لستُ ظهيرا للمجرمين ... ولكن على العقلاء أن يقولوا كلمتهم...
وعلى الذين تحملوا المسؤولية الشرعية والحقوقية أن يتحملوا، فيبينوا للناس..
فما هي خيارات كثير أو قليل من السوريين الذين كانوا يعملون في مواقع، أو مفاصل متعددة من الدولة السورية، التي تدار مؤسستها وأجهزتها، من قبل نظام بشار الأسد..
وهؤلاء السوريون سواء كانوا في أجهزة الدولة الشرعية أو الصحية أو التعليمية أو الفنية أو غيرها.. ربما يرتبط بقاؤهم في مواقعهم بمعادلة فردية أو جماعية أشد تعقيدا..
لا أشك ولا تشكون أن بشار الأسد سيكون أشد حنقا وقسوة، على هؤلاء الذين انشقوا عليه، في أي مرحلة من مراحل هذه الثورة، وفي أي لحظة من لحظاتها، وسيكون حنقه وستكون قسوته على هؤلاء أكبر من حنقه مثلا على رجل مثلي محكوم بالإعدام، حسب القانون الأسدي، منذ خمسة وأربعين عاما..
هل نستغرب أو أستغرب، أن بشار الأسد، يوظف فريقا مخابراتيا، يأخذ على عاتقه مطاردة هؤلاء، ومحاسبتهم ومعاقبتهم بالقانون نفسه الذي يجب أن يعاقب هو به؟؟
هذا شخصية رسمية عسكرية أو أمنية أو إدارية انشقت عن النظام في مرحلة من المراحل، وغادرت دائرة سطوته، ولجأت إلى دولة من دول العالم، فيجند لها بشار الأسد من يطاردها، وينتقم منها، ويقيم لها المحاكم الحقوقية، لتجعلهم يدفعون ثمن انشقاقهم عليه!!
أعلم أن الأمر شديد الاختلاط والاضطراب، وأن الخيارات فيه شديدة الضيق؛ ولكن لمثل هذه المواقف الضنكة، يدخر الناس حكمة الحكماء وعقل العقلاء…
لا نريد الذي يكمل بفتواه جريمة قتل التسعة والتسعين لنصل إلى المائة والمائتين.
ولا نريد التبرع بالعفو عن المجرم..
نحتاج إلى علماء فقهاء حلماء حكماء يضعون تفسير قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) في موضعه الذي يقتضيه المقام. حتى تظل عملية الانسلال من صفوف المجرمين مستمرة…
الثورة ليست نقمة، ومن لا يستطيع أن يميز بين الثائر والناقم، لا يمكن أن يسود.
نحتاج لعلماء فضلاء حكماء يشرحون لنا بفقه ووعي وبعد نظر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة قالوا كيف يا رسول الله ؟ قال يقتل هذا فيلج الجنة ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد"
مرة سابعة أنا لا أدافع عن مجرمين، ولا أدافع عمن امتهن العدوان على كرامات الناس.
ولكنني أتابع فيما أتابع في صورة المشهد، مكر السيء يمكره بشار الأسد ببعض من تمردوا ولو في لحظة متأخرة، عليه…
أقرع الجرس وأصمت، وأنادي على أولي الأحلام والنهى أن قولوا…
وأختم بحقيقة شرعية مدنية حقوقية نفخر بها نحن المسلمين
فقد حفظنا من حكمة قانون العقوبات الإسلامي: أن العقوبات في الإسلام موانع قبل الإقدام على الجريمة، زواجر بعده.
وأن شريعتنا نحن المسلمين تهتم بمنع الجريمة، أو وقفها، أو رفع إصرها عن الناس أكثر من اهتمامها بمعاقبة المجرمين. وإن كانت معاقبة المجرمين حق وصدق.
نصف قرن تقريبا ويد نظام الأسد طليقة بفعل التواطؤ الدولي، في قتل السوريين وانتهاكهم وتعذيبهم.. ثم يأتينا من يحدثنا عن اتفاقيات جنيف الأربعة!! فماذا سيعني للمعذبين السوريين بعد كل هذه المآسي، أن يكون مصير بشار الأسد مثل مصير الزعيم الصربي الذي قضى في سجنه!!
مرة أخرى أنا ضد الجريمة، وضد المجرمين، ولا أدافع عن أحد منهم..
ولكنني أحب كثيرا قوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
وسوم: العدد 1084