الاستعداد لرمضان بين المعلوم من الدين والمعلوم من العلمانية
جرى من عادة عامة المسلمين فيما مضى من الأيام وإلى اليوم، أن يستعدوا لشهر رمضان من مُنطَلقين أساسيين، الأول روحي، ويبدأ أساسا مع دخول شهر شعبان، بحيث يتصدره الخطباء والدعاة بتركيزهم في خطبهم ومواعظهم على أهمية الإقبال على الاستعداد النفسي والبدني أثناءه، من خلال الصيام والقيام والتعود على صالح الأعمال وتجنب سفاسفها، عملا بقاعدة "التحلية قبل التحلية"، التي يُعبِّر عنها الشاعر في سياق آخر، لكنه ذو مغزى عميق بقوله: أَتاني هَواها قَبلَ أَن أَعرِفِ الهَوى فَصادَفَ قَلباً خالِياً فَتَمَكَّنا، بحيث يعمل المؤمن على تخلية قلبه من كل الأدران التي علقت به خلال الممارسة اليومية لمختلف أنشطته الحياتية طول السنة، حتى إذا حل شهر الصيام، وجد هذا القلب خاليا من كل عوامل التشويش، ليصبح جاهزا ومؤهلا للتفاعل الإيجابي مع مقتضياته، التي تُحقِّق لصاحبه المقصد الإيماني التعبدي المتمثل في التقوى، مصداقا لقوله تعالى في الآية 183 من سورة البقرة﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ بالإضافة إلى مقاصد جسدية ونفسية ومجتمعية...
أما المنطلق الثاني فهو في مجمله مادي، مرتبط بكل ما له علاقة بالشهوة واللعب واللهو، وما يدور في عالم الماديات المباحة والمحرمة على السواء، وهكذا نجد من يجتهد في توفير وتحضير كل ما يتعلق بشهوة البطن من مختلف المأكولات والمشروبات، ليتم بعد ذلك عرضها بالشكل الذي يدفع الناس للإسراف في اقتنائها، ومن يعكف على تحضير كل ما من شأنه جلب الناس إلى صرف أوقاتهم في مختلف أشكال وألوان اللهو، من مسلسلات وسهرات ومسرحيات وغيرها ومن... ومن...
يضاف إلى هذين المنطلقين، منطلق ظَهر في السنوات الأخيرة، يتجلى أساسا في الاستخفاف بشعيرة الصيام وبخصوصياته، بحيث لم يكتف أصحابه بالإفطار المستور، وإنما تعدَّوه بالمطالبة بالإفطار العلني دون أدنى مراعاة لمشاعر المسلمين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة في المجتمع المغربي. ومما أثار انتباهي هذه السنة هو الانتقال بمستوى المطالبة بحذف الفصل 222 من القانون الجنائي في شأن الإفطار العلني الذي يُعتمد فيه على المقالات والتدوينات والفيديوهات... ، تحت قناع الدفاع عن الحريات الفردية، مستندين في ذلك إلى تصدير الدستور الذي ورد فيه ما مفاده أن "المغرب يلتزم " بسمو المواثيق الدولية على القوانين الداخلية، إلى المستوى الذي قام فيه "معهد دولوز لتحليل السياسات" حسب ما ورد في مقال صدر بتاريخ 25 فبراير 2024 بجريدة هسبريس الإلكترونية "بعقد لقاءات مع برلمانيين منتمين إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار، طالبا "اجتماعات رسمية" لأجل خلق قناة للتفاوض بين الجهتين المدنية والسياسية وتقريب الفاعل السياسي من "عدم جدوائية" استمرار الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار العلني خلال رمضان".
ولعل مضمون هذه الفقرة لا يحتاج إلى مختص في تحليل النصوص ليتفطن إلى مجموعة من الدلالات أذكر منها:
- أن هذا المعد ليس مستقلا كما يحاول أن يُعرف نفسه، وإنما متحيزا إلى الفئة العلمانية المستأجرة لخدمة الأجندة الغربية التي أصبحت معروفة لدى العام والخاص.
- أن المعهد لا يرغب في التفاوض بين الجهتين المدنية والسياسية، بقدر ما يرغب في فرض حذف الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، بدليل أن القول بتقريب الفاعل السياسي "بعدم جدوائية استمرار هذا الفصل" ينم على أنه يُنزل نفسه منزلة الأستاذ مقابل منزلة التلميذ للفاعل السياسي.
- إن الاستعداد لشهر الصيام بهذا المطلب بالذات، والاستعانة ببرلمانيين، يوحي بِجَسِّ الأحزاب المشار إليها لنبض الشارع المغربي، قبل أن تنخرط في الاجتماعات الرسمية التي يطالب بها "المعهد" بشكل علني، علما أن انخراط هؤلاء البرلمانيين في هذه اللقاءات يطرح أكثر من نقطة استفهام.
في الأخير أجزم أنه ما دامت "معاهد الدراسات" عندنا يتصدرها هذا النوع من المعاهد المعلومة من العلمانية بالضرورة، والتي تُسْتَنْبَتُ من أجل خدمة أجندات أجنبية هدفها الوحيد هو تقويض كل ما له علاقة بثوابتنا وقيمنا، فلن تقوم لنا قائمة، اللهم إلا إذا هبت الجهات المعنية إلى إيقافها عند حدها، وعدم استباحة مصطلح البحث بكل من هب ودب، وذلك باشتراط مواصفات وخصائص دقيقة، يتم التأكد من خلالها بسلامة الأهداف المتوخاة من إحداثها من جهة، وبنزاهة ومصداقية القائمين عليها، وطاقم البحث فيها من جهة ثانية، على أن تُوجه البحوث والدراسات نحو القضايا ذات الأولوية.
أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكَّنَا |
وسوم: العدد 1071