معاناة شعب
المواطن السوداني الذي خلت حياته من حكومة تحنو عليه، اعتاد على رهق
الحياة، وعنت البؤس، وظلّ يكابد غصص الحرمان، وفداحة التكاليف، برحابة
صدر وثبات جنان، نعم لقد اعتصم من يكدح سائر يومه لا يعرف للدعة طعماً،
أو للراحة سبيلا، بالصمت البليع فلم يعد مجلسه يضج بالشكوى والتذمر، أو
يشيم مخايل الرجاء، في أنظمة سقته الصاب والعلقم.
إنّ من يسعى على عياله واصلاً نهاره بليله، وصباحه بمسائه، نظير قراريط
تملأ حواصل زغابه بالحصى والتراب، لم أجد أصبر منه على خطب، ولا أقوى
جلداً منه على نازلة، فرغم أنه قد لصق بالدّقعاء، ويعاني من فداحة الظلم،
ومرارة الإهمال، مازال يتهاون بضروب الآلام، ويصم أذنيه عن ضلال الأقلام،
التي تصور أنه قد أضحى في ظل هذا العهود المكفهرة من أهل المخمل والديباج.
إن الأمر الذي لا يعتريني فيه شك، أو تتنازعني فيه ريبة، أنّ مثل هذه
الأقلام السقيمة التي تُطمِس الشاهد، وتُبهِم الأثر، لا تنطوي في عُرف
الحقيقة على شيء، بل هي أس البلاء، ومبركُ الفتنة، فهي من تأكل أكل
السرف، وتلبس لباس الترف، وتدع الغير صرعى للفاقة، وأسرى للمرض، هذه
الأقلام لن يرسخ لها أصل، أو يسمق لها فرع، رغم لفظها المختار، ومعانيها
المصقولة، لأنها تسعى أن تعطيك صوراً للدنيا غير مملؤة بالقتام والضنك،
ولا أحسب أنّ يراعي قد حاد عن جادة الحق والصواب، إذا زعم أنّ صرير هذه
الأفلام، سوف يطمر ذكرها التاريخ، ويدفعها إلي زاوية النسيان، لأنها جاهدت أن
تجعل من الإنقاذ، وغيرها من الأنظمة التي تلتها، لوحة مبرأة من كل عيب، وتحفة خالية من كل كدر، ونسيت أو
تناست، أن للحقيقة نور ساطع، وبرق لامع، لا تخفيه الغيوم، أو تحجبه
القرون.
ليت هذه العصبة التي تتصدر كل مجلس، وتتصدى لكل حديث، تجعل من المواطن
مجتلى يراعها، وساحة تفكيرها، ليتها تكف عن مداعبة الأغصان الملد،
والأوراق الغضة، وتهتم بمن تخالجته الهموم، وتعاورته الغموم، ليتها تنافح
عن المسكين المُعدم الذي تخونت جسمه الأسقام، حتى ذوى محياه النضر،
وتهدم جسده الوثيق، وتلاشى عضله المكتنز، في ظل هذه الحروب التي تأصرها آصرة، ليت هذه الأقلام توفي الحديث عن
تبلد الحس، وطغيان الشهوات، وموت الضمائر، كما تفعل الأقلام المُلهمة في
دياجير الأخطاء، أقلام الشرفاء التي تستند إلي عقيدة راسخة تطاولت على
الهدم، وتعمقت على الإجتثاث، وترتكز على فكرة قوامها رفع الظلم عن كاهل
الجماهير، مقالات النبلاء التي تشرق بتور العقل، وتنبض بروح العاطفة،
تزود عن قدسية الحق، وتنشد رفاهية هذا الشعب، الذي ما زال صامداً على عرك
الشدائد، مدونات العظماء التي تسري هموم النفس، وتهون متاعب الحياة،
فيزدهر الوجه الشاحب، وينبسط المحيا الكئيب، ويبتسم الثغر الحزين.
ترى متى تدرك حكومتنا "الشاحبة" الحانية، شفقة بهذا الشعب الذي قرعت ساحته الأحزان،
وصارت حياته مرتعاً تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، متى تُبقي
حكومتنا الرشيدة، على من نابته خطوب الزمن، وتخرمته بوائق الدهر، وطحنته
الهيجاء طحن الرحى، ووطئه التاجر الجشع بكلكله، متى يلبي المجلس
كل نداء، ويؤدي كل واجب، تجاه هذا المجتمع، الذي مناط أماله، وحديث أمانيه
العجاف، نظام سياسي يقيم أوده، ويسد عوزه، ويأمن سلامته، ويوقف هذا البوار.
وسوم: العدد 1067