الحرب على الفلسطينيين: 3 وقائع
خرج الشاب الفلسطيني مجاهد عبادي من منزل عمّه لاستطلاع الوضع بعد سماعه بوصول قوات إسرائيلية إلى حيّه، الجابريات في منطقة وادي برقين لكنّه ما إن حاول العودة إلى المنزل حتى بدأ الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار فأصيب برصاصة في رجله وبقي ينزف لقرابة ساعتين ونصف من دون أن يستطيع أحد الوصول إليه.
حالما رآه الجنود، وبدلا من إسعافه كونه جريحا مدنيا غير مسلّح (باعتبارهم عناصر في «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»!) فقد قاموا بما هم معتادون عليه: بدأوا بالدوس على رأسه وضربه على وجهه ورجليه ويديه المصابتين، وبعد التعذيب الإضافي الذي عرّضوه له، تفتّقت الأذهان السادية للجنود، فيما هم يتضاحكون ويتلاعبون فوقه، عن أفكار لتسليتهم فحملوه وبدأوا بالتلويح به ثم ألقوه على الأرض وبعدها وضعوه على مقدمة المركبة العسكرية وطافوا به في الحيّ هكذا كما يليق بجيش «الدولة الديمقراطية». بعد هذه الجولة الهمجية، انتهى الأمر بعبادي، إضافة إلى الإصابة بالرصاص، إلى كسر في عظام الرجل واليد وإصابة في العصب الرئيسي للقدم، وحروق في الظهر والرقبة.
بعد يوم من هذا الحادث، وصل وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، للقاء نظيره الأمريكي لويد أوستن، وعدد من مسؤولي السياسة والدفاع الأمريكيين، لبحث «خيارات اليوم التالي» كما قال، ولمناقشة التصعيد على جبهة لبنان واحتمالات حرب إقليمية واسعة. تجري هذه المباحثات ضمن مظهرين لضغط رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على إدارة الرئيس جو بايدن، تمثّل المظهر الأول بنشره فيديو اتهم فيه أمريكا بتأخير وصول الأسلحة لإسرائيل، وتمثّل الثاني بخطاب نتنياهو في الكونغرس الشهر المقبل والذي فرضه النواب الجمهوريون، ويمكن أن يستخدمه نتنياهو لهجوم جديد على إدارة بايدن.
رغم رفعه نقطة «تأخر وصول الأسلحة» فإن لنتنياهو مآرب أخرى، أحدها أن التشديد على إدارة بايدن، وإحراجها في قضية دعم إسرائيل، هو وضع نتنياهو لرصيد النفوذ الإسرائيلي في صالح الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب؛ فقضية إسرائيل، كما نرى من خضوع نواب الكونغرس عموما (بمن فيهم جلّ الديمقراطيين وليس الجمهوريين فحسب) لنفوذ اللوبي الإسرائيلي، هي عامل ترجيح انتخابي كبير.
قبيل زيارة غالانت إلى واشنطن كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن استقالة أندرو ميلر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وهو أكبر مسؤول أمريكي في الخارجية يستقيل، ورغم أن ميلر قال لزملائه إنه استقال من منصبه المهم «بسبب انشغاله الدائم عن عائلته» لكن الصحيفة أكدت أن قراره جاء اعتراضا على سماح الولايات المتحدة لإسرائيل بقتل عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة.
سبق لـ«القدس العربي» أن التقت ميلر في تشرين ثاني/نوفمبر الماضي وسألته عن كيف لا تعتبر بلاده إسرائيل دولة إرهابية، رغم أن التعريف المتعارف عليه للإرهاب هو قتل المدنيين لأهداف سياسية، وكان جوابه الدبلوماسي حينها أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم التعريف للمنظمات غير الحكومية فحسب، وهو قول لا يُنكر، عمليا، إرهاب إسرائيل، ويتّسق، على ما نرى، مع استقالته أخيرا، التي يمكن اعتبارها، تبرؤا شخصيا من الإبادة الجارية، كما يمكن أن تفهم، قبل زيارة غالانت، كشكل من الاحتجاج على خنوع إدارة بايدن، وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية ممثلة بأنتوني بلينكن، المرة تلو المرة، لمطالب نتنياهو.
وسوم: العدد 1084