قرار مجلس الأمن فصل آخر من فصول مسرحية اسمها القضية الفلسطينية !!!
بتاريخ 24/10/2023 كتبت مقالا تحت عنوان "سراب التعويل على مجلس الأمن لإحلال الأمن!!!" أشرت فيه إلى أن انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل باستعمالها لحق الفيتو ضد أي قرار لا يخدم مصلحتها، يوضح بالملموس "أن التعويل على إنصاف الأمم المتحدة، ممثلة في مجلس الأمن، للشعب الفلسطيني، لا يعدو أن يكون سرابا بِقيعة، يحسبه المطبعون من العرب والمسلمين حلا، حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئا، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية، أبطالها الأعضاء الخمسة الدائمين، يتقاسمون فيها الأدوار، والغنائم، رغما عن الأعضاء التسعة غير الدائمين، ورغما عن الأعضاء 178 المتبقين الذين لا دور لهم سوى تبرير مصطلح « الأمم المتحدة » الذي ليس له من مفهوم الاتحاد سوى الاسم".
واليوم وبعد مصادقة مجلس الأمن على قرار وقف إطلاق النار، أتمنى أن يكون استنتاجي السابق خاطئا، على الرغم من كون المعطيات التي تُوفرها وسائل الإعلام لا تجزم بذلك، خاصة تلك المتعلقة بحيثيات القرار نفسه بخصوص صياغته من جهة، وبموقف الولايات المتحدة منه، ومدى إلزاميته والمسؤول عن تنفيذه من جهة ثانية.
ففيما يتعلق بالصياغة، يُلاحظ، أنها ربطت وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن، وهو ما يُفترض معه احتمالان: الأول يقتصر على الرهائن الإسرائيليين، مما يستلزم الضغط على حماس لتسريحهم، والاكتفاء بفتح المعابر لإدخال المساعدات، والثاني يشمل الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، وهو ما أكدت عليه حماس منذ البداية، وهو ما لم تُبدِ إسرائيل القبول به، لأنها ترغب في مواصلة عملية الإبادة، وتشبث حماس بهذا المطلب لا يمكن إلا أن يُضاف إلى المبررات التي تعتمدها لتجسيد هدف الإبادة الجماعية. وفي كلتا الحالتين يبدو أن القرار يَخدم إسرائيل عوض أن يُنصف الشعب الفلسطيني، هذا من جهة، من جهة أخرى، ينص القرار على وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان وكأنه لم يدخل بعد، أما ونحن في منتصفه، وتنفيذ القرار لا زال في حكم الغيب، فأي عاطفة إنسانية هذه، وأية مشاعر دينية هذه التي دفعت بمجلس الأمن إلى الإحساس فجأة بالقيمة التعبدية لهذا الشهر، حتى يتكرم بربط وقف النار به. يبدو أن هذا القرار لا معنى له، اللهم إذا كان المقصود هو رمضان العام المقبل !!!. وإلا والشهر قد دخل في نصفه الأخير، فلا يعدو أن يكون شماتة في إخواننا الفلسطينيين، واستهزاء بمسلمي العالم، عبر الانتقاص من هذه الشعيرة ذات الطابع الخاص لديهم على اختلاف مستوى تدينهم!!! مع العلم أن الولايات المتحدة طلبت استعمال كلمة ثابت عوض دائم في وصف وقف إطلاق النار بعد رمضان، مما يؤشر على ترك الباب مفتوحا أمام استمرار عملية التقتيل بعد رمضان، حتى وإن كُتب لها أن تتوقف في بعض ما تبقى من أيامه.
أما فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت، فلا يمكن أن نتصور أنه تَخَلٍّ عن إسرائيل، بقدر ما يروم اعتماد خطة مدروسة لخدمتها من زاوية أخرى غير زاوية اعتماد حق الفيتو الذي أشهرته ثلاث مرات قبل اليوم في وجه قرارات مماثلة، خاصة إذا علمنا أن مندوبتها صرحت بأن القرار غير ملزم. فإذا كان هذا هو المنطلق في الامتناع التصويت، فلا شك أن هناك إشكالا في تنفيذ القرار، فمن الذي سيلزم إسرائيل بالامتثال؟ فهل يكفي تصريح سفير الصين، وعدد من الدول التي يمثلها الموزمبيق بأن جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة، لتجسيده على أرض الواقع؟ وهل يُتصور أن الصين أو الموزمبيق بمقدورهما، أو لنقل حتى في نيتهما إرغام إسرائيل على الامتثال في حال رفض الولايات المتحدة الانخراط في تنفيذ القرار؟
يبدو أن مسرحية الأمم المتحدة ومنظومتها طال أمدها، فبعد فصولها الأولى التي انطلقت مع قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بتاريخ 4 مارس 1949، مرورا بالفصول المتعددة التي تلتها، خاصة تلك المتعلقة بقرارات مجلس الأمن التي تدين ممارسات الكيان الصهيوني في حق فلسطين وأهلها، يأتي فصل محكمة العدل الدولية، الذي طالما تم التطبيل لقرارها دون أن يُرى له أثر في الواقع، والأدهى من ذلك هو تعرضه للاستهزاء من قِبل إسرائيل، التي واصلت التقتيل والتدمير إلى يومنا هذا دون إيلائه أدنى اعتبار. وها نحن نصل مع قرار مجلس الأمن إلى فصل آخر، لن يكون بأي حال من الأحوال الفصل الأخير، لأن المشروع الصهيوني ينبني أصلا على التقتيل والتهجير، ليبقى الحل الوحيد للحيلولة دون مزيد من إراقة الدماء، وإنهاء فصول هذه المسرحية هو زوال إسرائيل، لأنها استُحدثت بالباطل، وكل ما بني على باطل فهو باطل. أما التصريحات التي تشيد بالقرار، فلا تعدو أن تكون حبرا على ورق، دون أن تترك لها أثرا على أرض الواقع، وذلك على غرار تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي نشره على موقع إكس، الذي قال فيه: "المجلس وافق للتو على قرار طال انتظاره بشأن غزة يطالب بوقف فوري لإطلاق النار والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. يتعين تطبيق هذا القرار. الفشل لن يُغتفر." وبعد؟
في الأخير يبدو أنه لم يعد مسموحا بالغباء، وعدم استيعاب مغزى مسرحيات منظمة الأمم المتحدة ومنظوماتها، بعدما تبين بالملموس أنها بتركيبتها الحالية لن تتخلى عن الوقوف إلى جانب إسرائيل، والضلوع معها في خدمة هدف استراتيجي يتمثل في الحيلولة دون اعتماد الشعوب والأمم على نفسها، وعلى طاقاتها الذاتية في استرداد حريتها وحقوقها، وإلا فمصطلح الإرهاب استُحدث لهذا الغرض، خاصة إذا اشْتُمَّت من صاحب الحق رائحة الدين الإسلامي، وما إلباسه لمنظمة حماس التي لم تقم سوى بتطبيق حق الدفاع عن النفس-الذي حاولت إسرائيل الاستئثار به عن باطل-الذي تعترف به الشريعة الإسلامية قبل القانون الدولي إلا دليل على تورط الأمم المتحدة في استدامة محنة شعب فلسطين.
وسوم: العدد 1074