دولة الاحتلال: خمسة مشاهد والمأزق واحد

خلال يوم واحد، أمس، توزعت مشاهد دولة الاحتلال الإسرائيلي على عناصر عديدة تبدو للوهلة الأولى متباعدة في الشكل، لكن منطق تكوينها الداخلي لا يوحدها من حيث المنحى والأغراض فقط، بل يجعلها سمة وجودية ناظمة لسائر الكيان الصهيوني في أطواره الراهنة.

ففي قطاع غزّة يواصل جيش الاحتلال جرائم حرب الإبادة الجماعية، فيصعّد من ارتكاب المجازر وقصف المنشآت المدنية والمباني السكنية والمدارس، ويشدد العنف ضدّ أحياء الزيتون والصبرة وتل الهوا جنوب مدينة غزة. وبذلك بلغت الحصيلة الدامية حتى صباح أمس 40.819 شهيدا و94.291 مصاباً، ضمن غالبية من الأطفال والنساء.

وفي العديد من شوارع دولة الاحتلال يواصل عشرات الآلاف من الإسرائيليين تنظيم تظاهرات احتجاج ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وترتفع مطالب عقد صفقة فورية لتحرير الرهائن وإسقاط الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وكان اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي (الهستدروت) قد خرج عن صمته ودعا إلى إضراب جزئي شمل العديد من القطاعات الحيوية، لكن التناقضات المستحكمة في صلب البنية التكوينية لدولة الاحتلال مكّنت محكمة العمل من إصدار قرار قضى بإنهاء الإضراب، معتبرة أن مضمونه سياسي إلى حد بعيد وليس له أساس اقتصادي، وكأن الدافعين يمكن أن ينفصلا بصدد تحرك من هذا الطراز.

وفي وقت سجّل إطلاق أبشع النعوت لرئيس الحكومة من جانب المتظاهرين الإسرائيليين، كان الأخير يعقد مؤتمراً صحافياً في القدس المحتلة، تفاخر خلاله بأنه ما من أحد يلتزم بتحرير الرهائن أكثر منه، مؤكداً بأنه لن يقبل مواعظ من أحد، غامزاً من قناة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي نُسب إليه تصريح يتيم بأنّ نتنياهو لا يبذل ما يكفي من جهد لإتمام صفقة التبادل. كذلك جدد نتنياهو موقفه الرافض للانسحاب من محور فيلادلفيا، مصرّاً على أن خروج الاحتلال من المحور لمدة 42 يوماً سيعني عدم العودة إليه ولو بعد 42 سنة.

وفي مشهد رابع، تبارى قادة ما يسمى بـ«المعارضة الإسرائيلية» في تفنيد مزاعم نتنياهو، وتوصيف تصريحاته بأبشع النعوت، فسارع يائير لابيد إلى مخاطبة نواب الكنيست من أحزاب الائتلاف بالقول: «أنتم متواطئون في أكبر كارثة في تاريخ إسرائيل» وأصدر حزب «الوحدة الوطنية» الذي يقوده بيني غانتس بياناً جاء فيه أن «نتنياهو كذب بشكل قاطع عندما قال إن عودة سكان الشمال هي أحد أهداف الحرب». كذلك غرد أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» بأن «إرث نتنياهو هو أخطر فشل أمني في تاريخ إسرائيل» وتابع وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت إعلان خلافاته مع رئيسه في الحكومة حول محورَي فيلادلفيا ونتساريم.

وأما المشهد الخامس فتوجّب أن يأتي من الخارج، فتحذر فرانشيسكا ألبانيز مقررة الأمم المتحدة الخاصّة في الأراضي الفلسطينية من امتداد «العنف الإبادي الإسرائيلي» في غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، وأن يضطر وزير الخارجية البريطاني إلى إعلان عزم الحكومة تعليق 30 رخصة تصدير أسلحة إلى الاحتلال.

خمسة مشاهد متنافرة من حيث الشكل، لكن مضمون المأزق واحد ومتكامل.

وسوم: العدد 1093