جذور الصراع ومآلاته في ضوء النصوص
د.أحمد سعيد حوى
دورة أمية الخامسة بتاريخ 25/9/2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين
هناك موضوعان في معركتنا لهما صلة بالجانب التاريخي , التاريخ أرقام , ولغة الأرقام ليس من السهل تكذيبها , وسنتكلم عن التاريخ من جانبين :
- الجانب القديم ( المحطات الكبرى في تاريخنا الاسلامي ) .
- الجانب القريب ( محطات ربما أدق ومتقاربة في صراعنا مع هذا النظام المجرم في سوريا ) .
والهدف إخواننا , أن نتعرف حقيقة المعركة وجذور الصراع وأصل الصراع , ونتعرف أيضاً أين نحن من النصوص الشرعية , لأنه سيتضح أن النصوص الشرعية بينت لنا المراحل التي ستمر بها الأمة وبينت لنا ما ستواجه هذه الأمة من خير ومن شر , وفعلاً جاءت الأيام لتثبت ما أخبر عنه النبي (ص) .
وأزعم إخواننا أننا إذا سمعنا هذه المحاضرة ربما تكون إجابة تلقائية عن كثير من التساؤلات والاشكالات بما فيها الأحكام الفقهية , لأننا سنعرف بالضبط ما هي حقيقة هذه المعركة وحقيقة هذا الصراع وحقيقة الحال الذي وصلت إليه الأمة وما هو الوصف الذي وصفها به النبي (ص) .
والشق الثاني – وهو الأقرب - يشمل تقريباً نصف قرن من الزمان , حتى لا نظن أن معركتنا مع النظام بدأت من سنتين , وحتى لا نظن أن حرب هذا النظام للإسلام هي قضية طارئة , بل هي قضية متأصلة عند هذا النظام , بل جيء بهذا النظام لهذا الدور .
أمر آخر هام : الانسان دائماً يستهويه التطلع للمستقبل ( مبدأ التنبؤ للمستقبل ) ونحن عندنا من خلال النصوص الشرعية سواء في القرآن أو في السنة باب قائم بذاته تحت عنوان (النبوءات ) بل هي أحد أبرز أو أهم معالم ودلائل صدق رسالة محمد (ص) , فعندما يخبر عن أمور غيبية ستكون وتقع كما أخبر النبي (ص) – ونحن نتكلم هنا عما صحت به الروايات وليس عن شيء موضوع أو مختلق.
ونتيجة لما حصل في هذه المرحلة - ولخطورة وصعوبة المعركة - فإن بعض الناس فزعوا إلى باب النبوءات وأشراط الساعة وقرأوا بعض النصوص التي تتحدث عما يكون , ويحاول بعضهم – مع احترامنا لمقامات واجتهادات أهل العلم – أن يسقط بعض النصوص وبعض الروايات أوبعض الأخبار أو حتى بعض أشراط الساعة الكبرى على هذه المرحلة , حيث أصبحنا نسمع الآن عند الحديث عن الضربة الأمريكية أنه سينزل الروم في الأعماق أو في مرج دابق وبدأ البعض يضع سيناريوهات لما سيكون وكأن الملحمة الكبرى قاب قوسين أو أدنى , نحن نحترم وجهة النظر هذه لكن لنا قراءة أخرى مع كثير من المحققين الذين قرأوا ودرسوا الكثير من النصوص التي تتحدث عن النبوءات أو عما يكون في هذه الأمة , وبالتالي فكما نريد أن نعرف أين نحن من النصوص التي أخبرت عن مراحل مضت نحن بحاجة أيضاً أن نعرف أين نحن من النصوص التي تخبر عن مرحلة ستأتي .
- نبدأ بالشق الأول من الموضوع : والمنطلق في هذا حديث النبي (ص) الذي قال فيه : (إنه لم يكن نبيٌ قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وأن ينذرهم شر ما يعلمه لهم ) فهذا واجب رباني ألقي على الأنبياء (ص) ونبينا محمد (ص) واحد منهم , وقد فعل الأنبياء (ص) ذلك من قبل وفعل نبينا (ص) أيضاً ذلك بالدلالة على الخير فهذه الرسالة هي الخير – فإخراج الشريعة للبشر من الظلمات إلى النور هذا هو الخير – لكن أيضاً ماذا سيواجه هذه الأمة ( فتن – كيد – مؤامرات ... ) وإنْ بالخطوط العريضة وأحياناً بعض النصوص تتكلم عن أدق التفاصيل , ولكن حتى و لو بالخطوط العريضة فهو إنذار وتحذير لهذه الأمة , وطبعاً تجد في كتاب الله تعالى من هذا ومن هذا الشيء الكثير , لكن وجدنا يا إخواننا تحديداً في أحاديث حذيفة (رضي الله عنه) ميزة ربما لم توجد في أحاديث غيره والسبب ربما يتضح مما قاله حذيفة نفسه قال : ( كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير وكنت أسأله عن الشر ) – فالناس دائماً يميلون فطرياً إلى جانب السلامة والتفاؤل لكن حذيفة فطن إلى شيء آخر - ( وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه ) وهي حكمة من الله تعالى حتى تعلم هذه الأمة ماذا ستواجه، وقد حصل معظمه وبقيت بقية نعيشها .
هناك حديث آخر يقول فيه حذيفة (ر) مفصلاً لما كان يسأل عنه قال : قلت يا رسول الله (ص) إنا كنا في جاهلية وشر حتى جاء الله بهذا الخير – الاسلام وبعثة محمد (ص) حتى جاء الله بهذا الخير – وهذا الحديث في الصحيحين - فهل بعد هذا الخير من شر ؟؟ قال : نعم – وسكت النبي (ص) ولم يفسر لنا ما هو هذا الشر - لكن فهمنا فيما بعد أن المراد ما وقع بين أصحاب رسول الله (ص) من فتنة واقتتال وقتل فيها مئات وآلاف , وهذه إرادة الله تعالى وحكمته .
لو طرحنا السؤال : من كان وراء هذه الفتنة وهذا الاقتتال ؟؟ فما الجواب؟
سجل لنا التاريخ ونقل لنا بعناوين واضحة وكبيرة دور عبد الله بن سبأ اليهودي وأبو لؤلؤة المجوسي ومن ورائهما آخرين .
إذاً لاحظوا إخواننا أول كيد في الأمة تعرضت له بعد رسول الله (ص) كان كيدا مشتركا يهوديا مجوسيا , وسنجد أن هذا الكيد يتكرر وإن بأشكال مختلفة , والآن نحن معركتنا هي في حقيقتها اجتمع علينا فيها كيد عالمي صهيوني , فالصهيونية تجند من ورائها كل الامكانات الصليبية , فهو كيد صليبي صهيوني صفوي , وعبر التاريخ كان هناك كيد صليبي وتعددت أشكاله ورافقه كيد باطني .
نعود إلى الحديث : ( قال : فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ) , ولم يفسر ما هو هذا الشر , لكن هناك نصوص أخرى أشارت إشارات وجاء الواقع ليبين ما هو هذا الشر , ( قال : فهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ) لاحظوا : الخير الذي كان في مرحلة النبوة في مرحلة وجود النبي (ص) هو الخير الخالص الصافي الكامل , لكن الآن يتكلم عن خير وفيه دخن , فهو ليس خالصا بل يخالطه شيء , قلت وما دخنه يا رسول الله (ص) ؟ (قال : قوم يهدون بغير هدي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر ) هنا تطرح أسئلة :
إذا كان الكلام عن أعداء الله تعالى من الكافرين المجاهرين بكفرهم فهذا الفريق واضح , لكن الكلام والخطورة أن هؤلاء دخلوا ولبسوا لبوس الدين ويشتغلون ويعملون لتحقيق أغراضهم ومآربهم تحت شعار من الدين , وبالتالي هو لا يتكلم عن أعداء واضحين أو بارزين أو متمايزين تماماً , كما أن الكلام عن مرحلة خير , ولكن فيها دخن , وفي آخر الحديث فهمنا أنه (ص) أراد بذلك الفرق .
الذي حصل في تاريخنا أن أعداءنا لما اجتهدوا في الكيد الأول أن يكون الاقتتال بين المسلمين وكان من ثمار ذلك أن قتل ثلاثة خلفاء ( عمر – عثمان – علي ) غاظهم ما كان من اجتماع كلمة الأمة لما تنازل الحسن (ر) لمعاوية (ر) في عام الجماعة وتحققت نبوءة لرسول الله (ص) قالها : (إن ولدي هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) , فأصبح هناك كيد من نوع آخر , وهنا بدأت تظهر الفرق , بدأت تعمل وتكيد للإسلام من داخله وربما يلتبس أمرها على الكثيرين (تعرف منهم وتنكر) , الأخطر من ذلك أن هؤلاء أهل الفرق أو بعضهم على الأقل كانوا أدوات للغزاة , فالذي حصل أن أعداءنا الغزاة فطنوا لأهمية توظيف عداء هؤلاء المستترين أو المندسين فيما بيننا , بعبارة أدق (الطوائف) فوظفوا الطوائف أوبعض الطوائف لخدمة مشاريعهم .
هنا علينا أن نقرأ التاريخ فنعرف ما الذي حصل أيام الصليبيين وما الذي حصل أيام التتار , وكم عانت الأمة في هذه المراحل وغيرها , وإذا قرأنا في التاريخ نجد أنه عبر مئات السنين ما تكاد تهدأ الأمور بين السنة وأبناء الطوائف الأخرى في مناطق عديدة من بلادنا , ونجد كيف كان الصفويون في مرات كثيرة عامل تعويق وتأخير للمشروع الاسلامي العثماني , فالجيش العثماني يصل إلى فيينا مراراً ويرجع بسبب غدر في الخلف من الصفويين , فهذا التاريخ مليء بمحطات من هذا النوع , وبالتالي لا نظن أن الشيء الذي نعيشه جديد بل هو صورة مكررة , بل نقول إن أعداءنا درسوا التاريخ ربما أكثر منا وحرصوا وأرادوا أن يوظفوا دروس التاريخ لصالحهم مع أننا مأمورون أن ندرس التاريخ ونوظف دروس التاريخ, فالله تعالى قال : ( وذكرهم بأيام الله ) فأيام الله هي التاريخ , وأن نوظف هذا التاريخ ليكون ذكرى وعبرة , على سبيل المثال : الصليبيون لما جاءوا إلى سواحل بلاد الشام واحتلوا فلسطين وبيت المقدس كانت الأمة ممزقة ومجهلة ومغيبة , لكن من القضايا البارزة وجود الدولة الفاطمية التي نشأت في القرن الثالث الهجري , طبعاً احتلال بيت المقدس كان في أواخر القرن الخامس الهجري , نشأت الدولة الفاطمية ودامت قرابة قرنين ونصف أو ثلاثمائة سنة , صحيح أنها ما كانت تحافظ على تمام الرقعة طيلة المدة , لكن في بعض مراحلها كانت تسيطر على المنطقة الممتدة من المغرب العربي إلى مصر إلى أجزاء من بلاد الشام إلى أجزاء من الجزيرة , وعندما جاء الصليبيون ونزلت جيوشهم في سواحل بلاد الشام أو حتى قبلها عندما بدأوا الغزو من الشمال نزولاً إلى سوريا , الدولة الفاطمية لم تحرك ساكناً وتابع الصليبيون زحفهم براً وبحراً حتى وصلوا إلى بيت المقدس واحتلوها بل كان هناك اتفاق شبه ضمني بين الصليبيين من جهة والفاطميين ( الفاطميون هم دولة شيعية مغرضة حاقدة تتستر بستار حب آل بيت رسول الله (ص) ) فكان الاتفاق الضمني أن يكون شمال فلسطين للصليبيين وجنوب فلسطين للفاطميين , وعندما تمدد الصليبيون واحتلوا هذه البلاد لم يقاومهم هؤلاء , وعندما حاول الصليبيون أن يتمددوا على حساب مناطق نفوذ الدولة الفاطمية هنا وهنا فقط وقف الفاطميون في وجههم لا دفاعاً عن فلسطين ولا عن بيت المقدس ولا كان لهم شرف تحرير بيت المقدس , إنما فقط دفاعاً عن مناطق نفوذهم , لذلك عندما نرى ايران تتكلم اليوم فهي تبحث عن مصالحها فقط ونفوذها ولا تبالي بهذه الأمة كلها بل تحاول أن تعوق مشروع هذه الأمة , وهي تعلم أنها لن تتمكن من أن تعوق هذا المشروع لكن هي عملية مناكفة .
فالنبي (ص) عندما يعطي هذه الأمة معلومات وأخبار عن خطر هؤلاء، يحذرها من شر سيكون ...
وقد تكرر هذا الخطر وهذا المشهد بين يدي مجيء التتار , فالتتار ما جاؤوا إلى بلاد المسلمين وما اجتاحوا بلاد المسلمين بلداً بلداً ولا وصلوا إلى عاصمة الخلافة بغداد إلا بكيدٍ وخبث وتآمرٍ ومكرٍ من هؤلاء أقصد الفرق الباطنية, وتذكر كتب التاريخ أنه كان هناك فتنة كبيرة قبل ذلك بين السنة والشيعة , وتذكر كتب التاريخ دور الوزير الرافضي ابن العلقمي الذي سرح جيش دار الخلافة قبل مجيء التتار بسنة بحجة عدم وجود نفقات كافية , طبعاً كان كل ذلك جزءا من مؤامرة وانتهت المؤامرة بخيانة كبيرة ظناً منه أنه سيكون خليفة على المسلمين فكافأه التتار أن قتلوه هو وابنه خلال سنة من سقوط دار الخلافة .
إخواننا الشاهد في الأمر أن أعداءنا فطنوا إلى دور الطوائف أو إلى دور توظيف الطوائف في خدمة مخططاتهم , وأدركوا أن هذه الطوائف لا تعمل أبداً لصالح الاسلام أو لصالح جمهور المسلمين , بل استطاعوا أن يستغلوا ميول أو رغبات أو حقد هؤلاء ويوظفوه ضد هذه الأمة .
نعود إلى الحديث : حذيفة (ر) قال : ( قلت يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال :نعم ) وفسر هنا النبي (ص) , قال : ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) نستغرب هنا نتساءل عندما يقول النص ( دعاة على أبواب جهنم ) فنحن نتصور الدعاة إلى الجنة الدعاة إلى خير لكن النص يقول : دعاة على أبواب جهنم !! ونستغرب أكثر أن هناك من يستجيب !! .
حذيفة (ر) عندما سمع هذا الكلام استغرب وقال :( صفهم لنا يا رسول الله (ص) قال : (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) أي أنهم عرب أي أعداء من الداخل .
السؤال هنا : هل كان يمكن لهؤلاء أن ينجحوا في دعوتهم إلى جهنم إلا بسلطان ؟! فلا يعقل في الأحوال العادية وفي مجتمع مسلم وأمة مسلمة أن يعمل دعاة على أبواب جهنم ويجدون من يستجيب لهم , وإذا بحثنا في النصوص الشرعية نجد أن هناك نصوصا تفسر المرحلة , فمنها الحديث الذي يقول : ( لتنتقضن عرى الاسلام عروة عروة فأولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة ) والمقصود هنا نقض الحكم بشرع الله وتعطيله وهذا كان من اللحظة التي أُسقطت فيها الخلافة الاسلامية العثمانية , وفي حديث آخر : ( ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان فدوروا مع القرآن حيث دار ) إذاً ستحكم الأمة بغير القرآن , وهذا الذي حصل أيها الأخوة من لحظة إسقاط الخلافة .
فنحن نظن أن بلادنا تحررت واستقلت من المستعمر لكن هذا الكلام غير صحيح , فالمستعمر ما خرج حتى وضع وكلاء عنه يقومون بالمهمة نيابة عنه , والهدف بالدرجة الأولى الحيلولة بين هذه الأمة وأن تعود إلى تحكيم شرع الله , مثال: تركيا في وثيقة استقلالها كان هناك شروط عديدة منها : منع استعمال الحرف العربي , منع رفع الأذان , منع إعادة الخلافة الاسلامية .... إذاً استقلال مشروط , وهذا يجعلنا ندرك ماذا يريد أعداؤنا, وندرك كيف تحققت نبوءة المصطفى (ص) , حيث نُقض الحكم بشرع الله فما عادت الشريعة الاسلامية هي المرجع , لذلك عندما نرى الآن شراسة المعركة سواء في سوريا أو في مصر وفي غيرها ندرك أن أعداءنا فعلاً يستميتون في محاولة الحيلولة بين هذه الأمة والعودة إلى تحكيم شريعة الله تعالى , هذه النصوص إخواننا تفسر لنا واقع وحقيقة المعركة وخطورة المعركة , فلا يجب أن نعتقد أن معركتنا هي فقط مع عائلة متسلطة ولا مع طائفة رضيت بمجملها بهذا الدور القذر , ولا مع حزب علماني فاجر كافر , فمعركتنا أكبر من ذلك , معركتنا حقيقة مع كيد عالمي صليبي صهيوني يضاف إليه كيد صفوي حاقد , وهذا الحزب والطائفة وعائلة الأسد ومن لف لفهم هم أدوات صغيرة في مشروع ضخم وكبير للتآمر على هذه الأمة , وهذا التآمر أخبرت عنه النصوص وحذرتنا منه , فعندما قال : (دعاة على أبواب جهنم) , فعلاً هم يريدون أن يصدوا أبناءنا وبناتنا عن الإيمان , يزينون الباطل , ويفسدون الشعوب ويغرقونها في الفساد والفجور والرذيلة ضمن سياسات وقوانين تحمي هذه السياسات , لذلك عندما قال : ( دعاة على أبواب جهنم ) يعني هناك أدوات تمكنهم من ذلك , ومن ثم فسر لنا وقال من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .
حذيفة (ر) لما سمع هذا , قال :( فما تأمرنا عند ذلك ؟؟ ) وكأنه يلتمس لنا طريق النجاة وطريق السلامة , قال : ( تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ) وكأن النبي (ص) يفترض أن هناك جماعة واحدة , قال : ( فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك ) .
وهنا سنقف وقفات سريعة عند هذه التساؤلات من حذيفة (ر) , لاحظ أن النبي (ص) جعل طريق النجاة بالتزام جماعة المسلمين وإمامهم , طبعاً المفترض أن جماعة المسلمين وإمامهم يعملون لإعادة تحكيم الاسلام .
الآن التساؤل الذي طرحه حذيفة (ر) سؤال عن احتمال من ثلاث احتمالات مقابلة:
- ليس لهم جماعة ولا إمام .
- ليس لهم جماعة لكن لهم إمام ( وهو احتمال مستبعد ) .
- ليس لهم إمام لكن لهم جماعة ( وهذا احتمال عقلي متصور ) .
حذيفة سأل عن الحالة الأولى فقط والنبي (ص) أجابه عنها فقط فقال : اعتزل تلك الفرق كلها ...
لكن إذا كان هناك جماعة ولا يوجد إمام هل بالضرورة أن يكون نفس الجواب ؟ أم الواجب أن أكون مع الجماعة لإيجاد الإمام ؟؟ طبعاً يجب أن أكون مع الجماعة , وهذا أيضاً كلام الأصوليين , فعندما يكون السؤال والجواب عن حالة فليس معنى هذا أن هذا الجواب يشمل حالة أخرى مسكوتا عنها , إذاً حالة ( أن يكون للمسلمين جماعة وليس لهم إمام ) مسكوت عنها في هذا النص فلا أعطيها حكم الحالة التي ذكرت في النص .
سؤال آخر : هو قال : ( جماعة المسلمين ) ونحن نفترض أنها جماعة واحدة , لكن الآن عندنا جماعات كثيرة , وهذه الجماعات التي تتفق وتلتقي على أصول أهل السنة والجماعة كلها من جماعة المسلمين وليس لواحدة منها أن تحتكر أو تدعي أنها هي فقط جماعة المسلمين , لذلك وجدنا العلماء المنصفين يصرحون ويقولون نحن من جماعة المسلمين ولسنا جماعة المسلمين حصراً أو تحديداً , لكن الذي يحصل إخواننا , تختلف هذه الجماعات فيما بينها في الوسائل والأدوات والأساليب والمراحل والأولويات وهذه قضايا كلها تخضع للاجتهادات , وسنتكلم عن هذا في باب السياسة الشرعية , فإذاً النبي (ص) أعطى الجواب لسؤال حذيفة (ر) وبقيت حالة مسكوت عنها ربما هي الحالة التي نعيش.
فعندما يوجد هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم الذين أقصوا الدين من حياة الأمة ويحاربون الدين في حياة الأمة ويعملون على الحيلولة دون عودة الدين ليحكم هذه الأمة , فعندما يوجد هؤلاء ويواجهونك فيجب أن تكون مع جماعة المسلمين , وكما قلنا باب الاجتهاد في الوسائل والأولويات باب واسع , لكن ما أظن مسلماً صادقاً يختلف مع مسلم آخر في ضرورة السعي إلى تحكيم شرع الله وإعادة حكم الاسلام وإعادة دولة الاسلام , فالخلاف فقط في اجتهادات مرحلية أو في الوسائل والأدوات .
فإذاً جعل النبي (ص) طريق السلامة والنجاة والعصمة بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم وإن لم يوجد الإمام فواجب هذه الجماعة أن تسعى إلى تنصيب إمام .
للتوضيح أكثر : سنحاول أن نقف على مفاصل أو بدايات ونهايات لهذه المراحل التي ذكرها حذيفة (ر) عن النبي (ص) والنبي (ص) يخبر عن وحي .
وفعلاً لما وجدنا هذا الذي أخبر عنه النبي (ص) وقع كما أخبر ازددنا يقيناً بصدقه وصدق رسالته , وبالتالي فهذا يزيدنا يقيناً في الشق المقابل فيما يخبر عنه مما لم يقع بعد وسيقع إن شاء الله تعالى , ونحن حتى لا نأخذ الصورة القاتمة فقط مما انتهى إليه حال الأمة , بحاجة فعلاً أن نبعث الأمل وهذه سنة النبي (ص) , وطبعاً لا نبعث الأمل بالكذب والمبالغة بل نرجع إلى النصوص والمصدر ذاته ( كتاب الله، وما صح من سنة رسوله ) .
إخواننا , حال الشدة الذي وصلنا إليه مر بمثله أصحاب رسول الله (ص) لذلك كانوا بحاجة إلى شيء من بعث الأمل , وقد ذُكرت لنا نماذج من ذلك , حيث يروي لنا خباب (ر) فيقول: أتينا إلى رسول الله (ص) وهو متوسد بردةً له في ظل الكعبة قلنا : يا رسول الله (ص) : ألا تدعو لنا , ألا تستنصر لنا , فراح النبي (ص) إلى مرحلة سابقة وأعطاه جوابا عن حالة هي أصعب قبل أن يأتيه بالبشارة وكأنها نوع من المواساة , فقال : قد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض ويمشط بأمشاط الحديد ما بين عظمه ولحمه ما يصده ذلك عن دينه – ثم جاءت البشارة – فقال : (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون), وقد حصل ذلك كما أخبر النبي (ص) وحصل ذلك في سنوات .
الموقف الآخر ( يوم الخندق ) اجتمعت أحزاب الكفر من كل الأنحاء حول المدينة، ويصف بعض الصحابة (ر) شدة الموقف وشدة الخوف من أن يتخطفهم المشركون والأحزاب الذين يحيطون بالمدينة , فبدأوا يحفرون الخندق وعندما بدأوا يحفرون اعترضتهم هذه الصخرة فجاء النبي (ص) وضرب وقال : (الله أكبر فتحت خيبر...) وقد حصل ذلك خلال سنوات, ونحن الآن أيضاً بين يدينا بشارات لهذه الأمة وتحديداً لهذه البلاد وربما سنوات ويتغير هذا الحال إن شاء الله , فهذه الأمة بحاجة إلى إعادة بناء وإعادة تربية , إعادة جدولة وبرمجة ورب العالمين يدبر , لكن علينا أن نفهم أين نحن وما واجبنا في الشرع ونثق إخواننا ونكون على يقين بالبشارة .
وقد جاءت البشارة في أحاديث أخرى كثيرة لكن منها : قول النبي (ص) : ( تكون نبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ) وطبعاً النبوة ختمت برسول الله (ص) وانقضت هذه المرحلة بوفاته , قال : ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) وهذا ثناء وتزكية لها والمقصود بها مرحلة الخلافة الراشدة , وصورة الكمال للدولة الاسلامية انحصرت في هذه المرحلة – مرحلة النبوة ومرحلة الخلافة الراشدة – ونحن نستقي مواصفات الدولة الاسلامية من هذه المرحلة التي أثنى عليها النبي (ص) , قال : ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ) إذاً لا يوجد دوام وهذه سنة الله تعالى في التاريخ , قال : ( ثم تكون ملكاً عضوضاً – وفي رواية ملكاً عاضاً – فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ) .
ما معنى الملك العضوض ومتى بدأ وهل هي صفة مرضية في دين الله أم هي حالة استثنائية اضطرارية ؟؟ هذا الكلام يهمنا لأنه للأسف حصل خلط وتلبيس وتدليس على الأمة .
الملك العضوض باختصار : من وصل إليه أمسك به وعض عليه , واعطاه لابنه من بعده (الوراثة أو ولاية العهد ) وطبعاً لا نتطاول على مقام معاوية (ر) فهو اجتهد والصحابة والتابعون سلموا له , لكن نحن أيضاً أمام نص .
والتعبير هنا جاء في سياق الذم وليس في سياق المدح أو الثناء , بخلاف المرحلة السابقة , لأنه في هذه المرحلة بدأ التغير والانحراف في المسار السياسي في شكل الدولة الاسلامية , وسنعرف فيما بعد تفاصيل هذا الكلام .
إذاً قال : ( ثم تكون ملكاً عضوضاً ) وبدأ هذا في اجتهاد معاوية (ر) بأن جعل الأمر في ذريته , قد يقول قائل إن الذي فعله معاوية لا يختلف عما فعله أبو بكر (ر) , فمعاوية استخلف ومن قبله أبو بكر استخلف , الجواب : لا , بل يوجد فارق , فمعاوية جعلها في عقبه في ولده , أما أبو بكر لم يجعلها لا في ولده ولا في ذريته , والأمر الأخطر والأهم أن أبا بكر كان استخلافه بمثابة ترشيح وترك الأمر للناس وما بايعوا عمر (ر) إلا بعد وفاة أبي بكر , فلو كانوا لا يرون أن عمر جدير بهذا المنصب لما بايعوه وهم أهل الحل والعقد, فكانت بيعة عن اختيار ورضى وقناعة بعد وفاة أبي بكر , لكن معاوية أخذ البيعة لولده وفي حياته وكأنه صار فيها نوع من الإلزام , طبعا نحن لا نتهم الصحابة والتابعين أنهم جبنوا أو ضعفوا , إنما نقول هذا اجتهاد لذلك الظرف لتلك المرحلة والفتنة قريبة العهد , فهم أصلاً كانوا خارجين من قتال قريب والحسن تنازل لمعاوية , فربما خشي هؤلاء أن تنقسم الأمة ويعود الاقتتال , وبناء عليه وجد عدد من الفقهاء ممن يتكلم عن ولاية العهد وولاية المتغلب, وهذا مبحث فقهي له تفاصيله سنخوض فيه في محله , لكن ما يهمنا الآن أن هذه المرحلة بدأت باجتهاد معاوية (ر) في أنه جعل الأمر من خلال ولاية العهد .
الحديث قال عن مرحلة الملك العضوض: ( فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ) وقد طالت هذه الفترة , فالخلافة الأموية كاملة , والخلافة العباسية والخلافة العثمانية , كلها كانت بمبدأ ولاية العهد , وطبعاً لا يمنع أنه في ثنايا هذه المراحل كانت هناك نقاط مضيئة مثل عمر بن عبد العزيز , وقد جاء فيما بعد قواد عظام مثل صلاح الدين والفاتحين والذين ردوا التتار , لكن المسار العام في الأمة هو هذا الملك العضوض الذي أخبر عنه النبي (ص) , قال : (فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً ) إذا تساءلنا : الملك العضوض أليس فيه صفة الجبرية فالإمام يجبر الناس على أن يكون ابنه خليفة من بعده وعليهم أن يبايعوا ؟؟ صحيح فيها معنى الجبرية , لكن هناك فارق جوهري وأساسي , وهذا رد على المتنطعين والمنافقين , فطيلة مرحلة الملك العضوض وعلى ما كان فيه من منازعات وتفرقات وصدامات وغزو خارجي وظلم واستبداد لكن دستور الأمة ومرجعيتها هو القرآن والسنة , بخلاف ما حصل من لحظة اسقاط الخلافة.
أعداؤنا كانوا يتساءلون ما الذي يجمع المسلمين في خلافة واحدة , فكان الجواب أن الذي يجمع هذه الأمة أمران اثنان ( الخلافة والكعبة ) فتآمروا على اسقاط الخلافة , وهنا بدأ الملك الجبري , قد يقول قائل: إن بلادنا احتلت كما احتلت في الماضي , فنقول: لكن عندما كانت في الماضي تتحرر كانت تعود الأمة إلى دينها وشرعها , لكن الآن خرج المحتل وترك وكلاءه ليقوموا بالدور نيابة عنه فيفرضوا ملكاً جبرياً بقوة السلاح مع تحييد واقصاء للدين ومحاربة لأهله ولمن ينادون بإعادة تحكيم الدين في هذه الأمة – هذا هو الواقع - فإذاً لما فرق النبي (ص) بين مرحلتين ( الملك العضوض والملك الجبري ) هو فعلاً يقصد ذلك , فكان يريد أن يلفت نظرنا إلى هذا الفارق الخطير , فهناك يوجد مرجعية للأمة وهو دينها , لكن هنا لا إنما العكس ( لتنتقضن عرى الاسلام عروة عروة فأولها نقضاً للحكم وآخرها الصلاة ) وهنا صدق الحديث ( دعاة على أبواب جهنم ) .
إذاً مرحلة الملك الجبري هي المرحلة التي أخبر عنها النبي (ص) مرحلة ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) فعلاً إنه ما مر على الأمة مثل هذه الخطورة , فالعدو الخارجي واضح , لكن هذه الأمة تحارب من بعض أبناء جلدتها ممن يتكلمون بلسانها , بعض العلماء قالوا : طرد المحتل وتحرير هذه البلاد هو ثورة أولى تحتاج إلى ثورة ثانية وقد آن أوانها وذلك بالتخلص من التبعات والآثار التي تركها هؤلاء المحتلون وراءهم .
باختصار إن هذه الأنظمة زُرعت وصُنعت ووضعت في بلادنا لأغراض وأهداف , في مقدمتها الحيلولة دون عودة الأمة إلى دينها ودون تحكيم شرع الله , وقد نصت دساتير هذه الدول كلها أن دين الدولة هو الاسلام لكن مع ذلك فهذا كذب فالخمور والفجور محمية بالقانون , فلا يغرنك أن يقال دول اسلامية وحكام مسلمون وهم يعطون الولاء لأعداء الله ورسوله وأعداء المسلمين فحكام هذه الدول لا يخرجون عن مشورة أسيادهم الذين صنعوهم ووضعوهم , وقد أثبت الواقع ذلك واتضحت الصورة , وبالتالي فالأمة تتحمل مسؤولية أكبر.
نعود إلى الحديث : قال : ( ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ) إذاً هنا جاءت البشارة وأعداؤنا يعرفون أن بعد هذه المرحلة بشارة , فأعداؤنا الذين زرعوا هذه الأنظمة لأهداف في مقدمتها كما قلنا الحيلولة دون إعادة تحكيم شرع الله في هذه الأمة لأنهم يعرفون أن تحكيم شرع الله سيعني وحدة هذه الأمة سيعني قوة هذه الأمة سيعني نهاية تسلط أعداء الأمة عليهم , ومن الأهداف أنهم لما زرعوا هذا الكيان الغاصب في قلب بلاد المسلمين في فلسطين , وقد قرأوا التاريخ من قبل ووجدوا فعلاً أن الغزاة لا قرار لهم في بلاد المسلمين ففكروا كيف نطيل أمد بقاء هذا الكيان الغاصب؟ لذلك فهذه الأنظمة تحميه , وهذه الأنظمة دورها تأخير الأمة وإفقارها وتمزيقها وتأخير نموها .
والهدف من كلامنا ليس فقط أن نشخص الواقع ولكن لنأتي بالبشارة وتكون باعثاً على العمل أيضاً , لما قال في الحديث ( ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ) أي مثل الخلافة الأولى التي أثنى عليها النبي (ص) , وبالتالي فأعداؤنا بالتأكيد قرأوا هذه النصوص بل ربما يستشرفون المستقبل أكثر مما نستشرفه نحن ويتوقعون حتى أن بعض الدراسات يتوقعون فيها أن تكون لهذه الأمة خلافة تجمعها من المغرب العربي إلى أندونيسيا خلال عقدين من الزمان , فهم يستميتون فعلاً في إبقاء هذه الأمة في الحال الذي هي فيه ( الملك الجبري ) , لكن نحن نقول إذا كانت بشارة النبي (ص) التي جاءت عبر الوحي فلا بد أن تتحقق كما تحقق ما سبقها من بشارات أو أخبار عن مراحل أخرى .
قد يقول قائل : قال النبي (ص) بعد مرحلة النبوة مباشرة ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وجاءت هذه الخلافة خلال يومين من وفاة النبي (ص) مع أن (ثم) في لغة العرب تفيد التراخي , في حين مرحلة الملك الجبري بدأت بعد اسقاط الخلافة العثمانية أي أن الأمر استغرق عشرات السنوات ؟؟!!
نقول : في زمان النبي (ص) وفي زمان الراشدين كانت الأسباب مواتية ( أمة واحدة وفكر واحد وأرض واحدة وأهل الحل والعقد موجودون مجتمعون وسلم لهم الناس ولم ينازعهم أحد فكل شيء كان مهيأً لظهور هذه الخلافة ) لكن الآن لما ننظر في حال الأمة نرى أنها وصلت إلى قعر المنحنى, فلا يجوز أن أشبه حال الأمة الآن بحال أصحاب رسول الله (ص) وهي في أكمل حال في قمة المنحنى , فالأمر يحتاج إلى خطوات قد تطول وقد تقصر لأن الأمة تحتاج إلى تهيئة إلى هذا وتحتاج إلى جمع كلمة وتحتاج إلى إقناع , فكل شيء له أسباب وله خطوات ومقدمات تقود إلى نتائج , المهم أن نسعى وأن نعمل , وللأسف يزاود البعض على الآخرين , مع العلم أنه لم يسبق أحد الإمام حسن البنا في العصر الحديث فيما نعلم في ضرورة إعادة الخلافة , وفكر الاخوان وأدبيات الإخوان هي أول فكر اسلامي معاصر تعرض لهذه القضية ( اعادة تحكيم الاسلام واعادة إقامة دولة الاسلام وبالتالي إعادة الخلافة الاسلامية ) .
إذاً النبي (ص) بشر , والبشارة قائمة وقادمة إن شاء الله , لكن كيف ومتى فمن واجبنا أن نسعى .
وكما قلنا المعركة صعبة وخطيرة اجتمع فيها تسلط اسرة ظالمة وطائفة رضيت بهذا الدور القذر وحزب علماني فاجر اتُخِذ مطية , وكيد عالمي صليبي صهيوني اجتمع معه كيد صفوي , وأمام خطورة وضخامة هذه المعركة يتطلع الناس ويحلمون باختصار المراحل فيفزعون إلى النصوص لعلهم يجدون بارقة أمل – مع أن الأمل كله موجود وبتكاليف أقل مما ذهبوا إليه – فإذا كانت أحاديث الملحمة الكبرى تتحدث عن ثلثٍ يفرون لا يتوب الله عليهم , وثلث يقتلون هم خير الشهداء عند الله , وثلث يثبتون فيفتح الله عليهم , وبالتالي حتى يجيء الفتح نكون قد قدمنا الثلث شهداء , أما نحن في سوريا فقدمنا إلى الآن نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالنسب المذكورة في أيام الملاحم.
ونحن بحاجة أن نستقرئ النصوص كلها , فلا يكفي أن نقرأ بابا من الأبواب فقط ونسقطها على هذا الزمن , وسنجد عندما يكون هناك استقراء تام لكل شيء سنصل إلى تصور لمراحل ستمر بها الأمة , فنحن تكلمنا الآن عن مراحل مضت وحصلت فعلاً كما أخبر النبي (ص) , ويوجد مراحل ستأتي .
هناك خلط بين مرحلتين , لكن الذي يتأمل في النصوص يدرك أن كل واحدة هي مرحلة مستقلة , والآن بعض العلماء يحاول أن يصور لنا هذه المرحلة أنها المرحلة التي تمهد للملاحم وتحديداً الملحمة الكبرى مرحلة نزول الروم في الأعماق في دابق وكأننا دخلنا في أشراط الساعة الكبرى, الذي يستقرأ النصوص يدرك أن هناك مرحلة ما لم تأت بعد ولا تعلق لها بأشراط الساعة هي ظهور للإسلام وامتداد وانتشار للإسلام وعموم للإسلام على الأرض , إخواننا مرحلة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان لا تشير إلى أنه ينشر الاسلام في الأرض , صحيح أنها مرحلة فيها معجزات وخوارق , يقول النبي (ص) : (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى لا يبقى بيت مدرٍ ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الاسلام بعز عزيز أو بذل ذليل ) فسرها العلماء فقالوا ( بعز عزيز أو بذل ذليل ) أنهم يسلمون فيعزهم الله بهذا الدين أو يخضعون لسلطان المسلمين فيدفعون الجزية , ويقول الله تعالى : ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) وهذا لم يحصل عبر التاريخ مع كل الفتوحات حيث بقيت بلاد ما دخلها الاسلام أو ما خضعت للإسلام, الأحاديث أيضاً التي تتكلم عن قتال عيسى ابن مريم عليه السلام ليهود تتكلم عن اليهود الذين يأتون مع الدجال , والنصوص بينت ( يخرج مع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة ) , إخواننا إن اليهود الذين يُقاتلون في آخر الزمان حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله , هم غير هؤلاء اليهود , أما هؤلاء فقد وردت إشارة لهم في بعض النصوص – وإن كان في بعضها ضعف – لكن جاء الواقع يصدق ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه) , فالفاصل نهر الأردن , فجيش الأردن على قلة امكاناته صد جيش اليهود سنة 1968 ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى عمان , وكأنه سيبقى هذا النهر الفاصل , وفي رواية تقول : تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم , وغيرها من الأحاديث العديدة التي أشارت اشارات , ويوجد حديث طويل لأبي أمامة يتكلم عن جملة أحداث تكون في آخر الزمان مرتبطة مع بعضها , أما المراحل التي نعيشها الآن والصراع مع يهود الآن لم يذكر في الأحاديث , وإنما هؤلاء مذكورون في سورة الاسراء وخاتمة الصراع معهم مذكورة في سورة الاسراء ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) .
إذاً لا يتصور أن يكون وحدة للأمة ونهوض لهذه الأمة وإعادة بناء حضارة هذه الأمة مع وجود هذا الكيان الغاصب في فلسطين , هو زُرِعَ أصلاً لليحلولة دون ذلك , وربنا يبشرنا بزوال هذا الكيان الغاصب , ألا يكون ذلك بشارة بزوال هذه الدول المحيطة التي زرعت لتكون خط الدفاع الأول عنهم , والحديث أيضاً ربما يشير إلى هذا بشكل أو بآخر لما قال : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ) إذاً يوجد حق ويوجد قهر , والحق بالحجة والبينة والقهر إنما يكون بقتال , وما عادت الأمة للقتال والجهاد إلا في المرحلة الأخيرة , سواء في فلسطين نفسها أو في أرض الشام, إذاً ( قاهرين ) فالأمر يحتاج إلى قتال وليس إلى مفاوضات ومظاهرات سلمية , والحديث أيضاً فيه نبوءتان : (لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم ) أي ستجد من يخالفك وأنت مقتنع أنك على الحق من أهل العلم ومع ذلك ( لا يضرهم من خالفهم ) ( ولا يضرهم من خذلهم ) إذاً سيكون هناك خذلان ممن تتوقع نصرته , حيث تتوقع أن ينصرك المسلمون فيخذلونك أو يخذلك كثير منهم , ويوجد رواية تكمل الحديث : ( حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) ويوجد رواية تقول ( حتى ينزل عيسى ابن مريم ) وهنا يظهر اشكال فيما إذا كان يتكلم عن المرحلة الأخيرة ؟؟ لا , هو قال (حتى) والغاية قد تطول فلا يمنع مانع أن نبدأ الآن وتستمر هذه الفضيلة إلى ما شاء الله , ويوجد رواية قالت ( وهم في أكناف بيت المقدس) ويوجد رواية قالت ( وهم في الشام ) .
إذاً كل هذه إشارات ومبشرات , فصحيح نحن أحياناً نذكر في ثنايا الحديث عن فضائل بلاد الشام ما ورد في الغوطة تحديداً ( قسطاط المسلمين يوم الملحمة في مكان يقال له الغوطة في مدينة من خير مدائن الأرض يقال لها دمشق ) , وقد ورد في بعض النصوص التي تتحدث عن الملاحم وحاول بعض الناس أن يفسرها تفسيرا علميا - في زعمه – الرواية قالت (حتى إن الطير ليمر بجنباتهم فما يجاوزهم حتى يخر صريعاً), فبعض العلماء قال يستخدم فيها أسلحة كيماوية .
إخواننا ليس بالضرورة أننا دخلنا في مرحلة الملاحم , فالمهم أنه من خلال استقراء النصوص كلها أنه لا زال هناك عدد من الأشراط الصغرى والوسطى لم تقع وبالتالي لا يجوز أن نقفز مباشرة إلى الأشراط الكبرى , لأن الحديث عن الأشراط الكبرى جعلها كالعقد , ونحن لم نصل إليها والله أعلم , وإنما نحن في مرحلة هي مقدمة لظهور المشروع الاسلامي ونجاح المشروع الاسلامي وقيام الدولة الاسلامية ثم الخلافة الاسلامية ثم عموم الاسلام على الأرض ثم بعد أزمان الله بها عليم يكون انحسار للإسلام وبعد ذلك يكون ما ذكر من أحداث ( الملحمة الكبرى – نزول الدجال ..... وما إلى ذلك ) فهذه تكون في آخر الزمان والله أعلم .