الدور الذي لعبته ألمانيا وأدى إلى انفراط عقد الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، تتولاه إيران اليوم في سوريا (الجزء الثاني)
خلع السلطان عبدالحميد وأبعد عن عرشه عام 1929، وكانت العلاقات
الاقتصادية والعسكرية قبل هذا التاريخ المذكور قائمة بين السلطنة العثمانية و ألمانيا. وعلى الرغم من أن السلطان عبدالحميد كان ضد دخول الحرب وكتب ذلك في مذاكرته. لأنه كان ينتظر هذه الفرصة لتبقى امبراطوريته على الحياد ويستفيد من ضعف الدول، التي ستدخل الحرب، هو لم يملك قرار دخول الحرب العالمية الأولى. ولكن في وصف زيارة له من قبل طلعت وأنور باشا، أعرب عن موقفه المعارض دخول تركيا الحرب … علما أنه لا يملك القرار لنفسه، حتى يستطيع أن يملك قرار دخول الحرب من عدمه، لأن الاتحاديين هم من كان يحكم في حينه. وأسباب الحرب واضحة والبدء بها أمر واقع ….
وفي حديثه عن الدستور والديمقراطية يضعنا تماما في حالة التخلف التي تحيط بالشعب والسلطنة العثمانية. وكيف كان السلاطين العثمانيين سببا في فرض العزلة على شعبهم. ولو كانت السلطنة العثمانية جادة في السير قدما نحو الديمقراطية ساهمت بالانفتاح على الخارج ومنحت الشعب، تلك الفرصة للتخلص من عزلته! لكن هذا اعتراف مبطن من سلطان مهم في حينه أنها دولة عسكرية متخلفة. لقد اختار الاتحاديون دخول الحرب، على الرغم أنه طلب منهم أن يبقوا تركيا على الحياد لكنهم اختاروا ألمانيا كحليف ! بينما كانت بريطانيا وفرنسا تحافظ على سلامة وأملاك الدولة العثمانية حتى تاريخ 29 تشرين الأول 1914 ، حيث دخلت السلطنة العثمانية إلى جانب ألمانيا فعليا بعد اشتباك العثمانيين مع الروس في البحر الأسود. وكانت السلطنة العثمانية تحت حكم الاتحاديين بزعامة أنور باشا وجمال وطلعت وتضاربت الآراء حول الاشتباك في الحرب .
أيد العسكريون الأتراك دخول الحرب وعلى رأسهم جمعية الاتحاد والترقي لأنهم تدربوا على يد ضباط ألمان وحصلوا منهم على السلاح.
وتم الاتفاق إذا انتصرت ألمانيا في الحرب إلى جانبهم، سوف تعيد لهم ما اغتصبه الروس من أراض، لقد كانت أهم فروع هذه الجمعية سالونيك وبرلين والاستانة.
وبعد أن عزل الاتحاديون الأتراك السلطان عبدالحميد عن الحكم، لم يعد بيده أن يقرر أو يبطل قرار الحرب. وخاصة أنهم سلموا الحكم للسلطان محمد رشاد الخامس الحكم أثناء الحرب. وعلى الرغم من القرار الشعبي الذي جاء بالرفض للحرب، حيث كانت السلطنة العثمانية تعاني من أزمة اقتصادية حادة ولم تكن مهيأة ماليا، أو عسكريا لذلك. إضافة إلى ذلك كيف لها أن تدخل الحرب ضد أوروبا التي تهتم بإنعاش اقتصادها وتطوير قوتها العسكرية!
الفئات المثقفة أيدت الدخول إلى جانب دول الحلفاء وبالذات الذين تربطهم معهم علاقات حميمة وفرنسا وبريطانيا، والذين درسوا في تلك الدول وتشبعوا بثقافتها.
لذلك كانت السلطنة العثمانية ترغب في التحرر من الوصاية عليها وتريد التخلص من الامتيازات الأجنبية التي فرضت عليها سابقا.
وكانت ألمانيا تسعى للحصول على مطامع لها في المغرب العربي. حيث وعدت الإمبراطورية العثمانية باستعادة أملاكها التي فقدتها في الشمال الأفريقي ( تونس وليبيا والجزائر ) وارجاع مصر تحت سيطرتها فعليا وأنها سوف تحصل على المناطق التي احتلتها روسيا( القفقاز و تركستان)، وبذلك تتعرض المصالح البريطانية للخطر كقناة السويس والطريق إلى الهند الذي يربط مستعمراتها. إضافة إلى أن اتخاذ الحلفاء لقرار اتفاقية سايكس بيكو كان سببه دخول السلطنة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا، وإثارة العرب ضدها بتشجيع من بريطانيا بما عرف بالثورة العربية الكبرى. وكانت النتيجة هزيمة الاتحاديين في الحرب واحتلال أملاك السلطنة العثمانية من قبل دول الحلفاء ( الرجل المريض بما دعي باتفاقية سايكس بيكو) وقسمت تلك الأملاك، ولم يبق منها سوى تركيا الحديثة .
لقد عرفت الإمبراطورية العثمانية النظام المناركي( كنت قد عرفته وتحدثت عنه في المقالة السابقة) وعملت به لسنوات عديدة.
ونلاحظ في عصرنا الحالي تشكل أنظمة ديمقراطية في الغرب أو أنظمة ملكية دستورية صار الملك يحترم ولا يحكم. لكن! أنظمتنا التي نقف ضدها اليوم قد تجمد الزمن عندها كانت وظلت أنظمة دكتاتورية شمولية وعموم دول "الشرق الأوسط" تقريبا. وإن صح التعبير فهي جمهوريات وراثية. وشتان ما بينها وبين الحكم العثماني رغم إشارات الاستفهام حوله! لكن من لا يقرأ التاريخ كما قال سقراط:" يبقى طفلا".
يتبع …..
وسوم: العدد 1074