبح المعتمد الإسرائيلي الأول في المنطقة العربية، وعلى الضفّة المقابلة، تابعت بعض الحكومات الأخرى، مسلسل المتاجرة بالقضية الفلسطينية، لمكايدة حكومات إقليمية أخرى، أو امتثالا لقرارات أعلى منها.
ساهمت ردود الفعل الشعبية والإعلامية في العالم الغربي في تصاعد متدرّج لتيار متفهم للحق والتاريخ الفلسطينيين، وفي ظهور تصريحات جريئة لأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وعديد من مسؤولي المنظمة الدولية، وكذلك تصريحات لمسؤولين غربيين كبار تعتبر أن الوقت صار مناسبا لحل سياسي للقضية الفلسطينية، كما لأشكال من المبادرات لأكاديميين وكتاب وفنانين وممثلين في العالمين الغربي والعربي.
يفترض أن كل هذا ساهم في إقرار الهدنة الحالية وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وإسرائيليين وزيادة عدد شاحنات المساعدات، ورفع، ولو بنسبة ضئيلة احتمالات وقف الحرب، غير أن المجموع العامّ لهذه التحرّكات في العالم الغربي، مضافا إليها العجز العربي، لم يؤديا فعلا إلى وقف الحرب على الفلسطينيين.
لقد فجّر الحدث الفلسطيني الرمال الساكنة في صحارى السياسة الغربية والعربية، وفكّك الرواية الاستعمارية الإسرائيلية على مرأى العالم. مع اغتيال أول طفل فلسطيني في غزة سقط قناع الإنسانية الغربي المرائي الذي يدّعي أنه مع إسرائيل لأن «حماس» هاجمت مدنيين، ومع استمرار العدوان على الفلسطينيين تكشّف تواطؤ حكومات عربية، وعجز أخرى، ومتاجرة آخرين.
تحت سطح ما يتابعه الإعلام من حراك السياسة والدبلوماسية والتداعيات الإقليمية للحرب، وخصوصا في لبنان واليمن، يتحرّك العالم ضمن توازنات حرجة خطيرة، فهناك جناح رسمي وأهلي داخل إسرائيل يجد ما حصل في غزة فرصة كبرى لإنهاء القضية الفلسطينية برمّتها، ومتابعة مخطط تهجير الفلسطينيين، ليس في غزة فحسب بل من الضفة الغربية أيضا، وهناك اتجاه مقابل داخل السياسة الأمريكية، تمثّله ما رشح من مبادرة في الكونغرس تقترح تقديم «رشاوى» للدول العربية المحيطة مقابل استقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة، وتقابلها «مبادرات» في دول عربية تحاول، بدورها، المتاجرة بالشعب الفلسطيني، وإيجاد مكان في الصفقات المحتملة التي يتم تداولها.
وسوم: العدد 1060