مسلسل تلفزيوني من إنتاج «حماس».. نبوءة مبكرة أم تضليل إستراتيجي؟
على غرار «جدار أريحا»، الوثيقة الاستخباراتية التي تداولها ضباط إسرائيليون قبل اندلاع حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول الأخيرة، وأُهملت بصلف، بالذات لأنها طموحة أكثر من اللازم، كُشف أخيراً عن مسلسل تلفزيوني أنتجتْه مؤسسات «حماس» الإعلامية، وبث على قنواتها، في العام 2021، كما على قناة «المنار» التابعة لـ «حزب الله»، يحمل اسم «قبضة الأحرار»، وفيه، على ما يبدو، تفاصيل خطة «جدار أريحا»، إنما بالصوت والصورة، والتصورات الأولى لعملية «طوفان الأقصى». واليوم يجري تداول مقاطع منه على وسائل التواصل، كما يتداول فيديو تكريم زعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار لفريق العمل، بعد اعتباره عملاً ناجحاً بشكل استثنائي.
«قبضة الأحرار» هو إذن الاسم التلفزيوني لـ «طوفان الأقصى»، ويبدو أنه تنفيذ لسيناريو الأربعين صفحة التي وصلت إلى أيدي مسؤولي الجيش والمخابرات الإسرائيليين، ووجدوا أن «حماس» وإمكانياتها أقل من أن تنفّذ سيناريو كهذا. لكن المتابعين والمحللين وجدوا أن هجوم السابع من أكتوبر ينفذ نقطة بنقطة الخطة الواردة على الورق، اقتحام التحصينات التي كلفت الاحتلال ملايين الدولارات، والاستيلاء على قواعد عسكرية، بالإضافة إلى رشقات الصواريخ، والطائرات المسيّرة، وصولاً إلى تدفق المسلحين، فرادى وجماعات، طائرات شراعية ودراجات نارية أو حتى على الأقدام.
ويبدو للمرء أن مسلسلاً تلفزيونياً قد يكون أخطر بالفعل من الورق، فهذا متعوب عليه، ومن المفترض أنه يطمح إلى الوصول إلى ملايين المتفرجين، فهل كان الإنتاج التلفزيوني جزءاً من الخطة؟ بمعنى أنه جزء من محاولات عديدة اعتبرت تضليلاً إستراتيجياً، تماماً كما اعتُبر سعي الغزيين إلى زيادة عدد تصاريح العمال للعمل عند الإسرائيليين في أراضي الـ 48؟ أم هي مجرد مصادفة أو تخاطر بين كاتب سيناريو مولع بأفلام الأكشن، وقائد عسكري مغامر؟
الأسئلة حول «قبضة الأحرار» لا تنتهي. من بينها السؤال حول علاقته بالمسلسل الإسرائيلي «فوضى»، الذي عرض بجزأين على نتفليكس، و صوّر مغامرات المستعربين الإسرائيليين و»بطولاتهم» في المطاردة والوصول إلى قادة المقاومة. كان «فوضى» مستفزاً ومقرفاً بادعاءاته، وبدا شكلاً من أشكال التنكيل بالفلسطينيين، ومن المؤسف أن بعض المشاركين فيه من فلسطينيي الـ 48، وقد أصبحوا نجوماً بـ «فضله».
ويرد في أحد الريبورتاجات المصورة عن مسلسل «قبضة الأحرار» أثناء إنجازه أنه جاء رداً على «فوضى»، ولأن الأخير معروض على أَشْهَر القنوات وأقوى منصات العرض فمن الطبيعي أن يُعتنى بتنفيذه، على النحو الذي ظهر فيه (ولو أن ذلك لم يخفف من مقدار اشمئزاز المشاهدين)، فيما ينفذ المسلسل الحمساوي بإمكانيات أبسط، ولو أنها ليست أقل طموحاً، وعلى سبيل المثال كان من المؤكد أن أحداً من النجوم العرب، وحتى الفلسطينيين، لم يكن ليقبل بالعمل فيه، فكان من البديهي أن يلجأ المسلسل لممثلين مغمورين، أو وجوه جديدة غير محترفة، أن يظهر بما توفّرَ من ممثلين وتقنيين.
وواضح الآن أن المسلسل، بعد عامين على إنتاجه، لم يلتفت إليه أحد، لأن نتفليكس ليست له، وحتى ما هو أقل منها بكثير لن تقبل به، والآن فقط، بعد الإشارة إليه كنوع من نبوءة مبكرة، على الأقل، (على نحو ما نشاهد في ارتباطات كثيرة بين المسلسل الأمريكي الشهير «سيبمسون» وأحداث واقعية كبرى)، أو كجزء مبكر من خطة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أو كردّ على مسلسل «فوضى»، أو على الأقل كنوع من الأكشن والتشويق، سينفض الغبار عنه، حلقة حلقة، وستكتب عنه صحف، وتتحدث عنه التلفزيونات، وسيصبح ممثلوه (من بقي منهم على قيد الحياة) نجوم المقابلات التلفزيونية، يتحدثون كيف لعبوا أدوارهم، وبأي عين تابعوا هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هل اضطروا للعودة إلى مشاهد المسلسل، هل تذكروه بالأساس؟
وبالطبع أول ما يخطر أمام الاهتمام المتفاقم بالمسلسل، في ما يخص المشاهدين، هل كانوا أقلّ صلفاً من أولئك الذين وقع بين أيديهم «جدار أريحا»! (وبالمناسبة، قد يكون المسلسل زاد على الوثيقة الورقية توقع الموقف الأمريكي وحجم الرد الإسرائيلي، ما يعني أن لا مفاجأت عن قيادة «حماس»، على ما يبدو).
وعلى أي حال، سنسارع جميعاً للمشاهدة إن لم يكن لكل الأسباب الواردة أعلاه، فمن أجل شيء أبسط بكثير: لقد صور المسلسل في غزة، مزارعها، شوارعها، شواطئها، بين أشجارها، وبناياتها، حاراتها.. كل تلك المفردات التي آلت الآن إلى الدمار. في وقت جعلتنا الحرب، ومتابعتها اليومية التفصيلية، نتعرف على كل أحيائها، ونتوق للقاء كل شبر من ترابها.
وسوم: العدد 1061