مذيعان إسرائيليان لضيفهما: نأمل استضافتك مرة أخرى حاملاً كيساً تقطر منه الدماء

لحروب إسرائيل الاختيارية نموذج ثابت؛ فهي دائماً تبدأ بالقول إن إسرائيل غير معنية بها. في كل الحالات لا، أو ليس الآن. هذا هو النداء الأول للإسراع وإعداد الملاجئ. بعد أن تعلن إسرائيل بأنها غير معنية بالحرب، تبدأ في إشعالها.

الطرف الثاني، الذي يقولون عنه بأنه هو أيضاً غير معني بالحرب، يؤججها ويستفزها، كي لا يظهر وكأنه ضعيف؛ يتقاسمون الغباء بالتساوي. في هذه الأثناء، تجرى مفاوضات دبلوماسية مستعجلة تهدف لمنع الحرب. التقارير متفائلة. إسرائيل مبدئياً لا تؤمن بالدبلوماسية، وتتعاون مع الوسطاء وتلقي بالتهمة على الطرف الثاني. هي أعطت الدبلوماسية فرصة. شيك.

النيران تزداد. إسرائيل لن ضبط نفسها. ثمة اتفاق بالإجماع في إسرائيل على أن ذلك لن يستمر بهذا الشكل. سلاح الجو يبدأ بالهجوم. اللون يعود إلى وجوه الإسرائيليين، حتى آخر اليساريين الصهاينة. أجهزة “بيجر”، قيادات، خلايا، منصات إطلاق وشخصيات رفيعة… كلها تشتعل. يصاب الرأس بالدوار من القدرات المدهشة. يبدو النصر أقرب من أي وقت مضى، ومعه الحل المطلق، الذي لم يكن أكثر قرباً من ذلك. أخيراً أريناهم، وجعلنا شعبنا يرى. شعور مسكر. ثمة بصيص أمل بعد أسابيع من الخوف والإحباط. تمت تصفية رئيس منظومة الصواريخ. والرقم 3 لم يعد موجوداً.

وصلنا إلى هذه المرحلة في هذا الأسبوع؛ مفاجآت سلاح الجو وصلت إلى عنان السماء، وانتصبت القامة مرة أخرى. في القناة 14 طلب مقدما البرنامج من الضيف بأن يأتي إلى الاستوديو في المرة القادمة ومعه كيس بلاستيكي تقطر منه دماء رأس يحيى السنوار. ليس الجميع برابرة، لكن الجميع يؤيدون عمليات قصف سلاح الجو. لأنه ماذا سنفعل؟ فعمليات القصف الجوي تبدو حرباً ذات ثمن زهيد. في ظل عدم وجود دفاعات جوية، سواء في لبنان أو غزة، فهي حرب نظيفة من وجود ضحايا إسرائيليين: يحلقون، يقصفون، يقتلون، يدمرون ويعودون بسلام إلى القاعدة.

الأضرار الجانبية، التي هي ليست جانبية على الإطلاق، لا تهم أحداً؛ إذ من سيتجرأ على الوقوف ضد هدم ثلاثة طوابق فوق رؤوس ساكنيها مقابل رأس رئيس منظومة الصواريخ؟ ومن سيتجرأ على قول شيء ضد عملية مثيرة جداً، مثل تفجير أجهزة البيجر؟ حتى قتل 500 شخص مثلما حدث في أحد أيام الأسبوع، كانت عملية قتل مبررة جداً. النشوة قصيرة، لكنها كثيرة الدماء في الطرف الثاني. الجثث، المعاقون، الدمار والمهجرون، تراكموا إلى درجة الوصول إلى كارثة كاملة. تقول إسرائيل إنها لا تريد عملية برية بأي شكل من الأشكال، أو لا تريد ذلك في الوقت الحالي. ضغط القصف سيفعل فعله في نهاية المطاف، والعدو سيستسلم. بعد بضع طلعات سيبعث “كيبوتس المنارة” للحياة.

بعد ذلك، يصل صاروخ إلى تل أبيب الكبرى. وبعده صاروخ آخر وآخر، رغم نجاح سلاح الجو والبيانات المثيرة للانطباع عن “تدمير القدرات” (كل حرب لها تجديد لغوي خاص بها. في غزة “المناورة”، في لبنان “تدمير القدرات”). لم تفحص إسرائيل حتى الآن القيام بعملية برية.

ستعلو الأصوات بسرعة في ذروة إطلاق الصواريخ من قبل العدو المهزوم. وسيحرض المراسلون العسكريون على القيام بعملية برية. يجب إنهاء المهمة. لا خيار. ربما عملية محدودة. بضع كيلومترات ونعود. ربما حزام أمني صغير ومؤقت.

ستنطلق الدبابات فجراً. وكل أخدود تشقه الجنازير في الأرض يعمق التورط الذي لا رجعة عنه. ولن يخرجوا لسنوات، سواء من غزة أو لبنان. لبنان سيصبح غزة، والضفة الغربية بالطبع، وستتحول جميعها إلى جهنم.

الجيش الإسرائيلي سيغرق أكثر فأكثر. سيتمكن سكان المطلة من مشاهدة أنقاض بيوتهم في يوم صاف لسنوات كثيرة. ها هي حرب أخرى ستنجح وتجلب لنا نصراً آخر. وهي أيضاً كانت حتمية فرضها علينا مصيرنا القاسي. حرب لا يمكن تجنبها.

وسوم: العدد 1096