لماذا الانتخابات الأردنية سابقة مهمة عربيا؟
تابعت الانتخابات النيابية الأردنية، التي جرت قبل أيام، بعثة أوروبية من 120 مراقبا من الدول الأعضاء في الاتحاد، وكذلك من كندا والنرويج وسويسرا، وضمت أيضا وفدا من سبعة أعضاء في البرلمان الأوروبي و32 دبلوماسيا معتمدا في عمّان.
خلصت رئيسة البعثة المذكورة لمراقبة الانتخابات، في مؤتمر صحافي أمس الخميس، إلى أن الأردن نجح في إجراء الانتخابات النيابية «رغم الأحداث الإقليمية المضطربة وأبرزها الحرب في غزة» وأنها «أظهرت نزاهة في تطبيقها» و«جعلت المجلس النيابي أكثر شمولية».
حظيت الانتخابات بمتابعات تحليلية على الصعيد المحلي، كما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تحليلا سياسيا لنتائجها، فيما لقيت هذه النتائج تجاهلا عربيا وهو، على الأغلب، لكون هذه الانتخابات تبدو خطوة بالاتجاه المعاكس للسياق السياسي العربي العام الذي انهمك، بعد الانقضاض على نتائج الثورات العربية عام 2011، باستئصال أشكال التنوّع السياسي، ثم بمطاردة أي حيّز ديمقراطيّ او ميدانيّ أو حقوقي أيّا كان حجمه.
وصفت بعض الآراء الصحافية الأردنية ما حصل بالانقلاب، ورأت بعض التحليلات أن الأردن خرج من مرحلة «هندسة الانتخابات» والإمساك أمنيا بكافة المؤسسات، واعتبر البعض أن الانتخابات قدّمت مفاجآت كبيرة أهمّها حصول «جبهة العمل الإسلامي» على عدد مقاعد كبير، بعد إشاعة أن الدولة تريد إبعادها، وحصول أحزاب أخرى، كانت تشيع أنها «مدعومة» من الدولة أيضا على نتائج هزيلة، ورأى البعض أن النزاهة التي حظيت بها الانتخابات، حسب ما أقرت بعثة الاتحاد الأوروبي، والمصداقية التي حازتها السلطات الأردنية بسبب ذلك كانت إحدى تلك المفاجآت.
تركّز تحليل «نيويورك تايمز» على قضية أن تحقيق الجناح السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» لنتائج جيدة في البرلمان الأردني لا يهدد موقف الحكومات الأردنية المؤيد للغرب، وبما أن تلك النتائج ارتبطت بموقف الجبهة القويّ المناهض لإسرائيل في حربها على غزة، فقد حاول التقرير طمأنة الحكومات الغربية بالقول إن الحكومة الأردنية ستحتفظ بالغالبية لأن الأحزاب الموالية لها حصلت على مقاعد كافية، وبالتالي فإن هذه النتائج، كما أشار كاتبا التقرير، لن تؤثر على سمعة المملكة باعتبارها «من الدول المستقرة».
ربط الصحيفة الأمريكية لصعود الإسلاميين في البرلمان بقضية غزة صحيح من حيث المبدأ لكونهم كانوا التيّار الأجرأ في مناهضة حرب إسرائيل على القطاع وتحريك الشارع ضدها، لكنّ هذا الربط الميكانيكي يحمل، بداية، مفارقة منطقية لأنه يجعل الأحزاب السياسية الأخرى، والشعب الأردني عموما، غير مهتمّ بما يحصل في غزة، وهذا غير صحيح، لأن حكومة إسرائيل، أشرعت أبواب التهديد بالاستيطان والتهجير على الضفة الغربية والقدس والأقصى، وهو تهديد موجّه ضد الأردن ككيان، والأردنيين كشعب.
يصبّ التحليل الغربي الذي ينظر بشكل سلبي إلى التجارب الديمقراطية العربية بسبب احتمالات صعود الإسلاميين، في صالح أنظمة الاستبداد العربية، كما أنه بوضعه مواجهة إلزامية بين وجود للإسلاميين في الحياة السياسية العربية والغرب، يُضمر موقفا إسرائيليا مماثلا، فيظهّر «ديمقراطية» إسرائيل ويخفي همجيتها وتوحشها وخطرها الذي يتجاوز الفلسطينيين إلى المنطقة بأكملها.
صعود الإسلاميين، أو هبوطهم، في التجارب الديمقراطية العربية القليلة، متعلّق، كما في كل مكان تمارس فيه الديمقراطية، بالنتائج التي يقدّمونها في البرلمان أو الحكومة، أما إنكار حقّهم في الوجود، والتدخلات البشعة التي قدّمها الغرب لدعم صعود أنظمة الانقلابات العسكرية ـ الأمنية حين يتعلّق الأمر بالإسلاميين، وقبلها بالشيوعيين، أو حتى بالمسؤولين الوطنيين الذين يواجهون المصالح الغربية (كما حصل في الانقلاب الأمريكي ـ البريطاني ضد مصدّق في إيران) هي في جذر الكارثة الكبرى التي يعيشها العالم العربي اليوم، وفي تفاقم شرّ إسرائيل وتغوّلها على العالم بأكمله.
وسوم: العدد 1094