مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام

( الحلقة الأولى )

من المعلوم أن الله عز وجل ختم رسالاته  الداعية إلى الإسلام، وهو دين الفطرة السوية  إلى البشرية بالرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للعالمين كافة  بين يدي الساعة .

 ولقد جاءت بعثته عليه الصلاة والسلام  في شبه جزيرة العرب ، وهم عبارة عن قبائل متناحرة فيما بينها بسبب عقيدة العصبية الجاهلية .وكانت الأمم المجاورة  لهم يومئذ لا تقيم لهم وزنا ، بل كانت تحتقرهم لبداوتهم،  لشتات أمرهم  خصوصا أمة الفرس وأمة الروم ، كما كان  بعض اليهود الذين عاشوا بين ظهرانيهم  يلعبون أدوارا خطيرة في إذكاء  نيران نعرات العصبية الجاهلية التي كانت تزيدهم صراعا، وفرقة، وشتاتا ، كما كان الحال بين الأوس والخزرج في يثرب  قبل أن يسلموا بل كادت العصبية  تعود إلى سابق عهدها بينهم والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم.

وما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغهم رسالة الإسلام الخاتمة  في فترة زمنية قياسية لا تزيد عن ثلاث وعشرين سنة  وقد  كانوا مشركين  عقيدتهم وثنية ضالة حتى انتقلوا نقلة نوعية غير مسبوقة  من جاهليتهم الجهلاء إلى أمة ذات حضارة  إنسانية راقية  تتعدى  كل عرقية بفضل دين الفطرة السوية الذي يسوّي بين كل الأعراق البشرية ، وقد أذهلت يومئذ الأمم التي كانت تنظر إليهم بازدراء من قبل البعثة النبوية. وما لبث المسلمون العرب إلا قليلا حتى فتحوا بلاد الأمم المزدرية لهم فتحا يختلف عن كل غزو  مما كان شائعا بين الأمم  الغالبة منذ أقدم العصور، وذلك بغايته النبيلة التي هي تبليغ رسالة الإسلام دون طمع فيما عند الأمم المفتوحة بلادها ، والتي انصهرت في بوتقة عقيدة التوحيد المخلصة للبشرية من كل أنواع الشرك .

ولقد كان تفاعل الأمم الداخلة في دين الإسلام مختلفا من قطر إلى آخر ، ويمكن إجماله في نوعين هما : تفاعل إيجابي حيث دخل الناس في دين الله أفواجا كما شهد على ذلك الذكر الحكيم في صورة النصر ، وآخرتفاعل سلبي  تمثل في رفض هذا الدين ، الشيء الذي ترتبت عنه صراعات مريرة  دامية ، ولا زالت قائمة إلى يوم الناس هذا ، وستستمر إلى قيام الساعة طالما وجد من يعادونه من مختلف الأعراق .  

والذي يعنينا في هذا المقال هو موضوع التفاعل السلبي مع دعوة الإسلام خصوصا عند أمم  تموه على رفضها لهذه الدعوة، وتتظاهر بقبولها  مع إضمار العداء والكيد لها بسبب خلفيات  مردها العصبيات العرقية أو العقائد الشركية المعادية للتوحيد ، وهذه الأمم هي كالآتي :

1 ـ أمة الفرس التي كانت عقيدتها  وثنية مجوسية  والتي فتح أرضها قبل غيرها من الأمم ، وقد نشأت لديها بعد الفتح الإسلامي  عقدة ما يسمى بالشعوبية ، وهي شعور تعال عرقي على العرب الذين  ظهر فيهم الإسلام إذ لم يستسغ الفرس أبدا خضوعهم لدين يرونه عربيا ،وليس إنسانيا كما أراد له الله تعالى . ولم تتغير نظرتهم الدونية إلى العرب الذين كانوا يعتبرونهم أهل بداوة، أجلاف ،ورعاة إبل وشاء ، وأهل وبر مدرهم  عبارة عن حجارة مركومة  من لبن وقش ، كما أنهم ظلوا يعتبرون أنفسهم أهل حضارة ومدنية وعيش رغد ، وأهل قصور وعمران بديع الهندسة ...

ولقد تجلت عقدة الشعوبية بشكل واضح في خلافة بين العباس ، وكانت ردة فعل على عروبية بين أمية التي كانت تعصبا للعرق العربي على حساب الأعراق أو الشعوب الأخرى . ولقد سجل الأدب  في هذه الفترة نظمه ونثره  على حد سواء  في تلك الفترة مظاهر تلك الشعوبية  كما ورد في كتاب الجاحظ " البيان والتبيين "  وهي شعور أساسه التعصب للعرق ، وقد بلغ عند بعض الفرس  حد الزمانة خصوصا  الزنادقة، وهم أكثر المجوس عداوة لدين الإسلام ،لذلك كان ولاة أمور المسلمين يطاردونهم بالقتل  لخطورتهم على دين الإسلام  . وإذا كان الأدب العربي في عصر بني أمية يتغنى بالعروبية كما تغنى بها الشعر العربي الجاهلي ، فإنه في عصر بني العباس وما تلاه من عصور كان جله يتغنى بالشعوبية ويحن إليها ، ويعرض ضمنيا بالعروبية كما كان التعريض بها قبل مجيء الإسلام ، ونذكر من ذلك شاهنامة الفردوسي التي تغنى فيها بملوك الفرس وأمجادهم مع ذم العرب والتعريض بهم ، ومما ينسب له قوله: " تبا لك أيها الزمان وسحقا من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ  العرب مبلغا أن يطمحوا أو يطمعوا في تاج الملك " ، ومثل الفردوسي ، أبو مسلم الخرساني ، وأبو بكر الخرمي ، ومحمود الغزنوي ، والخيّام ...

وأهم ما أفسد إسلام أمة الفرس ،هو تعصبهم لجنسهم الساساني أو لعرقيتهم الرافضة بشدة  للعرق العربي والمستعلية عليه. ولقد رفض الفرس الإسلام لعروبة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وتشبثوا بلسانهم الفارسي متعصبين له . ولا زال كثير منهم على هذه الحال إلى يوم الناس هذا .  وبسبب تعصبهم لعرقهم الفارسي أو بسبب شعوبيتهم احتالوا على الإسلام من خلال رواسبهم العقدية الضالة حيث ابتدعوا فيه ما ليس منه ، ولم يلتزموا بما جاء به رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم . واستمر خلطهم بين عقدية الإسلام ، وبين عقائدهم الضالة  من مانوية، وزردشتية ،ومزدكية ، وكلها عقائد وثنية تقدس مظاهر الطبيعة خصوصا الشمس، وهي عندهم  عين الله ، وكانت صورتها في العلم الإيراني مع صورة أسد قبل ثورة الخميني ، و تقدس الضوء و هو ابن الله عندهم،والنور ،وتقدس النار هي رمز الخير عندهم، بينما  يرمز الظلام  للشر. وكانوا يضرمونها النار في معابدهم، وينفخون فيها كي تظل مشتعلة على الدوام  كي تغلب الظلمة الشريرة .  ولقد أبدعوا في وصفها كما جاء في كتبهم  وأشعارهم  . وقد تسربت  مثنويتهم المجوسية الخير والشر أو النور والظلمة إلى كثير من الفرق المحسوبة على الإسلام، والتي كان هدفها  هو الانحراف بدين الإسلام  عن هديه إلى ضلال ماكرين به المكر السيء .

ومما أحدث الفرس من انحراف في الإسلام  خلال  حكم الدولة الصفوية التي سادت كثيرا من بلاد الشرق ، من القرن السادس عشر الميلادي إلى  أواسط القرن الثامن عشر استبدال المذهب السني بالمذهب الشيعي الذي لا زال  مستمرا إلى يوم الناس هذا في إيران، وفي أجزاء من البلاد التي خضعت لحكم الدولة الصفوية مثل أذربجان، وأرمينيا ، وجورجيا ، والقوقاز ، والبحرين ، والعراق ، وتركيا ، سوريا ، وأفغانستان ، وتركمنستان ، وأوزبكستان.

ولقد كان التشيع المبتدع في دين الله عز وجل نتاج تلاقح كراهية الفرس  وكراهية اليهود للإسلام حيث ابتدع اليهودي عبد الله بن سبأ هذه العقيدة الضالة مؤلها  الإمام علي كرم الله وجهه ، وكان هو المحرض عن مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه ، كما كان أول من سن لعن الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان... وزوجي  النبي عائشة وحفصة رضي الله  تعالى عنهم أجمعين .

ولقد صادف التشيع  الصفوي الإثنا عشري  المنسوب إلى جعفر الصادق هوى في نفوس حكام الدولة الصفوية، فاتخذوا منه ذريعة للتمويه على حقيقة كرههم للإسلام والذي مرده تعصبهم لعرقهم الآري ، وشعوبيتهم المزمنة .  ولقد لفقوا أخبارا كاذبة عن اختلاط النسب النبوي بالنسب الفارسي ، فزعموا أن علي بن الحسين بن الإمام علي قد تزوج من إحدى بنات كسرى رغبة منهم في الرفع من شأن عرقيتهم الآرية بإضفاء  نوع من القداسة عليها بسبب هذا الزواج الذي لم  يثبت ، ولم تصح رواياته  الملفقة عند أهل العلم والتحقيق ، والذين سوقوا لهذا الزعم  لا يذكرون له سندا.

 ولقد عاد التوجه الصفوي بقوة  إلى إيران بعد ثورة الخميني على الشاهنشاهية  وهو اليوم في أوج قوته ، و يطمع أويطمح إلى التمدد في  كل الأقطار التي كانت خاضعة للصفويين خصوصا في البلاد العربية العراق، وسوريا، ولبنان من بلاد الشام .

ويتخذ الصفويون الجدد أو بالأخرى الخمينيون من مقتل  الحسين بن علي  رضي الله عنهما مناحة يجعلونها  ذريعة لتبرير كراهيتهم للعرب من أهل السنة  الذين يعتبرونهم جميعا  "يزيديين " نسبة إلى زيد بن معاوية قاتل الحسين ، وعن طريق هذا التبرير الواهي تستباح عندهم دماء أهل السنة  وأعراضهم ، وقد شهدت مراحل تاريخية على مجازر رهيبة ارتكبها الصفويون في حقهم ، والتاريخ المعاصر يشهد على مثلها أو أكثر منها فظاعة  مما فعله الفرس الخمينيون وأذنابهم من بعض العرب في سنة العراق، وسوريا ،واليمن وكل ذلك موثق بالتصوير الحي  تحت ذريعة الانتقام لدم الحسين بن علي بحيث صار عندهم كل سني بمثابة يزيد بن معاوية ، ولا زال هذا الهراء بعشش في أذهان السذج المستغفلين من العرب  الذين ألقي في روعهم أن محبة آل البيت مقترنة ضرورة بكره أهل السنة ولعنهم ، والحقد عليهم وتقتيلهم ، وأن ذلك من صميم  التدين الصحيح . والحقيقة أن كل ذلك إنما هو تصفية حساب العرق الفارسي مع العرق العربي أو بين الشعوبية والعروبية وهي العصبية  أو العرقية الممقوتة  التي لا جاء دين الإسلام بالقضاء المبرم عليها ، وهو من وحّد كل الأعراق البشرية  في عقيدة التوحيد ، وقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيا  فما صح عنه من روايات .

وتلعب الخمينية اليوم  دورا خطيرا في تأليب العرب على بعضهم البعض من خلال نشر التشيع في بعضهم  ، وليس لها من وراء ذلك سوى الانتقام منهم لأن أجدادهم العرب قد قوضوا ملك أكاسرتهم الساسانيين . ولقد انطلت حيل الخمينية على بعض سذج العرب ،فاعتنقوا تشيعها بعدما كانوا سنة ، وصاروا تقليدا لها يتجاسرون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلعنونهم ، ويعتقدون أنهم بذلك يدين الدين الحق ، بينماهم في ضلال مبين ، وإنهم  ليلقنون النياحة وشق جيوبهم ولطم وجوهم ، وإدماء أجسادهم  بالمدى والسياط ، وقد كثرت  مناسبات النياحة  عندهم ويقصدون فيها  المقابر أو المراقد يسألون من يرقدون فيها وهم عظام نخرة ما لا يطلب إلا من الحي القيوم جل جلاله مكرسين أنواع الشرك المقيت الذي زينه لهم أصحاب العمائم السود التي يرمز سوادها  إلى سواد قلوبهم بسبب كراهية  الشديدة للموحدين من أهل السنة  ، وهم بذلك يحاكون أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله ـ  تعالى عما يصفون علوا كبيراـ  .

( الحلقة الثانية )

استكمالا للحلقة الأولى سنواصل الحديث عن رواسب العرقية  كالآتي :

2 ـ أمة الروم أو اليونان  البيزنطيين أو الرومان الشرقيين :  وهم سكان القسطنطينية وآسيا الصغرى ( تركيا حاليا ) ، وقبرص ، والجزر اليونانية ، وأجزاء من  جنوب البلقان ، ومنهم العرق التركي  أو أتراك الأنضول أو الطورانيين . ولقد فقد الروم بلاد الشام بسبب الفتح الإسلامي الذي كان في عهد الخلافة الراشدة ، وفي فترة حكم بني أمية ، ودخلوا  في دين الإسلام كغيرهم من الأمم المفتوحة بلادهم من فرس، وبربر، وقوط .

 و لقد حكمت تركيا أسرة مسلمة يعود أصلها إلى قبيلة قايي ، وهم جماعة من الأوغوز التركمانية مقرها وسط آسيا ، فهاجرت منها إلى منطقة الأنضول إبان الغزو المغولي ،واستقرت بها تحت حكم السلاجقة . ويعتبر عثمان الأول بن أرطغل مؤسس الدولة العثمانية الذي أعلن الاستقلال عن حكم السلاجقة بعد هزيمتهم أمام المغول ، وهو من وحد الأنضول ، وبدأت فتوحات الدولة العثمانية إلى وسط أوروبا . وكانت مرحلة قوتها ما بين فترة حكم محمد الفاتح ، وهو القائد السابع بعد القائد المؤسس إلى غاية حكم سليمان القانوني ، ثم بدأت مرحلة تراجعها منذ فترة حكم سليم الثاني الذي انهزم أمام الجيوش ألأوروبية ، ووقع على معاهدة تخلى بموجبها عن كثير من الأراضي التي كانت خاضعة لحكم الدول العثمانية . واستمر بعد ذلك  التخلي عن باقي المناطق التي كانت خاضعة لها في فترة  حكم  سليم الثالث ، ومحمود الثاني ، إلا أن عبد المجيد الأول استعاد منطقة الشام . وفي فترة حكم عبد الحميد الثاني، قامت الثورة الأرمينية ، وكان  لليهود يد خفية  فيها ،وهم الذين طالبوه بإنشاء وطنهم القومي  في فلسطين التي كانت تحت حكمه . وبمشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان وانهزامهما أمام الحلفاء بقيادة الإنجليز ، خسرت  كل الدول العربية التي كانت تحت حكمها ، وقد حرض الإنجليز العرب عليهل، ووعدوهم باستقلال بلادهم عنها إلا أنهم حالوا محل العثمانيين هم والفرنسيون، كما حرضوا الشريف  حسين عليهاالذي طرد العثمانيين من الحجاز . واحتل الانجليز تركيا ، فقامت هناك ثورة شعبية عليهم ، تزعمها مصطفى أتاتورك الذي خاض حروبا مع اليونان، واسترد ما اقتطعه اليونانيون من الأرضي التركية ، وأعلن عن قيام جمهورية تركيا سنة 1923 بشروط منها علمنة الدولة التي كانت تحت الحكم العثماني الإسلامي السني طيلة أربعة قرون ، ومنها استبدال كتابة اللغة التركية  بالخط العربي ، ومنها تأييد إنشاء دولة اليهود فوق أرض فلسطين ، ومنها التضييق على ممارسة الشعائر الدينية ،كمنع رفع الأذان باللغة العربية ، وإغلاق  بعض المساجد، وتحويلها إلى أماكن أثرية منها مسجد آية صوفيا الذي حوله الحكام العثمانيون من كنيسة إلى مسجد ، وحوله أتاتورك إلى متحف .

ولا يجب القفز على دور الجالية اليهودية في تركيا ، والتي كان من تأثيرها علمانية أتاتورك ، وكل ما لحق الإسلام من مضايقاته  وعسفه وديكتاتوريته .

وما يعنينا من هذا الاستعراض الموجز لتاريخ الأتراك هو رصد النزعة الشعوبية لدى الأتراك خصوصا في فترة حكم أتاتورك، وما تلاها  إلى اليوم كتلك التي رصدناها عند الفرس في الحلقة الأولى. وتكفي الإشارة إلى أن علمنة تركيا بعد إسلامها لقرون خلت ، تعكس أثر عامل الشعوبية التركية أو الطورانية ، وهو تعصب للعرق التركي ضد العرق العربي ، ذلك أن الطورانينن لم ينسوا هزائم الفتح الإسلامي على يد العرب المسلمين زمن الأمبراطورية البيزنطية  التي كانت على غرار الأمبراطوية الفارسية تحتقرهم لبداوتهم ، ولم تستسغ تخليها عن بلاد الشام لهم، وقد خضعت لها لقرون. وبالرغم من أن الدولة العثمانية كانت سنية فإنها  لم تجرؤ على الإسلام كجرأة الدولة الصفوية التي حولت المذهب السني  الذي كان سائدا في إيران إلى مذهب شيعي أثناعشري ، فإن  الرواسب العرقية للأتراك ظلت ملازمة لهم حتى انكشفت في ظل حكم أتاتورك الذي تمسك بهويته البيزنطية الطورانية ، وارتمى بين أحضان الدول الغربية العلمانية ، وداس على تاريخ الإمبراطورية العثمانية ، ولم يعترف سوى بتاريخ الإمبراطورية البيزنطية، ولم ينس اندحارها أمام  فتح العرب المسلمين  في منطقة الشام .

وينقسم الأتراك اليوم إلى متدينين سنة ، وإلى علمانيين ، وهؤلاء شعوبيتهم مزمنة ، ويلاحظها كل عربي يزور تركيا  حاليا ، حبث يلاحظ أثرها من خلال استنكاف الأتراك عن الحديث باللسان العربي أو كتابة  لغتهم به  كما كان أسلافهم العثمانيون  ، وكذا منع السلطات التركية تعليق اليافطات المكتوبة به على المحال التجارية  وغيرها في بعض الأماكن .

وإذا كان الفرس بدافع شعوبيتهم قد ابتدعوا في دين الإسلام بدعة التشيع ، فإن الأتراك بالرغم من سنيتهم لم يسلموا من  تأثير شعوبيتهم ، فابتدعوا الطرقية التي نذكر منها الطريقة المولوية التي أسسها جلال الدين الرومي وهو من بلخ في أفغانستان، و صاحب كتاب المثنوي  ، وهو شاعر شعره يتلى فيما يسمى حلقات الوجد  الصوفي .ويقول البعض أن طريقته متفرعة عن الطريقة القادرية ، وهو متأثر بأفكار محي الدين بن عربي  صاحب الطريقة الأكبرية ، و بأفكارعبد القادر الجيلاني صاحب الطريقة القادرية . وتعرف المولوية بشطحاتها ورقصاتها الدائرية حول الشيخ  لساعات طوال من أجل بلوغ درجة الصفاء الروحي حسب اعتقادهم  ، وذلك على إيقاع موسيقى حزينة  بواسطة الناي ،والدف، والقانون، والساز، وهو آلة وترية كالعود، ويسمى  ذلك عندهم  سماعا . والمولوية تعتبر كل الأديان خيرة ، لهذا تفتح صدرها لها . والشعر والموسيقى عند جلال الدين الرومي هما وسيلة الوصول إلى الله ـ  تعالى عما يصف علوا كبيرا ـ ، وعنه اقتبست عدة طرق استعمال الشعر  والموسيقى والإيقاع  والرقص في طقوسها  .

 وتغض الحكومة التركية  الطرف عن المولوية لكنها تسمح بطقوسها على أساس أنها من الفلكلور التركي . وكفى بهذه البدعة الطرقية تأثيرا سلبيا في تدين شريحة عريضة من المسلمين السنة  الأتراك ، وكان  من المفروض  أن يكون  تدينه سالما مما يشوب  عقيدة توحيد الله عز وجل عندهم من مظاهر الشرك  حيث  يعتقد في  شيوخ الطرق  أنهم  يملكون ما استأثر به الواحد القهار سبحانه وتعالى من منع أو عطاء ، ويدعون كما يدعى ، ويطلبون كما يطلب جهلا بحقيقة التوحيد الخالص من شوائب الشرك .  

ولقد ذاعت وشاعت الطريقة المولوية في البلاد التي كانت تخضع للدولة العثمانية منها منطقة الشام ، وغيرها من المناطق الأخرى . وللرومي شهرة كبيرة  في معظم بلاد الغرب بما فيه الولايات المتحدة ، وقد غنت  مغنية البوب الأمريكية  مادونا بعض قصائده التي نظمها في الحب ، منها قصيدة : " تعلم كيف تقول وداعا " . ولا شك أنها بذلك قد قامت بالدعاية لشعره  في بلادها، وفي البلاد الأوروبية ، و في غيرها من بلدان العالم  وربما جر ذلك بعض رعاياها إلى الإقبال على الطريقة المولوية ، وغيرها من الطرق ، وهو إقبال تباهي به هذه الأخيرة حين تحيي مناسبات شطحاتها ، وعندنا أنه مما يضفي عليها مصداقية أنها استطاعت أن تجلب الأجانب  خصوصا من بلاد الغرب .

وخلاصة القول أن الشعوبية الفارسية ، والشعوبية التركية تقتسمان مخاطر التأثير السلبي في  ثوابت  دين الإسلام ، عن طريق التعصب للعرق مع عقدة الشعور بالتفوق فيه على العرق العربي ،  وعن طريق الانحراف عن الإسلام إما بابتداع التشيع أو بابتداع الطرقية ، وهما معا مما دسه اليهود للإسلام كراهية وحقدا عليه.   

( الحلقة الثالثة )

استكمالا للحلقتين الأولى والثانية ، سنواصل الحديث عما يهدد ثوابت دين الإسلام جراء مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة  لدى بعض الأمم التي لها صلة بالمسلمين ، وذلك كالآتي :

3 ـ أمة اليهود : ويعود نسبها  حسب مصادرهم إلى النبي يعقوب أو( إسرائيل ) ابن  النبي إسحاق ، ابن النبي إبراهيم  الخليل عليهم السلام . وأبناء يعقوب من زوجتيه ليئة وراحيل ،ومن جاريتيه بلهة وزلفة  دائما حسب مصادرهم، وهم الأسباط : ( رأوبين ، شمعون ، لاوي ، يهوذا ، يساكر ، زبولون ، دان ، جاد ، نفتالي ، أشير ، يوسف ، بنيامين) ، ومنهم انحدرت اثنتا عشرة قبيلة كونت شعب أو أمة اليهود . وتقول نفس المصادر أنهم هاجروا من أرض الشام فرارا من مجاعة  إلى مصر في عهد النبي يوسف عليه السلام ، ثم خرجوا من مصر زمن النبي موسى عليه السلام  فرارا من اضطهادهم ، ولم يعودوا إلى الشام إلا في عهد يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام  بعد موت هذا الأخير . واستمر وجودهم بالشام إلى  عهد النبيين داود وسليمان عليهما السلام  وكان لهما ملك فيه . ولقد قضوا فترات تاريخية مختلفة سابقة ولاحقة لذلك العهد تحت اضطهاد البابليين ، والفراعنة ، والرومان ، والقوط ، وكان ذلك سبب انتشارهم في العديد من أقطار المعمور في أسيا، وإفريقيا، وأوروبا ، وفي القارة الأمريكية في التاريخ الحديث .  

وديانتهم  هي الديانة اليهودية ، ومفهوم الله  فيها عندهم عبارة عن ثالوث حلولي هو : ( الرب، والشعب، والأرض ) ، ويعتقد اليهود أن آخر الأنبياء هو( ملاخي )، وهم  ينتظرون مجيء نبي هو الآخر في اعتقادهم وهو ( المسيا ) المخلص الذي سيخلصهم من الشتات ، ويعيد إنشاء مملكة إسرائيل كما كانت زمن داود وسليمان ، و يزعمون أنه سيملك أقاصي الأرض ، ويقيم الوصايا ، ويعيد بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى المبارك ، ويسود في فترته العالمَ السلامُ حتى يساكن الذئب الحمل  ولا يؤذيه . وهم لا يؤمنون بنبوة المسيح عيسى ابن مريم  الذي يزعمون أنهم قتلوه ، ولا يؤمنون  بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كخاتم الأنبياء والمرسلين . وأساس ديانتهم اليهودية  كتاب التوراة، و هي جزء من( التناخ )أو الكتاب المقدس العبري ، فضلا عن شروحه المسماة  (الهلاخاه)، و( المدراش ) ، و( التلمود ) .

وتجدر الإشارة إلى أن مصادرهم المعتمدة  في تاريخهم حولها خلاف كثير . وفي القرآن الكريم أخبارهم  الصحيحة لأنه لا يأتيها باطل من بين يديه ولا من خلفه .

وما يعنينا من أمر أمة اليهود هو مخاطر رواسبهم العرقية والاعتقادية المهددة لثوابت الإسلام . أما رواسبهم العرقية ، فهم يعتقدون أن عرقهم فوق كل الأعراق البشرية  باعتبار عودة نسبهم إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام، وولده إسحاق ، وحفيده يعقوب ، ثم الأسباط أبناء هذا الأخير. وهم يدعون أنهم أبناء الله ـ تعالى الله عما يصفون علوا كبيرا ـ كما جاء في الذكر الحكيم حيث قال تعالى : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير )) ، سورة المائدة ، الآية 18  . وكذّب الله تعالى زعمهم أن إبراهيم الخليل عليه السلام كان يهوديا حيث قال : (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )) سورة آل عمران، الآية 67 .  وكذّب  الله تعالى نسبتهم الولد له ، فقال : ((  وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون )) ، سورة التوبة ، الآية 30 .

 ومع تسفيه القرآن الكريم لمزاعم تفوقهم العرقي ، فقد ظلوا عبر التاريخ ولا زالوا ، وسيبقون كذلك  إلى نهاية العالم متشبثين بها ، ويفاخرون بها على  كل البشر ، ويستغلونها لابتزازهم  وتسخيرهم كعبيد أو خدم لهم ، ولهذا يعتبرون كل من يسفه مزاعمهم العرقية  معاديا لما يسمونه السامية .

وقصتهم مع نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فصل فيها القرآن الكريم تفصيلا ، ذلك أن من هاجروا منهم إلى شبه جزيرة العرب واستقروا بها ، وعاشوا فيها كشتات بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد  على أيدي  بعض الأمم كما مر بنا أعلاه ،عادوا دعوته عليه السلام أشد العداء ، وكادوا له كل كيد خبيث لأنهم أولا يعتبرون عرقهم أفضل من عرقه ، وهم يفضلون النبي إسحاق على أخيه النبي إسماعيل جد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهما ابني إبراهيم الخليل عليه السلام  وعرقهما واحد . وثانيا لأنهم لا يؤمنون بنبوة سيدنا محمد صلى الله وسلم عليه ، باعتباره آخر الأنبياء والمرسلين ، وهذا ما جعل حقدهم على الإسلام أشد ،وعداءهم له ألد. ولقد عانى كثيرا من كيدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أمره الله تعالى أن يضع حدا لكيدهم  من أجل صيانة بيضة الإسلام التي كانوا يستهدفونه ، ويتآمرون عليه مع كفار مكة ، ومع منافقي يثرب.

ومن أجل بيان خطر رواسب العرقية اليهويدية ومعتقداتهم الضالة المهددة لثوابت دين الإسلام ، نذكر بكيد اليهودي عبد الله بن سبأ الذي مربنا ذكره في الحلقة الأولى ، والذي تلقف منه التشيع من تشيعوا في زمانه ، وفي ما بعده، خصوصا في فترة حكم الصفويين في بلاد فارس ، وهو ما أحدث شرخا في صف المسلمين ، ونتجت عنها صراعات بين طائفتي السنة والشيعة كانت لها، ولا زالت  لها تداعيات خطيرة على دين الإسلام الذي جاء لتوحيد الله تعالى دون شركاء معه مهما كانوا شركا  يلابس توحيده سبحانه أو يلّبسه على معتنقيه. ولم يقف كيد اليهود للإسلام والمسلمين عند حد الكيد السبئي، الخطير بل حكاية كيدهم يطول الحديث عنها، خصوصا وأنهم ساكنوا المسلمين  طويلا في بلادهم  بخلفيتهم العرقية المستعلية ، وبخلفيتهم العقدية الضالة .

ولا شك أن الصراع العربي الصهيوني هو مما نسل عن تلك الخلفيتين حيث وطّن الاحتلال البريطاني في القرن الماضي بعد احتلاله الشام ، وكان من ضمن ما حكمه الأتراك العثمانيين من البلاد العربية في منطقة الشرق الأوسط  شتاتَ اليهود الذين كانوا يعيشون في أوروبا بأرض فلسطين بعدما اضطهدهم النازيون الألمان ، فطردت العصابات الصهيونية الإرهابية  المسلحة من طرف الانجليز سكان فلسطين من أرضهم، وهجّرتهم قسرا خارج وطنهم ليعيشوا هم أيضا في شتات ، وفي مخيمات أو تحت اضطهادها . ولقد ركب  الصهاينة  ما سماه الفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي ( الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل ) ، ومنها أسطورة الوطن القومي لليهود فوق أرض فلسطين  ثم بعد ذلك امتداده ما بين فرات العراق ، ونيل مصر ، ليتوسع مع مرور الزمن حتى تتحقق نبوءتهم المخترعة التي يطمحون من ورائها إلى السيادة على العالم أجمع، والتحكم فيه تحت ذريعة إحلال السلام فيه ، وتحقيق خرافة  مساكنة الذئب للحمل على حد زعمهم . ووسليتهم لتحقيق هذه الأحلام الخيالية هي الاعتماد على العنف في أقصى مظاهره من أجل القضاء على الشعب الفلسطيني ، ومدهم بعد ذلك يدهم الطولى إلى كل شعوب العالم العربي، وإخضاعها واستغلالها لصنع رفاهية ما يسمونه شعب الله المختار أو أبناء الله ـ تعالى عما يدعون وما يصفون علوا كبيرا ـ

ولو تتبعنا ما حل بالأمة الإسلامية في مختلف أزمنة التاريخ المتعاقبة  من محن ومصائب لوجدنا دائما أيد يهودية خفية تقدح شراراتها . وتكفي الإشارة إلى حركات الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين في التاريخ الحديث التي كانت من تدبير اليهود المندسين  بين صفوف صناع القرار في البلاد الغربية . وتكفي الإشارة إلى اللوبي الصهيوني العالمي الذي يؤثر كبير التأثير  في صنع القرار في كل  العالم بعد تغلغل عناصره اليهودية في كل مراكز صنع القرار العالمي إلى جانب السيطرة المطلقة على الاقتصاد العالمي ، وعلى كل الموارد المالية ،وعلى الإعلام العالمي  حتى أن  العالم الغربي يبدو مسخرا وبيد هذا اللوبي يفعل به ما يشاء ، ومن خلاله يفعل ما يشاء في العالم بأسره ، ويدوس على ما يسمى بالقوانين الدولية  التي يستثنى اليهود وحدهم  من الخضوع لها دون سائر الأعراق البشرية في المعمور .

وخلاصة القول أن رواسب العرقية اليهودية، وضلالهم العقدي شكلا، ويشكلان مخاطر مهددة لثوابت الإسلام ، وقد نجح اليهود منذ القديم في بث الفرق والشقاق بين  شعوب المجتمعات الإسلامية  فرقة عقدية، وعرقية، وسياسية ،وثقافية ، وفكرية ، وهو ما جعل بأسهم بينهم شديد ، وكل ذلك  يخدم خدمة عظمى الكيان اليهودي الصهيوني الذي يعيث اليوم فسادا في بلاد المسلمين ، ويرتكب مجازر رهيبة في فلسطين ، و يرتكب إبادة جماعية لم يستطع العالم كله  وقفها كما أوقف إبادة النازية لهم ، والتي يدفع اليوم ثمنها الشعب الفلسطيني الذي لا صلة له بالعرق الجرماني ، ولا يتحمل أية مسؤولية عما اقترفته النازية ،  بل هو شعب ككل الشعوب العربية والمسلمة قد آوى اليهود لقرون طويلة ، وأحسن ضيافتهم بعدما كانوا مستضعفين مضطهدين  في شتاتهم تضطهدهم الأمم الغربية خارج فلسطين، وللتاريخ على ذلك شهادات لا يمكن طمسها . وكان على اليهود الانتقام من الأمم التي اضطهدتهم، وليس تلك التي آوتهم ، وأحسنت إليهم . ولئن ساكن الذئب الحمل، ولم يغدر به  كما يزعم اليهود في أساطيرهم ، فسوف يساكنون هم المسلمين  في أمن وسلام .

 ( الحلقة الرابعة )

استكمالا للحلقات الثلاث السابقة ، نواصل الحديث عما يهدد ثوابت دين الإسلام جراء رواسب عرقية ومعتقدات ضالة ، وهو كالأتي :

4 ـ أمة  المسيحيين أو النصارى أو الصليبيين :  تسميات ثلاث ،تترادف للدلالة على عرق بشري يدين بدين النصرانية  ، فالمسيحيون وصف مقتبس من اسم المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، والنصارى نسبة إلى  قرية الناصرية بفلسطين من أرض الجليل، حيث بعث وعاش المسيح ، وقيل  هي نسبة إلى  أنصار المسيح  أو حوارييه، وكان عددهم اثني عشر كعدد الأسباط أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام  ، والصليبيون نسبة إلى الصليب الذي يزعمون أن عيسى عليه السلام صلب عليه ، وقيل أيضا نسبة إلى الذين كان يضعون صورته على  لباسهم  كعلامة  تميزهم عن غيرهم  ، وهم الجيوش التي كانت  تقاتل  تحت رايات مرسوم عليها أيضا . وتجدر الإشارة إلى أن هذه التسميات قيل  فيه وعنها كلام كثير في كتب التاريخ ، ولا داعي للخوض فيها ، المهم أنها كلها تدل على أمة تدين بالديانة النصرانية  التي تنسب  إلى المسيح عليه السلام ، كما يدّعون على ما بين طوائفها من اختلاف  فيما بينهم ، فهم : إما  ( كاثوليك ، أو أرثودوكس ، وهم فريقان ، أو بروتستانت ويقال لهم أيضا أنكلكان  ).

ومعلوم أن المسيح عليه السلام بعث في بني إسرائيل ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من لم يؤمنون به ، بل كذبوه ، وعادوه ، وزعموا أنهم صلبوه وقتلوه لأنهم كما مر بنا في حقلة سابقة لا زالوا ينتظرون نبيا يعتبرونه المخلص ، والموعود بإعادة ملك داود وسليمان ، وإعادة بناء الهيكل ، وبسط السلام في العالم حتى يعايش الذئب الحمل ولا يفترسه .

ومع ما بين اليهود والنصارى من خلاف واختلاف  مصداقا لقول الله تعالى في محكم التنزيل : (( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون )) ، سورة البقرة ، الآية 113، والذي جعلهم يختلفون هو امتداد أيديهم بالتحريف إلى ما أنزل الله على موسى وعيسى عليهما السلام مصداقا لقوله تعالى في الذكر الحكيم : (( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه )) ، سورة النساء ، الآية 46 .  ولا شك أن تحريف اليهود طال ما أنزل على موسى وعلى عيسى معا ، فإنهم يتبنون معا  ما يسمى بالكتاب المقدس ، وهو عبارة عن عهد قديم أو توراة ، وعهد جديد أو إنجيل ، والأناجيل أربعة  اختيرت من عدد كبير من النسخ ، وهي : ( إنجيل لوقا ، وإنجيل متّى ، وإنجيل مرقص ، وإنجيل يوحنّا ) . ويوجد خلاف بين طقوس العبادة عند اليهود ، وعند النصارى لا داعي للحديث عنها .

 وبالرغم من خلافاتهم ، فإن عداءهم للإسلام يوحدهم  مصداقا لقوله تعالى  مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام ، ومن خلاله الأمة الإسلامية إلى نهاية العالم : (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ))، سورة البقرة ، الآية 120 .

والذي يعنينا من أمر النصارى في هذه الحلقة أمران : رواسبهم العرقية ، ورواسبهم العقدية التي جعلتهم كاليهود يتخذون الإسلام عدوا لهم ، ويكيدون له كل كيد صريح ومبطن من أجل التأثير على ثوابته عند من ينتسبون إليه .

أما الرواسب العرقية بالنسبة للنصارى ، فمردها إلى  أن من اعتنقوا المسيحية من غير العرق السامي ( بنو إسرائيل )،وهم سكان أوروبا شرقها وغربها ،  يرون أنفسهم أرقى الأعراق البشرية  قديما وحديثا ، ولذلك تولدت لديهم عقدة  التميز العرقي  أو العنصرية العرقية ، وتفوقهم على غيرهم من الأعراق . ولقد اجتمعت عليهم هذه العقدة  العرقية والعقدة العقدية التي جعلتهم يعتبرون دين النصرانية هو الدين لا غير ، وغيره من الأديان  لا يقرونها بل يعادونها ، فكانت النتيجة هي عداءهم المستحكم لدين الإسلام . وقد حاربوه لقرون من أجل القضاء عليه فيما يعرف بالحروب الصليبية التي كان الباعث عليها السيطرة على بيت المقدس في أرض فلسطين باعتباره مكان مولد ومبعث المسيح عليه السلام .

ولا حاجة لذكر ما فُعِل بالمسلمين في فترات تاريخية سواء في بيت المقدس أو في شبه الجزيرة الإيبيرية أو أرض الأندلس وهي وأصل تسميتها (وندلس ) والعرب قلبوا الواو همزة ، وتسميتها نسبة إلى عرق الوندال الذي زحوا إليها من ألمانيا وبولندا .وفضلا عن فصول كثيرة  من التطهير العرقي الذي كان المسلمون ضحاياها في الماضي، ولا زالوا كذلك إلى يوم الناس هذا  .

ولم يقف الحقد  الصليبي على المسلمين، والذي مبعثه الرواسب العرقية والعقدية عند حد الحروب الصليبية، وما كان فيها من فظائع ارتكبت في حق المسلمين ،  فإن  الأمر تعدى ذلك إلى التآمر على الإسلام  بشتى أنواع المؤامرات والدسائس، منها على سبيل المثال لا الحصر العمل على التشكيك في مصداقية كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي مصداقية كل العلوم التي ترتبط بهما  والتشكيك في كل العلماء الذين اشتغلوا  على الكتاب والسنة وما ارتبط بهما . ولقد انبرت  لتلك الدسائس الكنيسة الصليبية  من خلال ما يسمى بالاستشراق الذي انكب المختصون به على التراث الإسلامي يدسون فيه كل ما  يشكك المسلمين في مصداقيته ، وقد نجح الكثير منهم في الإيقاع بالكثيرين من المحسوبين على الإسلام وتصيدهم  كي يلعبوا دور حصان طروادة  في البلاد الإسلامية ، ونشأ عن ذلك فريق من المستلبين  المحسوبين على الإسلام والمشتغلين بالفكر وبالبحث  ممن تلقفوا عن المستشرقين  افتراءاتهم على الإسلام ، وسوقوها في بلاد الإسلام  خدمة لأجندات استشراقية صليبية ، وقد أحدث ذلك أضرارا طالت ثوابت الإسلام عند ضعاف العقول والإيمان حتى بلغ الأمر بالطوابير الخامسة  حد المجاهرة بعدائهم ، وقد وظفها الغرب الصليبي اعتقادا ، والعلماني ممارسة  للقيام بهذا الدور. والتوجه العلماني الذي غزا بلاد الإسلام هو نتيجة لكراهية الصليبيين للإسلام ، وقد ظنوا أن العلمانية سلاح فعال من شأنه أن يهدم صرح الدين الإسلامي السامق ، ويقوض أركانه  ، وتصرف المسلمين عن التدين من خلال تسويق الانبهار بها من أجل تحقيق القطيعة التامة مع الإسلام .

وما أكثر الوسائل التي يعتمدها الغرب العلماني الذي يموه على رواسب عقيدته الصليبية من أجل خداع المسلمين ، وإقناعهم بأنه قد تحرر من تلك الرواسب ، وأن الصليبية  عنده لا تعدو أن تكون مجرد جزء من تراثه  التاريخي الذي لم يعد له تأثير في الواقع ، و اخترعوا  لذلك عبارة " المسيحي الممارس للتدين ، وغير الممارس له "  ، وهذا من قبيل الجمع بين النقيضين اللذين لا يجتمعان أبدا كالعدم والوجود، وعنهم اقتبس المستلبون بالعلمانية  هذه العبارة  وصاروا غ العير متدينين والإسلام مجرد تراث انتهت صلاحيته في هذا العصر، كما انتهت صلاحية كل الديانات السابقة عليه ، وقد أخلت الساحة لللادين أو للعلمانية التي نقلت البشرية من عبادة الإله إلى عبادة الذات  البشرية .

ولا بد من التذكير أيضا  بدور الغرب الصليبي في تشجيع طرق التدين المنحرفة عند المسلمين من قبيل التشيع بكل أطيافه ، ومن قبيل الطرقية على اختلاف أنواعها ، فضلا عن التحريض على الخلافات المذهبية التي فرقت حتى أصحاب المذهب الواحد إلى طرائق قددا كما هو حال  بالنسبة للمذهبين الشيعي والسني على حد سواء، الشيء الذي نتجت عنه عقيدة  التكفير أو التبديع ، وما ينتج عنهما من صراعات تكون دموية، وكل ذلك مما يشكل خطرا محدقا بثوابت الإسلام .

وخلاصة القول أن الأمة الصليبية اعتقادا ،والعلمانية ممارسة لا يقل خطرها عن خطر أمة اليهود ، علما بأنهما  يلتقيان في عدائهما الإسلام والمسلمين ،ويتجاوزان بذلك  خلافاتهما  .

ولنا عودة إلى موضوع مخاطر رواسب العرقية والمعتقدات الضالة على ثوابت الإسلام في حلقة قادمة وأخيرة إن شاء الله تعالى .  

وسوم: العدد 1096