حتى نفهم ما يجري في غزة
لقد تأكد لكل ذي عقل جملة من الحقائق أفرزتها الحرب الصهيونية على غزة، منها أن:
- المقاومة لا تحارب الكيان الصهيوني وحده بل تحارب الحلف الأطلسي الحاضر في المعركة بمختلف أسلحته، من البوارج الحربية والطائرات وقطع الغيار والإمدادات إلى المرتزقة و"المستشارين.
- هزيمة حماس مطلب عربي كما صرح ساسة الدول المطبعة تصريحا فضلا عن التلميح، وأكد ذلك شيوخهم بأوضح العبارات في الخطب والدروس المسجدية.
- فك الحصار عن غزة أثناء هذه الحرب الضروس يهدد أنظمة عربية لذلك يرفض الساسة هذا الخيار ويعسرون وصول أي إمداد إلى القطاع في حين يتبارون في إمداد الكيان الغاصب بكل المؤن التي يحتاج إليها.
- سلطة رام الله هي في الواقع جهاز من أجهزة الشاباك، تتلخص مهمتها في حماية الكيان الصهيوني عبر ما يسمى التنسيق الأمني الذي هو – في الواقع – استباق أي حركة قد يقدم عليها سكان الضفة لضرب الكيان بأي شكل من الأشكال.
- الإطاحة بالرئيس محمد مرسي كانت خطوة ضرورية تمهيدا لخلوّ الجو الإقليمي للكيان الصهيوني.
ودليل كل هذا – وهذا من توضيح الواضحات – أنه قد مُنع عن الكيان طريق واحد للإمداد بفضل الشعب اليمني فهرعت الأنظمة المطبعة إلى تعويضه بطريقيْن، أحدهما بري من الإمارات إلى الأردن عبر الأراضي السعودية، والثاني بحري من مدينة السويس إلى أسدود، في حين منعوا عن غزة كل الطرق، وحوصرت من كل وجه حتى تتم إبادتها فيستريحون من كل من يقاوم التطبيع ويرفض الاستسلام، وهكذا توضع اللمسات الخيرة لما يسمى الشرق الأوسط الجديد وإسرائيل الكبرى التي ستكون فيها الدول العربية هناك مجرد مستوطنات صهيونية أو محميات غربية، وهذا بالضبط ما جاء طوفان الأقصى ليُعلنه للرأي العام ويفضحه أمام الملأ ليستيقظ من كان يؤمن بالأوهام التي يتمّ تسيويقها منذ عقود، على رأسها وهم "حل الدولتين" في فلسطين، فهذه الدولة الموعودة بضاعة مغشوشة تواطأ على تسويقها أكثر من طرف ليستقر الأمر للكيان الصهيوني والأنظمة الوظيفية الخادمة له إقليميا، إنه وهم تسوقه أمريكا لجرّ باقي الدول العربية إلى التطبيع، وتروّجه هذه الأنظمة لتبرير التطبيع والارتماء في أحضان الغرب والاحتلال لأنه يضمن لها بقاء الحاكم أو الأسرة المالكة أو الطغمة في الحكم رغما عن الشعوب وبعيدا عن "مخاطر" الإصلاح الذي تطالب به الشعوب... بناء على هذه المعطيات نفهم البغض الشديد التي تكنه كل هذه الأطراف لحماس والرغبة الجامحة في القضاء عليها لأنها هي وحدها العامل الأساس لإفساد الخطة وعرقلة ماكينة التطبيع التي لا تعني سوى تصفية القضية الفلسطينية...لقد أظهر طوفان الأقصى إلى العلن تحالف قوى الشر الصهيونية والغربية والإقليمية ضد حماس التي تجرأت على السباحة ضد التيار الجارف، بالإضافة إلى كونها تمثل الكابوس الذي لا تطيقه قوى الاستكبار العالمي والكائنات التابعة لها في المنطقة العربية ألا وهو نموذج الحكم الإسلامي وما يستصحبه من رغبة في الاستقلال الحقيقي وبناء الذات وتسيير شؤون الحكم وفق المرجعية الإسلامية، وحماس تعرف كل هذا لذلك حين قررت القيام بعملية طوفان الأقصى لم تطلب مساعدة من أي طرف ولم تتقوّ بأي جهة، وتوقعت الخذلان من جميع الأطراف، وحدث كل ما توقعته، لذلك نجحت...نجحت لأنها تحررت من فلسفة الاستسلام والخنوع والتصاغر السائدة في بالمنطقة منذ اتفاقيات سيكس- بيكو المشؤومة، سلكت طريقا مغايرا تماما فكوّنت أبطالا تحت الأرض فضحوا من يتعنترون في قصورهم فوق الأرض من غير أن يحققوا للقضية الفلسطينية ولا للأمة سوى مزيد من الضياع، وأعتقد أن الجميع فهموا الدرس، فهل يحفظونه؟ بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين ينبغي أن نبدأ بإعادة تشكيل شخصية المسلم – وعقله بالدرجة الأولى – ليخرج من المربع الذي رسمه له الغرب فكريا وثقافيا وإعلاميا وسياسيا، وهو مربع المراوحة في نفس المكان التي تنتهي حتما بالتراجع والتخلف والفساد كأي شيء راكد...هذا أول ما يجب تأمله من تجربة حماس الفذة.
وسوم: العدد 1070