هل ايران فعلا محاصرة؟
فعلا شر البلية ما يضحك، (استورد العراق عام 2017 طماطم من الجارة ايران بقيمة (1.66) مليار دولار، فما بالك ببقية السلع والغاز والكهرباء؟
غالبا ما يتبجح المسؤولون الشيعة في العراق بأن النظام الإيراني محاصر من قبل الولايات المتحدة وحلفائها حصارا شديدا، ويفترض بالعراق ان يضحي بمصالحه الوطنية من اجل مصالح ايران باعتبارها الدولة الشيعية الأم، وان الخامنئي هو خليفة المسلمين، مع ان الشيعة لا يمثلوا الا نسبة 10% من المسلمين الذين يزيدوا عن المليار. ويبرر ساسة العراق دعمهم لايران بأن العراق هو الرئة الاقتصادية التي تتنفس منها ولاية الفقيه.
لكن هل فعلا ايران محاصرة وتعاني من متاعب اقتصادية كبيرة؟ سيما ان عملتها متدنية جدا شأنها شأن عملات دول محور المقاومة العراق وسوريا ولبنان، مع ان هذه الدول الثلاث لا تعاني من حصار اقتصادي امريكي واوربي، كما هو الحال مع ايران.
محطات العقوبات المفروضة على ايران
سنتناول بعض المسائل التي تنفي اختناق الاقتصاد الإيراني، بل هي محاولة لخداع الدول والاستفادة منها او ابتزازها لدوافع مذهبية، ونستعرض مراحل الحصار المفروض على ايران وهو لا يتعلق بالرئيس ترامب كما يعتقد الكثير من الناس. اول من فرض الحصار التجاري والمالي على ايران هو الرئيس (بيل كلينتون) عام 1995 بدعوى ان النظام الإيراني يرعى الإرهاب الدولي، ويسعى للتحول الى دولة نووية، واستهدفت الإدارة الامريكية القطاع النفطي. وتلتها الأمم المتحدة عام 2006 بمجموعة قرارات تضمنت عقوبات اقتصادية ضد الشركات المرتبطة بالبرنامج النووي والبالستي، وجمدت أصول تلك الشركات. وأصدرت الإدارة الامريكية عقوبات عام 2007 على القطاعين المالي والحربي. وتلتها عقوبات أخرى عام 2009 عبر منع المصارف الامريكية من التعامل مع البنوك والشركات الإيرانية، وتلتها أيضا عام 2010 عقوبات مشتركة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة على القطاعين التجاري والصناعي الحربي الإيراني. وفي نفس العام زادت العقوبات لتشمل استيرادات المشتقات النفطية ومصادر الطاقة.
اشتدت العقوبات مع تولي الرئيس دونالد ترامب الإدارة الامريكية فقد انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات شديدة على النظام الإيراني في القطاعين المالي والنفطي. في عام 2022 اثر الاحتجاجات الإيرانية ضد النظام القمعي في ايران، سيما بعد ان قامت القوات الأمنية الإيرانية باعتقال وقتل الناشطة (مهسا اميني) بذريعة زيها الذي يتنافى مع القوانين الإيرانية، فرضت الإدارة الامريكية عقوبات أخرى في نيسان 2024 شملت شركات انتاج الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، سيما بعد ان انكشفت فضيحة تزويد النظام الإيراني لروسيا بالطائرات المسيرة في حربها ضد أوكرانيا الحليفة للولايات المتحدة ودول اوربا، وهذه المرة شاركت كندا وبريطانيا في تلك العقوبات ومنها تصدير المواد الأولية والتقنية التي تساعد النظام الإيراني في صناعته الحربية.
نتائج العقوبات ومدى تأثيرها على ايران
من خلال العرض التالي سنوضح اثر تلك العقوبات المفروضة على النظام الإيراني.
الموقف العراقي من حصار ايران
ـ صرح وزير النفط جواد أوجي " حصلت استثمارات جيدة في إنتاج النفط، بعد الاستيلاء على 6 حقول نفطية عراقية وأبرمنا اليوم عقودا لتطوير 6 حقول نفطية لزيادة الإنتاج إلى 400 ألف برميل يوميا والتي ستدر 15 مليار دولار للبلاد".
ـ أعلن وزير النفط الإيراني جواد عجي، قرب إبرام إيران عقودا لتطوير حقول النفط والغاز في العراق وإطلاق مشاريع جديدة بقيمة 14 مليار دولار.
ـ صرح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في 15/2/2024 " ان العراق يستورد سلعا بقيمة 70 مليار دولار سنويا معظمها من إيران".
ـ صرح وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الإيراني (بهرام عين اللهي) في 17/2/2024 أن مليونًا و(200) ألف شخص زاروا إيران؛ العام الماضي، بهدف العلاج، ما وفر دخلاً قدره (1) مليار دولار كعوائد من السياحة العلاجية للبلاد، مشيرًا إلى أن غالبيتهم من العراق".
ـ أعلن المتحدث باسم لجنة تنمية التجارة في دار الصناعة والمناجم والتجارة الايرانية روح الله لطيفي " أن العراق تصدر قائمة الأسواق العشرة الاولى المستوردة للمنتجات الزراعية والغذائية الايرانية بمليار و784 دولارا".
ـ كشف موقع (واشنطن فري بيكون الأمريكي) في 14/3/2024 عن سماح ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن بإعفاءات جديدة للعراق لدفع مبالغ شراء الغاز من إيران مما سيُمكِّن طهران من الحصول على اكثر من (10) مليارات دولار من الاموال التي كانت مجمدة بسبب العقوبات الامريكية.
ـ ذكرت إحصاءات صادرة عن التجارة الإيرانية في31/3/2024 أن (8) مليارات دولار استيراد العراق من السلع الإيرانية غير النفطية خلال الأشهر الثلاثة الاولى من 2024، واضافت، ان الصادرات الإيرانية للعراق تشكل 47% وفقا للإحصائية". لو افترضنا نفس المبلغ لبقية الفصول الثلاثة المتبقية من السنة، ستكون الحصيلة من العراق(32) مليار دولار.
ـ صرح نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية، محمد دهقان في 9/5/2024 في حديث لصحيفة (إيران انترناشونال)، أن " أصول إيران في العراق ليست مجمدة، وهناك بعض التعاملات النقدية والمالية الجارية بين البلدين، وهناك بعض العلاقات النقدية والمالية بين إيران والعراق والتي كانت دائماً تحل من خلال الحوار بين الأخوة المسؤولين في البلدين وليس لدينا أي مشاكل في هذا الصدد".
ـ عام 2019 باع البنك المركزي العراقي (144) مليار دولار الى المصارف حيث تم استيراد ما قيمته (18) مليار دولار فقط، وما تبقى تم تهريبه لإيران والامارات العربية وتركيا والأردن ولبنان وسوريا. بلغت استيرادات العراق من ايران في ذلك العام (6) مليار دولار.
ـ صرح سفير إيران في العراق ( محمد كاظم آل صادقي) في12/5/2024 أن الاتفاقية الأمنية بين طهران وبغداد تتضمن ثلاثة بنود، فيما بين ان العراق سدد ما بذمته من ديون. ان إيران الشريك الأساسي للعراق في المجال الاقتصادي، وأن حجم الصادرات الإيرانية للعراق يبلغ حاليا حوالي (12) مليار دولار، وهذا رقم جيد نسبيا بالنسبة للتعاملات التجارية الأخرى ومن المتوقع أن يرتفع إلى (20) مليار دولار".
عوائد ايران من دول اخرى
ورد في بحث لمجلة (اتلانتك كونسل) انه " رغم العقوبات يجد النفط الروسي والإيراني طريقه للبيع عبر شحنات إلى الصين، والتي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، إذ تستفيد بكين من خصومات في الأسعار وهو ما مكنها من توفير نحو 10 مليارات دولار على الأقل بشراء النفط الخاضع للعقوبات،
ان نظام تجارة النفط الروسي والإيراني مع الصين والذي يتجاوز النظام المالي الغربي وخدمات الشحن، حيث يجري نقل شحنات النفط بواسطة ما أصبح يسمى بـ(أسطول الظل) وهي عبارة عن مجموعة من ناقلات النفط التي تعمل خارج الأنظمة البحرية، وتتبع خطوات لإخفاء تحركاتها إذ أنها تتحرك في البحر من دون أجهزة إرسال أو استقبال لتجنب اكتشافها. وتدفع مصافي النفط الصيني لإيران بالرنمينبي الصيني عن طريق مؤسسات مالية صغيرة خاضعة للعقوبات الأميركية مثل (بنك كونلون) وهذا يسمح لبكين في النهاية تجنب تعريض بنوكها الدولية لخطر العقوبات المالية الأميركية. بمجرد حصول إيران على مستحقاتها بالعملة الصينية يكون لديها خياران: إما شراء البضائع الصينية، أو الاحتفاظ بالأصول في بنك صيني.
ـ بلغت صادرات النفط الايراني أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الـ 6 الماضية، مما يمنح اقتصادها (35) مليار دولار سنويًا حتى في الوقت الذي تناقش فيه الدول الغربية تشديد العقوبات ردًا على هجومها على إسرائيل، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ـ نقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية (إلنا) عن رئيس الجمارك الإيرانية محمد رضواني فر قوله إن صادرات النفط الإيرانية بلغت 35.8 مليار دولار خلال الأشهر الاثني عشر المنتهية في مارس (آذار) 2024. وتأتي هذه الأرقام رغم إعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات على طهران في عام 2018، حيث سمحت المشتريات الصينية من النفط الإيراني للبلاد بالحفاظ على ميزان تجاري إيجابي، بحسب
وأوضح رضواني فر أنه لولا صادرات النفط، لسجلت إيران عجزاً تجارياً قدره 16.8 مليار دولار.
ـ حسب بيانات أوبك، زاد إنتاج إيران النفطي إلى قرابة 2.9 مليون برميل يوميا، الأمر الذي ارتفعت معه صادراتها من النفط الخام، دون أن تقدم المنظمة البترولية الدولية، أية أرقام بشأن الصادرات. بينما لا تقدم طهران أية بيانات رسمية لأرقام صادراتها منذ عام 2018، عقب إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وهو ما ظهر في اختفاء أرقام صادراتها عن موقع المبادرة المشتركة للبيانات النفطية "جودي"، منذ آب 2018 حتى اليوم. وصرح رئيس مؤسسة التخطيط والموازنة الإيرانية، داود منظور، في 13 آب الفائت، بأن صادرات بلاده اليومية من النفط تجاوزت مليونا و400 ألف برميل.
صرفيات ايران تبدد صحة الحصار المفروض عليها.
ـ في 2022 تكشف بيانات التجارة إن إيران اشترت معدات من الصين بقيمة تتجاوز (2) مليار دولار، وإلكترونيات بقيمة (1.5) مليار دولار، ولا تعكس هذه البيانات قيمة التعاملات المالية بين طهران وبكين إذا من المحتمل أن تكون مقومة بالعملية الصينية المحلية.
ـ حسب موقع (غلوبال فاير باور) المختص بالشؤون العسكرية، فإن ميزانية الإنفاق العسكري في إيران تصل إلى نحو (10) مليارات دولار، أي أقل من نظيرتها في إسرائيل بأكثر من 14 مليار دولار، حيث أنفقت الأخيرة 24.4 مليار دولار. من اين لها هذا المليارات، هذا في الجانب العسكري فقط، ما عدا نفقات وتخصيصات الحرس الثوري الإيراني، والنفقات السرية للمفاعلات النووية.
ـ اصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) مؤخرا، تقريرا كشف أن الإنفاق العسكري العالمي بلغ في عام 2023 مستويات قياسية، مسجلا (24.6) مليار دولار. وجاءت السعودية وإسرائيل والجزائر وإيران من بين من الدول التي زادت إنفاقها العسكري، العام الماضي، بسبب التوترات في الشرق الأوسط. احتلت إيران المرتبة 18 عالميًا من حيث الإنفاق العسكري في عام 2020، لكن مع تصنيف "سيبري" الجديد، صعدت ثلاث درجات إلى المرتبة 15 عالميًا. وتأتي هذه الزيادة في الميزانية العسكرية في وقت يمر فيه الوضع الاقتصادي لإيران بأحد أكثر الظروف التاريخية خطورة.
هل الدولة التي تنفق على الجانب العسكري فقط (24.6) مليار دولار، تعاني فعلا من حصار شديد؟ كما قيل حدث العاقل بما لا يعقل، فإن صدق فلا عقل له.
بلا ادنى شك ان الحصار الأمريكي على ايران محدود الجدوى، بل ان قيام ايران بتهريب النفط بمساعدة العراق يتم تحت انظار الاساطيل الامريكية، وهناك مفاوضات مباشرة بين الشيطانين الأكبر والاصغر تجري في سلطنة عمان.
الخاتمة
استكثرنا قول عبد العزيز الحكيم بان على العراق تعويض ايران بمائة مليار دولار عن الحرب العراقية الإيرانية، والنتيجة دفع العراق اضعاف ما حدده الحكيم... وهيهات منا الذلة.
وسوم: العدد 1081