الأكاديمي والداعية الأردني إياد عبد الحفيظ القُنيبي ينكر على الدعاة ما سماه تعشيمهم الناس بنصرعسكري قريب في غزة

 وافني أحد الإخوة الفضلاء بفيديو للأكاديمي والداعية الأردني إياد عبد الحفيظ القُنيبي المحسوب على التيار السلفي ـ  وقد قيل بأنه يتبرأ من ذلك ـ  ، فيه تخطئة ولوم للدعاة الذين يعشمون الناس على حد قوله  بنصر عسكري قريب في غزة  أو يطمعونهم فيه بما تحققه المقاومة هناك ، واعتباره كافية لتحرير الأقصى . كما أنه  ينكر عليهم دعواتهم لهم بالنصر ،وتأمين الناس عليها  . ولا شك أن الأخ الفاضل الذي وافني بهذا الفيديو، قد أعجب به ، وسر إعجابه به أن صاحبه قد عبر عن رغبة أو عن حلم مفاده  أن تأخذ الأمة المسلمة كاملة في كل المعمور بأسباب النصر كأخذ الغزيين به،  ليكون النصر عاما  فيها . وهو يعتبر ما يقوله هؤلاء الدعاة للناس عن نصر غزة  مجرد تخدير لهم ، ويخطىء من يقسم منهم أنه سيصلي في القدس ، وإذا أمّن الناس على قسمه تعززت لديه القناعة بصحة يمينه الذي لا دليل عليه ، وهو أمر مخالف لسنن النصر على حد قوله ، لهذا يطلب من الدعاة التوقف عن كل هذا التعشيم ، وأن يوجهوا الناس  إلى العمل بما يستحقون به النصر .

 ويتساءل القُنيبي هل سيحقق ما تقوم به المقاومة في غزة نصرا عسكريا مرحليا محدودا لهم ، وكسرا لعدوهم ؟ ، ويجيب بما اعتبره كلمة مهموسة في آذانهم، بأنه كذلك ، بشرط أن يصبروا ويحتسبوا ، ثم يلتفت بعد ذلك إلى من تعاطفوا مع الأخبار الواردة من غزة دون تغييرعميق مستمر في حياتهم ، ودون الأخذ بأسباب النصر والتمكين على المدى البعيد ، ويعتب عليهم لأنهم لا يفعلون شيئا من أجل أهل غزة،  ولا هم  قدموا لهم شيئا ،لأن ما يفعله أهل غزة لا يعفي الأمة مما يجب عليها القيام به مع انتظار من الله عز وجل  ما لم يدفعوا ثمنه، وهو يرى في هذا الموقف سوء أدب معه سبحانه وتعالى .

 والقُنيبي  يعتبر أن هذا الذي سماه تعشيما، لا يعتبر رفعا للمعنويات، بل نفخا  فيها، لا يلبث أن يزول، ويهبط بالناس في الإحباط ، وخيبة الأمل ، وسوء الظن بالله عز وجل . وينتقل بعد ذلك إلى ما يعتبره مطلوبا وهو ما يتطلب وقتا، وجهدا ،وطول نفس، وتفكيرا، ومصابرة ، وكل ذلك في نظره  قد يجعل الناس يملون  ، ويفترون سريعا ،ويلجئون إلى الآمال ، ويريدون وصفة جاهزة على حد قوله ، وينتظرون الملثم ـ ويقصد به أبا عبيدة الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة حماس ـ   كي يأملهم  بالنصر. ويرفض القُنيبي عذر الأمة  بتعذر نصرها للغزيين ، وهو يعتب عليها، لأنها لم تفعل شيئا من أجل رفع الذل والهوان عنها . ويقدم  بعد ذلك  وصفة بما يجب عليها القيام به لإدراك ما سماه نصرا عاما ، من خلال طرح أسئلة من  قبيل :

ـ  هل امتلأت المساجد ؟  ـ هل أقبلنا على القرآن ؟  على توقف الناس عن شراء البيوت والسيارات بالربا . هل تحجبت المتبرجات ؟   هل ردت المظالم ؟ هل اسقطت قضايا الطلاق في المحاكم ؟ هل وضعت برامج تربوية للناشئة ؟ هل اتقى الأساتذة الجامعيون الله عز وجل في الطلاب ، واقلعوا عن تدريس زبالات الجندرة ومواثيق الأمم المتحدة ؟  هل أقبلنا على تعلم ديننا ؟  هل توقف أعوان الظالمين عن جرمهم ؟  هل أحدثت بطولات غزة تغييرا في حياتنا ؟

ويعقب على ذلك بأن  كل هذا الذي سأل عن غيابه في الأمة، ليس تقريعا  لها ،ولا جلدا للذات  ، وإنما هو إرشاد إلى أين يجب أن توجه الطاقات ؟ وألا نعشم أنفسنا بنصر لم نبذل من أجله  جهدا ، وهو يرى أن هذا من الغفلة ، ومن تجاهل سنن النصر العام ، الذي لم نعمل له كما عمل له أهل غزة  ، وهو يرى أنهم قد انتصروا نصرا أكبر من النصر العسكري .

وينتهي في الأخير إلى ما لام عليه الدعاة، ومن سماهم المؤثرين في الناس إعلاميا بأن دعا هو الآخر إلى تناقل مقاطع بطولات المقاومة في غزة ، ومقاطع جبن عدوهم ، وأوليائه الخونة من أجل شحن همم الناس، وتوجيههم إلى ما يجب عليهم ، من اقتفاء خطو أهل غزة أو حذوهم ، ثم يعود مرة أخرى للومهم على دغدغة عواطف الناس ، وبث التواكل فيهم .  وأخيرا يدعو المحلل العسكري ابن بلده اللواء الدويري في قناة الجزيرة القطرية  إلى تقديم تحليلاته لأهل غزة لرفع معنوياتهم ، وتأميلهم ، لأن تحليلاته إنما تنفعهم هم، ولا يتفع غيرهم ممن لم يأخذوا بما أخذوا به من أسباب النصر ، وذلك إما  بنصر أو باستشهاد ، أما غيرهم، فيعولون على الآمال، وانتظار النتائج ، ويتلو على هؤلاء  قول الله تعالى : (( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ، وقوله  : (( إن تنصروا الله ينصركم )) .

وتعقيبا على ما جاء في فيديو القُنيبي ، نسأله الأسئلة الآتية :

ـ ما الذي قدمت أنت عمليا لأهل غزة من غير دعائك لهم في هذا الفيديو ؟

ـ وهل ثرت على الذل والهوان، وكسرت الحصارالذي فرضه الظالمون على أهل غزة ، لتكون قدوة لغيرك ممن جلدتهم بانتقاده، وقرّعتهم بلومك ؟

ـ هل ينتظر أهل غزة، والحرب مستعرة فوق أرضهم  ما  اقترحته على الأمة  من شروط  امتلاء المساجد ، والإقبال على القرآن، واحتجاب النساء المتبرجات ، ووقف دعاوى الطلاق في المحاكم ... وغير ذلك ، أم أنهم في حاجة إلى ما يتطلبه الظرف من دعم مادي في مستوى دعم قوى الطغيان الصليبي للصهاينة ؟

ـ أليس ما طالبت به الأمة، هو نفس ما طالبه بها غيرك من الدعاة الذين عتبت عليهم وخطّأتهم ، واتهمتهم بأنه يبيعون الأحلام للناس ؟

ـ ألم يخطر ببالك أنك قد تشبّه عند البعض  بالسلفي الذي سخر من أبي عبيدة الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة حماس ، وهو يحاول تقليده بإخفاء وجهه بكوفيته ، ويقول له : جاهد بالسنن، في وقت  وجبت فريضة الجهاد عليه ، وهو يقيم على نفسه حجة بإرسال لحيته التي يروم من ورائها الظهور بالتزام  ما سماه جهادا بالسنن ؟

ـ هل تظن أنك وحدك من  فهم درس طوفان الأقصى ؟  ألم يكن ذلك مفاجأة للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، ولغيرها من الأمم على اختلاف مللها ونحلها ؟

ـ لماذا تجنبت لوم وعتاب ولاة أمور المسلمين ، سواء منهم الموقعون على ما يسمى سلاما مع العدو الصهيوني ـ ولا سلام ـ أو المطبعون معه ، ووجهت لومك وعتابك لأمة ما منعها من نصرة أهل غزة إلا هؤلاء الولاة الذين تقع عليهم مسؤولية تحريرالأقصى قبل غيرهم  ؟

ـ لما لم تتعرض في كلامك لمن عبروا علانية  عن وقوفهم في صف العدو، وهم يُحسبون على الإسلام  حتى قال بعضهم : " كلنا إسرائيل " ،  أومن بخسوا  عمل المقاومة في غزة، ولاموها ، واعتبروا عملها تهورا  ، وانصرفت للوم الدعاة ، وأنت تعلم يقينا أنك لن تتعلق بغبار بعضهم علما ، ولااستقامة ، ولاصدقا ، ولا غيرة ... ؟

ـ أليس ابن بلدك اللواء المتقاعد الدويري المعلق العسكري في قناة الجزيرة القطرية  أنجح وأنجع  منك في بث الأمل في نفوس الغزيين، و في نفوس عموم المسلمين ، وهم يكابدون غبن كبير، ويتألمون لسقوط آلاف الضحايا الأبرياء ، وهم ممنوعون من نجدتهم بقوة السلاح ، وعسى أن يكون ذلك  تحفيزا لهم لاسترجاع ثقة مفقودة في الأمة منذ النكبة ، وما تلاها من نكسات وهزائم ؟

ـ أليس موقف  من يسميهم أبو عبيدة  الناطق الرسمي باسم المقاومة في غزة أحرار العالم أفضل من موقفك الذي حصرته في لوم الدعاة على ما سمّيته تعشيما للأمة ؟

ـ ألا تعتقد أن بداية يقظة الأمة أو شرارتها الأولى  بعد سبات دام طويلا، هو ما قام به أهل غزة  ، وقد برهنوا لها بالملموس  أن ثمن النصر بتضحيات جسام ؟

ـ ألم يكن البعض منا  قبل طوفان الأقصى يلوم أهل فلسطين، لأنهم لم يثوروا على الوجه الصحيح  لعقود من أجل استقلال وطنهم ، وتخليص مقدساته من دنس الصهاينة ، وأن الفرقة تشتت جهود نضالهم  ،فهاهم  اليوم من كانوا يلومونهم بالأمس  يعتبرون ما قام به أهل غزة تهورا ، وانتحارا ؟

ـ ألم يكن الأجدر بك أن تدعو إلى اتحاد الدعاة ، وأنت محسوب عليهم من أجل موقف عملي إجرائي ، يكون نبراسا للأمة ينير لها سبل النصر ،عوض صرف الوقت في لومها وعتابها ، والدعاة  إنما هم جزء منها  ينسحب عليهم ما ينسحب عليها  حين تتهم بالتقصير ،لأنهم طليعتها ،وعلى رأسها ، وهم أكبر المقصرين حين تقصر ؟

أسئلة كثيرة يمكن الاسترسال في طرحها عليك أيها الداعية، لكننا لن نجد لها أجوبة عندك ، أوعند غيرك  من الدعاة ،وقد أجاب عنها أهل غزة الفعالون لا القوالون ، وقد اختاروا كشعار " نصر أو استشهاد " كما يرفعه الناطق الرسمي  باسمهم في آخر كل بلاغ عسكري له ، وهو الذي لا يخاطبهم بذلك، بل يخاطب الأمة  العاجزة الغارقة في سباتها العميق، وعلى رأسها دعاتها وولاة أمرها ، وقد سلبت منها هويتها ، وألبست هوية غيرها ليطول سباتها ، ويهون الهوان عليها .

وسوم: العدد 1064