فضح وهم مفاوضات نتنياهو… ورهانه على ترامب!

د. عبد الله خليفة الشايجي

يقال يحدث أحيانا في شهر أكثر مما يحدث في سنة!! تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن التاسعة للمنطقة منذ شن إسرائيل حرب الإبادة بلا هوادة خلال عشرة أشهر ونصف من إبادة البشر على غزة، مع عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره الوطني في شيكاغو لتتويج أعماله بإعلان ترشيح كامالا هاريس. كما تستمر إسرائيل والمنطقة بحبس أنفاسها وتأمل بتجنب حرب إقليمية، نتيجة رد إيران وحزب الله الانتقامي على اعتداءات إسرائيل واغتيال إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في بيروت.

تواجه هاريس ترامب مرشح الحزب الجمهوري للمرة الثالثة على التوالي منذ عام 2016 لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بعد قبول كامالا هاريس ترشيح حزبها الديمقراطي لمنصب رئيس الولايات المتحدة، وتيم والز لمنصب نائب الرئيس. وأكدت التزامها بدعم حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ورفضت لجنة الحزب الديمقراطي السماح لمندوبي الحزب الديمقراطي غير الملتزمين الذين رفضوا التصويت للرئيس بايدن في الانتخابات التمهيدية في ولاية مشيغين بسبب دعمه غير المحدود لعدوان إسرائيل في غزة. بينما وافقت لجنة الحزب الديمقراطي لوالدي أسير إسرائيلي أمريكي الحديث لمؤتمر الحزب في ازدواج معايير صارخ، ما أغضب المندوبين غير الملتزمين والناشطين وطلبة الجامعات.

لهذا لا توجد فوارق بين موقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري تجاه دعم إسرائيل لما يملكه اللوبي الأمريكي ـ الإسرائيلي من أوراق نفوذ ومال يحاصر بها النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وحتى مرشحي الرئاسة من الحزبين. لذلك لا يوجد خلاف بين ترامب وهاريس في تقديم الولاء وتكرار التعهد بدعم حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها.

واضح أن موقف الإدارة الأمريكية والحزبين والكونغرس والإعلام الأمريكي يقوّي ويعزز موقف نتنياهو ليتعنت ويتحدى ويحرج ويتلاعب ببايدن ويرفض مطالبه بوقف الحرب، ويضيف شروطا ويتراجع عما وافق عليه بالانسحاب من غزة ويصر على بقاء قواته في معبر نتساريم وسط القطاع وفي معبر صلاح الدين جنوبا ورفح على الحدود المصرية ما يخالف تعهده لبايدن وحماس ومصر لرفض بقاء القوات الإسرائيلية. وليستمر تلاعب نتنياهو، لشراء الوقت يوافق بعد ضغوط بخفض عدد القوات والانسحاب كلم واحدا من معبر رفح على حدود مصر، مع علمه برفض مصر وحماس!

تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن التاسعة للمنطقة منذ شن إسرائيل حرب الإبادة بلا هوادة خلال عشرة أشهر ونصف، مع عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره الوطني

وبرغم موافقة حماس على مقترح الرئيس بايدن بمراحله الثلاث بالانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل على مراحل والإفراج عن الرهائن وإدخال المساعدات، إلا أن بايدن ووزير خارجيته يستمران بانتقاد حماس وليس إسرائيل. والجميع يعلم أن نتنياهو وزمرته المتطرفة ممثلة بوزير الأمن الداخلي بن غفير ووزير المالية سيموترتش يعارضون أي صفقة ويضعون العصي في الدواليب ويحبطون جميع المبادرات للتوصل لاتفاق، ويأتي ويذهب بلينكن بخفي حنين لأنه لا ضغط حقيقيا يمارس على نتنياهو وسط تنافس حقيقي داخل إدارة بايدن بين الإدارة والكونغرس الذي وقف وصفق معظم المشرعين لنتنياهو أكثر مما يصفقون لرئيسهم!

لكن رغم التفهم والدعم والإسناد الذي يُقدم لنتنياهو وإرسال وزير خارجيته تسع مرات ومدير الاستخبارات المركزية ومستشار الأمن الوطني ومبعوثه للشرق الأوسط عدة مرات واتصالات بايدن المتتالية مع نتنياهو ومع الوسطاء أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط وحرب غزة تفرض نفسها على إدارة بايدن وتنافس حرب روسيا على أوكرانيا، لكن يفشل بايدن مرارا وتكرارا بوقف الحرب وإجبار نتنياهو التعامل بجدية مع الوسطاء ومطالب بايدن لوقف الحرب والإفراج عن الأسرى وإدخال المساعدات.

واضح رهان نتنياهو على فوز ترامب في نوفمبر لتوثيق العلاقة معه. خاصة أنه يرى بايدن بات «بطة عرجاء» ضعيفاً ويمضي ما تبقى من أيامه حتى نهاية رئاسته في 20 يناير القادم، بعد انسحابه من سباق الرئاسة. يولي الرؤساء كحال بايدن في أشهرهم الأخيرة أهمية كبيرة لتحقيق إنجازات مميزة لتخليد إرثهم. لذلك لن يمنحه نتنياهو إنجازاً يعزز إرثه بوقف قيادته حرب غزة وبقاء حماس، ليجيره لإدارته ولمنافسة ترامب هاريس، خدمة لترامب.

لهذا ينخرط نتنياهو بمسرحية مفاوضات وهمية يعرقلها ويضيف شروطا جديدة حتى أن المفاوضين الإسرائيليين والمؤسسة العسكرية والمعارضة وأهالي الأسرى ـ يتظاهرون باستمرار، مقتنعين أن نتنياهو من يمنع ويعرقل التوصل لصفقة توقف الحرب وتفرج عن أبنائهم-وبرغم ذلك ليس بقدرة أحد الضغط على نتنياهو لتغيير موقفه وإصراره على خوض حرب استنزاف عبثية مكلفة، خدمة لمصلحته الشخصية، وشراء الوقت حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض ويتخلص من ضغوط ومطالبات بايدن الذي يريد أن يعطي كامالا هاريس إنجازا توظفه في حملتها الانتخابية.

لذلك يتعمد نتنياهو التصعيد باغتيالات في الخارج لقيادات ومقاتلي حزب الله، وباستهداف النازحين في مراكز الإيواء وفي مدارس الأمم المتحدة وارتكاب مجازر متنقلة في طول وعرض قطاع غزة لإفشال المفاوضات. ويواصل التضييق على الغزيين ويقلص جيشه المساحات الآمنة، بإجبار النازحين على النزوح المتكرر. تقول صحيفة وول ستريت جورنال-»يتكدس 2.2 مليون نازح بمساحة 15 ميلا مربعا حوالي 10في المئة من مساحة قطاع غزة»!

من يراهن على ترامب أو هاريس بتغيير مسار العلاقات والعمل على التهدئة بحل ملفات وأزمات المنطقة، بوقف حرب الإبادة على غزة، وحل الدولتين، والتصعيد مع إيران لحماية الأمن الخليجي فهو واهم!

ولن يتوقف نتنياهو عن مسرحيات إجهاض المفاوضات ودفع المنطقة لحرب واسعة، حتى يُعرى بفرض ضغوط مكلفة عليه ليدفع ثمن عبثه!

وسوم: العدد 1092