«اليوم التالي» بين مخابرات العرب وإرهابيي إسرائيل!
أكدت وسائل إعلامية أمريكية أن اجتماعا سريا عُقد في الرياض استضافه مستشار الأمن القومي السعودي، مساعد بن محمد العيبان، وضم مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ونظيريه المصري عباس كامل والأردني أحمد حسني، وأن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين اطلعوا على فحوى الاجتماع من قبل «بعض المشاركين». هدف الاجتماع كان تنسيق الخطط لـ«اليوم التالي» للحرب في غزة.
قام مسؤولو الأمن القومي الكبار في السعودية ومصر والأردن، حسب ما ورد، بإبلاغ فرج بأن السلطة الفلسطينية في حاجة إلى «إجراء إصلاحات جدية تمكنها من تنشيط قيادتها السياسية» وكان أحد الطلبات التي قدموها هو تشكيل حكومة فلسطينية جديدة يحصل فيها رئيس الوزراء الجديد على «بعض الصلاحيات» التي تركزت، في السنوات الأخيرة، في يد الرئيس الفلسطيني محمود عباس. تنفيذ هذه الإصلاحات سيجعل السلطة الفلسطينية، حسب المصادر، مؤهلة لحكم غزة بعد فترة انتقالية بعد الحرب.
في المقابل، نظّمت حركة «نحالا» التابعة لحزب «القوة اليهودية» الذي يرأسه العنصريّ المتطرف إيتمار بن غفير مؤتمرا بعنوان «انتصار إسرائيل» يدعو لاستيطان غزة وشمال الضفة وتهجير الفلسطينيين. حضر الاجتماع بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، الذي يرأس حزب «الصهيونية الدينية» وكذلك 12 وزيرا من حزب الليكود الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، و15 نائبا من الكنيست. وقع ثمانية وزراء في الحكومة خلال المؤتمر «ميثاق النصر وتجديد الاستيطان» فيما تعالت هتافات قرابة ألف إسرائيلي يدعون لترحيل الفلسطينيين من غزة.
أقيم المؤتمر الإسرائيلي بعد يومين فقط من قرار محكمة العدل الدولية بضرورة اتخاذ إسرائيل إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبعد الاجتماع الأمني العربي بقرابة 12 يوما، وأثناء إعلانات أمريكية وعربية عن قرب إمكان تحقيق اتفاق جديد بين «حماس» وإسرائيل لإطلاق أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق رهائن أسرتهم «حماس» خلال عملية 7 تشرين أول/ أكتوبر، وهذه كلها إشارات إلى أن الصراع الحالي ما زال مستمرا، على أرض غزة، كما في المجالات العالمية والعربية والفلسطينية والإسرائيلية.
الحديث عن «اليوم التالي» هو حديث في الحقيقة عن «اليوم السابق» وهو يوم يمكن مدّه تاريخيا ليشمل السياسات الإسرائيلية السابقة منذ احتلال قطاع غزة عام 1967 بدءا من فشل سياسة احتلال غزة بعد تلك الحرب (إثر اندلاع انتفاضة 1987) والتي تمثلت بزرع مستوطنات وحشد وحدات عسكرية في الأراضي المحتلة وهو ما أدى إلى وعد اسحق رابين خلال حملته الانتخابية عام 1992 بـ«إخراج غزة من تل أبيب» أي إبعاد الفلسطينيين، عمالا كانوا أم فدائيين من إسرائيل.
الفشل الثاني لإسرائيل تجسد باندلاع النزاع في الانتفاضة الثانية، وبالصراع مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما دفع أرييل شارون لتجربة حل جديد وهو تفكيك المستوطنات وإعادة 7000 من ساكنيها وسحب القوات العسكرية. القصد كان نزع مسؤولية إسرائيل عن سكان القطاع باعتبارها سلطة احتلال.
في 7 تشرين الأول سقط حل شارون غير أن إسرائيل استخدمت منطقه، وتواطأت معها أمريكا والقوى الغربية، من خلال اجتياحها غزة ليس كقوة احتلال ولكن باعتبارها دولة تدافع عن سيادتها بناء على قوانين الحرب!
ما تفعله التحركات الدبلوماسية الدولية والعربية عبر مناقشة «اليوم التالي» يفترض «اختفاء» أو «إخفاء» حركة «حماس» وتفعيل تسوية سياسية بين إسرائيل ومنظمة التحرير. الحكومة الإسرائيلية، من جهتها، تحاول فرض أمر واقع على الأرض مخالف لهذه التحركات يقوم على الانتقام من الفلسطينيين كشعب وجعل غزة مكانا غير قابل ليعيشوا فيه. هذا الانتقام انبنى مع إسرائيل نفسها ويقوم مبدأه على اقتطاع أراض فلسطينية جديدة مقابل أي محاولة فلسطينية لتغيير التوازنات، ويدور النقاش الإسرائيلي حاليا بين اقتطاع جزء من القطاع (وهو أمر تمّ تأسيسه داخل القطاع حاليا) أو ضمه كله وتهجير الفلسطينيين كما يقترحه وزراء الإرهاب الإسرائيليين داخل الحكومة، وهو ما يجعل خيار التسوية التي يتدارسها قادة المخابرات العرب والمسؤولون الغربيون خارج المعادلة، بغض النظر عن «الحكومة الفلسطينية» الإصلاحية المرتقبة.
مجمل التحليلات المحايدة تشير إلى أن البنى الأساسية لحركات المقاومة في غزة ما تزال فاعلة، وأن «الانتصار» على حركة «حماس» غير ممكن على المدى البعيد، وأن عقودا من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي أثبتت أن خيارات إسرائيل لفرض أمر واقع قائم على الغلبة العسكرية وتصفير النزاع هي خيارات مستحيلة.
وسوم: العدد 1068