هل استفرغت الأمة الإسلامية كل جهد من أجل نصرة المقاومة الفلسطينية ؟؟؟
من المعلوم أن كل من ينتسب إلى الإيمان بالله تعالى ربا وإلها واحدا لا شريك له ،كما بلغ بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في آخر رسالة للعالمين قبل حلول يوم الدين، يلزم ادعاه هذا الإيمان ما ألزم به الله سبحانه وتعالى في قوله : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )) ، ففي هذه الآية الكريمة شروط الصدق في ادعاء الإيمان الذي يكون باللسان ، وهو إخبار بما تخفي السرائر ، ولا يخلو أن يكون إما صدقا أو كذبا . والذي يصدقه أو يكذبه هي تلك الشروط التي اشترطها الله تعالى وهي: خلو الإيمان من الارتياب وهو الشك الناقض له ،وهذا أمر قلبي خفي ،لا يطلع عليه إلا من يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى ، ثم الجهاد بالأموال وبالأنفس ، وهو ما يترجم عمليا وإجرائيا ما خفي في القلوب،وصرحت به الألسنة . وهذا ما عبر عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بقوله : " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ، ومن أدركناهم ، يقولون : الإيمان قول وعمل ونية لا يجزىء واحد من الثلاث إلا بالآخر " . والملاحظ في هذه الآية أن أسلوبي القصر فيها : (( إنما المؤمنون ... ))، و(( أولئك هم الصادقون )) يفيدان أن من سواهم ينتفي عنهم صدق الإيمان إما بالارتياب أو بترك الجهاد بالأموال والأنفس . وقد كان سياق هذه الآية حديث عن بعض الأعراب الذين لم يصدق إيمانهم كما جاء في كتب التفسير .
وإذا استحضرنا مع هذه الآية الكريمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مما جاء فيه : " ... المسلم أخ المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرىء من الشر أن يحقر آخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه " ، نجده عليه الصلاة والسلام قد أشار إلى موضع القلب الذي هو مكمن الإيمان ومنطلقه إذا كان صاحبه صادقا ، ثم ذكر شروط هذا الصدق وكلها أمور منهي عنها وهي الظلم ، والخذلان ، والكذب ، والاحتقار ، واستباحة الدم والمال والعرض .
فأين نحن معاشر المؤمنين عربا وعجما مما ألزم به الله تعالى كل من يدعي الإيمان ، وما اشترطه كي يكون إيمانا صادقا ؟ وأين نحن مما اشترطه رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزم به كل من يدعي الإسلام ، وما اشترطه كي يكون صادقا ؟
إننا والأخوة الإسلامية اليوم تذبح في قطاع غزة ، ويهدر دماء أهلها ، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم لإبادتهم إبادة جماعية ، ولإخراجهم وتهجيرهم من أرضهم ، أعراضهم تنتهك ، لا يزيد بعضنا عن مجرد التجمع للتظاهر الذي ربما فاق حجمه عند أمم غير مسلمة حجم تظاهرنا ، وقد تحركت ضمائرها، ورقت قلوبها لما يتعرض له أهل غزة من إبادة جماعية خصوصا صغارهم ، وهم أكثر الضحايا ، بينما بعضنا الآخر في غفلة تامة عما يحدث ، مشغول بأحواله وعيشه بل منا من يشغله اللهو واللعب ، وهو يتابع مباريات كرة القدم مخدر العصر الخطير الذي يشغل ويلهي عن واجب نصرة الأخوة المغيّب عندهم ، وهو مما اشترطه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليصدق الإيمان ، ويصدق الإسلام . أما فريق ثالث ، فقد اصطف إلى جانب العدو الصهيوني ، وانحشر في زمرته ، بل في هؤلاء من صرح جهارا بهذا الانحشار مباهيا به ، ومتحديا مشاعر المسلمين ، وفيهم الشامت بالمجاهدين ، والمشكك في صدقهم ، والقادح فيهم قدح العدو ، والأخطر من ذلك فيهم المتورط مع العدو في جرائم حربه الفظيعة بشكل أو بآخر سرا وعلانية ، مستبيحا دماء إخوانه الأبرياء.
ومن أغرب ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، فيديو لأحد شيوخ السوء من المترسمين في الخليج ،والمحسوبين على الإسلام والعلم والدعوة ـ وكل ذلك منهم براء ـ و قد بدا ساخرا من المتحدث العسكري باسم المجاهدين في غزة ، يقلده مستهزءا به ، فيخفي سحنته الشريرة بكوفيته تارة ، ويكشفها طورا ، وهو ينصحه نصح الخاذل بما سماه جهاد السنن قائلا : " يا أبا عبيدة جاهد بالسنن ، قاصدا بالسنن مثل ما هو عليه من إرسال اللحية ، و استعمال السواك ، و تقصير ثوبه فوق الكعب ... و إظهار الطاعة لمن تخلف عن واجب نصرة المسلمين مواليا أعداء الدين ، ومنكلا بالعلماء الربانيين ، ومقربا منه أمثاله من المترسمين المنافقين الذين يزينون له الاستبداد والطغيان ، ويشجعونه على دعم المنكرات وإنفاق الأموال عليها إسرافا وتبذيرا . فأين هذا المترسم الآثم وأمثاله من الالتزام بما أمر الله عز وجل ورسوله ،وقد نادى المنادي : حي على الجهاد في بيت المقدس السليب لتطهيره من خبث الصهاينة المجرمين ؟؟؟
ونعود إلى الأمة المؤمنة عربها وعجمها التي خرجت متظاهرة تأييدا للمرابطين المجاهدين في قطاع غزة ، ونسألها السؤال الآتي : هل استفرغت يا أمتنا المؤمنة كل الجهد ، وكل الوسع في نصرة من وجب عليك شرعا نصرتهم أم ما زال لديك ما يستفرغ من جهد ووسع وأنت تعطّلينه وتسوفين ، وتتفرجين على إخوانك في القطاع يبادون متحسرة عليه ، مستنكرة ما يتعرضون له ؟؟؟ أليس بيدك ما هو أجدى لنصرتهم ، وأفيد من الحسرة والاستنكار ؟ كفى من رضاك بوضعية الغثاء ، وأنت كثرة كاثرة وسيلك إن شئت كان جارفا ومدمرا . إن الردى الذي يلقاه إخواننا المرابطون الصابرون المحتسبون في غزة ،كلنا لاقيه لا محالة ، لكن شتان بين رداهم وردانا ، يلقون ربهم بإيمان صادق ، ونلقاه بادعاء إيمان بقول يكذب الفعل . فوالله لن نؤمن ، و لن يصدق إيماننا حتى نفي بما ألزم بصدقه الله عز وجل وما ألزم بصدقه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو جهاد بالأنفس والأموال ، ونصرة الأخوة الإسلامية المستغيثة به سبحانه وتعالى ، وهي تقيم بذلك علينا حجة ، وقد خذلانها ساعة النفير ، ومن ضاعت منه اليوم فرصة تجديد إيمانه فهو نادم لا محالة ، ولات حين مندم .
وسوم: العدد 1061