ما أورث أمة الإسلام في هذا الزمان الفشل وذهاب الريح سوى ترك الاعتصام بحبل الله

ما أورث أمة الإسلام في هذا الزمان الفشل وذهاب الريح سوى ترك الاعتصام بحبل الله والفُرقة والتنازع والتهاون في إعداد العدة لأعدائها 

لقد أخبر رب العزة جل جلاله أمة الإسلام إلى قيام الساعة  في محكم تنزيله بسبل العزة والصولة بين أمم الأرض، فقال  عز من قائل في الآية الثالثة بعد المئة من سورة آل عمران : (( واعتصموا بحبل جميعا ولا تفرقوا )) ، وقال في الآية السادسة والأربعين من سورة الأنفال  : (( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )) ، وقال  في الآية الستين من نفس السورة : (( وأعدوا لهم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم )) .

أما السبيل الأولى للعزة والصولة في الآية الأولى، فهي الاعتصام بحبل الله . ومعلوم أن الحبل هو السبب الذي يُوصل به إلى الحاجة والبُغية ، وهو على وجه الحقيقة أداة  يُرتقى بها أو يُتدلى بها للوصول إلى منفعة كنزع الماء من الآبار العميقة  أو النجاة  والخلاص من خطر كالغرق أو السقوط والتردي في المهاوي السحيقة ، ومجازا هو كل وسيلة مهما كانت تحقق الأهداف المرجوة منها ، فيقال : حبل الأمان لأنه سبب يُوصل به إلى زوال الخوف.

 وقد جاء في تفسير ((واعتصموا بحبل الله )) أن المقصود بهذا الحبل هو الذكر الحكيم ، أوهو عهد الله تعالى وذمته كما جاء في الآية الثانية عشرة بعد المئة من سورة آل عمران في سياق الحديث عن بني إسرائيل : (( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة )) ، وقيل هو دين الله عز وجل ، كما قيل هو  جميع الأسباب التي سخرها الله تعالى  لتحقيق عزة وصولة الأمة بين أمم الأرض. وخلاصة القول في حبل الله هو ما أُنزل من عنده سبحانه وتعالى كتابا وسنة .وقد قيل إن الاعتصام المقصود هو اعتصام الأمة ، وليس اعتصام كل فرد منها على حدة . ولما كان عدم اتخاذ الحبال على وجه الحقيقة  يفضي إلى المهالك غرقا أو سقوطا وترديا ، فإن التخلي عن دين الإسلام أيضا يفضي إلى المهالك التي منها فشل وضعف الأمة، واستباحة بيضتها ، وزوالها أو ذهاب ريحها بالتعبير القرآني.

وأما السبيل الثانية للعزة والصولة، فهي ترك التنازع ، وهو تورط بين أفراد الأمة الواحدة  في الشنآن والخصام بسبب الاختلاف في الآراء والمواقف. ومعلوم أن كل جماعة يتنازع  أفرادها تصاب بالفُرقة والتشتت  المفضيان إلى الضعف والزوال أو ذهاب الريح . ولا يمكن درء النزاع إلا بطاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن هاتين الطاعتين هما صمام الأمان من الوقوع  في الاختلاف والتنازع . ومعلوم أنه لا تنازع حين يكون المنهل واحدا ، ولا مجال لطغيان الأهواء مع الكتاب والسنة .ويكون التنازع حاصلا حتما ما لم يُطع الله ورسوله . وما ينبغي  لأحد مهما كان  في الأمة الإسلامية أن يدير ظهره لقول الله تعالى : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )) ، وبناء على هذا يعتبر التنازع معصية ،لأنه انصراف عن طاعة الله عز وجل ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتكون العاقبة حتما فشلا بيّنا ، ومن تداعيات الفشل الضعف الذي  يورث ذلة وهوان ثم يفضي إلى زوال أو إلى ذهاب الريح ، وهذا التعبير القرآني في غاية دقة البيان، لأن الريح تلازمها القوة حتما ، وزوالها يكون ضعفا حتما وقد اقتبس أحد الشعراء هذا التعبير القرآني البديع  فقال :

إذا هبت رياحك فاغتنمها           فإن لكل خافقة سكونا

وأما السبيل الثالثة للعزة والصولة، فهي إعداد الأمة كل ما يلزم من عُدَّة لمواجهة الأعداء قوة، ورباطا ،وهو استعداد وتأهب دائمان  .... وغير ذلك مما يُعد قوة مادية كانت أم معنوية  لإرهابهم كي لا يتجاسروا عليها ، ولا يفكروا في مناوشتها أو مهاجمتها ، لأن الخائف أو الجبان تخور قوته، وتنعدم جرأته على من يخشاه . ولقد كان أعداء الأمة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارا من قريش أو يهودا ، أو من كانوا يوالونهم من منافقين لا يُعلمون ، وكانت تجاورها أيضا أمم  متربصة  بها لا يُؤمن شرها  من فرس وروم . ولن تعدم الأمة المسلمة  في كل زمان ، وفي كل مكان إلى قيام الساعة أعداء يتألبون عليها،  ويكون بعضهم معلوما عندها ، ويكون البعض الأخر غير معلوم كما نبه الله تعالى إلى ذلك في محكم التنزيل .وترك الأمة الإعداد لإرهاب كل هؤلاء مغامرة غير محمودة العواقب كما قال الشاعر مخاطبا من يطلب  النجاة دون اتخاذ الأسباب :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها        إن السفينة لا تجري على اليبس

وإذا ما تأملنا حال الأمة المسلمة وعددها يفوق اليوم المليار والنصف أو يزيد، وجدنها كما جاء في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم غثاء كغثاء السيل على كثرتها ، وقد تداعى عليها أعداؤها كتداعي الأكلة على قصعتهم، لأنها تركت الأخذ بأسباب العزة والصولة، وهي الاعتصام بحبل الله تعالى ، ونبذ الفرقة والتنازع ، والتهاون في إعداد القوة لمواجهة أعدائها ظاهرهم وخفيهم .

إنها في مشارق الأرض ومغاربها تركت الاعتصام بحبل الله قرآنا وسنة ، وأحلت محلهما ما شرعته أهواء أعدائها ، وجعلته دستورها وقوانينها التي توصف بالكونية، وما هي بكونية، وقد عُرفت  تحديدا مصادرها ، وعُرف من يقف من ورائها  وهم أعداؤها الذين  يفرضونها عليها  فرضا وقد تخلت عن الاعتصام بحبل ربها .

ولقد صار التنازع بين أقطارها إما داخلها أو فيما بينها دأبا، وعادة ،وعقيدة  بحيث لا يوجد شبر فيها إلا ونار الفرقة مصطلية فيه ، والخلافات والنزاعات والصراعات على أشدها تكون في بداية أمرها تهديدات وتراشقا للتهم ، ثم سرعان ما تتحول إلى مواجهات دامية تصب في مصالح أعدائها وتخدمهم ، وتوفر عليهم الجهد الذي يعدونه للهجوم عليها واستباحة بيضتها ، والمؤسف أنها تستعمل عدتها وقوتها لخدمة التنازع فيما بينها في الوقت الذي كان من المفروض أن تعدها لمواجهة أعدائها .

ولقد  تقاعست وتراخت في إعداد ما أمرها به الله تعالى من إعداد للقوة  ورباط يرهبان أعدائها ، ولم تجاريهم فيما يعدونه لها من قوة ومن رباط . والمؤسف أنه من خورها ،وتقاعسها، ومعصية ربها ورسوله  أنها قد تستورد ما تخاله  عُدّة من أعدائها  سواء من تعلمهم أو من لا تعلمهم ، ولا هي  تعلم أو لا تعلم  تواطأهم وتداعيهم عليها ، فيكون ما تستورده منهم وبالا عليها ، وتكفي الإشارة إلى ما حدث قبيل يومين أو ثلاثة  في جنوب لبنان، وهو ما دل على التقاعس البيّن في القيام بفريضة إعداد القوة من خلال استيراد ما تحوّل إلى سلاح للأعداء موجها إلى صدر الأمة.

فمتى ستفيق الأمة المسلمة من سباتها وقد طال  ، وتنفض عنها عار الغثائية التي سلبتها عزتها وصولتها ؟

وسوم: العدد 1096