أبو الأعلى المودودي كما يراه مالك بن نبي من خلال كتابه ماذا أعرف عن الإسلام
Malek Bennabi "Que sais-je de L'Islam",Edition ALEM EL FIKR, 2023, Mohammadia, Alger, Algérie. Contient 88 Pages
المقال المعني بالترجمة:
Abu alâ al-Mawdûdi, le grand prédicateur pakistanais, sans numéro, sans date , Pages : 79-86.
مقدمة القارىء المتتبّع، والمترجم:
عنوان المقال وحسب ترجمتي: "أبو الأعلى المودوي، أكبر واعظ باكستاني". (لايوجد اسم، ولاعدد، ولا تاريخ المقال). صفحات: 86-79
أضع بين يدي القارىء المقال الرّابع، وبعد أن تابع المقال الأوّل[1]، والثّاني[2]، والثّالث[3].
لأوّل مرّة -فيما أتذكّر- أقرأ للأستاذ مالك بن نبي، رحمة الله عليه وهو يتحدّث عن الأستاذ أبو الأعلى المودودي، رحمة الله عليه.
واضح جدّا أنّ مالك بن نبي يعرف المودودي من خلال موقفه الرّافض لاستقلال باكستان عن الهند.
مرد إعجاب مالك بن نبي بالمودودي، راجع لموقفه الرّافض لاستقلال باكستان عن الهند.
يرى مالك بن نبي أنّ استقلال باكستان عن الهند جريمة، وأبو الأعلى المودودي له نفس الموقف. ومن هنا كان إعجاب مالك بن نبي بالمودودي.
أعجب مالك بن نبي بالمودودي، لأنّه يرى أنّ القابلية للاستدمار هي سبب تخلّف المسلمين، ولا يحصرها في الاستدمار فقط.
أظهر مالك بن نبي إعجابه الشّديد بالمودودي قائلا: "لم يسقط في فخّ التّبعية ولا في الجمود".
يشير مالك بن نبي إلى "الظروف الصعبة التي أثّرت على نشاطي الفكري منذ سنوات"، والتي جعلته لايستفيد أكثر من المودودي، ولم يتطرّق لهذه "الظروف".
يقول مالك بن نبي أنّه سمع عن استقلال باكستان عن الهند من الجزائريين في الثلاثينات من القرن العشرين، أي وهو في شبابه، باعتباره من مواليد 1905. مايدل أنّ فكرة استقلال باكستان عن الهند ليست بالجديدة.
يرى مالك بن نبي أنّ عظمة المودودي تتجلى في كونه استفاد من الحضارة الغربية، وظلّ متمسّكا بحضارته الإسلامية.
يصف مالك بن نبي المودودي، قائلا: "المودودي بطل حارب من أجل بقاء باكستان".
يرى مالك بن نبي في استقلال باكستان عن الهند أنّه "التطبيق الأكثر دموية للاستعمار ضدّ الإسلام". 80
ويرى في استقلال بنغلاديش عن باكستان مأساة لباكستان، حين يقول: "عشت العام الماضي، كغيري من المسلمين مأساة باكستان".
برى مالك بن نبي في إنشاء الهند، واستقلال باكستان عن الهند، واستقلال بنغلاديش عن الهند: مأساة، ومن عمل الاستدمار، وتخطيط مراكز الصراع الفكري.
سبق لمالك بن نبي أن تطرّق لانفصال باكستان عن الهند، وتكوين دولة باكستان، وقال: ذكرت ظروف انفصال باكستان في كتابي "وجهة العالم الإسلامي". 80
تاريخ كتابة المقال حسب القارىء المتتبّع:
لايوجد تاريخ كتابة المقال، ولم يذكر ضمن المقالات التي وردت في مقدمة الكتاب الممتدة عبر صفحات 5-20.
يمكن للقارئ المتتبع أن يقف على تاريخ صدور المقال من خلال الملاحظات التّالية:
الملاحظة الأولى: قال مالك بن نبي: "الذي ذكرناه في مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي". 84
أقول: يفهم من هذا أنّ كتابة المقال كانت سنة 1972. لأنّه تمّ تأليف الكتاب سنة 1972، وهو من الكتب الأخيرة التي ألّفها مالك بن نبي.
الملاحظة الثّانية: سبق لمالك بن نبي أن تحدّث عن استقلال باكستان، قائلا: "سابقا، وقد مرّ ربع قرن، عبّرت عن رأيي الخاص بإنشاء هذه الدولة". 80
مايعني أنّ المقال كتب سنة 1972، باعتبار باكستان استقلت سنة 1947.
الملاحظة الثّالثة: تحدّث مالك بن نبي عن استقلال بنغلاديش عن باكستان الذي كان سنة 1971، ودون أن يذكرها بالإسم حين قال بالحرف: "عشت العام الماضي كغيري من المسلمين مأساة باكستان"، ويطلق على استقلال بنغلاديش عن باكستان "مأساة باكستان". 80
ويفهم من هذا التّاريخ، أنّ كتابة المقال كان سنة 1972، والمقصود بـ "العام الماضي" هو سنة 1971، وهي سنة استقلال بنغلاديش.
متن المقال المعني بالترجمة:
لم أره غير مرّة واحدة، عبر لقاء خاطف في فندق بالقاهرة سنة 1956.
سألته عن أحوال العالم الإسلامي. وأكيد، كنت أتمنى أن نظلّ في هذا الميدان، لكن إجاباته خفّفت عنّي أفكاري، لأنّه لم يجعل أبدا الاستدمار هو سبب أمراضنا التي أصابت المسلم، كما يفعل عادة العلماء الآخرين الذين يتجاهلون مسؤولية المسلمين في مصيرهم الخاص. 79
لاحظت أنّي طرحت عليه عدّة أسئلة، ولم يطرح علي سؤالا واحدا؛ ولم أتحدّث معه سوى لوقت قصير. في المقابل، لم أقرأ عنه الكثير بسبب الظروف الصعبة التي أثّرت على نشاطي الفكري منذ سنوات. ولو كنت لاأملك غير هذه المعلومات الخاطفة، فإنّه لايسمح لي بالتّحدّث عن أبو الأعلى المودودي، الرجل والكاتب. 79
على الأقل، استطعت أن أتعرّف على نضاله الإسلامي، الذي في تقديري، يميّزه عن قادة المسلمين، على الأقلّ في الدول العربية. 80
دون أدنى شكّ، فإنّ إنشاء باكستان، عقب استقلال الهند، كانت، خلال هذا القرن، التطبيق الأكثر دموية للاستعمار ضدّ الإسلام. وعشت العام الماضي، كغيري من المسلمين مأساة باكستان، متأسفا لضجيج التصريحات المقدّمة من طرف قادة في مواجهة الهزيمة، ومتعجبا للسّرعة التي من خلالها استولى الشّرّ على أكبر دولة إسلامية.
سابقا، وقد مرّ ربع قرن، عبّرت عن رأيي الخاص بإنشاء هذه الدولة، لكن الغريب في الأمر، أنّه، وبعد استقلال الهند، فإنّ نشأتها كانت، خلال هذا القرن، إحدى الإنجازات الأكثر دموية للاستعمار ضدّ الإسلام.
لاأريد أن أهتم الآن بالأسباب التي دفعت الاستعمار لإعلان استقلال الهند في ظروف خاصّة، ثمّ فصل باكستان لخلق ظروف أخرى. فقد شرحت ذلك في كتاب وجهة العالم الإسلامي.
مايهم الآن، هو إمكانية ذكره في السؤال التّالي: كيف استطاع الاستعمار جذب الأفكار الإسلامية في حبال خدعه وتوريطها. 80
واستمعت لمثل هذه الأقوال في قريتي سنوات الثّلاثينات. وليس من المستغرب سماع مثل هذا الكلام من أفواه العامّة، لكن تسرّب داخل أوساط القادة السّياسيين والمفكرين! ثمّ أضاف لها الاستعمار حبّات ملحه حيث استمعنا بعض التصريحات من قبل النخبة، حتّى في الجزائر، مدعمين اقتراحات مقدّمة من بعض إخواننا المسلمين في الهند، مثل "الذين يعبدون البقر لايمكنهم أن يتعايشوا مع المسلمين!". 81
في الحقيقة، تجمع سكاني يتجاوز مائة مليون لايمكنها بحال أن تشكّل "أقلية"، حتّى لو كانت ضمن الإنسانية جمعاء. 81
وهكذا بيّنت لنا الأحداث عمق مخططات الاستعمار، ورؤيته البعيدة، وقدرته على استغلال العواطف النبيلة جدّا للمسلمين ضدّ المصالح العليا للإسلام. 82
مهما يكن، فإنّ أصالة المودودي تنحصر في كونه لم يتخلّى عن ثقافته الإسلامية ليحتضن الثّقافة الغربية. بالعكس، ظلّ متمسّكا بالأولى ونجح في فهم أعماق الثّانية أكثر بكثير من أقرانه. 82
لم يسقط في فخّ التّبعية ولا في الجمود إلى درجة أنّه استطاع أن يستغلّ نصيبه من الثّقافة الغربية لتوسيع وتعميق نصيبه الضّائع الذي ورثه من الثّقافة الإسلامية ويدافع عن اندماج هذه الأخيرة. 82
تظهر عظمة نظرة المودودي وموقفه تجاه الحدثين. ويعتبران عنصرين يسمحان لنا بمقياس جيّد لتقييم هذه الشخصية في قيمتها الحقيقية. لأنّه في الحالة الأولى لم نره يستسلم لمنطق الدهماء، الذي جذب عددا من المسلمين، داخل وخارج الهند، في الفخ الذي أراده هذا الثّعلب وستون شرشل بعد الحرب العالمية الثّانية. بالموازاة مع ذلك، نستطيع أن نلاحظ أنّ المودودي بطل حارب من أجل بقاء باكستان، حينما أصبحت هذه الدّولة واقعا يفرض التزاماته على كلّ المسلمين. مثله في ذلك كمثل الصحابة الذين قاتلوا في صفوف علي رضي الله عنه في معركة صفين، وبعد ذلك شاركوا تحت راية الدولة الأموية لأنّها أصبحت واقعا ملموسا، وتمثّل راية الإسلام بعد صفي٠
المودودي، حاليا يقاتل تحت هذه الرّاية. ويكفيه هذا الشرف المضاعف. 86-85
[1] مقالنا بعنوان: مالك بن نبي من خلال ماذا أعرف عن الإسلام- الحلقة الأولى– معمر حبار
وبتاريخ: الإثنين 14 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 27 نوفمبر 2023
[2] مقالنا بعنوان: في ذكرى ابن باديس كما يراها مالك بن نبي من خلال كتابه ماذا أعرف عن الإسلام - ترجمة ومقدمة معمر حبار
وبتاريخ: الثّلاثاء 22 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 5 ديسمبر 2023
[3] مقالنا بعنوان: مالك بن نبي من خلال بعض مقالات كتابه ماذا أعرف عن الإسلام – ترجمة، ومقدمة، واختيار معمر حبار
وبتاريخ: الأربعاء 30 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 13 ديسمبر 2023
وسوم: العدد 1062