أدب الجلوس والوقوف
أدب الجلوس والوقوف
أبو أسلم
هذا مقال في الرابط التالي
الأحمر من كلام الكاتب والأسود ردي عليه
أدب الجلوس والوقوف
http://www.odabasham.net/show.php?sid=70019
قال الإبن لأبيه: إن المدرّس بالمسجد قال لنا، لاتترك الصف الأول لأحد ولو كان الأب، بل قاتله من أجل الصف الأول !.
ثم جاء الإبن الثاني وقال للأب: إن المعلم قال لنا، لاتقفوا للمعلم، كما تقف الأعاجم، ونهانا عن الوقوف للمعلم !.
بعد حمد الله عز وجل، وبعد الصلاة والسلام على رسول الله، فإنه لا يعقل أن يؤخذ حكم عام من قول صبي لم يكتمل نضج عقله، ولا يعقل أن يجعل منها مشكلة تسببت في انهيار الأخلاق، دون التأني والبحث في ملابسات الموقف الذي قيل فيه، فأنا لا أتخيل أن أحدهم فرغ نفسه ووقته وأعد عدته ليلقن الأطفال والصبايا فكرة الحفاظ على الصف الأول دون مراعاة أي أمور أخلاقية أخرى، أو أن تكون الحصيلة النهائية لحلقة علم مهما تضاءلت معرفة المعلم هي هذه الجملة فقط والأمر بالاقتتال على الصف الأول ولو مع الأب.
لا يخفى ما ورد في فضل الصف الأول في القرآن والسنة ليس المقام لسردها هنا.
وينبغي الإقرار والخضوع بأن إيثار الآخرين يكون بأمور الدنيا ليس في أمور الآخرة، فحق ألا يترك أحدهم مكانه في الصف الأول لأي أحد ولو كان أبوه، ومن الحيف والظلم اقتصار بر الأب في مظهر ليس من شأنه إظهار البر أساساً، وتدبر العبارة التالية: [[وَكَذَلِكَ كره الإِمَام أَحْمد التَّأَخُّر عَن الصَّفّ الأول وإيثار الْغَيْر بِهِ لما فِيهِ من الرَّغْبَة عَن سَبَب الثَّوَاب قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل وَقد سُئِلَ عَن الرجل يتَأَخَّر عَن الصَّفّ الأول وَيقدم أَبَاهُ فِي مَوْضِعه قَالَ مَا يُعجبنِي هُوَ يقدر أَن يبر أَبَاهُ بِغَيْر هَذَا. ("الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة" ابن قيم الجوزية ص 123، ط. دار الكتب العلمية – بيروت).]] اهـ
وأن من أمر بالبر وتقدير الكبار نفسه من أمر بزرع الثقة في النشء وتدريبهم على مظاهر الريادة والقيادة، فبأي حق يحرم صغير من ارتياد الصف الأول ثمرة لاجتهاده وتبكيره، وبأي حق ينزع هذا الفضل منه لأبيه تأخر وتخلف عن التبكير لعذر أو لغير عذر؟؟ ناهيك عن أن الولد أصلاً من كسب أبيه، فلا تعارض، بل هو من باب التنافس الشريف وتحفيز الأب والابن على التنافس، وإلا استهما، فكان من الخير الكثير ما بين تطبيق سنة وبين مسارعة لمغفرة.
ففي إصرار الولد على سبقه يؤجر الولد ويؤجر الأب، بينما إذا تنحى عن ذلك وءاثر أباه على قربه من الله كان الأجر للوالد دون الابن الذي قد يؤجر على بر أبيه.
فالأمة وتقدمها يرتكز على تقدير الكبار –أي نعم، وفي الوقت ذاته- تشجيع النشء والاهتمام به وتقديره وفسح المجال وزرع الثقة فيه.
الوقوف للمعلم ليس المظهر الوحيد من مظاهر التقدير واحترام المعلم (إن كان تقديراً في الأساس). وهو منهي عنه شرعاً (يستوي فيه المعلم مع غير المعلم) لأدلة كثيرة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم (وأي معلم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم؟؟) أنه نفسه نهى عن القيام له.
إن الأمة التي تعلّم أبناءها الاستعلاء على معلم الدنيا ومعلم الدين، تبقى أبد الدهر في أسفل السافلين.
لو أن الاستعلاء المقصود هو ما ذكر فقط في هذين المثالين؛ فإن هذا ليس استعلاء ً على الحقيقة إنما هو حفظ لكرامة الآدميين ومساواة لهم أمام الله وتوجيه لهممهم وسلوكهم إلى التقدير الحقيقي وترك عنهم هذه الظواهر التي لا تغني ولا تسمن إلا الدونية دائماً وعدم اقتحام ميادين المنافسة.
فينمو الطفل على عدم احترام المعلم، ويتربى على إهانة العلم وأهل العلم. وتهان عنده الرموز. فلايقف لها تقديرا، ولاينهض لها احتراما. لأنه لم يعد له وازع ينير له الطريق، ويردعه عن المسالك الوعرة.
تعليم الطفل الحرص على المسارعة إلى الله والتنافس على الطاعات وعدم انشغاله بأحد دون الله أثناء قيامه بعبادة ما -لا ينميه على عدم احترام المعلم، ولا يربيه على إهانة المعلم وأهل العلم، ولا يجعله يستخف بالرموز.
أي إنارة للطريق هذه بعد إنارة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
وأي تحذير من أي مسلك وعر لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحذرنا منه؟!
إن الأمم العظمى، تُعلّم أبناءها الإحترام الكامل لرموزها، فتنشىء الأجيال على احترام الكبار، وقيم العظماء. فلا يتطاول الصغير على الكبير، ويعرف الأدنى حقّ الأعلى، ويعفو القوي على الضعيف.
أي أمة أعظم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم وأي جيل أعظم من جيل الصحابة رضي الله عنهم؟!
وما التعارض بين النهي عن إيثار الآخرين بالعبادة والقربة من الله والنهي عن التقدير الزائف لأي إنسان، وبين معرفة الأدنى حق الأعلى، وبين العفو عن الضعيف؟؟
منذ ثلاثة أشهر، التقيت بإمام زاوية أولاد صالح، بمناسبة إحدى الملتقيات العلمية التي لم تنعقد لحد اليوم، فقال .. إن قيمة العلم وبركته، تكمن في الجلوس للمعلم، والاستماع له، والانصات إليه. ثم عاتب بشدّة الطرق المعاصرة في التعليم، التي تعتمد على وسائل التعليم دون المعلّم، واعتبره علم جامد دون روح، لأنه يُبعد المعلم عن التلميذ.
هذا وإن كان عيباً (هو في الحقيقة إساءة استخدام لوسائل التعلم والتعليم وقصر في إمكانيات المعلم وعدم نضج في فكر الطالب وأسلوب تعامله مع الآلية التعليمية مشوهة الأركان في دول العالم المتخلف من أمثال دولنا) - وإن كان عيباً فإنه لا علاقة له بالصف الأول ولا تكون أبداً أو تصلح بالقيام للمعلم.
حين يعود المرء بالزمن إلى 40 سنة، حيث الصِبَى، يحمد الله تعالى على التربية الحسنة التي تلقاها على شيوخه، رضوان الله عليهم جميعا، حين تعلّم على أيديهم ..
40 سنة ؟!
وهل هذه التربية أفضل من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم؟؟
بل هي دليل على أننا نشأنا على سلوكيات دخيلة على أمتنا مستوردة من حضارات أخرى لا تعلم للإنسان كرامة ولا تولي الآخرة والعبادة اهتمامها الذي انصب في مظاهر البناء والتحضر المزعوم.
ما هو نتاج 40 سنة؟؟ هل ما نعيشه الآن من انعدام للهوية وتبعية غير كريمة؟؟
أنه من التربية وحسن الطاعة، أن يمتنع المرء عن صلاة النافلة والإمام يخطب، احتراما للإمام والخطبة الملقاة.
هذا ليس من التربية ولا حسن الطاعة العارية عن توجيهات الدين، ولمزيد من الإيضاح فإن حضور مجالس العلم مقدم على صلاة النافلة، لكن أثناء الخطبة يصلي المرؤ تحية المسجد ولو اعتلى الخطيب المنبر وجوباً لا نفلاً. وأن هذا لو على وجه ما ذكر فإنه ليس لجلالة المعلم ولا لمكانته من حيث هو إنسان ولكن لخطر العلم وشأنه وأنه من أجل العبادات بعد الفريضة.
أن المرء حين يكون صائما صيام النافلة، لايحق له أن يفسد صومه بالإفطار، إلا إذا طلب منه معلمه ذلك، فيجب عليه حينها، أن يتوقف عن الصيام وجوبا، لأن طاعة المعلم واجبة.
لا أدري لأي دليل استند أستاذنا الفاضل، فلا يحق لأحد (فيما أعلم أنا، لا على الجزم) أن يطلب من أحد الإفطار وقطع صيام النافلة إلا الزوج من زوجته التي صامت تنفلاً بغير إذنه.
والمرء حين يرى جماعة، ويريد إلقاء السلام، فإنه من الآداب أن يبدأ باليمين، إلا إذا كان في المجلس معلمه وأهل الفضل، فليبدأ بهم أولا، ولو كانوا على اليسار، احتراما وتقديرا لمنزلتهم ومكانتهم.
كلام يعوزه الدليل!
ولايمحو ماكُتب له، إلا إذا أَذنَ له معلمه، ولو كان أحفظ الطُلْبَة. ولايتقدم شيخه في مأكل ولامشرب. ولايسبقه في قراءة، ولو كان أحفظهم جميعا، ولايتصدر المجلس، ولايفتي إلا بإذن معلمه له، ولو كان أهلا للصدارة والفتيا.
هذا حق. ويزيده وضوحاً (ما دام الطالب في حضرة معلمه.) فالأمر ليس على العموم.
هذه بعض عيّنات، تربى عليها الصبي منذ أربعة عقود، رسخت لديه، كلّما امتد الزمن. ومن حقّ المرء أن يعتزّ بها، ويباهي بها الأمم.
أي حال كنا فيها من أربعة عقود؟
إنه قطع للتاريخ وظلم للأجيال السابقة حصر هذه المظاهر في فترة ما قبل الأربعين سنة، ناهيك عن عدم وضوح علاقتها بالقيام للمعلم الذي هو فعلاً من مظاهر الأعاجم المدخلة في حياتنا، أو ارتباطها بعدم التفريط في حق القربة من الله في الحرص على الصف الأول.
بتاريخ 27-10-2013، جاء في صفحة أستاذ من عراقنا الحبيب، صورة لرئيس كوريا الجنوبية وهو منحني، كتب عليها هذا التعليق : صورة لرئيس كوريا الجنوبية يقدم اعتذاره الشديد للشعب بعد القبض على شقيقه في قضية فساد.
وفي أمة، قال في حقّها ربّ العزّة: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" آل عمران - الآية 110، يُنشر الفساد في أطهر الأماكن و أعزّ الناس، حين يُلقّن الصغير، أن لايقف للمعلم، ولاينهض للإمام.
لا يلزم المرأ خطأ غيره اعتذاراً عنه. ولو نظرنا له من باب التقدير والخجل ومراعاة لشعور الشعب وملاطفة لحدة غضبه، فما العلاقة بين هذه الواقعة وبين الصف الأول والقيام للمعلم.
الأمر بالمعروف هو الحرص على الصف الأول، والنهي عن المنكر هو النهي عن الوقوف لأي شخص كائناً كان.
سؤالي: لماذا هذا الهجوم على السنن النبوية والإصرار على استبدالها بأعراف وتقاليد أخرى لا ترقى لها حضارة أو تمدناً أو تديناً؟