من الجيش الأكثر أخلاقية في العالم: اسألوا جثث الأطفال في رفح ودماء الأمهات ونحيب المؤذن!
استيقظ العالم منذ أيام قليلة على فاجعة لا تقل وحشية وقذارة وحيوانية عن فظائع يومية، لا تحصى ولا تعد، قام بارتكابها الجيش «الأكثر أخلاقية في العالم»! منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول في حق غزة وأهلها الصابرين وصولاً إلى اللحظات التي تقرأون فيها هذا المقال السوداوي المشؤوم.
هو ليس وحده مشؤوماً، بل الحياة الآن برمتها، بتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة. فبعد كل تلك المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال على مرأى ومسمع من العالم، أصبحنا على بعد ربع خطوة من الجنون والانهيار والسقوط الأخير. ولو استطاع سكان هذه الكرة العجوز المتهالكة إيقافها لهبط الجميع وما بقي فيها سوى جزاري الحروب ليتباهوا بأعداد ضحاياهم ويتعاركوا وهم يتقاسمون الأشلاء!
لكن هذه المرة جاءتنا ضربة نوعية مؤلمة، أصابت صميم الإنسانية في مقتل، جاءت بمثابة نقطة أخيرة في آخر فصول الأمل. هذه المرة لم يسقط العالم، بل شبع سقوطاً وانحلالاً وتعفناً وبشاعة! حتى أصبحت رائحتنا الكريهة تنفر من رائحتها.
هكذا أصبحنا على جريمة أصابت كل من يحمل، ولو ذرة واحدة من الإحساس والإنسانية بصدمة شبه قاتلة. لقد انفجرت صفحات التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية والفضائيات بشلالات دماء هادئة. نعم هادئة، لأن الليل في رفح كان حارس أحزان سكان الخيم. كان الناس الأبرياء نياما على الأرض يحتضنون شيئاً من أحلام كثيرة مهدورة. ناموا من شدة التعب وهم يعرفون تمام المعرفة أن نومهم قد يطول كثيراً. ففي مزرعة الحيوانات، «بيبي» المجرم لم يَصْدق ولا مرة واحدة. وتاريخه الحافل بالأكاذيب يشهد على طينته. ففي كل مرة كان يعمد إلى تشريد سكان غزة ودفعهم للانتقال إلى ما يسميه «أمكنة آمنة تحفظ سلامتهم»، بعد أن يقصف بيوتهم ويدمرها بشكل كامل ويقتل الآلاف منهم. يدفعهم للانتقال وينتظر وصولهم إلى المكان المحدد «الآمن»! ثم يقضي عليهم بصواريخه المهداة من «العم بيدو»، شرشبيل العصر الحديث!
إن «بيبي» وجيشه المجرم لم يترددا لحظة واحدة في قصف المستشفيات والمدارس والكنائس والجوامع، إلى أن استهوتهم خيم القماش المعلقة في الهواء، تلك الأقمشة الخفيفة التي يستلقي في ظلالها أطفال ونساء ومسنون وشبان أبرياء.
لقد أحرق جيش الاحتلال الناس وهم أحياء في منطقة يُفترض أنها آمنة، ليقتل 40 فلسطينياً على الأقل ويصيب العشرات في قصف مباشر على مخيم النازحين شمال غرب رفح قرب مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين. جاء ذلك بمثابة رد عنجهي متغطرس على طلب المحكمة الدولية بوقف فوري لإطلاق النار.
غزة تحتضر
إنها إسرائيل الدولة «الجبارة» التي لا تنصاع لقرارات المحكمة الدولية ولا تكترث بالغضب العالمي، الذي يهز أغلبية المدن والجامعات، بل تزداد إجراماً يوماً بعد يوم. وتتغذى من دعم «العم بيدو» وغيره ممن لا تهمهم سوى مصالحهم في منطقة الشرق الأوسط والصفقات السياسية العابرة.
إنها إسرائيل، التي تنمو بواسطة بعض القطيع الأعمى والمسير. وقد شهدنا ذلك عبر تصريحات غاضبة تضخ كراهية وخبثاً ووحشية بحق الشعب الفلسطيني وأطفاله. وكأن الفلسطينيين بشر من الدرجة الثالثة. من بين تلك التصريحات ما صدر عن جندي أمريكي في فيديو مثير للجدل التقطته بعض الجوالات المحمولة، وانتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد قال بشكل واضح وصريح لأحد الشبان المتظاهرين ضد الإبادة الجماعية في غزة: أنا أدعم قتلكم وأدعم الإبادة الجماعية في غزة!
ذلك الجندي ليس الوحيد، الذي ينتشي بقتل أطفال غزة، ولا هو أول من صرح علانية وحرض على المزيد من القتل. هناك الكثيرون من داعمي الصهيونية والمطبلين للاحتلال. هناك الكثيرون من المطبعين الذين لا يقلون شراً عن ذلك الشرطي الأمريكي المعتوه أو عن سياسي دولة الاحتلال، وخصوصاً وزير دفاعها يوآف غالانت، ذلك المجرم البغيض الذي لا بد أن تحتضنه مزابل التاريخ وعلى جبينه نُقِشَت بالدماء جملته الشهيرة التي رددها، بكل وحشية، في بداية حرب الإبادة، جملة لن ينساها لا كبير ولا صغير ولا مقمط بالسرير: نفرض حصاراً كاملاً على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك.
العالم يتخبط بين الإنسانية ولا إنسانية، بين الخير والشر المطلق، بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل. هو يتخبط منذ الأزل منذ أن دبت الحياة على هذه الأرض، ولكن اليوم حُسمت المعركة، حُسمت بحرق الأطفال نياما، حُسمت بصوت مؤذن الجامع، الذي كان يردد الآذان باكياً. حُسمت بخطوة طفلة نازحة تمشي وهي تضم القرآن الكريم إلى صدرها والدم يقطر من رجليها. حُسمت بدعوات الطفلة آية وشقيقها محمد عون: يا رب احمني أنا وماما ويا رب ما يجي علينا الصاروخ ونموت. يا رب ما نموت!
لكنهما ماتوا، جميعهم ماتوا: المؤذن والطفلة النازحة وآية وشقيقها محمد وحوالي 40 ألفا آخرين. وأطفئ الجامع واقتلعت أجراس الكنيسة. هكذا تحتضر غزة. هكذا حسمت المعركة. ونحن ما زلنا صامتين!
وسوم: العدد 1081