معركة خربة أم الدرج بجوار قرية إجزم...

تقع خربة أم الدرج إلى الشرق من قرية إجزم، وعلى بعد 4 كم إلى الشمال الغربي من أم الزينات، على ارتفاع 300 متر عن سطح البحر 1. روى لنا السيد نايف ذياب محمد مصطفى أبو عيطة (طوافشة) أن مسقط رأسه أم الدرج تقع على رأس جبل عالٍ يشرف على البحر الأبيض وعلى إجزم، وفيها كهوف ومغاور كثيرة كان يأوي إليها الثوار، وكانت مأهولة بآل أبو عيطة وهم أهله وأقاربه 2.

في عام 1938 وقعت معركة أم الدرج. شارك في هذه المعركة ثوار من عاره وعرعره وأم الفحم وقرى الروحاء والكرمل الذين كانوا تابعين للقائد يوسف سعيد أحمد أبو درة.

حدثنا المناضل دواس حسن محمد ضعيف قال: " جاءت الأخبار بأن معارك تجري بين الإنجليز والثوار جهة جبال الكرمل فهب النشامى من عاره وعرعره وذهبوا إلى هناك لتقديم الفَزْعَة. أثناء القتال حاول الإنجليز تطويق قرية إجزم، فانسحب الثوار إلى خربة قُمْبازة الواقعة إلى الجنوب الشرقي منها، لكونها تقع في منطقة وعرة، فاستدعى الإنجليز طائراتهم التي استمرت في قصفها للثوار حتى حلول الظلام. استشهد في المعركة أكثر من 25 مجاهدًا، ومن ثوار عاره وعرعره: المجاهد حسن محمد عبد الله ضعيف الملقب بالجرمة، والمجاهد إبراهيم أبو شحادة والمجاهد عبد الجبار عبد الله عبادية وهم من قرية عاره. فيما بعد قام أهل قرية إجزم بدفن جميع الشهداء في مقبرة سُمّيت بمقبرة الشهداء، وقد روى لي المرحوم دوّاس أنه كان يذهب مع والدته لزيارة المقبرة وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، وأكد على أن المعركة المذكورة وقعت في عام 1938 وعليه لا يمكن قبول رواية أهل عين حوض التي تقول إن المعركة حدثت عام 1937. 3

ذكر مصطفى كبها ونمر سرحان أن معركة أم الدرج وقعت في 9/6/1938 دون أن يشيرا إلى أي مصدر يدعم ذلك. كما أنهما لم يذكرا الخسائر الفادحة التي مني بها الثوار والإنكليز معًا. ناهيك عن أنه لا يعول على التقرير الذي نشرته صحيفة فلسطين بتاريخ 10/6/1938 الذي يصف إصابة ثلاثة من الثوار بجروح بالقرب من إجزم إذ ليس من المنطقي تجاهل العدد الكبير من الشهداء الذين ذكرهم العم دواس حسن ضعيف في روايته لنا 4.

وقعت معركة خربة أم الدرج يوم الاثنين الموافق 28/11/1938 وهي جزء من المعارك الطاحنة التي خاضها الثوار في منطقة أم الزينات. وفيما يلي البراهين على صحة ما نقوله:

-أوردت صحيفة (بلستاين بوست) يوم الأربعاء 30/11/1938 تقريرًا مفصلاً عن سير المعارك بين فصائل كثيرة من الثوار وبين كتائب من الجيش البريطاني ووحدات من الشرطة تساندها الطائرات في القرى الجبلية الواقعة إلى الجنوب من حيفا. وأشارت إلى أن العمليات العسكرية بدأت يوم الاثنين وانتهت أمس، وأسفرت عن مقتل 43 ثائرًا، ومصادرة 15 بندقية وذخائر كثيرة، ومقتل خمسة من الجنود والضباط البريطانيين وشرطي عربي وجرح أربعة جراح اثنين منهم خطيرة. وقد عدت الصحيفة المذكورة هذه العمليات العسكرية الأوسع والأنجح منذ أسابيع. وجاء في التفاصيل أن كتيبة هامبشير الأولى فرضت طوقًا على منطقة دالية الكرمل ترافقها الطائرات ونجحت في تكبيد الثوار(العصابات) خسائر كبيرة. في فجر يوم الاثنين طوقت الكتيبة الثانية من الرويال الإيرلندية قرية أم الزينات، بينما قامت الكتيبة الثانية من الرويال وست كنت بفرض طوق محكم على قريتي إجزم وعين غزال، كل ذلك جرى بالتعاون التام مع طائرات سلاح الجو البريطاني. في الساعة الثانية عشرة وربع ظهرًا اكتشفت الطائرات عصابة كبيرة على الجبال القريبة من خربة أم الدرج على مسافة أربعة كيلو مترات شمال غرب أم الزينات فهاجمتها بينما قامت القوات البرية المتواجدة في أم الزينات بالتوجه إلى مكان وجود العصابة واشتبكت معها في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، وقد أوقعوا فيها خسائر فادحة في الأرواح. توقف القتال مع حلول الظلام، واتخذت سرايا الكتيبة الإيرلندية مواقع للمبيت، وفي فجر أمس استأنفت القوات التفتيش. تأكد مقتل 43 من رجال العصابات. هؤلاء كانوا يلبسون زيًا موحدًا. تم الاستيلاء على 15 بندقية، مسدسات، بندقية صيد وكمية كبيرة من الذخيرة. شاركت في المعارك ثلاث كتائب إنكليزية تابعة للواء السادس عشر مشاة وقوات كبيرة من الشرطة5.

-جاء في تقرير سري موجود في الأرشيف الصهيوني المركزي تحت عنوان " الخلاف بين الدروز ورجال العصابات": في 25/11/1938 تواردت الأخبار تباعًا عن قيام رجال يوسف سعيد أبو درة بالتنكيل بدروز عسفيا ودالية الكرمل، وعن وجود عصابة كبيرة من الثوار في أم الزينات، وأخرى في محيط إجزم وخربة قمبازة، فأخذت السلطات تعد للقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق. في صباح 28/11/1938 شرعت قوات كبيرة يقدر عددها ب-300 جندي تحت قيادة جنرالين وضباط شرطة في العمليات العسكرية. قسم من هذه القوات توجه إلى قرية أم الزينات، والقسم الآخر إلى قرية إجزم. في إجزم تلقى الجيش إخبارية مفادها أن عصابة موجودة في أم الدرج، فتوجهت القوة إلى تلك القرية برأسين من الشمال والجنوب. في الساعة الرابعة والنصف هاجم الثوار القوة القادمة من الطرف الشمالي ونجحوا في قتل جنديين وجرح آخرين. اتخذ الجيش مواقع قتالية ونجح في قتل 12 عربيًا والاستيلاء على 18 بندقية. أثناء القتال وصل جنود الجنرال ق.ن من أم الزينات، وشاركوا في القتال. عند انتهاء المعركة بلغ مجموع القتلى العرب 28 عربيًا. لا شك أن العصابة جعلت قسمًا من رجالها يهاجم الجنود ويشغلهم قدر المستطاع ريثما يقوم القائد مع بقية الرجال في الانسحاب نحو الشمال. لا يوجد أدنى شك في أن يوسف أبو درة قد جرح في هذه المعركة، ولكن لا يوجد مصدر أكيد للإشاعة التي تقول إنه مات متأثرًا بجراحه 6.

كانت معركة أم الدرج استمرارًا لمعركة أم الزينات الشهيرة.

عن معركة أم الزينات يقول أكرم زعيتر في يومياته:

وردني اليوم(4/12/1938) تقرير مفصل من السيد فيصل النابلسي من ديوان الثورة في منطقة جنين، ومعه بيان بتوقيع المتوكل على الله يوسف سعيد أبو درة، والتقرير يدور حول معركة أم الزينات جنوب حيفا، وكانت إذاعة فلسطين وراديو أوريانت في بيروت قد أذاعا أن يوسف سعيد أبو درة كان يرابط الثلاثاء في 6 شوال 1357ﮪ/28 تشرين الثاني 1938 وبعض الفصائل في منطقة الكرمل، فأرسلت السلطة طائراتها للاستكشاف وتعيين مواقع المجاهدين. ثم أخذ الجيش يطوق المنطقة الواسعة بين دالية الكرمل وأم الزينات وإجزم وعين غزال. وبعد الظهر تواردت الطائرات ومعها ثلاث عشرة طائرة. ونشبت المعركة في مساحة تقرب من عشرة كيلومترات، واستبسل المجاهدون وأسقطوا طائرة وسقط الكثير من الجند قتلى. هذا ما ورد في التقرير. أما بيان الشيخ يوسف أبو درة فجاء فيه: " إني أعلن ألا صحة مطلقًا للإشاعة القائلة بأني أنا يوسف سعيد أبو درة قد أصبت بضرر ما، فأنا لا زلت بحمد الله أتمتع بالصحة والعافية، وأعاهد الله والرسول على مواصلة الكفاح إلى النهاية حتى تصل الأمة إلى ما تصبو إليه أو يقضي الله أمرًا كان مفعولاً " 7.

يقول مصطفى مراد الدباغ إن عدد المجاهدين في معركة أم الزينات بلغ 125 مجاهدًا يقابلهم الآلاف من الجنود البريطانيين. وقد أسفرت المعركة عن إسقاط طائرتين ومقتل سبعة ضباط بينهم ضابط كبير و125 جنديًا8.

يبدو أن الإشاعة المذكورة انتشرت في وسائل الإعلام مثل انتشار النار في الهشيم، فقد نشرتها وكالة هواكس ونقلتها صحيفة دافار العبرية في عددها الصادر في الأول من كانون الأول عام 1938.

وفيما يلي أسماء الشهداء في معركة أم الدرج:

1_علي مسعود الماضي-إجزم.

2_توفيق سعيد ابراهيم مشينش- إجزم.

3_خضر عبد العزيز أبو شقير- إجزم.

4_محمود اشتيه-الريحانية.

5_الحاج صالح نزال- السنديانة.

6_صالح الجبالي-بريكة.

7_يوسف السيد أبو راشد- طيرة الكرمل.

8_عبد الله يوسف أبو راشد-طيرة الكرمل.

9_يحيى أبو هدية- الطنطورة.

10_ابراهيم أبو عبود-الطنطورة.

11_مفلح ابو قدورة-الطنطورة.

12_عبد الفتاح الخطيب-الطنطورة.

13_حسن محمد عبد الله ضعيف-عاره.

14_ابراهيم أبو شحادة-عاره.

15_عبد الجبار عبد الله أبو صالح عبادية-عاره.

16_محمد قاسم-عين غزال.

17_حسين احمد صالح-عين غزال.

18_محمد الفحماوي من قرية فحمة.

19_مصطفى سعيد محمود أبو الهيجاء-عين حوض

20_مسعود سعيد عبد المالك أبو الهيجاء-عين حوض

21_طالب بدوي من الفريديس

22_عبد الله عمورة من طيرة الكرمل

23_محمد الحسن الرحايمة من عين حوض

24_صالح سليمان بشر من أم الزينات

25_عبد السلام أبو فرحة الخطيب من أم الزينات

26_عبد الحسن فحماوي من أم الزينات

27_محمد أبو خميرة أصله من أم الزينات ويسكن في إجزم

28_الشيخ مسعود نصار من إجزم أصيب برجله ونقل إلى بيروت للعلاج ومات هناك في عام 1939.

 

هوامش ومراجع:

1.مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ق2/ج2، ص 660

  1. مقابلة مع نايف ذياب أبو عيطة (طوافشة) بتاريخ 9/10/2015
  2. مقابلة مع دواس حسن عبد الله ضعيف بتاريخ 9/5/1998، 20/5/1998، وانظر: محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره، ج1، ص 96، محمد عقل، بلاد الروحا-وطن وجذور، عرعره، 2016، ص 247-249، وقارن: شريف كناعنة وبسام الكعبي، عين حوض، سلسلة القرى المدمرة، 1، جامعة بير زيت، ص 48-49.

4.مصطفى كبها ونمر سرحان، سجل القادة والثوار والمتطوعين، ص 464

  1. صحيفة بالستاين بوست 30/11/1938. راجع: يجئال إيال، الانتفاضة الأولى: إخماد الثورة العربية على يد الجيش البريطاني 1936-1939(بالعبرية)، إصدار معرخوت، تل أبيب، 1998، ص 437.
  2. الأرشيف الصهيوني المركزي، ملف S25/4960
  3. 7. أكرم زعيتر، يوميات: الحركة الوطنية الفلسطينية، بيروت، 1980، ص 537
  4. مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ق2/ج2، ص 192

(حقوق الطبع محفوظة للمؤلف)

وسوم: العدد 1084