إصراره على تهويد غزة كإصراره على ترميم بيته كل حين.. ألستم جميعاً نتنياهو؟

ربما لم نستخف بنمط حياته على نحو كاف. على أي حال، لقد ربح كل الافتراءات بنزاهة. ولكن يجب الانتباه، كيف امتنع عدد كبير من منتقديه عن مهاجمته على قضية واحدة، وهي أيديولوجيته. يرى منتقدوه أنه يفتقد لأي أيديولوجيا، إلا رغبة بقائه في الحكم وشهوته للسلطة. يرون أن كل من يقول “كله إلا بيبي” هو شخص انتهازي فارغ. لا رؤية عنده، ولو أنه امتلك مثل هذه الرؤية فقد باعها منذ زمن من أجل البقاء في الحكم.

المحرر في “هآرتس” ألوف بن، يعتقد شيئاً مختلفاً. فحسب رأيه، لنتنياهو هدف أعلى، ليس مجرد البقاء في الحكم، فهو يحارب على هدف أكبر بكثير، وهو احتلال غزة بشكل دائم. ولتحقيق ذلك، هو مستعد لدفع ثمن باهظ، بما في ذلك التخلي عن المخطوفين والمخاطرة بحرب إقليمية شريطة ألا تسيطر إسرائيل على القطاع إلى الأبد (“هآرتس”، 21/8). لا أحد حلل دوافع نتنياهو بهذه الطريقة. أما سؤال ما الذي يحركه، فهو سؤال حاسم حتى الآن.

إجابة ألوف بن لا تقلل الحاجة إلى النضال ضد نتنياهو، لكنها تكشف ضعف معسكر معارضيه وفراغه الفكري. هذا المعسكر لا يهاجم بسبب أيديولوجيته، بل بسبب نمط حياته الفاسد ولأنه أمر يريحه. من السهل مهاجمة نتنياهو بفشل 7 تشرين الأول، لأن مسؤوليته كبيرة، لكن رؤيته يمتنع المعسكر عن انتقاده عليها، لإدراكه أنه لا فرق فكرياً بينه وبين خصومه، ولا خطة عمل منطقية يملكها للخروج من الحضيض الذي وصلت إليه إسرائيل.

من بين جميع المرشحين بالقوة لاستبدال نتنياهو، غالنت وغانتس وآيزنكوت وبينيت وليبرمان وساعر ويوسي كوهين ويئير غولان، فلا أحد منهم مستعدا لإطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين والانسحاب من كل القطاع. بكلمات أخرى، لا أحد مع وقف الحرب وإطلاق سراح المخطوفين حقاً، ولا أحد ينوي الانسحاب إلى حدود حزيران 1967. لذلك يمتنعون عن انتقاد خطته. جرائم وإخفاقات حكومة نتنياهو، التي حولت إسرائيل ليس فقط إلى متهمة بالإبادة الجماعية، بل أيضاً إلى دولة عالم ثالث فاسدة ومتعفنة وغير قادرة على الأداء، هي أمور تسبب اليأس. وما يسبب اليأس عدم وجود من يقترح شيئاً آخر من بين منتقديه الذين يثيرون الضجة.

أيديولوجيا نتنياهو أخطر من نمط حياته المسرف في الملذات ومن فساده. خلافاً لرأي منتقديه، هو يتمسك بأيديولوجيته طوال سنين، لم يؤمن ذات يوم بالاتفاق مع الفلسطينيين. وهو مؤمن متعصب بالعيش على حد السيف إلى الأبد، ولم يتراجع عن ذلك يوماً. منذ الخدعة المكشوفة وشبه العلنية لـ “خطاب بار ايلان”، ها هو نتنياهو فعل ونجح؛ فقد أحبط إقامة الدولة الفلسطينية، ومنع الانشغال بحل آخر. هو لم يؤمن بأي حل سياسي. الآن، جاء احتلال قطاع غزة وتحويله إلى احتلال دائم يضيف لبنة أخرى إلى خطة “حل” القضية الفلسطينية بطرق عسكرية فقط.

هذه رؤية كان يجب مهاجمة نتنياهو عليها بلا رحمة، وبما في ذلك نمط حياته؛ فهي التي تخفي بذور دمار الدولة، قبل “جناح صهيون” بكثير، وقبل يائير وسارة و”ملفات الآلاف”، أما الترميم الدائم لمنزله في قيسارية فهو أمر مقرف، ومثله معاملة العاملين في مقر رئيس الحكومة. ولكن خطة نتنياهو لتخليد الأبرتهايد هي الخطر الأكبر القادم من رئيس حكومة مكروه جداً، ولكن المعجب به جداً. على خلفية ذلك، وعلى تخليد الأبرتهايد، لا يمكن لأي زعيم لحزب صهيوني مهاجمة نتنياهو، من بن غفير وحتى يئير غولان، جميعهم متفقون معه، وهذا هو اليأس الحقيقي وعدم الأمل الأكبر.

وسوم: العدد 1092