من حكايات النقد والنقد الذاتي
عقاب يحيى
جميع الأحزاب، بما فيها الأحادية والاستبدادية والفاشية تنصّ في أنظمتها على واجب ممارسة النقد والنقد الذاتي، وأهميته في كشف الأخطاء، وتصحيح المسار، وتطوير الوعي وأدوات ووسائل العمل.. بل حتى الملوك والرؤساء المقيمون أبدياً.. يذكرون ذلك حين يعتلون العرش.. ويكررون كثيراً قصة الضمير، والنقد.. وتقويم الإعوجاج ....ولكن....
لكن الواقع شيء آخر، في معظم الحالات..إلا ما رحم ربك..
ولأن عمليات النقد، خاصة حين تعرّضها للأشخاص المسؤولين.. وللمواقع القيادية(والعملية لا تنفصل) تصطدم بالتكوين البشري، والأنا المستبدة، ومألوف الوعي والبنى في عالم متخلف، لم يعش أو يمارس الديمقراطية.. وتورّم الذات العصبوية الفردية وتلك الحزبية، وغيرها .. فإن تكريس ذلك لم يحدث.. حتى في أقصى الهزائم والانهيارات حين كان الهروب للأمام، او الخلف هو الردّ، أو تلك الملامسات السطحية التي تخشى الدخول إلى العمق واستخلاص النتائج، أيّاً كانت.. لهذا كثيراً ما يجري الالتفاف على الفكرة بتعابير أخرى : النقد الموضوعي، والنقد البناء، والنقد المسؤول، والنقد غير الجارح.. والنتيجة تثبيت القائم، ورفع المزيد من الشعارات البلاغية، والهوائية.
ـ ورغم اجتياح أمواج الديمقراطية المجتمعات ىالعربية.. والإحساس الذي يتقدم باهمية غياب الديمقراطية في هزائمنا وأوضاعنا، والتوجه نحوها.. بإقبال مبشّر .. إلا أن ممارسة التقويم والنقد ما زالا ينتحبان، ولم يرتقيا إلى مستوى إنتاج البدائل، والشجاعة في التناول، والجرأة في صياغة البدائل، وتغيير المسؤولين والقادة.. بل كثيراً ما يجرّ النقد لعداوات ظاهرة وباطنية، وكثيراً ما يعتبره عديد أنه موجّه إليهم.. حتى وإن لم تذكر أسماءهم، وإن لم يكونوا جزءاً من مسؤولية..
ـ وأذكر والحديث طويل ودو شجون.. اننا تعاركنا كثيراً حول هزيمة حزيران : اسبابها ونتائجها وكيف جرى التعامل معها، و23 شباط 1966 وموقعها بالضبط.. وكان البعض مجرد الدخول في العنوان يعتبر أن كل ما يحكى موجّه ضده، وبغية تجريمه، وتحميله مسؤولية ما جرى.. فيحدث الصراع الذي يكون عاملاً جديداً في الانشقاق والتذرية ..
ـ الآن والثورة السورية تعبر امتحانات صعبة.. وتواجه تحديات ثقيلة، بعضها نتاج أوضاعها وممارسة المحسوبين عليها. فإن الاتفاق على وقفة مراجعة قد تلقى قبولاً عاماً.. لكن حين الانتقال إلى المفردات والتحديد.. سنواجه تركتنا الذاتية.. ولسان حالنا يردد" حادت عن ذاتي بسيطة..".. وكذا تجربة الإئتلاف التي يحاول البعض إيهامنا بكم الانتصارات التي حققوها في زمن يسير.. وحجم المعارك التي خاضوها بإتقان.. وبرزوا فيها محاربين اشداء .... والنتيجة : سؤال كبير : اين هو الإئتلاف حقيقة من الواقع السوري، والأرض، والمقاتلين، واهداف الثورة.. وكثير من قضايا رئيس؟؟..
ـ وعندما أنتقل إلى الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية التي انتخبت رئيساً لهيئتها التنفيذية.. أعي ـ بدءاً مني ـ أن النقد العميق، وإن أظهرنا قبولاً ظاهرياً له.. لكنه يُحدث شيئاً سلبياً داخلنا.. وقد يربي عداوات وزعل.. وسوء فهم..
ـ وأسأل ذاتي : دون نقد، ودون مراجعات.. ودون شجاعة في التصدي للظواهر السلبية، ومكامن التقصير وأسبابها، وتحديد المسؤوليات.. هل يمكن لنا أن نتطور؟؟.. وأن نتعلم الديمقراطية وممارستها؟؟، وان نصوب مفاهيمنا وخطنا، وذواتنا؟.. وأن يضعف النرجس فينا لصالح العام؟؟.. الذطي سيرتدّ نفعاً علينا بالذات ؟؟..
أتمنى، واحاول أن أتعلم ممارسة نقد شجاع كي أنتصر على ذاتي أولاً، وكي يسمح لي ذلك بتطوير لغتي السياسية، وممارساتي، والتخفيف من سلبياتها ما أمكن ...